روزانا بومنصف/بين أزمة الحريري وأزمة الاستحقاقات اللبنانية النظام السوري على خط مقايضة لمصلحة بقائه؟

113

بين أزمة الحريري وأزمة الاستحقاقات اللبنانية النظام السوري على خط مقايضة لمصلحة بقائه؟
 روزانا بومنصف/النهار/18 تشرين الأول 2016

حين اتفق الرئيس سعد الحريري مع النائب سليمان فرنجية على دعم ترشيحه للرئاسة العام الماضي، وبدا النائب الزغرتاوي قاب قوسين او ادنى من الوصول الى قصر بعبدا، ثم ظهرت ملامح مراوحة، توجه أحد السفراء المؤثرين المعتمدين في لبنان بالسؤال الى طرفي الاتفاق عما اذا كانا على ثقة بأن المراوحة التي قد تكون منذرة بالتعطيل لا تتصل بعدم الرغبة في وصول الرئيس الحريري الى رئاسة الحكومة او اخضاع هذا الاحتمال للمقايضة. مع اتجاه الرئيس الحريري الى دعم انتخاب العماد ميشال عون، برز كلام واضح على عودة الحديث عن رأي سوري او شروط سورية، فيما اعتبر كثيرون ان بشار الاسد في حكم المنتهي، وان “حزب الله” الذي اصبح المرجعية البديلة والمقررة باعتبار انه ساهم في انقاذ الاسد ونظامه من الانهيار، سيجد من مصلحته أيضا دعم مرشحه الاساسي الذي ينادي به منذ اكثر من سنتين.

الكلام على عودة تأثير او نفوذ سوري يتزامن مع استعادة الأسد معنوياته بناء على الدعم الذي تقدمه له روسيا على الصعد العسكرية والديبلوماسية، وهو في ظل استبعاده من أي مفاوضات على حلب او سواها يجد لبنان بوابة يستخدمها لإعادة إثبات حضوره ونفوذه، ولا سيما بعد إظهار الحريري الاستعداد لانتخاب عون، وفي ظل ظرف لم يعد يحتمل على مستوى البلد ولا على صعيد واقع الحريري نفسه. هل من المصادفة أن المملكة السعودية لا تعطي دعما أو تغطية علنية أو ضمنية للحريري في دعمه عون، ولا هي تتبنى اندفاعا نحو هذا الخيار، ام أنها لا ترغب في أن تدفع اي ثمن من اي نوع كان لقاء رئاسة الحريري، لأن ذلك سيفتح الباب على مساومات سيسعى اليها النظام السوري مدعوما من طهران، من أجل الحصول على ضمانات لهما في سوريا عبر التسليم ببقاء الاسد في الدرجة الاولى، وربما بيع المعارضة وما الى ذلك. يسأل سياسيون مطلعون بعدما كشفت محاولة الحريري دعم فرنجية اولا ثم احتمال دعم عون أوراق الجميع.

ليس اكيدا أن مسعى الحريري لفصل أزمة الاستحقاقات اللبنانية عن أزمة سوريا وأزمات المنطقة سيكلل بالنجاح، إنما بدا واضحا أنه سيكون معرضا للابتزاز على المستوى الشخصي، كما يمكن ان تخضع رئاسته للابتزاز الاقليمي خصوصا أنه بين مرشحين لقوى 8 آذار كان هو الجامع المشترك في الحالين. ولا تزال الممانعة في انتخاب الرئيس العتيد من هذه القوى، في ظل شروط تطفو على السطح بدلا من أن تهرع هذه القوى في الاحوال العادية من أجل التقاط الفرصة للاتيان برئيس لها. لا بل رفعت شروط ومطالب بتفاهمات يتعين في رأي كثيرين على الحريري أن يطالب بها، لانه هو من سيكون في موقع الخطر والتفريط بجمهوره وكتلته، وليس الآخرون من يتعين عليهم طلب التفاهمات التي تتعدى مسألة تسهيل تأليف الحكومة وقانون الانتخاب.

لذلك يبرز السؤال: هل العراقيل التي طفت على السطح هي داخلية فقط، أم أنها ترجمة لمطالب سورية واقليمية من أجل تحصيل مكاسب عبر لبنان وفق ما كان يفعل النظام السوري دوما بلبنان خصوصا في ظل لحظة صعبة تتمثل في اهتراء واقع المؤسسات اللبنانية وضرورة إيجاد مخرج عبر انتخاب رئيس جديد قبل موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، بحيث يعتقد أن الدول المعنية المهتمة بإيجاد حل للواقع اللبناني قد تكون مستعدة لدفع الاثمان في مقابل ذلك. ومن هنا اقتناص هذه اللحظة سوريا وفق ما يعتقد، وبدعم من “حزب الله” الذي يعتقد انه يستطيع لو اراد ان ينقذ لبنان من هذه المساومة، لولا انها تأتي لمصلحته على صعد متعددة، خصوصا لجهة اعادة تثبيت سلطة الاسد او ضمانات للتخلي عن المطالبة برحيله.

يسهل رمي كرة الرئاسة بين الافرقاء الداخليين، لأن لكل منهم مصالحه المباشرة ايضا، وهناك الكثير من التعقيدات التي لم يبددها التقارب العوني الحريري ولا الاختيار المدروس لعبارات “التيار الوطني الحر” على طريق قصر بعبدا. فالاجواء الحالية ليست أجواء مخاض للرئاسة بل يعتقد سياسيون معنيون انها اجواء مسمومة ومرضية لن توصل الى رئاسة صحيحة ومنقذة للوضع. وفي حال أدت الى رئاسة للجمهورية راهنا لسبب ما، فإن التناقضات لن تلبث ان تطفو على السطح وتفجر البلد.

فمن جهة ليس اكيدا ان الانتخابات الرئاسية في هذه الحال ستفرج البلد وسيأتيه بالسلم، وليس اكيدا أيضا ان الحريري الذي تحرك تحت وطأة ضغط هائل على اكثر من صعيد سيكون قادرا على دفع الاثمان التي ستترتب على رئاسته الحكومة في ظل هذه الاجواء، كما ليس اكيدا ان رئيس الجمهورية العتيد، إذا كان العماد عون، يمتلك قدرة الاستيعاب التي اظهرها في خطابه المقتضب الذي القاه الأحد، في الوقت الذي فهم من تظاهرة تياره انه يمكن ان يستخدمها في الاتجاه المعاكس في حال عدم انتخابه. هذه المظاهر ليست جوهرية في تخفيف وطأة الاجواء الملبدة والعصبية، ولو انها توجه رسائل طمأنة. واذا كانت المعطيات تشيع شروطا سورية جدية وفق ما يبدو، فمن غير المرجح ان يتمكن الحريري من السير بعون لما يترجمه ذلك من تنازلات محتملة وضغوط مباشرة لا يتحملها الشارع السني الذي لا يظهر تساهلا حتى الان، خصوصا متى كانت هذه الرئاسة على وقع مطالب للنظام السوري تحديدا.