سيزار معوض:الكاهن المجلل المعظم

198

الكاهن المجلل المعظم
سيزار معوض/24 نيسان/19

هكذا ينادونه في إحدى بلدات الشمال، وتحت هذا المسمى يمارس النفاق والرياء.. هو الذي استطاع أن يسخر مصائب الناس وآمالَهم وآلامَهم ليصبح هو مصيبتهم، بعد أن تسلق على ظهورهم واتخذهم سلما نحو الثراء الفاحش والسلطة.

(الكاهن المجلل المعظم) هو إسم لشخصية ذائعة الصيت وقادرةٍ على نيل إعجاب كثيرين يتأثرون بالكلام المعسول، هو الذي استغل ثوبه ومنصبه ومنيره الديني ليُطلق ادعاءات واسعة تخيل للمستمع البسيط تمتعه بقدرات فائقة وواسعة النطاق.

من يحومون حوله يصفونه (بالمخلص) فهو بنظرهم منبع الطاقة والقوة التي ساعدته في احتيالاته وتلفيقاته، له القدرة على مغادرة حسه وعقله وجسمه فيجمع قوى الكون الكهرومغناطيسيّة ليحصل على طاقة أقوى غير مسبوقة تخوله قراءة أفكار (المؤمنين الدراويش) والتحكم بعقولهم ومصائرهم، ناهيك عن استعباده لجواريه وموظفيه..

ورويدا رويدا بدأ صيت الكاهن المجلل يذيع وإسمه يتردد على ألسنةِ الفقراء والبسطاء والمعوزين من عامّة الناس في بلدته وجوارها، فبدؤوا بالتوافدِ عليه من مختلف القرى علّهم يجدون عندَه حلاًّ لمشاكلهم، واستشرافاً لمستقبلِهم، وإضاءةَ نصحٍ يستخلصونَها من كاهنهم.. كيف لا وهو الرّجل الذي استطاع أن يستجمع قِوى سياسية حتى اكتسب -في نظرهم القاصِر- قوّةً من قِوى الآلهة .

وعليه كان تركيز (الكاهن المجلل المعظم) على الطبقةِ الفقيرة باعتبارها كنزاً من المال على قاعدة: “السيل يأتي من قطرة”، ومنجماً للجهلِ يسمحُ له بالضحكِ عليهم واصطياد أموالهم، مستعيناً في ذلك بسياسة الضرب على وتر الخوف واستغلال الجهل.. وبسرعةٍ هائلة، تربّع المحتال على عروش الطبقة الثريّة، وصار يتكلّم بلغةِ الملايين، والكاميرات تصوّره وهو يرمم مؤسسسات ائتمن عليها ، يُلقي كلمةً هنا، ويحضر اجتماعاً هناك، يمد يده للمساعدة كما يقول، ويحاضر بالعفة والقداسة على مذبح الله…

كان من الطبيعي أن يتصدّر اسمُ الكاهن المحتال قائمةَ المطلوبين بسبب اختلاسات سابقة، احتيالات وغسل أموال، وقد استطاع أن يكوّن له امبراطوريّة كبيرةً يصعبُ اختراقُها فضلاً عن إسقاطِها، فليس الحديثُ عن ساحرٍ يعزفُ على الناي أو يمشي على الجمرِ ممن يسهلُ كشفُه أمام العشراتِ المتجمهرين، ولكن الأمرَ يتعلّق بشخصيّةٍ نافذةٍ في المجتمع لها حضورها الكبير في الإعلام والسياسة ناهيك كون المخافر في خدمته والمدعين العامين يهابونه ويخافونه..

عليه كان من الطبيعي أن يكون عنده أزلام وشبيحة داخل بيت الله وخارجه حتى أضحى مذبح الرب في خدمة مصالحه وشهواته وأهوائه.

هناك الكثير لم يرْضوا بأمثالِ هؤلاء المخادعين والكاذبين، فالباطلُ ليس على درجةٍ واحدة، فإلى متى يبقى الكاهن المسخ محمي سياسيا ويتحكم برقاب أبناء الله ويتاجر بالعباد والمعبود؟

ملاحظة: موقعنا لا يتحمل أي مسؤولية قانونية للأراء والتعليقات التي ننشرها وهي تنشر على مسؤولية كتابها.