مؤشرات متلاحقة تستبعد أي تبديل وشيك “السلّة” تتحول هاجساً في حسابات التأزيم
روزانا بومنصف/النهار/20 تموز 2016
يتوقع مطلعون سياسيون ان يطول غياب الرئيس سعد الحريري بضعة اسابيع اضافية عن لبنان في ما يؤشر الى ان الامور السياسية المتصلة منها في شكل خاص بموضوع انتخابات الرئاسة ستراوح مكانها لمزيد من الوقت من دون اي مؤشرات على حلحلة قريبة لان لا كلام او بحث جديا على الصعيد الداخلي على رغم بعض الجهود، فيما هو كان عاد الى بيروت لبضع ساعات ابان زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت حيث التقاه في قصر الصنوبر قبل ان يعود ويغادر مجددا على رغم معرفة الحريري مسبقا بأن جهود الوزير الفرنسي لن تلقى اي نتيجة.
وثمة مؤشر آخر على عدم احتمال حصول اي تقدم هو التداول على نطاق واسع لاحتمال التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي سنة اضافية خلال شهر آب المقبل وهي قضية لا تزال تندرج من ضمن الاطار المعقول والممكن لاستمراره على رأس القيادة العسكرية للجيش. وقد يفهم كثر ان احدى اولى الزيارات التي قامت بها سفيرة الولايات المتحدة الجديدة في لبنان اليزابيت ريتشارد بعد ايام قليلة على وصولها برفقة قائد عسكري اميركي رفيع المستوى للعماد قهوجي وما يرمز اليه في هذه المرحلة بالذات لجهة دعم الجيش واستمرارية قوته تشكل دليلا على انه قد يكون صعبا التصدي للتمديد لقائد الجيش تحت اي ذريعة في ظل عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية بحيث يتولى مجلس الوزراء تعيين قائد جديد للجيش فور تشكيل حكومة جديدة بعد انتخاب الرئيس.
واعتبر بعض السياسيين موقف وزراء “حزب الله” في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء من ضرورة السعي الى اقرار الموازنة وتحييد الوضعين المالي والاقتصادي عن الاشتباك السياسي المستمر بمثابة مؤشر بارز الى ان اي دينامية اخرى لن تتوافر للوضع اللبناني اقله في المدى القريب بحيث يخشى على البلد ان يغرق في ازمة اقتصادية اكثر حدة في الوقت الذي ليس من مصلحة الفريق الشيعي ان يكون مسؤولا عن ذلك فيما وزير حليف يتسلم وزارة المال ايضا. ومع التطورات الاخيرة في تركيا وان كانت تعزى الى اسباب داخلية تتصل بمحاولة عسكرية انقلابية على الرئيس رجب طيب اردوغان لم تنجح، فان ما تواجهه تركيا قد يساهم في الدفع اكثر نحو الاصرار اكثر من السابق على تأمين الحماية اكثر فاكثر للبنان نظرا الى عدم الحاجة الى مركز اضطراب آخر في المنطقة وعلى استمرار التهدئة الداخلية بعيدا من اي تشنج او تصعيد، اذ ان المشهد التركي لم ينته فعلا بعد ولا يملك احد ان يعرف اتجاهاته الاخيرة ولو ان مؤشراته بارزة على هذا الصعيد.
وفي اي حال، فان المشهد الداخلي يذهب قدما نحو مرحلة اضطرارية سيتعين فيها على القوى السياسية، كما يرى هؤلاء المطلعون، ان يعيدوا مختلف الحسابات الداخلية والاقليمية على قاعدة التحسب للأسوأ اي التمديد غير المحدود لمرحلة الانتظار وفق برمجة تلحظ تقدم اولوية الحفاظ على الاستقرار في الحدود القصوى المتاحة ما دامت كل الطروحات التجريبية والمحاولات الجارية للنفاذ من الازمة السياسية والرئاسية اصطدمت بعقبات لا تبدو قابلة للمعالجة. ويستند هؤلاء في تقويمهم القاتم ولكن الواقعي الى ان المعطيات الحقيقية المتوافرة عشية الجولة المقبلة من الحوار المحددة بثلاثة ايام في عين التينة ابتداء من الثاني من آب المقبل لا توفر مناخا يبعث على الرهان على امكان ان تطلق هذه الجولة مسارا انفراجيا ولو في حدود التوصل الى ارضية معقولة لتوافق على ملف قانون الانتخاب الذي بات الربط شبه محكم بينه وبين آفاق البحث عن تسوية رئاسية.
ويرصد هؤلاء باهتمام الى التناقضات التي تحكم مواقف القوى السياسية من مبدأ “السلة المتكاملة” للحل التي يسود حولها انقسام لا ينحصر ضمن التحالفات العريضة التقليدية وانما يتمدد الى صفوف بعض المتحالفين بين بعضهم البعض ايضا. اذ لم يعد خافيا ان طرح السلة يثير مزيدا من التوجس لدى معظم افرقاء 14 آذار وسط انسداد افق المرونة لدى “حزب الله ” خصوصا حيال المحاولات الاخيرة لحلحلة الازمة الرئاسية، وهو الامر الذي جعل رئيس مجلس النواب نبيه بري يتكبد تداعيات هذا التجاذب في برمجته للحوار على اساس حل العقدة تلو الاخرى فاذ بالربط بين الملف الرئاسي وملف قانون الانتخاب يهدد بمزيد من تعقيد الامور في الملفين. كما ان المطلعين انفسهم يلفتون الى ان الاقتراب التدريجي من العد العكسي لاستحقاق الانتخابات النيابية، الذي سيبدأ مناخه يرخي بذيوله على مجمل الواقع الداخلي بعد اشهر قليلة، سيكون من شأنه حشر الجميع في زاوية اختبار لعله الاشد دقة وخطورة على المستوى الدستوري. ذلك ان انسداد الافق امام حلحلة الملف الرئاسي بات يشكل الطبعة المنقحة تماما للوصول الى الاستحقاق النيابي من دون التوافق اولا على قانون انتخاب جديد ومن ثم ادماج كل ملفات التعطيل وجعلها مترابطة تماما من دون قدرة احد على الفصل بينها بما يفرض شروطا قسرية يستحيل التكهن بتداعياتها من الآن. ولذا يخشى هؤلاء المطلعون من ان يكون استنزاف الوقت احد العوامل الرئيسية الجاري استخدامها بما ينهك الجميع لدى بدء سريان العد العكسي للانتخابات النيابية التي ستضع النظام الدستوري امام محك شديد الخطورة وفق معادلة شبيهة بالمعادلة الحالية المتبعة في الازمة الرئاسية التي وقفت القوى السياسية عاجزة امامها. فماذا يمكن ان تجترح الحوارات الجارية من مخارج ما دامت كل محاولات احداث ثغرات تدور على نفسها؟