الموصل ليست الفلوجة، ولا يمكن تكرار الانتهاكات الإنسانية
أسعد البصري/العرب/29 حزيران/16
بالرغم من الألم الذي خيم على المنطقة بسبب الانتهاكات وحرق البيوت والمقابر الجماعية ومعاناة النازحين بعد أحداث الفلوجة، فإننا لا نستطيع سوى التخلي عن المشاعر والعودة إلى العقل. في النهاية لن تسمح الولايات المتحدة بأي خلل في موازين القوى بين الدول المركزية الثلاث في المنطقة وهي تركيا وإيران والسعودية. لا صحة لإمكانية تحرير الموصل قريبا كما صرح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي من مدينة الفلوجة وهو يرفع العلم العراقي. رئيس الاستخبارات المركزية الأميركية جايمس كلابر كان قد صرح قبل شهرين بأن الولايات المتحدة لن تستعيد الموصل خلال هذا العام، وربما يستمر الصراع لعقود.
كما أن تجربة الفلوجة قد هزت العالم العربي والإسلامي لإصرار الحكومة على الاعتماد على المرتزقة الإيرانيين وعلى المسلحين في الحشد الشعبي. الموصل يصل عدد سكانها إلى ثلاثة ملايين وقد ذكر محللون أميركيون أن الدواعش سيتخذون من المدينة الكونكريتية درعا لهم في حالة الحرب.
إن حرب شوارع كهذه في مدينة كبيرة بين الميليشيات الشيعية والدواعش قد تجر المنطقة بأسرها إلى حرب طائفية، وهو ما لن تسمح به الولايات المتحدة على الإطلاق. السفير الأميركي السابق في بغداد، زلماي خليل زاده، كان قد حذر دول المنطقة من الحروب الدينية، ومن أن سياسة إيران العدائية قد تؤدي إلى انهيار كبير، ولكنه أشار إلى أنه لا يمكن التفكير في ردع إيران دون إشراكها في الحلول المناسبة. وذكّر العرب بمأساة حرب الثلاثين عاما في أوروبا القرون الوسطى بين ملوك الكاثوليك وملوك البروتستانت، التي لم تنته إلا باتفاق وشراكة بين أطراف الصراع في “اتفاقية وستفاليا”. العالم يعرف التعقيد الذي أدى إلى ظهور داعش، فالسفير زلماي خليل زاده قال بأن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي كان مهووسا بفكرة الانقلاب السني عليه من قبل الضباط البعثيين، لهذا لم يتردد بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق عام 2011 في تسريح الضباط السنة وتعيين ضباط سياسيين “دمج” غير حقيقيين بدلا عنهم.
كما أنه لم يتردد في سحب السلاح من القبائل السنية والصحوات وقطع رواتب الآلاف منهم والاستغناء عن خدماتهم. هذا الظرف تصاعد مع الطبيعة الطائفية للحكم ليتحول إلى اعتصامات واحتجاجات ثم إلى انضمام الضباط والمسلحين الناقمين إلى تنظيم إرهابي مثل “داعش” للانتقام من الحكومة وسقطت الموصل بيدهم عام 2014.هذا كله مفهوم لدى السياسيين الأميركان، ولكن زلماي خليل زاده قال إن الحل في العراق متعلق بالحل في سوريا، ونحن نرى بوادر مصالحات بين تركيا وروسيا وبين تركيا وإسرائيل، مما يعني تعاونا أكبر للدول الأساسية المعنية بالشأن السوري لإنهاء الصراع الذي دام خمس سنوات.
لا توجد إمكانية لتحرير الموصل هذا العام، هذا يبدو مستحيلا، إلا إذا تم حل الصراع في سوريا. كما أنه لا يمكن تحرير الموصل بالمرتزقة والميليشيات المنفلتة التي تحرق البيوت وترتكب الإبادة الجماعية.العالم كله على علم بجريمة الصقلاوية والتصفيات العشوائية للمئات من الرجال. لا يمكن لهذا السيناريو أن يتكرر في الموصل، ولا أعتقد بوجود أمل في تحرير الموصل هذا العام. النفوذ الإيراني في تصاعد بالمنطقة، فقد اعتمدت السعودية على تقارير أميركية تفيد بأن القادة الشيعة في العراق يتذمرون من النفوذ الإيراني، ويرفضون الإذعان لإرادة دولة واحدة، وأن إيران لا تعاملهم باحترام. حاولت المملكة العمل على مد جسور مع الشيعة العرب وهؤلاء القادة، إلا أن التجربة كشفت عن زيف هذه التقارير، وأن إيران تعمل بمنظومة معقدة شيعية في العراق بينها أعلى درجات التنسيق. هذا وتحقق ما توقعناه من اندفاع القادة السنة العراقيين نحو إيران.
مأدبة إفطار رمضانية أقامها المفتي العراقي الشيخ مهدي الصميدعي للسفير الإيراني في بغداد، كذلك مدير الوقف السني الشيخ عبداللطيف الهميم يبدو قريبا من السفير الإيراني، وهناك أيضا أنباء عن لقاءات في طهران عقدها وجهاء وشيوخ قبائل سنة عراقيون. الجديد أن هذا التقارب السني مع إيران يحظى بتأييد شعبي، فقد كشفت معاناة الفلوجة عجز العرب في الوصول إلى النازحين وتقديم المساعدة لهم بسبب التدافع السياسي مع إيران، لهذا يفكر السنة في الحصول على حماية إيرانية تخفف من معاناتهم الإنسانية خلال الحرب على داعش. لا نريد الحديث عن خيبات الأمل السعودية بشيعة العراق التي انتهت بتعليق صور الشيخ السعودي نمر النمر على الفلوجة وإعلان حسن نصرالله مشاركة حزب الله في التحرير وقصف المدينة بصواريخ النمر.
السيد مقتدى الصدر (القائد الشيعي العربي الذي يلبس الكفن كما فعل القادة التاريخيون في مقاتل الطالبيين وسيقود لواء التمرد على إيران) صرح مرتين؛ مرة بأنه لا يحق للسفير السعودي ببغداد زيارة السجون العراقية واعتبر ذلك تدخلا في الشؤون الداخلية، والتصريح الأقسى هو الدعوة إلى مظاهرات ضد البحرين على خلفية سحب الجنسية من المعارض البحريني الشيخ عيسى قاسم. لم يكتفوا بذلك، بل أشاعوا خبرا غير صحيح عن مشادة بالأيدي مع القنصل السعودي في بغداد مشعل العتيبي مع أهالي “شهداء” الحشد الشعبي. حيدر العبادي لم يكن أقل إيلاما للعرب بإعلانه الميليشيات كمؤسسة حكومية، وأن الجنرال الإيراني قاسم سليماني موجود تحت أسوار الفلوجة بصفة قانونية كمستشار عسكري للحكومة العراقية، بعد أن كان وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي يسخر من السياسيين العرب لسنوات، ويقول لهم لا يوجد شيء اسمه سليماني وأنه تجول في كل العراق ولم يسمع أو يرى هذا الجنرال.هذه الصورة موجعة ولا شك، وتدل على رغبة إيران في تأزيم الوضع الداخلي للعراق والمملكة العربية السعودية، كما أن الشيعة لا يريدون للنصر على داعش أن يكون نصرا للمملكة بالمشاركة معهم في مكافحة الإرهاب. لهذه الأسباب، أعتقد بأن عمليات تحرير الموصل ستكون مختلفة، وأن السعودية ستكون حاضرة في قرار كبير كهذا، لأن تكرار العذاب الإنساني في الفلوجة على نطاق أوسع في الموصل، لا شك في أنه سيقود المنطقة إلى حرب وأزمات داخلية. أهل الموصل يمنون أنفسهم اليوم بأن الأكراد سيقومون بحمايتهم من الحشد، يعتقدون أن الهرب باتجاه البشمركة هو الخلاص إذا تقدم المرتزقة الإيرانيون وشيعة ميليشيات الحشد الشعبي (وليس الجيش العراقي) نحو المدينة.