فيديو حلقة برنامج باسم الشعب من تلفزيون المر ليوم الأربعاء 02 أيلول/2020، التي استضافت السيدين المخرج يوسف الخوري والباحث والأكاديمي هشام بو ناصيف وكان موضوع نقاشها الفيدرالية بما لها وما عليها مع غوص فكري وسردي ونقدي لأهم الأحداث التي شهدها لبنان منذ الإستقلال
في أسفل بعض المقالات من الأرشيف للمخرج يوسف الخوري لها صلة بالمقابلة في أعلى وهي منشورة على موقعنا
يكفينا تكاذب، الحلّ بالفدرالية!
يوسف ي. الخوري/15 نيسان/2020
نسمع كثيرًا في الآونة الأخيرة أن لبنان يمرّ في أصعب مرحلة في تاريخه، وباتت الأسباب المتراكمة التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه، معروفة من الجميع وتتكرّر عشرات المرّت يوميًا.
تقول القاعدة العلميّة أنّ حلّ المعضلات يبدا بتحديد الأسباب، لكن مشكلتنا تخرج عن المألوف، إذ أن أسبابها واضحة لكن حلولها مستعصية.
فقبل الإصلاح، واستعادة الأموال المنهوبة، والـ Haircut والـ Capital Control، هل باستطاعة أحد أن يُخبرنا؛ من أين سنأتي “غدًا” بالخبز لنحيا، والبنوك تحجز على أموالنا وأعمالنا متوقّفة؟!
ومن أين ستأتي دولتنا المُفلسة بالموارد التي تُخرجها من عجزها لتعود دولة؟ أو كيف ستنهض باقتصادنا؟ أو ما السبل التي ستُعيد الثقة ببنوكنا السائرة نحو الانهيار؟…
تساؤلات وتساؤلات، وغيرها الكثير من التساؤلات ولا جواب واحد يُطمئن. وكلما تتبعتُ أكثر تحاليل الخبراء لاستنتاج أجوبة شافية، كلما ازددتُ تشاؤمًا من النتائج التي ستوصلنا إليها المعضلة التي نحن بها.
وبينما أنا غارق في تشاؤمي، مرّت ببالي فكرة ربما تكون هي الحلّ السحري لشدّة ما هي بسيطة، الفدرالية. وفجأة استفاق “الأخْوَت” القابع في داخلي ليسألني بلهجته الكسروانية الظاهرة:
الأخوت اللي فيّي: معقولي ما حَدَش منتبه إنّو أفيش غير الفدراليي بتخلّص البلد؟
عقلي الواعي: مش وقت خْوات هلّأ، بتعرف منيح إنّو الفدرالية بعدا Tabou!
الأخوت اللي فيّي: لما تصيروا تسترجوا تحكوا فيها بتبطِّل Tabou.
عقلي الواعي: ما إذا حكينا بدّك مين يسترجي يسمع!
الأخوت اللي فيّي: بكرا بس يجوع الشعب بيسمعوا “الكبار”!
عقلي الواعي: عم بتفكّر متلي؟
الأخوت اللي فيّي: أكيد لَهْ (لا)، أنا بفكّر عا صوت عالي، إنت أوقات أبتسترجيش تفكّر…
عقلي الواعي: فكّر تا نسمع قبل ما يسمعنا حدا.
الأخوت اللي فيّي: أول شي لازم الكل يعرفوا إنّو الفدراليّي مش معناتو تقسيم، الفدراليّي “اتّحاد”..
عقلي الواعي: شو يعني هلأ!؟ عم تترجم للعربي كلمة فدرالية؟
الأخوت اللي فيّي: مش إنت قلت إنّو الفدرالية منِلْ المحرّمات، قَرِبلُن ياها عا عقلن واستعمل كلمة “اتحاد”، أزبط..
عقلي الواعي: اعطيني الزبدي وبعدين منشوف كيف نقرِّبا عا عقلن.
وراح “الأخوَت” الذي في داخلي يستعرض أهميّة تحويل النظام اللبناني إلى نظام فدرالي، فأوضح أن كل جماعة طائفية تكوّن بيئتها ضمن إقليم (ولاية) خاص بها، حيث يكون لها الحق بقوانين وثقافة وقضاء مستقلّين عن باقي المناطق وعن الحكومة المركزيّة. وأضاف أن ثلاثة شؤون تبقى موحّدة بين كل الأقاليم هي سياسة النقد، والأمن القومي (الدفاع)، والسياسة الخارجية.
“أخْوَت يحكي وعاقل يفهم” كَم ستكون نافعة هذه التركيبة الفدراليّة:
– أولًا: قانون الأحوال الشخصيّة في لبنان هو علّة العلل، في الفدرالية سوف يكون لكل إقليم قانون موحّد يناسب أهله.
– ثانيًا: في الفدرالية لا يعود هناك من مبرّر لتدّعي الأحزاب الطائفية الدفاع عن مصالح طوائفها، كون هذه الطوائف ستستقلّ عن بعضها ضمن الاتّحاد.
– ثالثًا: في الفدراليّة ستتخلى الأحزاب عن نزاعاتها الطائفية لتتحوّل إلى أحزاب تتنافس في الإنماء والإبداع، فتنشط في البلاد حياة سياسيّة وطنيّة، ويزدهر الإنتاج الصناعي والزراعي على حساب الريعية.
– رابعًا: في الفدرالية سيتاح المجال لأهل الخبرة والاختصاص الجديرين وليس للـ “متزلّمين”.
– خامسًا: في الفدراليّة سيتفرّغ الناس للعلم والشعر والفنون، وسينبذون الأحقاد الطائفية، إذ سيُزال التماس من بين الطوائف.
– سادسًا: في الفدرالية ستزول المحاصصة، ولا يعود هناك وزارات سياديّة واخرى أقلّ شأنًا، ولن تتعطّل الإدارة بحجّة تطبيق قاعدة الـ 6 و 6 مكرّر…
– سابعًا: في الفدرالية لن يخاف المسيحي من خسارة امتيازاته نظرًا لتقلّص عدد أبنائه، ولن يكترث السنة والشيعة بنفوذ أوسع كون أعداد مواطنيهم إلى ازدياد وتفوّق.
– ثامنًا: البنوك لن تستعيد ثقة اللبنانيين – مهاجرين ومقيمين – بأقل من عقد من الزمن أو ربما اثنين، في الفدراليّة ستكون هناك فرصة ليشكّل كل إقليم نظامه المصرفي الشفاف الذي يتناسب مع تطلعات أبنائه، فيجذب الودائع ويُحيي الاستثمارات.
– تاسعًا: في الفدرالية سيتحرّر لبنان من الضغوطات الدولية والتأثيرات الإقليميّة، لا بل سيُصبح في قائمة الاهتمام والعناية الدولييّن، فعلى سبيل المثال لا الحصر، نحن اليوم ميؤوس من امكانيّة منحنا هبات وقروض لننهض من أزمتنا، لأن الغرب يعتبر حزب الله “منظمة إرهابيّة”، والخليج السنّي غير مستعد لمساعدة لبنان الواقع نحت السيطرة الإيرانيّة، وحزب الله الشيعي والأحزاب اليسارية العقائديّة عاجزون عن تقليص سطوة النظام المصرفي الليبرالي الذي يعتبرونه عميلًا للغرب، لأن السنّة والمسيحيّين والدروز– ولو تستّتر بعضهم – هم داعمون لليبراليّة المصارف (وليس للمصارف نفسها)!
في الفدرالية سيستقّل المسيحيّون والسنة والشيعة والدروز عن بعضهم، عندها لن تمانع دول الخليج من مساندة المنطقة السنيّة، وستستمر ايران بدعم المناطق الشيعيّة، ولحفظ موطئ توازني له في الشرق الأوسط سيهّب الغرب لمساندة المسيحيّين شرط أن يساند هؤلاء بعضهم. إذًا بالفدرالية سيأتي لبنان الدعم والاستثمارات من جهّات مختلفة ومتناقضة عوض أن يبقى مجمّدًا، وستدور العجلة الاقتصاديّة بنشاط وحيويّة، ويعمّ الازدهار والبحبوحة.
– أخيرًا وليس آخرًا: في الفدرالية يستطيع مَن يُريد تحرير القدس وشنّ الحروب على إسرائيل، ان يفعل ذلك بإرادته وعلى حساب ملّته ومن دون أن يزعج الآخرين، وليتعاطى بهذا الخصوص مع سلطة البلاد المركزية بعيدًا عن أي نزاع طائفي بين الأقاليم.
لأخوت اللي فيّي: معي حق ولا لأ؟
عقلي الواعي: خمنت بدّك تسألني إذا عم تحلم ولا لأ؟
الأخوت اللي فيّي: فيك تشوف غير حل؟
عقلي الواعي : في واحد بس…
الأخوت اللي فيّي: (متعجبًا)…
عقلي الواعي: إذا فدراليتك مستحيلي، مصيرنا جمهوريّة الملالي الإسلاميي…
الأخوت اللي فيّي: (صارخًا) شو عم تحكي يا اخوِت؟!!!
عقلي الواعي: واحد متلك أخوِت… انضب وما بقا تسمّعني صوتك!
الأخوت اللي فيّي: شو رايَك أعرض أفكاري عالرئيس متل ما عَمَل أخوت شاناي مع المير بشير؟
عقلي الواعي: انضب!
لبنان الميثاق تتنازعه الفِدرالية من جهة، وجمهوريّة الملالى الإسلاميّة من الجهة المقابلة…
المخرج يوسف ي. الخوري/01 حزيران/2020
أن يترحّم بعضُ اللبنانيّين على المارونيّة السياسية، فهم بذلك يرومون الإشارة إلى مساوئ الحريرية السياسية (1993 – 2005)، والشيعيّة السياسية التي تضبط البلاد منذ اتفاق مار مخايل الشهير (2006).
وأن يتمسّك بعضُ اللبنانيّين باتفاق الطائف، فليس من قبيل أنّ هذا الاتفاق هو وطني ويحفظ الصيغة والهويّة اللبنانيتين، بل لأنّ أهل السنّة في البلاد يرون في خسارته تدنّيًا لنفوذهم في السلطة.
وأن ينعيَ بعضُ اللبنانيّين، وتحديدًا الشيعة، الميثاقَ الوطني واتفاقَ الطائف، فليس من باب الدعوة إلى عقد اجتماعي جديد يُخرج الوطن من تصدّعاته المذهبية، بل لأن الشيعة باتوا يشعرون أنّ قوّتهم تخوّلهم التحكّم بأمور العِباد والنهيِ في شؤون البلاد خارج شراكة الضعفاء.
الجامعُ الوحيد بين التوجّهات أعلاه، هو أنّ مقاصدَها غير وطنية، إذ بالتعمّق في فحواها، يتضح أنّ الأولى هي لسان حال المسيحيّين، والثانية لسان حال السنّة، والثالثة لسان حال الشيعة، وهو الأمر الذي إن دلّ على شيء، فهو يدلّ على أنّ كل ما يُحكى عن هويّة وطنية، أو عيش مشترك، أو ميثاق وطني، بات اليوم وبعد مئة عام على قيام لبنان الكبير: مواربة وكذبة ليس إلّا.
تُشير المعطيات أنّ لبنان الجمهورية والصيغة في أزمة، وهو عرضة إلى التنازع على إرثه بين صيغتين متناقضتين: واحدة تشدّه باتجاه أن يتحوّل إلى “جمهوريّة ملالى إسلامية”، وفي المقابل تعمل واحدة ثانية المستطاع لتحويله “دولة اتّحادية” (فِدرالية).
جمهوريّة الملالى الإسلاميّة جاهزة للإعلان وهي لا تحتاج أكثر من كبسة زرّ.
الفِدراليّة جاهزة هي الأخرى، ولا تحتاج أكثر من النيّة في استبدال صيغة العيش المشترك بصيغة جديدة هي الاتّحاد الوطني. حسب الظاهر اليوم، لبنان هو دولة مستقلّة.
في الباطن وحسب الواقع، هو أقرب إلى فِدراليّة طوائف غير متّحدة، يوازن بينها ويسيّر شؤونها على وقع استراتيجيّاته العليا، رجلُ دينٍ شيعي يتبع لولاية الفقيه، ويرتكز على ترسانة سلاحه وعلاقاته الإقليمية.
يُشبه وضع لبنان الحالي الـ statu quo الذي ساد فيه حين كان مقسّمًا إلى ولايات طائفيّة مستقلّة تحت الحكم العثماني السنّي، لكن مع فارق واحد ألا وهو أنّه في زمن العثمانيّين كانت تركيبة لبنان واضحة، بينما اليوم هي مقنّعة.
إنّ أشدّ ما يحتاجه لبنان في المرحلة الراهنة، هو رفع القناع عنه، والإقرار بأنّه غير موحّد إلّا بالشكل. وإذا كان لبنان الميثاق والعيش المُشترك هو فعلًا إلى أُفول كما يرى الكثيرون، فلا بدّ أن تنتصر نهائيًّا إمّا جمهوريّة الملالى الإسلامية، وإمّا الفِدرالية. فبهذا يُصبح بإمكان كل لبناني ان يلحق مصيره: القبول والبقاء، أو الرحيل.
خيار جمهوريّة الملالى الإسلاميّة:
لا يُخفي منظّرو العقيدة في حزب الله أن الوصول إلى لبنان جمهورية إسلامية هو من مشاريعهم المنشودة، ويبسّط نائب الأمين العام للحزب، الشيخ نعيم قاسم، الموضوع بقوله: “لا يُمكن لأي مُلتزم إسلامي… إلّا وأن يكون مشروع إقامة الدولة الإسلامية أحد التعابير الطبيعية لالتزامه الإسلامي…”، ويدعو الشيخ قاسم “إلى اعتماد النظام الإسلامي على قاعدة الاختيار الحر والمباشر من الناس، لا على قاعدة الفرض بالقوّة”.
يُشبه هذا السعي إلى نظام إسلامي بأسلوب “ديمقراطي”، سعيَ ثورة 17 تشرين إلى انتخابات مبكّرة بالأساليب السلمية، فلا النظام الديني يتوافق مع الديمقراطية، ولا الحركات الثورية تتوافق مع السلمية. فمّما لا شك فيه، أنّ جرأةَ حزب الله على الدعوة لقيام نظام إسلامي في مجتمع طائفي تعدّدي، هي ثورة بحدّ ذاتها، وعليه، فإنّ هكذا نظام لا تتحقّق إلّا بالقوة والفرض. في حال وجدت طريقها من دون معارضة باقي الطوائف، ستكون حدودها كامل الـ 10,452 كلم مربع.
أمّا إذا تمّت مواجهتها، فستُدخل البلاد في حرب مذهبية، قد توصل إلى تقسيم فعلي لمساحة لبنان الكبير بين أكثر من كانتون طائفي، بحيث تُعلَن جمهورية الملالى الإسلاميّة ضمن نطاقِ أحدها.
خيار الدولة الفِدرالية:
إن نفور الكثير من اللبنانيّين من طرح الفِدرالية، لا يعدو كونه اعتقادًا خاطئًا بأنّ الفِدرالية هي مشروع لتقسيم بلادهم وفَصلِهم عن بعضهم، وما ذلك إلّا نتيجة لاستسهال اللبنانيّين تكرار الشعارات الفضفاضة كالببغاء، عوض أن يصرفوا جهدًا بسيطًا للتعمّق في باطن الأمور للتمييز بين ما هو حق وما هو محرّم. اللبنانيون يعترضون على الفِدرالية وهم يعيشون فيها، وهي تشكل نمطًا لحياتهم اليومية ولدقائق أمورهم، ولا ينقصها سوى أن تُثبّت في دستورهم.
الفِدرالية هي في تاريخنا، منذ العهد الفينيقي، لكنّها لم تُسمَّ بالاسم. وهذه بعض الإشارات إليها:
مدننا الفينيقيّة الساحليّة، من طرابلس حتّى صور، كانت مستقلّة عن بعضها، وكانت كلّ مدينة تتمتّع بسيادتها الخاصة ضمن ما يُعرف بالدولة المدينة (Cité-État).
جبالنا كانت ملجأً لمجموعات إثنية مختلفة ارتضت أن تعيش بالقرب من بعضها بما يُشبه اتّحادًا بين الطوائف.
كان لبنان في الزمن العثماني مقسّمًا إلى ولايات مستقلّة عن بعضها، جبل لبنان، صيدا، بيروت، طرابلس…، وكان لكل ولاية حيثيّاتها الطائفية، وتقاليدها الاجتماعية وقضاؤها الخاص…
لبنان الكبير قام على أساس قبول الطوائف العيش معًا. لكن لبنان هذا، ما كان ليتحقّق بحدوده المعروفة، لولا عمليّة الضمّ التي جمعت، بنوع من فِدراليّة جغرافيّة، ساحلَه وجبلَه وسهلَه.
جرّبنا كلبنانيّين الوحدة طيلة مئة عام، ليتبيّن أنّنا أخفقنا على المدى الطويل، وما إخفاقنا إلّا نتيجة لعجز طوائفنا عن الانصهار تحت راية وطن، إذ بقيت الأولوية في ولاءاتنا للتحزّبات الطائفيّة.
هذا امرٌ لا يُفاخَر به في القرن الواحد والعشرين، وقد يكون عَيبًا بحدّ ذاته، إنّما العيب الأكبر والأخطر، بعد كلّ ما مرَرنا ونمرّ به، هو أن نبقى متنكّرين لعدم نجاح تجربة الوحدة، ورافضين للتغيير رأفة بأجيالنا الناشئة.
في المحصّلة،
يبقى لبنان الصيغة والميثاق في وجداني، وكلّي إيمان أنّ الشعب اللبناني سيظهر واحدًا موحّدًا إذا رفعنا عنه نير طائفيّة الأحزاب، لكن إذا كان لا بدّ أن يتجدّد النظام اللبناني وليس أمامنا سوى الاختيار بين جمهوريّة الملالى الإسلاميّة والفِدرالية، فأنا أختار الفِدرالية لأنّها ببساطة تجمع اللبنانيين ولا تفرّقهم حسبما يزعم البعض.
(غدًا مقالتي بعنوان: “الفِدرالية تجمع اللبنانيّين ولا تفرّقهم”، مع شواهد حيّة بأنّنا نعيش اليوم في فِدرالية مقنّعة)
الفِدراليّة تجمع اللبنانيّين ولا تفرّق بينهم…
المخرج يوسف ي. الخوري/02 حزيران/2020
يُصرّ البعض، ولغايات نجهلها، على تصوير النظام الفِدرالي وكأنّه الشيطان الرجيم والأداة الصهيونيّة لتقسيم لبنان، وهذا منافٍ للمنطق والعلم والمعرفة.
فإذا كانت الفِدرالية نظامًا يقسّم، فنحن إذًا مقسّمون لأنّنا فعليًّا نعيش في فِدراليّة مقنّعة.
أمّا وأنّنا غير مقسّمين ونعيش في دولة واحدة، فهذا يعني أن الفِدرالية لا تقسِّم، وقد تشكّل منفذًا للبنانيّين إلى اتّحاد حقيقي يجمع بينهم إذا تمّ تثبيتها في دستور.
بين كسروان وطرابلس:
زرت طرابلس قبيل عيد الفطر برفقة اثنين من أصدقائي، وكانت نقطة انطلاقنا من كسروان. بين كسروان وجبيل صادفنا أربعة حواجز للدرك تدقّق بنمر السيارات (مجوز – مفرد) وبإجراءات الوقاية من “كورونا”.
وصلنا إلى طرابلس، فوجدنا الشوارع والأسواق مكتظّة. لا أحد يلتزم إجراءات الوقاية من “كورونا”. الناس تتصافح وتتبادل القبل ولا تلتزم المسافة الاجتماعية. نمر السيارات في الطرقات مجوز ومفرد والدرك لا يتدخّلون.
كنّا الوحيدين الملتزمين بالوقاية، وكان كلّ منّا يضع كمامة وفوقها وِقاء شفاف من البلاستيك يُغطي كامل الرأس.
لا أبالغ إذا قلت أنّ أبناء المنطقة هناك كانوا ينظرون إلينا وكأنّنا مخلوقات فضائيّة، حتّى أنّ أحدهم رفض أن يكلّمني قبل أن أنزع الكمامة عن وجهي!
هذا من جهة، أمّا من جهة أخرى فأسعار المواد الغذائية؛ والخضار؛ والفاكهة؛ واللحوم والأسماك، لا تتجاوز أسعارها الـ 50% من أسعارها في منطقتنا. ربطة الخبز 1400 غرام اشتريناها بـ 1000 ليرة فقط. نحن يومها عشنا وكأنّنا انتقلنا من بلدنا إلى بلد آخر تُدير شؤونه سلطة غير السلطة التي نحن نخضع لها. وهذا ما قصدته في المقدّمة حين قلت أنّنا نعيش في فِدرالية مقنّعة.
الشواهد كثيرة على أنّنا نعيش في فِدرالية، وهذا بعضٌ منها:
– استقلال حزب الله بقراراته ضمن الدولة اللبنانية هو نوع من الحكم الفِدرالي.
– إجراءات حزب الله المتفوّقة لمواجهة “كورونا”، وحصرها ضمن مناطق بيئته الحاضنة، هي نوع من الإدارة الفِدرالية.
– منع الكحول، في بعض المناطق اللبنانية، وإتاحتها في مناطق أخرى، هو إجراء فِدرالي.
– اعتداء أهالي لاسا على أناس من خارج بلدتهم، ومنعهم من الزراعة والاستثمار فيها، هو حماية فِدرالية لخصوصيّة مجموعة إثنيّة ضمن منطقتها.
– تُشير وسائل الإعلام اللبنانية إلى زعماء الأحزاب الطائفية بأسماء المناطق التي يسكنونها، ميرنا الشالوحي؛ بيت الوسط؛ عين التينة؛ معراب؛ المختارة؛ بنشعي،… وهذا يُشعرنا كأنّنا نعيش ضمن فِدرالية مناطقيّة.
– توزيع المقاعد في مجلس النوّاب اللبناني، مناصفة بين المسيحيّين والمسلمين، ونسبيًّا بين طوائف كل من الديانتين، يندرج ضمن مفهوم الفِدراليّة الطائفيّة.
– خطة إنشاء ثلاثة معامل لإنتاج الكهرباء، يقع أحدها في منطقة تحتضن بيئة شيعية، والثاني في منطقة بيئتها مسيحيّة، والثالث في منطقة بيئتها سنّيّة، لهي ضرب من ضروب فِدرالية الطوائف.
– بمراجعة خلاف نوّاب الأمّة حول إقرار قانون العفو العام، يتّضح أن كل طائفة في لبنان، هي بيئة مستقّلة بذاتها. المسيحيّون يريدون العفو عن المنفيّين إلى إسرائيل ولا يقبلون به عن الإسلاميّين الذين خاضوا معارك ضد الجيش اللبناني. السنّة يُريدون العفو عن الإسلاميّين بأي ثمن. الشيعة يُريدون العفو عن تجّار المخدّرات ولا يقبلون بالعفو عن المُبعدين إلى إسرائيل. هذا النوع من التباين سيبقى موضع خلاف وتناحر وتعطيل للقوانين وهدر لمقدرات الدولة، ولا يُمكن معالجته إلا بفصل المكوّنات المتناحرة عن بعضها، لتُصبح كلّ منها قادرة على التعبير عن وجدان بيئتها باستقلالية ومن دون الوقوف على آراء آخرين. هكذا أمر يتحقّق بالفِدرالية.
“انتفاضة العلم”:
غداة قيام ثورة 17 تشرين، حين كانت الأحداث في ذروتها، كتبت الصحافيّة نضال أيّوب مقالة باللغة الفرنسية عنوانها:la revanche du drapeau (انتفاضة العلم)، اختصرت فيها الثورة بقيامة العلم اللبناني وسيادته في كل الساحات والتظاهرات، بينما اختفت منها الأعلام الحزبية بالكامل. بدوري، جذبني العنوان وحمّستني المقالة على مقاربة ظاهِرَة العلم في ثورة 17 تشرين. تناقشت بالموضوع مع الصحافية أيّوب، فتبيّن لي أن “انتفاضة العلم” بهذا الشكل البارز، انّما هي نتيجة عامل نفسي لدى معظم المحتجّين.
عندما كانت التحرّكات الاحتجاجيّة والمطلبيّة تحصل في ساحة مركزية واحدة، كما في أزمة الزبالة عام 2015، كان مناصرو الأحزاب والحراكات المدنيّة، يندفعون إلى الساحة وفي أياديهم أعلامهم الخاصّة قبل العلم اللبناني، وهذا الأمر ناجم عن إرادة باطنية لدى كل فريق أو حزب لتثبيت حضوره أمام الآخرين، لا بل للتمايز والنأي بجمهوره عن الآخرين.
في بداية ثورة 17 تشرين، اختلفت الصورة بمجرّد أن التظاهرات انتقلت من ساحة مركزيّة واحدة في العاصمة، إلى ساحات مناطقيّة على طول وعرض الوطن. بنزول كل مجموعة من الناس ضمن منطقتها، انتفت حاجة الأفراد للتمايز عمّن يقفون بقربهم، لأنّهم جميعًا ينتمون إلى نفس البيئة، وعلى الأرجح يعرفون بعضهم ويتّصلون بروابط عائلية واجتماعية.
أما بالنسبة للأعلام الحزبية، فغابت عن ساحات الثورة بالرغم من مشاركة عناصر حزبيّة في التظاهرات: أولًا لأنّ الأحزاب هي طائفية، ونفوذ كل حزب ينحصر ضمن المناطق التي يسكنها أبناء طائفته. فعندما يتظاهر الحزبي، في منطقته، بين أهله وضمن بيئة طائفته، لا يحتكّ بأفراد من الأحزاب والطوائف الأخرى، وبالتالي لا يعود بحاجة إلى رفع علمه الحزبي لتثبيت حضوره. وثانيًّا لأن الثورة نأت بنفسها عن الأحزاب.
بنتيجة تقصّينا حركة المتظاهرين في الساحة المركزيّة وحركتهم ضمن مناطقهم، توضّح لنا التالي:
إن التظاهرات في الساحة المركزية لم تكن نتائجها فاعلة وقويّة كما نتائج تظاهرات 17 تشرين التي توزّعت ضمن المناطق.
في الساحة بدا المتظاهرون أقلّ تماسكًا، إذ كانت أجهزة السلطة تستسهل السيطرة عليهم وتشتّتهم من خلال اللعب على تناقضاتهم الحزبية والطائفيّة.
بينما في المناطق كانت المهمة أصعب، إذ ينتشر المتظاهرون على مساحة كبيرة، مما يتطلّب جهدًا إضافيًّا من القوى الأمنيّة لضبطهم، ناهيك عن تضاؤل إمكانية اختراقهم من قبل أجهزة المخابرات لأنّهم من البيئة نفسها. وللبرهان، بالرغم من تراجع ثورة 17 تشرين في الآونة الأخيرة، فإنّ تأثيراتها لم تختفِ، وآثارها متجلّية في تخبّط السلطة وأجهزتها بالرغم من اعتقاد البعض بأنّ هذه الثورة انتهت.
إذًا:
في الساحة المركزية: تتعزّز التناقضات الحزبية. تتشعب التحزّبات وتقوى على الولاء للوطن. تضعف الحركات الاحتجاجية. تنتهي الاحتجاجات في غضون ساعات. تعلو الأعلام الحزبيّة على العلم اللبناني.
في المناطق ضمن البيئة المستقلّة: لا مكان للصراعات. الولاء مطلق للوطن. المناطق تناصر بعضها بغض النظر عن انتماءاتها. التردّدات قوّية ومن الصعب لجم فاعليتها. المكان للعلم اللبناني وليس إلّا العلم اللبناني.
واستنتاجًا، الساحة المركزية تُشبه نظامًا مركزيًّا. الساحات المناطقيّة تُشبه نظامًا فِدراليًّا. الأولى تضمّ شراذم ولاؤها للأحزاب وللخارج. الثانية متضامنة وتدافع عن بعضها وولاؤها للبنان.
هذا ما عنيناه في عنواننا ” الفِدراليّة تجمع اللبنانيّين ولا تفرّق بينهم”، وما ورد من حقائق في مقاربتنا الحاضرة، لا بدّ أن يُعتبر في أي صيغة للبنان جديد.
“إلى السلاح يا مواطنون”، هي العبارة السحريّة التي حوّلت، بدقائق قليلة، فقراء فرنسا والمغلوب على أمرهم، من أناس خانعين خاضعين، إلى ثوّارٍ يُحرّرون بلادهم من ظلم الطغاة ليُضْحوا النموذج الملهم لكل ثوّار العالم بعد العام 1789.
المخرج يوسف ي. الخوري/29 آب/2020
أواسط القرن العشرين، إستُلْهِمَت، من مآسي الشعوب المقهورة، شرعةُ حقوق الإنسان، وأنشئ مجلسُ الأمن والأممُ المتّحدة على إفتراض أن يُساعدوا المقهورين في الأرض ويُوفِّروا لهم هناءة العيش من دون عنف وسلاح. بيد أنّ صوت السلاح ظلّ طاغيًا، وحقوق الإنسان غالبًا ما تكون غير فاعلة، والأمم المتّحدة مسيّسة بحقّ “الفيتو”.
الفقر، الجوع، كذبُ الحكّام ومراوغاتهم، قمع الحريّات، إنحطاط الفكر، إنحلال الأخلاق، هي دوافع أساسيّة لحمل السلاح، لا سيّما حين يعتقد الحاكمون، كعندنا، أنّ السماء تُمطر بينما الشعب يبصَقُ في وجوههم، وأنّ المنظّمات الدوليّة لا تتحرّك إلّا بعد أن يستشري الفساد ويتمّ اللجوء إلى السلاح وتُهدر الدماء.
تُشير المعطيات إلى أنّ أسلحة غير شرعية لأطراف غير حزب الله ستظهر، وستتسبّب بإهراق دماء!
السلاح الفردي المتفلّت تسبّب ويتسبّب بـ: تصفيات جسديّة، عمليات خطف، إشكالات مختلفة يتخلّلها إطلاق نار، إشتباكات مع الوحدات الأمنيّة خلال المداهمات والمطاردات…
السلاح الفلسطيني: لم يجرِ بعد نزعه من المخيّمات بالرغم من الإتّفاق على هذه الخطوة منذ إتفاق الطائف، وبالرغم من شملها في القرارين الدوليَيْن 1559 و1701.
السلاح الشيعي: لم يُطبّق عليه إتفاق الطائف، ولم يخضع للقرارين 1559 و1701، وهو موزّع في أكثر من نصف لبنان بين حركة أمل وحزب الله.
السلاح السنّي: يتعزّز أكثر فأكثر ويومًا بعد يوم، وأقرب دليل على ذلك هو الأسلحة المتوسّطة والخفيفة التي خرج بها عرب خلدة أخيرًا لمقاتلة حزب الله.
السلاحان الدرزي والمسيحي تحت التصرّف وقت الحاجة إليهما، والكل يتذكّر ظهور السلاح الدرزي في قبر شمون منذ حوالي السنة، والسلاح المسيحي في عين الرمانة يوم 6 حزيران 2020.
أين الجيش اللبناني والأجهزة الأمنيّة من واقع السلاح؟! أهم ينتظرون مزيدًا من هدر الدماء ليتدخّلوا؟ وما هي مصلحتهم ليغضّوا النظر عن السلاح في كلّ مرّة يظهر فيها؟ أَصَرَفنا الأموال الهائلة، ولا نزال، على المؤسسة العسكريّة لتقفَ عاجزة أمام السلاح؟! أم بنينا جيشًا في الظاهر هو وطني، لكن في عمق تكوينه هو طائفي مُعرّض في كل لحظة للإنقسام كما حصل في العام 1975؟
السلاح هنا. الدولة المفكّكة هنا. بيروت المدمّرة هنا. زعماء الحرب أنفسهم هنا. لكن بـ “كرافاتات” باهظة الثمن. فبعد إتفاق الطائف خلعوا عنهم بدلات القتال، وخرجوا من خلف متاريسهم ليُمترسوا في مواجهة بعضهم البعض على مائدة الحكم، وعلى ما تبدو الحال اليوم، لا ينقصهم سوى خلع الـ “كرافاتات” ليعودوا إلى السلاح الذي يُجيدون إستخدامه جيّدًا كما يُجيدون حماية بعضهم البعض داخل الحكم!
ربّ سائلٍ متفائِلٍ يسأل بسذاجة: “ما حاجة الزعماء للعودة إلى السلاح طالما في يدهم كلّ شيء؟” لهذا السائل أقول: “لم يعد في يدهم شيء إلّا السلاح!” فهم لم يُحسنوا إدارة الدولة. الخزينة أفرغوها، وسرقوا، بالتكافل والتضامن مع سلطة البلاد المالية، أموالَ الناس وهرّبوها! وهم، بعدما صرخ الشعب في وُجوههم “كلّن يعني كلّن”، ولم يعد لديهم ما يتقاسمونه، عادوا إلى طبيعتهم الأصليّة كذَنَب الكلب الذي وضعوه في قارورة أربعين سنة ليستوي ولم يستوِ، عادوا إلى لغّاتهم الميليشياويّة، خالعين جلودهم، مجدّدين إياها، كالحيّات! لكن، مرّة جديدة، نسأل: أين الجيش لا يقطع الطريق عليهم قبل أن يصلوا إلى السلاح؟!
أبّان حرب الـ 1975، وحين كانت الأبواب توصد أمام كل الحلول، كنّا نُدرك أن شيئًا كبيرًا سيحصل لتُفرَج. هل الحال هي كذلك اليوم؟ هل الحلّ سيأتي من خلال استخدام السلاح في الداخل؟
نعم، السلاح المتفلّت الخارج عن سلطة الدولة سيُعطي فرجًا، لكن لطغمة الميليشياويين وليس للشعب، إذ سيُتاح لهؤلاء الإمساك مجدّدًا بزمام الناس المقهورين، بقوّة السلاح والبلطجة، وبحجّة الدفاع عن أمن مجتمعٍ لبنانيٍّ ما، بوجه مجتمع لبنانيٍّ آخر…
وعليه،
ما مصير “كلّن يعني كلّن”؟ هل انتهى الحلم تحت الراية اللبنانيّة في الساحات؟ أم إنّه لم يعد من خيار أمام المواطنين الثوّار سوى الدعوة إلى السلاح؟
لا! لا، لا، لا، وثمّ لا! لا حاجة إلى السلاح في وجه السلاح، بل أنا أقول للثوّار في هذه المرحلة: “Tenez vos chevaux” أي ما ترجمته مجازيًّا “اهدأوا”! لا تتأثّروا بالأغبياء الذين يسألون على شاشات التلفزة: “أين الثورة؟” أو بالأغبياء الذين يعتقدون أنّ الثورة انتهت!
اعلموا أنّ الثورة كانت ستكون اليوم في أحسن أحوالها، لو لم تتدمّر عاصمتها بيروت.
وفي أسوأ الأحوال، تبقى حال الثورة أفضل من حال الحكّام. فهؤلاء الحكّام يعرفون جيدًا أنّهم عاجزون عن إخراج لبنان ممّا هو فيه، وهم يتمنّون أن تنجح الثورة بطردهم من الحكم، كي يأتي السقوط الكبير عن طريقها وليس بأيديهم.
لذا،
لم يعد من دور للثوّار في المرحلة الراهنة، سوى أن يتفرّجوا على انهيار طغمات الحاكمين في لبنان، سواء من خلال جرّهم البلاد إلى اقتتال مذهبي في ما بينهم، أو عن طريق تغاضي المجتمع الغربي عن منحهم رافعة دولية تُنقذهم من الفوضى التي أوقعوا أنفسهم فيها!
في كلتي الحالتين، لن ينتقل لبنان إلى مرحلة الاستقرار بعد الانهيار إلّا بتدخل دولي.
من هنا، هدف الثورة الرئيسي يجب أن يتركّز الآن، على منع الزعماء الحاليّين الفاشلين من أن يبقوا في الحكم بعد التغيير، وعلى الثوّار بالانتظار، أن يُبقوا “النار والعا”، وأن يستعدّوا للبنان جديد يتمتّع شعبه بالحريّة والإخاء والمساواة، ومتحرّر من أيّ سلاح غير شرعي مهما صغُرت ترساناته.
وللتذكير،
– لا حكومات جديدة منبثقة عن الكتل النيابية الحاليّة.
– عدم الانجرار وراء خديعة الانتخابات المبكرة، لأنّ شيئًا لن يتغيّر في النتائج، طالما لم تتخلّى عن سلاحها الجهّات التي تملك أسلحة غير شرعية، وعلى رأسها حزب الله.
– عدم القبول بأيّ انتخابات نيابيّة بحسب القانون المسخ الحالي، وعدم البحث في أيّ قانون عصري جديد قبل الانتهاء من تسلّط السلاح.
– التوجّه نهائيًّا نحو العصيان المدني لإحراج السلطة الحاكمة، وللفتِ انتباه المجتمع الدولي إلى التباين القائم بين الشعب والحكام، كي لا يأتينا من الخارج بعد اليوم مَن يقول “إن هؤلاء الحكّام منتخبون ديموقراطيًّا”.
– يجب الضغط بشتّى الوسائل لمنع أعضاء المجلس النيابي الحالي من الترشّح لولاية جديدة.
– لا يقوم حياد، ولا تنتصر ثورة، ولا يولد امل، إلّا بتنفيذ القرارات الدوليّة والمطالبة علنًا بسحب كل سلاح غير شرعي من لبنان.
فلتركّز الثورة على الثوابت أعلاه، ولن يتأخّر الوقت ليفهم الممتنعون عن قبول الحقيقة أن الثورة فعلت فعلتها وداست من العُلَا نكرانهم.
في اليوم السادس عشر بعد الثلاثمائة لانبعاث طائر الفينيق.
المخرج يوسف ي. الخوري يتقدم بإخبار إلى النيابة العامة بوجه المدعو حسن نصرالله بتهمةالتعرّض لمقام وهيبة رئاسة الجمهورية.
إخبار إلى النيابة العامة…
المستدعي: المخرج يوسف ي. الخوري
بوجه المدعو: حسن نصرالله
الموضوع: التعرّض لمقام وهيبة رئاسة الجمهورية.
17 حزيران/2020
في التفاصيل،
تجهد رئاسة الجمهورية اللبنانية في لمّ الأطراف اللبنانيّين حول طاولة وطنيّة للحوار في قصر بعبدا بتاريخ 25 حزيران الجاري، وبمجرد أن حدّدت الرئاسة الأشخاص المعنيين بهذا اللقاء الذي يُعوّل عليه كل لبناني يؤمن بوطنه ويتطلّع إلى الخروج من الأزمات التي يتخبّط فيها بأقلّ ضرر ممكن، حتّى خرج المدعو حسن نصرالله بمؤتمر صحافي حدّد خلاله كل الخطوات التي على الدولة والشعب اللبناني التزامها في المرحلة المقبلة، والسير بها، لاسيّما بما يتعلّق بمواجهة قانون قيصر الموجّه أصلًا ضد النظام السوري، ولا علاقة لنا كلبنانيّين فيه… وهو بذلك، أي المدعو حسن، يُجهض دعوة فخامة الرئيس إلى الحوار الوطني، بحيث لم يترك شيئًا للذين يودّون تلبية الدعوة كي يتناقشوا به، لأنّه يحتل بقوّة سلاحه قرار السلطات اللبنانية، ولا أحد يقوى على مناقشة توجيهاته أو التعرّض لما ينوي فعله، وهو الأمر الذي يمسّ بالسيادة الوطنيّة وهيبة رئاسة الجمهورية. ونودّ الإشارة أيضًا إلى تهجّم المدعو حسن في مؤتمره على الولايات المتّحدة الأميركية، وهي دولة صديقة للبنان، وتقدّم المساعدات العسكرية والطبيّة له، مما قد يؤثر على العلاقات الثنائية بين بلدينا، وبالتالي يحرم الشعب اللبناني والمؤسسة العسكرية ممّا تقدّمه هذه الدولة من هبات. ونذكّر نيابتكم الكريمة، أن المدعو حسن لم يخضع لأي ملاحقة أو محاكمة في العام 2006 حين أخطأ تقدير ردّ فعل دولة إسرائيل، وأختطف اثنين من جنودها الحدوديين، فتعرّض لبنان لهجمة شرسة بالحديد والنار من إسرائيل، كلّفته آلاف الشهداء الأبرياء، كما كلّفت خزينته مليارات من الدولارات لإعادة الإعمار والتعويض على المواطنين، مما لا تزال تبعاته تنجرّ علينا لغاية اليوم.
أرجو اعتبار التفاصيل أعلاه إخبارًا بحق المدعو حسن نصرالله، وحزبه الإلهي المسلّح، وكلّ من سكت عن أعماله وحروبه طيلة السنوات الثلاثين الماضية، وكل من يُثبت التحقيق أنّه روّج لمؤتمره الصحافي، أو بثه عبر أثيره، وأرّق الشعب اللبناني به طيلة ليلة أمس.
بيروت، في اليوم الرابع والأربعين بعد المائتين لانبعاث طائر الفينيق.
“خلّو النار والعا”…
المخرج يوسف ي. الخوري/11 آب/2020
*و4 آب 2020 سيكون، أو كان، نهاية السيطرة الشيعيّة وهيمنة إيران على القرار اللبناني.
*لا يصعب على المرء ملاحظة الظواهر المُشتركة بين التواريخ الثلاثة المذكورة أعلاه، وهي: “الإنفجار” و “الدمار” و “ميشال عون”.
*لم يكن صعبًا على زعماء الحرب الذين حكموا في زمن الحريريّة أن يبدّلوا ملابسهم ويؤمّنوا إنتقالًا هادئًا لسلطتهم من حقبة إلى أخرى
*اللاعبون الدوليّون والمحليّون أنفسهم هنا. ميشال عون هنا. لكن إلى أين هذه المرّة؟!
*الإنفجار هنا. الدمار هنا. نفس الذين ميّعوا الصورة حين اغتيل الحريري بمحكمة دوليّة، يُعيدون الكرّة وهم هنا.
*الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” حذّر الأميركيين من أنّ التمادي في مواجهة حزب الله سينعكس سلبًا على مَن يقوم به.
*الإنتخابات المبكرة، مهما كانت نزيهة، فهي لا تتوقّف فقط على التفوّق العددي للمناصرين، لا بل على التنظيم والقدرات الماليّة للمرشحين. وفي هذين المجالَيْن، مرشّحو السلطة سيتفوّقون على مرشّحي الثورة وسيفوزون بالأكثرية، وربما الساحقة.
على أثر حركة “ماكرون” هذه، نشطت حركة أحزاب الطغمة، والمستقلين في السلطة، وما هدفهم سوى الحفاظ على مواقعهم والإنتقال بهدوء إلى المرحلة المقبلة على حساب دمار بيروت ودماء الضحايا!
*****
في العام 1990، 13 تشرين الأوّل، كانت بيروت مدمّرة، وكان قصر لبنان الجمهوري يتعرّض لهجوم جوّي سوري، وكان ميشال عون.
في العام 2005، 14 شباط، كان إنفجار كبير في بيروت، دمّر واجهة السان جورج البحريّة وأودى بالرئيس رفيق الحريري، وكان بعده بسنة إتّفاق مار مخايل، وكان ميشال عون.
بالأمس، في 4 آب، كان إنفجار كبير دمّر ثلث بيروت، وكان ميشال عون.
لا يصعب على المرء ملاحظة الظواهر المُشتركة بين التواريخ الثلاثة المذكورة أعلاه، وهي: “الإنفجار” و “الدمار” و “ميشال عون”.
هناك أمر مشترك آخر بين هذه التواريخ، لكنّه غير ظاهر، ألا وهو أنّ كلَّا منها شكّل نهاية حقبة من تاريخ لبنان.
ففي العام 1990، كانت نهاية العصر الماروني في الحكم، ونهاية أسطورة “وجّك عالمتوسِّط”.
وفي العام 2005، كانت نهاية الحريريّة السياسيّة والإمتداد العربي.
و4 آب 2020 سيكون، أو كان، نهاية السيطرة الشيعيّة وهيمنة إيران على القرار اللبناني.
لكن،
في الإنتقال من العصر الماروني إلى الحريريّة السياسيّة، ومن الحريريّة السياسيّة إلى السيطرة الشيعيّة، كانت تنتهي حقبة وتبدأ أخرى جديدة من دون أن يتغيّر أداء السلطة، ومردّ ذلك إلى أنّه خلال الحرب التي سبقت العام 1990، نشأت زعامات ميلشياوية طائفية، تمكّنت من أن تُمسك بزمام القرار في الدولة اللبنانية، بالتكافل والتضامن وبمباركة القوى الخارجية العظمى.
خلال حقبة الحريريّة السياسيّة، أقصِيت عن السلطة مختلف زعامات الحرب المسيحيّة، ولَزَّمت القوى الغربيّة والعربيّة الأمن في لبنان لسوريا، التي تركت للزعماء غير المَقصيّين، التلهّي بالإستدانة وبالسرقة وبما سُمي إعمار بيروت.
ولم يغِب عن ذهن هؤلاء الزعماء التأسيسُ لاستئثارهم، وإستئثار أولادهم من بعدهم، بالسلطة للعقود والأجيال المقبلة، وقد أخذوا على عاتقهم رعاية حزب الله وسلاحه بحجة ردع العدوّ الصهيوني المحتل ومقاومته، من دون أن يغيب عن بالهم تقوية ذراع هذا الحزب الإلهي إلى ما بعد بعد زوال علّة بقائه.
عام 2005 كان عام التحرّر من سوريا بمسعى قلّة من المناضلين اللبنانيين المغتربين وجهادهم، وبعزم الشعب اللبناني الحرّ وحسمه وحزمه.
لم يكن صعبًا على زعماء الحرب الذين حكموا في زمن الحريريّة أن يبدّلوا ملابسهم ويؤمّنوا إنتقالًا هادئًا لسلطتهم من حقبة إلى أخرى. ولإيهام الشعب بأنّ تجدّدًا ما حلّ في البلاد، وجّهوا الأنظار إلى محكمة دوليّة بدأت ولم تنتهِ، وأعادوا إلى السلطة زعامات الحرب المسيحيّة التي تكفّلت بإعادة الإنقسام الذي كان قائمًا بين المسيحيين في نهاية الحرب، وساهمت أكبر إسهام في قسمة الشعب اللبناني بين فريقي 8 و14 آذار، لاسيّما بعد إتّفاق مار مخايل الشهير.
إنّ هذا الإتّفاق أوجد، في العلن، حليفًا مسيحيًّا قويًّا لحزب الله الذي كاد أن يُصبح مهمّشًا ومعزولًا بعد خروج السوريين، لكنّه (الاتّفاق)، في الخفاء، أطلق السيطرة الشيعيّة على البلاد، وعزّز القسمة داخل المجتمع اللبناني المتعدّد، وألهى الناس عن واقع أنّ الحكّام ما زالوا هم هم، وعن أنّهم على أتمّ الوفاق والتنسيق في ما بينهم.
ما عدا ذلك، لا يعدو كونه تمثيلية إستمرّت أربع عشرة سنة، حتّى هبّت ثورة 17 تشرين الأول، وكشفَ الشعب اللبناني ما كان مستورًا وهو يصدح: “كلّن يعني كلّن”!
ويأتي الإنفجار الكبير في 4 آب 2020! الطغمة الحاكمة تصل متأخّرة إلى العزاء لأنّها منشغلة بإعداد ملابسها للـ “عرس” اللبناني الجديد الذي يجري التحضير له في الكواليس.
فهل ينزلق الشعب وتنطوي عليه لعبة تبديل الملابس، ويفوّت فرصة الإطاحة بالمجرمين الذين نهبوا جنى أعمار الناس، وهجّروا أبناءهم، ودمّروا بيروت مرّة جديدة؟
ما نحن فيه اليوم من تطوّرات متسارعة يؤكّد، بما لا يقبل الجدل، أنّنا أمام تغيير ما حاصل لا محالة. الإنفجار هنا. الدمار هنا. نفس الذين ميّعوا الصورة حين اغتيل الحريري بمحكمة دوليّة، يُعيدون الكرّة وهم هنا.
اللاعبون الدوليّون والمحليّون أنفسهم هنا. ميشال عون هنا. لكن إلى أين هذه المرّة؟!
هل تنجح الطغمة الحاكمة بإغراء الثوّار وبجرّهم إلى صفوفها كما نجحت مع المسيحيين في العام 2005، لا سمح الله؟
وهل سيكون تدمير بيروت مجانيًا هذه المرّة أيضًا؟
ما الذي يحصل؟
فجأةً، وبعد رفضٍ مطلق لفكرة الإنتخابات المبكرة منذ إنطلاق ثورة 17 تشرين، ازدادت الأصوات المطالِبة بتقصير ولاية المجلس النيابي من داخل السلطة الحاكمة!
هذا التحوّل ليس نتيجةً لما تعرّضت له بيروت، بل هو ناجم عن حسابات إنتخابية، وهو بلا شك المطيّة لعبور السلطة القائمة، بذنوبها وخطاياها، إلى لبنان “الجديد” المفترض أن يحاكمهم وليس أن يحكموا فيه.
تُفيد معلومات خاصة وصلتني بالأمس، أنّ الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” حذّر الأميركيين من أنّ التمادي في مواجهة حزب الله سينعكس سلبًا على مَن يقوم به.
وقبل ذلك، دعا “ماكرون” الزعماء اللبنانيين إلى الإتحاد في “حكومة وطنيّة”، وأعطاهم الأمل بإفصاحه أنّ مساعدات “سيدر” لا تزال قائمة.
وفي كلمته في قصر الصنوبر، أعطى الشرعيّة للطغمة الحاكمة، متحجّجًا بأنّها منتخبة ديمقراطيًّا.
على أثر حركة “ماكرون” هذه، نشطت حركة أحزاب الطغمة، والمستقلين في السلطة، وما هدفهم سوى الحفاظ على مواقعهم والإنتقال بهدوء إلى المرحلة المقبلة على حساب دمار بيروت ودماء الضحايا!
الإنتخابات المبكرة، مهما كانت نزيهة، فهي لا تتوقّف فقط على التفوّق العددي للمناصرين، لا بل على التنظيم والقدرات الماليّة للمرشحين. وفي هذين المجالَيْن، مرشّحو السلطة سيتفوّقون على مرشّحي الثورة وسيفوزون بالأكثرية، وربما الساحقة.
فعليه،
بعد 4 آب 2020، لم يعد الوقت يلعب لصالح السلطة كما قبله. فلذا، يُتوقّع أن يستمر كرّ سبحة الاستقالات وصولًا إلى إجراء انتخابات جديدة بأيّ طريقة، لأنّ ذلك سيضمن تثبيت سطوة سياسيي المحاصصة على الحكم، ما يحتّم على مَن تبقّى من مجموعات ثوريّة متمسّكة بتقريب موعد الانتخابات، أن تعدل عن هذه الفكرة.
بسقوط حكومة دياب أمس، لم يعد هناك آليّة دستورية لتقصير ولاية المجلس النيابي.
الحفاظ على “ستاتيكو” حكومة تصريف الأعمال، سيُربك العهد والأحزاب الطائفيّة، ويُتيح للثورة مزيدًا من الوقت للاستعداد والتنظيم لكسب المعركة الانتخابيّة.
يجب إعداد القانون الانتخابي والتقسيمات الإداريّة عن طريق هيئة مستقلّة، وبرقابة دوليّة، ويجب كفّ يدّ حزب الله عن القرار اللبناني، قبل إجراء أي انتخابات.
يجب أن تضغط الثورة بشتّى الوسائل لمنع أعضاء المجلس الحالي من الترشّح لولاية جديدة، وذلك كخطوة لدفع كل الأحزاب اللبنانيّة إلى ترشيح أناسٍ من ذوي الكفاءات، وليس بتابعين يأكلون الفتات من حصص الزعماء.
يجب على الثورة عدم المسايرة وعدم نسيان المحاسبة، وعليها أن تنتبه من هؤلاء الذين يتركون السلطة اليوم، ويحاولون ركوب قطار الثورة، فقط لتأمين عودتهم إلى السلطة.
بإختصار، ومع الأخذ بالإعتبار أنّ الأمور تتّجه نحو وضع لبنان تحت وصاية دوليّة ما، تمهيدًا للتغيير الآتي في النظام، على الثورة ألّا تقع بفخّ الإنتخابات المبكرة قبل ضمان كل الموجبات أعلاه.
وبالانتظار يا ثوار: “خلّوا النار والعا”. وليعلم القاصي والداني أنّ ثورتكم تعمل للوصول إلى ديمقراطية صحيحة، لكنّها هي بالذات ليست ديمقراطية، لأنّها وببساطة… ثورة وليس لعبة غمّيضة!
في اليوم الثامن والتسعين بعد المائتين لإنبعاث الفينيق.
ملاحظة: عنوان المقالة منقول عن عنوان كتاب لموريس عوّاد.