اميل خوري: لا خروج للبنان من الأزمات الرئاسيّة والحكوميّة إلاّ بالعودة إلى الدستور والنظام الديموقراطي

125

لا خروج للبنان من الأزمات الرئاسيّة والحكوميّة إلاّ بالعودة إلى الدستور والنظام الديموقراطي
اميل خوري/النهار/12 تموز 2016

يعيش لبنان زمن الأزمات منذ أن أبدل سياسيون العمل بالنظام الديموقراطي الأكثري ببدعة “الديموقراطي التوافقي” الذي يستمر اعتماده الى أن يتم التوصّل الى إلغاء الطائفية السياسية، وعلَّقوا العمل ببعض بنود الدستور بحيث أصبحت الموافقة على المواضيع الأساسية التي نصّت عليها المادة 65 منه في حاجة الى توافق ولا تحسم أحياناً بتصويت الثلثين لئلاّ تأتي النتيجة كسراً لطرف… وهكذا بات انتخاب رئيس للجمهورية يحتاج إلى توافق وإلا واجهت البلاد أزمة انتخابات رئاسيّة، وهو ما تواجهه اليوم خلافاً للمادة 49 من الدستور ونصّها: “ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السرّي بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي”. وبات تشكيل الحكومات يحتاج أيضاً إلى توافق على تمثيل كل القوى السياسية الأساسيّة، معارضة منها وموالية، ليصح وصفها بحكومة “الوحدة الوطنية” التي لا وحدة بين أعضائها كونهم اضداداً ولا رأي واحداً لهم في كثير من المواضيع التي تطرح في مجلس الوزراء. وقد أثبت هذا النوع من الحكومات فشله فكانت غير منتجة ومهدّدة في كل لحظة بالانفجار من الداخل. في حين أن المادة 64 من الدستور تنص على: “يجري الرئيس المكلف الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها، وعلى الحكومة أن تتقدّم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها، ولا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلّا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال”.

إن تشكيل حكومة بالتوافق فرض على الرئيس المكلف الوقوف ليس على رأي كل حزب أو تكتل، إنّما على القبول بمن يسمّيه الحزب أو التكتل وزيراً وحتى حقيبته، وهل تكون خدماتية أم سيادية… فيصبح دور الرئيس المكلف مجرد ضابط اتصال بين الأحزاب والكتل من جهة وبينه وبين رئيس الجمهورية من جهة ليطلعه على حصيلة اتصالاته واستشاراته. وهذا ما جعل تشكيل الحكومات يستغرق وقتاً يفوق أحياناً السنة فتبقى مصالح الناس مؤجلة أو معطّلة. وها أن التوافق بات مطلوباً أيضاً على قانون الانتخابات النيابية وممنوع حسم الخلاف في شأنه بالتصويت لئلّا تخل نتائجه بالميثاق الوطني، وبالوحدة الداخلية إذا جاءت لمصلحة طرف ضد طرف آخر. في حين أن الدستور ينص بمادة الـ 65 على أن قرارات مجلس الوزراء تتخذ توافقياً وإذا تعذّر ذلك فبالتصويت، ويتخذ قراراته بأكثرية الحضور. أما المواضيع الأساسية فإنها تحتاج إلى موافقة ثلثي عدد أعضاء الحكومة المحدّدة في مرسوم تشكيلها، وقانون الانتخاب هو من هذه المواضيع، وقد تعذّر التوافق عليه حتى الآن على رغم مرور سنوات، وهو يقتل درساً، ولا يحسم الخلاف في شأنه بالتصويت كما كان يحصل في الماضي عندما كان لبنان يحكم بموجب النظام الديموقراطي والدستور وليس بالاجماع كما صار مطلوباً باعتماد بدعة “الديموقراطية التوافقية”.

لذلك فإن لبنان إذا ظل يحكم بالديموقراطية التوافقية الى أن يتم الاتفاق على إلغاء الطائفية السياسية، فإنّه قد لا يشهد استقراراً سياسياً وأمنياً واقتصادياً، وسيواجه عند كل استحقاق أزمة لا يستطيع الخروج منها إلاّ بمؤتمر طائف جديد أو بمؤتمر دوحة أو بقرار دولة خارجية نافذة. فلا بد إذاً من العودة الى الدستور في انتخاب رئيس للجمهورية بحيث يفوز من المرشحين من ينال أصوات الأكثرية المطلوبة من النواب، وان يتم تشكيل الحكومة بالتشاور مع الأحزاب والكتل وبالاتفاق مع رئيس الجمهورية. وعلى من لا تعجبه التشكيلة حجب الثقة عنها لأن الاصرار على تشكيل حكومة توافق تجمع الاضداد ينهي دور المعارضة النيابية ولا يعود في الامكان محاسبة الحكومة ولا مساءلة وزير مرتكب. لقد كان رؤساء الجمهورية في الماضي ينتخبون بأصوات الأكثرية المطلوبة عندما يتعذر التوافق، والحكومة كانت تُشكّل من أكثرية تحكم وأقليّة تعارض الى أن تصبح الأكثرية أقليّة والأقليّة أكثرية في انتخابات حرّة ونزيهة، وكانت القوانين ومنها قانون الانتخاب عندما يتعذّر التوافق عليها يحسم الخلاف حولها بتصويت الثلثين. أما وقد أصبح التوافق وحده هو المطلوب حرصاً على الميثاق الوطني وعلى الديموقراطية التوافقية ما دامت الطائفية السياسية لم تلغَ، فإن لبنان لن يخرج من أي أزمة يواجهها الآن ومستقبلاً، ولا عودة لسير عجلة الدولة بانتظام، إلا بالعودة الى الدستور وليس بجعله شبه معلّق، كي يصير في الامكان، وكما كان يحصل في الماضي، انتخاب العماد ميشال عون بتأييد أحزاب وكتل، أو انتخاب منافسه النائب سليمان فرنجية أو أي مرشّح آخر ترى الأكثرية النيابية وجوب انتخابه. أما أن يظل كل مرشّح يعطّل جلسة الانتخاب خوفاً من أن يفوز سواه بالرئاسة، فأقل ما يُقال في ذلك إنه خيانة وطنية خدمة لخارج أو لمن يريدون شرّاً بلبنان.