أيها اللبنانيّون هؤلاء هُم حُكّامُكم الفِعليّون/قرار “الدولة العميقة” في مكان غير ما تعتقدون
المال ورجال الدين وعون وبري والحريري/القرار لـ”حزب الله” بعد جلاء جيش النظام السوري رسمياً
باسيل وجعجع وجنبلاط وفرنجية والجميّل ..التحالفات تغيّرت في الطريق إلى سبق الرئاسة
إيلي الحاج/نقلاً موقع مدى الصوت/30 حزيران/18
أيها اللبنانيّون هؤلاء هُم حُكّامُكم الفِعليّون! (1 من 3)/قرار “الدولة العميقة” في مكان غير ما تعتقدون
إيلي الحاج/موقع مدى الصوت/25 حزيران/18
https://alsawt.org/%D8%A3%D9%8A%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%8A%D9%91%D9%88%D9%86-%D9%87%D8%A4%D9%84%D8%A7%D8%A1-%D9%87%D9%8F%D9%85-%D8%AD%D9%8F%D9%83%D9%91%D8%A7%D9%85%D9%8F%D9%83%D9%85/
نشأت دولة لبنان جمهوريةً برلمانية وفق النموذج الفرنسي في ظل نظام الانتداب الذي استمر بعد الحرب العالمية الأولى من 1918 حتى 1943 ، ولكنه لم يتطور على غرار جمهوريات دول الغرب وأنظمتها المتعددة، بل بقي أشبه بإمارات طائفية متحدة في مراحل، ومتنازعة في مراحل أخرى، تتقاسم الدولة ومؤسساتها، بلداً يحكمه مزيج من كل شيء ويقع في أزمة عند كل منعطف، أكان انتخاباً لرئيس أو تأليفاً لحكومة، كما هي الحال اليوم، أو حتى عند إصدار قوانين ومراسيم.
هنا جزء أول من ثلاثة أجزاء:
1 - تحكم لبنان عائلات سياسية وراثية في داخل كل طائفة، من طوائف المسلمين والمسيحيين، كل منها تشارك في تمثيل طائفتها في الدولة وتتنافس مع عائلات أخرى على الحصة الأكبر من عوائد هذا التمثيل وفوائده عليها.
وحتى المنتفضون والرافضون لهذا التوارث السياسي العائلي، سرعان ما يشكلون بدورهم عائلات سياسية جديدة باسمهم، لهم ولأولادهم وأحفادهم وأنسبائهم، ما أن يصلوا إلى السلطة.
في الطائفة الإسلامية الشيعية طرأ جديد في زمن الحرب مع بروز حركة “أمل” بقيادة الإمام موسى الصدر، على أنقاض العائلات السياسية التي توارثت زعامة الطائفة، مثل آل الأسعد وآل حمادة وآل عسيران والخليل،، ثم ظهر “حزب الله” بدعم إيران في لبنان بدءاً من عام 1982، وتقاسم النفوذ مع “أمل” بعد صراع عسكري معها، وانتهى الأمر إلى سيطرته على الطائفة وامتثال حركة “أمل” له حتى الامحاء تحت شعار “المقاومة الإسلامية في لبنان”.
ألغى صعود “الثنائي الشيعي” التوارث السياسي العائلي في الطائفة الشيعية، لكنه أحل مكانها مرجعية حزبية توالي الخارج، أي إيران ولاية الفقيه. صارت هذه المرجعية المرتبطة بالخارج هي التي تحدد من يمثل الطائفة، سواء في البرلمان أو الحكومة أو في الإدارة والوظائف العليا والوسطى في وزارات الدولة ومصالحها ومؤسساتها، وحتى في الوظائف الأقل تأثيراً. من يحمل مطلباً للتوظيف في الدولة أو خدمة ما يلجأ إلى هذه المرجعية التي صارت أشبه ما يكون بدويلة غير مرئية ضمن الدولة، في خدمة مشروع يخرج طائفة من لبنان وإن بقيت فيه، لتتبع النموذج الإيراني.
إلا أن القرار الأعلى في الطائفة الشيعية يعود إلى الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، وهو الذي يقرر أن يساير رئيس حركة “أمل ” نبيه بري في القرار أم لا .
“الثنائي الشيعي” غيّر تمثيل الطائفة وأحكم القبضة.
أما في الطائفة الإسلامية السنية فقد نجحت “الحريرية السياسية” إلى حد بعيد، على يد الرئيس الشهيد رفيق الحريري، في الدخول بقوة على نادي العائلات السياسية والتغيير فيها، ومدها بكفاءات وشخصيات جديدة ما كان ممكناً أن تصل إلى مواقع في البرلمان والدولة لولا الدفع القوي الذي شكله الرئيس الشهيد. أول من يخطر في الذهن من هذه الكفاءات الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة.
ولكن خلافاً لما حصل في البيئة الشيعية اللبنانية احتفظت الطائفة السُنّية بأدوار لأبناء عائلاتها السياسية التاريخية، مثل آل سلام وآل كرامي، وإن كانت أدواراً أقل تأثيراً بل هامشية نسبة إلى السابق.
كما أن ثمة شخصيات سياسية جديدة شقت طريقها في عالم السياسة بفضل علاقات نسجتها مع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وبعده نجله بشار الأسد، والحاشية المحيطة بكل منهما خلال سنوات وصاية النظام السوري على لبنان. أبرز هؤلاء الرئيس نجيب ميقاتي الذي يبقى باعتداله وتكيفه مع الظروف “رئيس حكومة الظل” في الأذهان ما دام الرئيس سعد الحريري أو سواه رئيساً للحكومة.
عند المسيحيين أدت الحرب الأهلية الطويلة بين 1975 – 1990 إلى سيطرة من قادوا الحرب العسكرية وتحولوا سياسيين بعدها .
لذلك نرى التأثير الأكبر في هذه الطائفة للجنرال ميشال عون الذي قاد وحدات الجيش التي كانت في “المنطقة الشرقية” بلغة الحرب أيام كان قائداً للجيش ورئيساً لحكومة العسكريين الإنتقالية. وأيضاً للدكتور سمير جعجع الذي قاد ميليشيا ” القوات اللبنانية” في الحرب وحوّلها حزباً سياسياً بعد خروجه إثر “انتفاضة 2005 ” من السجن الذي مكث فيه 11 سنة و5 أشهر في وزارة الدفاع.
وبقي نفوذ وحضور لحزب الكتائب اللبنانية الذي انشقت عنه “القوات” في الثمانينيات، وأيضاً لـ”تيار المردة” بقيادة آل فرنجية التاريخية والمتوارثة. في حين ضعف جداً حزب الوطنيين الأحرار، حزب الرئيس الراحل كميل شمعون الذي يترأسه نجله دوري. وغاب عن الساحة حزب الكتلة الوطنية التاريخي أيضاً، حزب الرئيس إميل لحود والعميد الراحل ريمون إده بقرار من رئيس الحزب الحالي كارلوس إده.
-أما الدروز فحافظوا تماماً على “العائلات الحاكمة” وبالأحرى على العائلة الجنبلاطية التي تستمر في تمثيلهم وقيادتهم منذ القرن السادس عشر، بالمشاركة طبعاً مع عائلات أخرى أبرزها آل إرسلان، ويمثلها حالياً الأمير طلال إرسلان، لكن القرار الرئيسي للطائفة يبقى بيد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، رغم أنه لم يترشح للانتخابات وسلّم الدور البرلماني إلى نجله النائب تيمور.
2 - تشارك في حكم لبنان مراكز قوى عسكرية وأمنية وقضائية، مَن يسيطر عليها يسيطر على ما يمكن تسميته “الدولة العميقة”.
تُختصر هذه القوى في مؤسسات الجيش، ولا سيما قيادته، والمخابرات التابعة له، والإعلام العسكري (مديرية التوجيه). كما في الأجهزة الأمنية: قوى الأمن الداخلي ومن ضمنها شعبة المعلومات وأجهزة الاستقصاء والمباحث، والأمن العام، وأمن الدولة. وأيضاً القضاء ولا سيما المحكمة العسكرية المختصة بالقضايا التي تختص بالإرهاب والتفجيرات والأمن عموماً، والنيابات العامة في بيروت والمحافظات.
هذه “الدولة العميقة” على صلة وثيقة بـ”حزب الله”، إلى درجة أن صورة وُزعت من طريق الخطأ لاجتماع رؤساء الأجهزة الأمنية برئاسة وزير الداخلية نهاد المشنوق، أظهرت مشاركة وفيق صفا، المسؤول عما يسمى “لجنة الارتباط والتنسيق المركزي” في “حزب الله”، في الاجتماع، مما أثار ضجة كبيرة. والواقع أن كلمة وفيق صفا كما يعرف متعاطو الشأن العام، لا تُرد في لبنان، أياً يكن الموضوع الذي يتدخل فيه باسم قيادة الحزب، سواء أكان سياسياً أم أمنيا، أم غير ذلك.
من أقوى وأبرز الفاعلين في المجالين السياسي والأمني، الداخلي والخارجي، من هذه الفئة في الدولة اللبنانية، هو المدير العالم للأمن العام اللواء عباس ابرهيم.
اللواء عباس ابرهيم.
يستمد اللواء ابرهيم قوة موقعه من واقع أنه رئيس جهاز الأمن الذي صار من حصة الطائفة الشيعية، وبالتالي الطرف الأقوى فيها، أي “حزب الله” ويحظى بثقة قيادته الكاملة. كان يترأس الأمن العام – هذا الجهاز الأمني الحساس – منذ نشوء الدولة اللبنانية ضابط أو مدني مسيحي يختاره رئيس الجمهورية ويكون قريباً منه، ولكن رئيس الجمهورية الأسبق إميل لحود عيّن لهذا المنصب في بداية عهده نائب مدير المخابرات العسكرية في الجيش آنذاك، جميل السيّد ورفعه إلى رتبة لواء، وهو المعروف بالتصاقه وقربه الشديدين من النظام السوري و”حزب الله”.
منذ ذلك الحين وعلى جاري العادة في لبنان، أصبح الموقع واقعاً في حصة الشيعة، وأصبح شاغله من أقوى رجالات “الدولة العميقة” ، والأكثر فاعلية في السياسة والأمن على السواء بفعل الثقل الذي يشكله دعم “حزب الله” له.
على غرار اللواء جميل السيّد، الذي كبر دوره بانتخابه نائباً على لائحة “الثنائي الشيعي” في بعلبك- الهرمل، يتمتع اللواء عباس ابرهيم بعقل سياسي- أمني، وعلى غراره انتقل إلى منصب المديرالعام للأمن العام من موقعه السابق نائباً لمدير المخابرات العسكرية، إلا أنه ليس استفزازياً في مواقفه خلافاً للواء السيّد، وأحسن نسج علاقات مع دول العرب والغرب انطلاقاً من مسؤولياته الدقيقة، فهو كان في الجيش مكلفاً بالتنسيق مع الجيش السوري، كما مع القوات الدولية في الجنوب (اليونيفيل)، ومشرفاً على أمن المخيمات الفلسطينية والعلاقات بالتنظيمات والفصائل فيها. وعرف أن يرتبط بعلاقات جيدة مع زعماء الطوائف والرؤساء والشخصيات المؤثرة في البلاد على أنواعها، كما مع الصحافيين والإعلاميين.
ويعنى الأمن العام عادة بجمع كل أنواع المعلومات السياسية والأمنية والاقتصادية، ومسائل ضبط الحدود والدخول إلى لبنان والخروج منه والإقامات، وجوازات السفر، وشؤون اللاجئين الفلسطينيين والسوريين وسواهم، والتعاطي والبعثات الأجنبية في كل ما يتعلق بالتسهيلات والتنسيق الأمني، ومكافحة الأحزاب والتنظيمات الممنوعة، إلى جانب مراقبة وسائل الإعلام والصحف والأفلام السينمائية. وقبل أشهر أثيرت ضجة في لبنان وخارجه حول اكتشاف مركز تنصت وقرصنة على الإنترنت ووسائل التواصل، الواتس أب وغيره، شملت نشاطاته 22 دولة، وقيل إنه يعمل من مكان تابع وملاصق للمقر الأمن العام في منطقة المتحف. لكن الأمن العام أصدر نفياً لذلك.
وكان دور جهاز الأمن العام تضخم مع اللواء عباس ابرهيم إلى مستوى تأمين التنسيق بين قيادتي “حزب الله” وقيادة الدولة اللبنانية على مستوى اتخاذ القرارات، كما ظهر في معركة “فجر الجرود” التي شنها الجيش اللبناني من جهة الحدود اللبنانية، وميليشيات “حزب الله” مع جيش النظام السوري من جهة الحدود السورية ضد مسلحي تنظيمي “داعش” و”جبهة النصرة”. فقد أبلغ ابرهيم رئيس الجمهورية ميشال عون بتوصل “حزب الله” إلى اتفاق لوقف المعركة مع المسلحين وتأمين نقلهم في باصات مكيفة إلى منطقة دير الزور في سوريا، فامتثل الجانب اللبناني مما أثار امتعاض الخبراء العسكريين والديبلوماسيين الأميركيين الذين كانوا يواكبون المعركة وساهموا مساهمة كبيرة في الإعداد لها وتوفير مقومات نجاح الجيش اللبناني فيها من دون أخطاء.وعندما علت الاحتجاجات على مرسوم التجنيس الرئاسي الأخير كان اللواء ابرهيم ملجأ الإنقاذ بتفوضه التدقيق في أسماء المشبوهين. وهو الذي تكفّل تغطية القرار بعدم ختم جوازات سفر الإيرانيين عند دخولهم لبنان وخروجهم منه.
وكان اللواء عباس ابرهيم كُلّف مراراً بمهمات في سوريا مع النظام، وفي تركيا وقطر وسواهما لإطلاق معتقلين مؤيدين لـ”حزب الله” أو من بيئته ( قضية أسرى أعزاز، على سبيل المثال).
وجدير بالذكر أن الأجهزة الأمنية، المختلطة في تركيبتها إجمالاً، يبقى كل منها ممهوراً بولاء غير معلن أو تبعية لطائفة، بمعنى أنها انعكاس لتقاسم المواقع والحصص في مجلس الوزراء ومجلس النواب والإدارات. فالأمن العام كما جاء ذكره محسوب للشيعة، وقيادة قوى الأمن الداخلي، ولا سيما شعبة المعلومات للسُنّة، وأمن الدولة للمسيحيين، ومديرية المخابرات مختلطة شيعية – مسيحية- سنية، الشرطة القضائية للدروز. ويفترض تالياَ أخذ موافقات زعماء كل طائفة عند تعيين مسؤول عن الجهاز الذي يتبع لها. إلا أن لـ”حزب الله” فوق حصة الشيعة، بفعل الأمر الواقع وتأثيره في قرارات الدولة، ميزة وضع “فيتو” على من لا تروق سيرته أو سياسته وخلفياته للحزب حتى لو كان من غير الطائفة الشيعية.
وتكمن قوة “التفاعل الموجَّه سياسياً” بين الأجهزة الأمنية والقضاء في القدرة على التوقيف والسجن وإطلاق السراح وتخلية السبيل أو طي ملفات الملاحقة بناءً على طلبات الفاعلين المؤثرين في السلطة. ويحصل أحياناً أن يكون تدخل وزير مسؤول عن جهاز في الداخلية أو عن المؤسسات القضائية أضعف من تأثير “الدولة العميقة”، والتي تتجلى توجهاتها في مجال القضاء تحت عنوان “المصلحة العليا للدولة”.
وباستثناء عدد من القضاة النزهاء والذين يغلبون ضميرهم ، وهم لا يجدون طريقاً إلى الترقية والمواقع الرئيسية عادة لافتقادهم الدعم السياسي. يمكن القول ببساطة إن لا استقلالية حالياً للقضاء في لبنان.
الجزء الثاني: دور مراكز القوى المالية والمؤسسات الدينية في حكم الدولة.
إيلي الحاج/كاتب صحافي وناشر “الصوت”