د.حارث سليمان/ترسيم الحدود بين القاضي والقراقوش والقراكوز

102

ترسيم الحدود بين القاضي والقراقوش والقراكوز
د.حارث سليمان/جنوبية/20 نيسان/2021

يقول مارتن لوثر كينغ جونيور، قائد الحركة المدنية في الولايات المتحدة الاميركية، التي واجهت التمييز العنصري ضد الاميركيين من اصل افريقي:” لا أحد يستطيع ركوب ظهرك الا اذا انحنيت”.
هل يعتبر قضاة لبنان هذا التوصيف حقيقة تنطبق على معايير تبوئهم مراكز الهيئات القضائية، ونصاب محاكم العدالة؟،

وهل شرف تنفيذ القانون، وانصاف كل صاحب حق يتساكن مع الاستزلام المجهر لزعامات الاحزاب وامراء المنظومة، هل تدخل هذه الملاحظة المعيارية جنان حاملي سيف العدالة، فيتحملون حصتهم من المسؤولية في الدرك الذي وصل اليه، قضاء لبنان المستباح من قبل اهل السلطة والمال والسطوة والغواية؟

هل أن أزمة القضاء، التي انفجرت بصورة يندى لها جبين كل لبناني، هي فقط نتيجة فعل اغتصاب متماد من قبل اهل السياسة لأبرياء اتقياء، دخلوا القضاء وتوزعوا مسؤولياته، فغدوا ضحايا دخولهم هذا السلك وضاعوا به كمتاهة لا مخرج منها!؟ وهم الآن رهائن داخلها يتطلب انقاذهم ثوارا ينقذونهم من مسؤولياتهم ومناصبهم!؟

لا أدري اذا كان مشهد مظاهرتين لجماعات غاضبة؛ واحدة تنتصر لمدع عام جبل لبنان وأخرى تنتصر لمدعي عام التمييز، هي فعل اعلان موقف وراي، ام اعلان افلاس القضاء والقانون وهيبة وطن، كل هيبة الوطن، فاي قاض هذا الذي يحتاج الى الغوغاء لكي يطبق عدالته، واي احكام ستصدر باسم الشعب اللبناني، اذا كان من يصدرها يستند الى الدهماء تنصره بالهتاف و قبضات الغضب، بديلا لنصوص القانون وسلامة الاجراءات وسلوك التحفظ، وشفافية الادلة والبراهين وحيادية الاداء وموضوعيته؟

هل دق جرس الانذار في عقول قضاة لبنان الى المهانة الجماعية التي اظهرت ان لبنان تحول الى عصفورية جماعية؟

”يقال عن حق أن” اهل مكة ادرى بشعابها” ومن المهم الانصات لنادي القضاء في لبنان الذي أصدر بيانا عنوانه:وضعية سوريالية سببها ارتهان بعض القضاة واورد البيان فيما أورد….

حبذا لو صدر او يصدر القرار بإيقاف عمل كل قاض باع بثلاثين من الفضة، كرامة السلطة التي ينتمي اليها بولاءاته السياسية الفاضحة، التي تثير الشك في كل عمل يقوم به هذا القاضي، او بارتهانه للسلاطين وحيتان المال، مما يحول دون ممارسة سلطته على القوي قبل الضعيف وعلى سارق الوطن قبل سارق الرغيف.ان ما يحصل منذ سنوات وحتى اليوم يثبت ان بعض من هم في سدّة المسؤولية في السلطة القضائية او في مراكز متقدمة في النيابات العامة ليسوا جديرين بها، اما لضعفهم او لتبعيتهم او لتخاذلهم او لاستنسابيتهم في فتح الملفات او اغلاقها. يتابع نادي القضاة” اختلفت ادوات الارتهان وطرقه وكيفية استثماره، انما النتيجة واحدة، فقدان الثقة بالقضاء وبالتالي لا خلاص الا بإقرار قانون استقلالية السلطة القضائية…. (نادي قضاة لبنان).

لا حل لازمة لبنان، بل لا أمل مرتجى باستمرار سبل الحياة فيه الا ب ثورة القضاء على نفسه، اي ثورة اشراف القضاة على من جيروا القضاء الى الانحيازات القاتلة والمعيبة.

التذكير بهذا الكلام والتمثل به، ضروري وهادف، لما يجري في اروقة مؤسسة القضاء في لبنان، هو موجه لكل قاض، مرتكب، يتبع هواه السياسي، ويبحث عن ظل زعيم ليحول لقبه من قاض الى تابع، لكنه موجه أيضا لكل قاض غير مرتكب، لكنه صامت غير مكثرث لما يجري حوله، وهو موجه اضافة من باب أولى للشرفاء الذين يعلمون ماذا يجري، ويعللون سكوتهم بالعجز عن التغيير، وبعدم تناسب القوى بين ما يحلمون به من قضاء فعال ونزيه، وبين الاحمال السياسية التي تكبل القضاء وتستخدمه لمآربها وغاياتها. لا حل لازمة لبنان، بل لا أمل مرتجى باستمرار سبل الحياة فيه الا ب ثورة القضاء على نفسه، اي ثورة اشراف القضاة على من جيروا القضاء الى الانحيازات القاتلة والمعيبة، انحيازات تارة طائفية واخرى حزبية، وطورا طمعا بترقية او موقع، ورابعة نفعية مالية تهرق ماء الوجه من أجل مال او ثراء.

المطلوب اليوم هو ثورة قضاة يطلبون تغييرا قضائيا شاملا او الاستقالة، ففي هذه الثورة وحدها يتم ترسيم الحدود واعتماد المعايير التي ترفع الالتباس بين قاض وقراقوش وقراكوز.

يقول نيلسون مانديلا ايقونة الحرية في القرن العشرين : حافظ على كرامتك، حتى ولو كلفك الامر ان تصبح صديقا لجدران زنزانتك. وكرامة اي قاض اليوم هو في ثورته على هذا القضاء بغيه اصلاحه واعادة تكوينه، وفي الخروج الى الناس بموقف يبغي تغييرا شاملا او الاستقالة. نعم المطلوب اليوم هو ثورة قضاة يطلبون تغييرا قضائيا شاملا او الاستقالة، ففي هذه الثورة وحدها يتم ترسيم الحدود واعتماد المعايير التي ترفع الالتباس بين قاض وقراقوش وقراكوز.

مطلوب ان يكون مكان اللصوص والقتلة السجون طبقا للقانون وباسم الشعب، لا باسم جموع القبضات الغاضبة.

القضاء ليس مهمته تبني الاشاعات وتقاذف ملفات الفساد، القضاء مهمته كشف الحقائق والبحث عن الادلة والقرائن، واثبات الارتكاب وليس اثارة الزوابع الاعلامية، لذلك توجب أصولا تمييز التحقيق القضائي عن الشعبوية الاعلامية، كما توجب بنفس الاهمية ان يقوم القضاء بتنفيذ القانون باسم الشعب بدلا من ان يلوي عنق القوانين بناء لتعليمات السلطة وانحيازاتها، تلك هي المسألة الخيار بين تنفيذ تعليمات السلطة حماية لفسادها او تنفيذ القانون باسم شعب لبنان. نريد فاسدين تمت ادانتهم بمحاكمات عادلة شفافة محكمة، مستندة الى ادلة وبراهين وسلامة اجراءات بالشكل والمضمون، مطلوب ان يكون مكان اللصوص والقتلة السجون طبقا للقانون وباسم الشعب، لا باسم جموع القبضات الغاضبة.