شارل الياس شرتوني/الفاشية الشيعية، الاوليغارشيات المافيوية وعقدة الأفاعي

119

الفاشية الشيعية، الاوليغارشيات المافيوية وعقدة الأفاعي
شارل الياس شرتوني/25 شباط/2021

*ان المكابرة التي تحكم الاداء الشيعي، والرصيد الاخلاقي الساقط للاوليغارشيات المتحالفة وتشبث اقفالاتها، يحتم تدويل الازمة اللبنانية ووضعها في دائرة التحكيم الدولي الذي أمسى خيارا لا مفر منه.

*ان سياسة حزب الله الانقلابية ووضع اليد على مقدرات البلاد العامة والخاصة، من خلال سياسة القضم المشتركة مع نبيه بري، وادخال البلاد في خضم ديناميكيات نزاعية اقليمية مفتوحة، هو مسار مدمر لا يملك أحد ناصيته.

*جمهورية الطائف سقطت بفعل ثغراتها السياسية والدستورية البنيوية، واقفالاتها الاوليغارشية، ومفارقات تموضعاتها الاقليمية القاتلة

*خيارات حزب الله تعنيه ولن يستطيع فرضها على سواه دون الدخول في متاهات النزاعات المفتوحة وتداعياتها.

*****
ان مجرد متابعة اداءات هذه الطبقة السياسية بمختلف اجنحتها تحيل الناظر الى هذا المسرح البشع الى مشاعر حزن وغضب حيال دناءة هذه المنظومة الحاكمة. لا يمكن تصور التعاطي مع هذه الاوليغارشيات دون الاحساس بالمهانة والسقوط في سلم العلاقات الانسانية مع أناس لا يملكون، ولو بالحد الادنى، احساسا أوليا، أو مفهومًا أخلاقيًا بدائيا يؤهلهم التمييز بين المقبول وغير المقبول.

لا سبيل للتخلص من هكذا مناخات خارجا عن مراجعات تطال البنية السياسية اللبنانية، ومصادر الثقافة السياسية والمدنية، وامكانية التعايش المتحضر بغياب أفق قيمي جامع يخرجنا من متاهات العلاقات المضطربة والمهينة للكرامة الانسانية بكل مندرجاتها.السؤال المطروح دوما هو كيفية التعايش مع هذا الكم من العنف والكذب والاستباحة المعنوية، وانعدام الحس الاخلاقي والمهني، واحترام الذات والغير.

ان الخلاف مع هذه المناخات هو، أولا وآخرا، أخلاقي وهذا ما يفسر استحالة بناء علاقات سوية بين أناس ينتمون الى عوالم اخلاقية متباينة، ومكرهة على التعاطي مع بعضها البعض، في مجتمع سياسي مبني على هذا القدر من العنف المعنوي والفعلي والرداءة الاخلاقية كما تظهرها الاشكاليات الحالية.

-ان الادارة الكارثية للازمة الصحية، سواء لجهة ادارة التواصل الاجتماعي، والتدابير الوقائية والبروتوكولات العلاجية واللقاحية، وادارة الحياة الاقتصادية والتربوية، والمواصلات، والتنسيق مع القطاعات الصحية والاستشفائية والمهنية والاهلية والمدنية والحكومات والمؤسسات الدولية، تنبىء عن انعدام أهلية في مجالات الحوكمة وتدبير الموارد، والاحساس بالمسؤولية الاخلاقية والمدنية خاصة وسط تكاثف الأزمات المتنوعة وما رافقها من انهيارات بنيوية ناشئة عن سياسات النهب، وتدمير المستشفيات الجامعية الكبرى بعد عملية المرفأ الارهابية، والهجرة المتنامية في الاوساط الطبية والتمريضية.

ان اعطاء النواب اللقاح بشكل تفاضلي وعلى حساب بقية المواطنين، وخلافا للبروتوكولات المعتمدة والمشترطة من قبل البنك الدولي الذي أخذ على عاتقه تأمين اللقاحات، من ضمن سياسة مساعدة البلاد في هذه الأزمنة الحرجة، تنبىء الكثير عن نوعية الرباطات التي تجمع اللبنانيين بهذه الطبقة السياسية: القهر، الزبائنية، الاستغلال، التبعية، انتفاء المساواة الاخلاقية والمدنية، والاستباحة بكل أشكالها. ناهيك عن أهلية الوزراء التي تثير العجب أمام هذه النسبة من انعدام الكفاية المهنية، والمعرفة بالسياسات العامة، والنضج الانساني والاهلية السياسية، كما ظهرها اداء حمد حسن المخزي.

– ان التصرف بملفات الجريمة الارهابية التي دمرت مرفأ بيروت والشق الشرقي من العاصمة، وما رافقه من تلاعب بمسرح الجريمة، وممانعة في مجال اشراك الهيئات القانونية والجنائية الدولية في عمليات التحقيق، وهزالة الآلية القضائية والجنائية المحلية التي أولجت التحقيق، وما تبعها من اعتقالات مشبوهة واغتيالات وتعيينات قضائية بديلة، واملاءات حسن نصرالله حول حيثيات ومستقبل التحقيق القضائي ،تنبئنا عن احوال سلطة قضائية فاسدة وتابعة لمراكز النفوذ السياسية، ودورها في تغطية وتخريج سياسات الفساد والسيطرة، وتفكيك ما تبقى من دولة القانون في هذا البلد المستباح في كيانه الوطني والدولتي، وكرامة وحقوق وحريات مواطنيه، من قبل الاوليغارشيات المافياوية ومرجعياتها الاقليمية.

ان سياسة الترهيب المعلنة التي تمارسها الفاشيات الشيعية هي بأساس الممانعات التي حالت دون التحقيق الجنائي بعد انقضاء سبعة أشهر على العملية الارهابية ( ٢٠٠ ضحية، ٧٠٠٠ مصاب بينهم اصحاب إعاقات دائمة ، ٣٠٠٠٠٠ مسكن متضرر ومهجر ، تدمير البنيات التحتية والاستشفائية والتربوية والمهنية، وانسحاب الدولة من كل اعمال الانقاذ والمساعدة واعادة الاعمار، ومن التضامن بحدوده الاخلاقية الدنيا …)، وسوف تحول في المستقبل القريب والأبعد دون التعاطي المهني الشفاف مع هذا الملف، لذا لا بد من الذهاب الى محكمة الجرائم الدولية من أجل كسر مؤامرة الصمت التي فرضتها. أما تواطؤ مختلف اجنحة الطبقة السياسية فينعقد على خط تقاطع المصالح الاوليغارشية التي توحدهم على الرغم من التباينات التي تحيلنا الى الازمات السياسية والدستورية البالغة التي تعيشها البلاد.

– تحيلنا الأزمة السياسية والدستورية المفتوحة الى آلية التحالفات السياسية منذ بدايات حكم الطائف، في مرحلتيه السورية والايرانية، وما نشأ عنها من تفاهمات بين الاوليغارشيات التي حكمت في ظل تحكيم سياسة النفوذ السورية، وما تولد عنها من مقايضات طاولت استقلال البلاد وسيادتها على شؤونها الداخلية والخارجية، وحقوق اللبنانيين وحرياتهم، لحساب المقاطعات السلطوية والمحاصصات، والسياسات الريعية، والحيازات، وتحويل القطاع العام الى مساحة للزبائنيات، ومورد لترفيد ثروات الاوليغارشيات من خلال وضع اليد على القرار العام، السياسي والاداري، وعلى آليات المقاولات العامة، في ظل التسليم الارادي وغير المشروط بأحكام السيادة المعطلة والاستنسابية والمحدودة. لقد قامت جمهورية الطائف على قاعدة المقايضات السيادية والريعية الملتئمة على خط التواصل بين سياسات النفوذ السنية والشيعية والدرزية ومواليها في الاوساط المسيحية، والمحاور الاقليمية الناظمة للعبة السياسية الداخلية. الاستثناء الوحيد الذي شكلته ثورة الأرز ما لبث أن انتهى لحساب وصاية ايرانية خلفت الوصاية السورية، وتموضعات متجددة للاوليغارشيات داخل المنظومة السلطوية حفاظا على مكتسباتها، وريوعها، فكان الاتفاق الرباعي، وطاولات الحوار، وتفاهم بعبدا، والتسليم باستثناءات حزب الله السيادية والريوع والحيازات الشيعية والسنية، وسياسة توزيع المسالب على الموالين في الاوساط المسيحية، من خلال مداخلات سورية أو تحالفات انتهازية او مقايضات مناطق نفوذ ( وليد جنبلاط في الشوف، نبيه بري وحزب الله في بعض مناطق شرق صيدا واقليم التفاح والجنوب الاعلى…)، او استتباعات ريعية تمتد من زمن رفيق الحريري، الى زمن التحالفات الانتهازية لحزب الله داخل النسيج المذهبي السني والدرزي والحيز السياسي المسيحي، من خلال التحالف مع ميشال عون على قاعدة مقايضات سياسية ومالية، انهت الكيان المعنوي والدستوري للجمهورية اللبنانية لحساب المصالح الاوليغارشية وسياسات النفوذ الشيعية، كنماذج عن تحول المدى السلطوي الى حيز مصادر من قبل الاوليغارشيات العائلية (عائلات الحريري، بري، جنبلاط، الميقاتي، الصفدي، عون وامتداداتهم ).

كما أن سياسة اللعب على الحبال، والمواقف المزدوجة، والتسويات المصلحية القصيرة الأمد التي اعتمدتها الاوليغارشيات حيال الثنائي الشيعي (سعد الحريري، وليد جنبلاط، سمير جعجع، نجيب الميقاتي…) على أساس سياسات توزيع المسالب والمحاصصات السياسية والمقايضات المشبوهة، قد دمرت ما تبقى من كيان دستوري ومعنوي لجمهورية متهاوية.

-تضع مسألة اعادة رسملة المصارف موضع المساءلة قدرة هذه الدولة الصورية، لجهة نية اصحاب المصارف في استعادة الاموال المهربة، وتفكيك شبكات شفط وتبييض الاموال التي أوجدوها من خلال مصارف وهمية، واللجوء الى البلف من خلال احتساب ودائع دفترية فارغة، وبيع فروع لهم في الخارج، واعتماد تقسيم عمل جديد للعمل المصرفي على قاعدة الدمج والتملك، وقدرة المصرف المركزي على انفاذ قرار اعادة الرسملة، وما تثيره مناورات جمعية المصارف وما يظللها من تفاهمات اوليغارشية، وتواطاءات مصلحية مع سياسات النفوذ الشيعية الناظمة للعبة المالية القائمة، سواء لجهة تقييد سياسات الاصلاح المصرفي التي تفرضها اتفاقيات بازل الثلاث، وشفط الاموال من خلال تنازل العمل المصرفي المعلن لحساب مافيات الصيرفة التي تدير معظمها المافيات الشيعية بمعرفة وزير المال غازي وزني، والمدعي العام المالي علي ابراهيم، ومهندس سياسة شفط الاموال الاوليغارشية، رياض سلامة. سياسة اعادة الرسملة ترتبط باعادة بناء الحيثية المعنوية والدستورية لدولة صورية، تتماثل مع واقع الحسابات الدفترية، واجراء تحقيق جنائي مالي شامل يؤسس لعمل المقاضاة ومصادرة الاموال المنهوبة، على خط التقاطع بين المؤسسات الدولية والعمل الاصلاحي الداخلي.

-ان ربط لبنان بحسابات سياسات النفوذ الشيعية التي وضعها النظام الايراني على الصعيد الاقليمي هو شأن شيعي ولا شأن لبقية اللبنانيين به، وليس عليهم التأقلم مع املاءاته. على اللبنانيين الشيعة ان يبتوا به اذا ما كان للمشروع الوطني اللبناني من مكان بعد اليوم في وجدانهم. هذا السؤال تستحثه المناخات الشمولية المطبقة في الاوساط الشيعية (مع التحفظ الشديد حيال التعميم) وما تستدعيه من تطرف واستباحة للحقوق والحريات، والعنف المطبع من خلال سياسات الاغتيال السياسي، وتعمم العمل الاقتصادي المنحرف ، واستثمار الموارد العامة، والتطاول على الاملاك العامة والخاصة (الغزو العشائري)…،. ما هو السبيل لاعادة بناء دولة القانون في ظل ثقافة ومناخات نافية لها، وما تستدعيه من راديكاليات سنية مضادة تستظل سياسات النفوذ السنية المتواجهة على غير محور ( تركية، قطرية، سعودية، ارهابية جهادية… ). هذه مسائل قديمة-جديدة تستعاد مع كل السياسات التوسعية التي دفعت بها مراكز القوى الاقليمية المتوالية منذ زمن العروبيات الى زمن الاسلاميات بتصريفاتها المتنوعة، مع فارق اساسي هو نهاية النظام الدولتي العربي ومتكآته الايديولوجية والجيوپوليتيكية لحساب فراغات استراتيجية متنامية، واندثارات فوضوية، وعدمية تحول الديناميكيات السياسية الاقليمية الى دورات عنف وسياسات سيطرة مفتوحة لا أفق لها. خيارات حزب الله تعنيه ولن يستطيع فرضها على سواه دون الدخول في متاهات النزاعات المفتوحة وتداعياتها.

عقدة الحيات لا تلتئم الا على الشر المبيت والمقاصد الشريرة التي تختصر فحوى السياسات النزاعية التي دمرت هذه البلاد على مدى ستة عقود متتالية.ان نهاية هذه الحلقات الجهنمية غير ممكنة في ظل المعادلات السياسية، والجيوسياسية، والثقافات السياسية النزاعية التي سادت في هذه البلاد، واستهدفت مرتكزات الاجتماع السياسي التعددية والليبرالية والديموقراطية لحساب سياسات سيطرة وسيطرة مضادة، ونزاعات اقليمية ودولية بديلة، ومشاريع توتاليتارية ذات منابع شتى. جمهورية الطائف سقطت بفعل ثغراتها السياسية والدستورية البنيوية، واقفالاتها الاوليغارشية، ومفارقات تموضعاتها الاقليمية القاتلة.

هذه الخلاصة الاستقرائية لا تعني مساءلة ارادة السلم الاهلي ولا رفض المقاصد الوفاقية التي مهدت لها، بل تستحث عملا متجددا من أجل هندسة دستورية وسياسية يبنى على أساسها عقد اجتماعي جديد مع بداية المئوية الثانية، اذا ما قيضت لها الحياة.لن تستطيع البلاد بناء حيثية وطنية ودولتية متجددة ما لم يصار الى بلورة تفاهمات تفصيلية في المجالات السياسية والعامة والجيوسياسية تخرجنا من دائرة العنف، الى سياق تاريخي يجدد الولاء للقيم الليبرالية والتعددية والديموقراطية التي انطلق منها المشروع الوطني اللبناني بمندرجاته القيمية والسياسية التي عبرت عنها الحراكات المدنية بشكل لافت.

ان سياسة حزب الله الانقلابية ووضع اليد على مقدرات البلاد العامة والخاصة، من خلال سياسة القضم المشتركة مع نبيه بري، وادخال البلاد في خضم ديناميكيات نزاعية اقليمية مفتوحة، هو مسار مدمر لا يملك أحد ناصيته. ان المكابرة التي تحكم الاداء الشيعي، والرصيد الاخلاقي الساقط للاوليغارشيات المتحالفة وتشبث اقفالاتها، يحتم تدويل الازمة اللبنانية ووضعها في دائرة التحكيم الدولي الذي أمسى خيارا لا مفر منه، اذا ما اردنا صيانة وتحصين السلم الاهلي والاقليمي، ووضع اصول لتسوية ديموقراطية وخيارات اصلاحية خلاصية الطابع تدخلنا في المئوية الثانية، ان شاء اللبنانيون ذلك.