سعت الدول دائماً إلى حماية حدودها وبناء مؤسسات داخل هذه الحدود لتضمن الأمن والرفاهية لشعوبها.
دول العالم العربي سعت إلى هذا الهدف وبعضها نجح، وبعضها فشل فشلاً ذريعاً، لكنها تتابع سعيها تحت شعار “السيادة”. إيران أيضاً، خاضت حرباً شرسة ضد العراق في ظل الرئيس السابق صدام حسين دفاعاً عن حدودها، وتحكّمت بالمجتمع الإيراني بشكل كامل، وأعدمت بدون تردد الآلاف ممن اعتبرتهم “عملاء للخارج” أو “جواسيس” أو حتى مثيري اضطرابات ومعارضين لولاية الفقيه في الداخل.
يجب أن نعترف أن هذا من حقّها كما هو من حق باقي الدول أن تسيطر على أرضها وحدودها وشعبها.
لكن ما تريده إيران لنفسها لا تريده للدول العربية.
أتحفنا النظام الإيراني منذ أربعين عاماً باستقطاب أجيال جديدة من العرب وأعطاهم عقيدة ولاية الفقيه. وتعني أن مرشد الثورة المقيم في طهران “…هو الحصيف الذي يتخذ الموقف السليم على ضوء الظروف الموضوعية التي تعيشها الجماعة الملتزمة ولايته في أي بلد من بلدان العالم..” بحسب أدبيات حزب الله، أحد أهم الفصائل المؤمنة بولاية الفقيه.
الأسوأ من هذا أن إيران زعزعت لدى أتباعها في العالم العربي فكرة الوطن والولاء للوطن، حتى إن أحد نصوص الميليشيات التابعة لولاية الفقيه يقول: “الولاء للوطن: تعبير ملتبس..”.
بذلك تصبح المعادلة أن إيران تطلب من كل الدول أن تحترم سيادتها، لكنها لا تحترم حدود غيرها، وتنشئ ميليشيات مسلّحة تابعة لها على أراضي العراق وسوريا ولبنان واليمن.
هل سمع أحدنا زعيماً من زعماء حزب الله يقول إن ولاءه للجمهورية اللبنانية، وهو ولاء أرفع من أي ولاء لأي جهة أو طرف أو سلطة أخرى؟
هل هناك تصريح لأحد زعماء الميليشيات في العراق مثل حركة النجباء يقول فيه إن الدستور العراقي يحكم تصرفاتهم والعلم العراقي هو أعلى رمز وطني لديهم؟
أم أننا نقرأ لأكرم الكعبي قوله: “نحن نتبع خط ولاية الفقيه بقيادة آية الله العظمى خامنئي، وسنكون في أي مكان يحتاج إلينا محور المقاومة”، حتى إننا لا نرى تصريحات لمسؤولي النظام الإيراني يتحدّثون فيها عن سيادة الدول العربية واحترام حدودها.
إيران لا تريد حدودنا، بل تريد التباساً في ولائنا للوطن.
إيران تريد وضوحاً في ولاء ميليشياتها لرجل الدين الساكن في طهران.
إيران تعيدنا إلى القرون الوسطى، عندما كان البابا في روما ويطلب ولاء الملوك والأمراء وشعوبهم، وكان قادراً على خلع أي حاكم في أوروبا لأن ولاء الشعوب كان للبابا وليس للحاكم ودولته.