كشف الخلاف الأخير بين الرئيس سعد الحريري ووزير العدل أشرف ريفي حقيقية العلاقة بين أبناء الصف الواحد، وبدأ اللواء السابق كمن يحاول حمل راية قوى “14 آذار”، التي تخلى عنها الجميع، خصوصا أنه لطالما عبّر عن امتعاضه من سياسات تيار “المستقبل” الانبطاحية، ومن نهجه التسووي والتنازلي.
في الخطوط السياسية العريضة، كما في الأمور التفصيلية، يصرّ ريفي على إظهار نفسه متمايزاً عن تيار “المستقبل”، وعن الحريري، وهذا ما يثير حفيظة قيادات “المستقبل”، الذين يعتبرون أن اللواء يتعاطى مع الأمور بشكل عسكري حاسم، غير قابل للتنازل أو السياسة، فيما يذهب آخرون إلى وصف ما يقوم به بالمزايدة على ولّي الدم. لا ينطلق ريفي من الحسابات الضيقة ولا الحسابات المصلحية الشخصية. وهذا ما يؤكده في أوساطه، وفق ما تشير مصادر “المدن”، لأنه يعتبر أن ما يقوم به مبني على قناعات أرساها الرئيس رفيق الحريري، وهو وفي لهذا الخط والنهج، وغير مستعد للمساومة، أياً تكن المكاسب السياسية التي قد تجنى من التنازلات. مع إطلاق الحريري لمبادرته الرئاسية بترشيح رئيس تيار “المردة” النائب سليمان فرنجية، كان ريفي أشرس المعارضين، وأول من أطلق النار علناً على هذه المبادرة، واصفاً إياها بالإنتحار السياسي. قبل ان يباغت بإطلاق سراح ميشال سماحة. وعلى الرغم من البعد الشخصي لهذه القضية بالنسبة إلى ريفي، إلا أنه يؤكد أن ما يقوم به هو دفاعاً عن الناس، وعن كرامة فريقه السياسي وعن الدماء التي هدرت أو كانت ستهدر. وينفي أن تكون مواقفه تنطلق من حسابات شخصية، لكن هذا الامر لا يستقيم بالنسبة إلى المستقبل الذي يرى فيه طموحاً لأكثر من مجرد مقعد وزاري.
عمليا، يوسّع ريفي مروحة علاقاته السياسية، هو أكثر المنزعجين من تخلّي كتلة “المستقبل” عن عضوية النائب خالد الضاهر، وبعد عام على هذا التخلي، وفي التاريخ نفسه، أعلن الحريري بأن مواقف ريفي لا تمثّله، ما اعتبر تخلياً عن وزير العدل.
في هذا السياق، علمت “المدن” أن ريفي يعمّق من علاقاته في مختلف المناطق اللبنانية، مع الأطراف التي تعترض على نهج “المستقبل”، وهو على تواصل دائم مع الضاهر، كما ان علاقته ممتازة مع “القوات اللبنانية”. ويشير الضاهر لـ”المدن” إلى أن ريفي هو خير من يتكلم بلسان الناس وهمومهم، الذين ملوا من التسويات والتنازلات، ويريدون من يحقق لهم طموحاتهم وآمالهم.
وفيما كان الضاهر يعتزم تقديم دعوى ضد سماحة أمام محكمة مدنية تتخذ الطابع الشخصي، يقول لـ”المدن” إن ريفي طلب منه التريّث بتقديمها بسبب بروز معطيات جديدة في شأن الاجراءات التي ينوي اتّخاذها، علماً ان فريق المحامين الذي كلّفه اعدادها انتهى منها.
وتلفت مصادر “المدن” إلى أن ريفي يسعى إلى تفجير مفاجأة على هذا الصعيد، كما على صعد أخرى، قد تتعلق باغتيال اللواء وسام الحسن، كان يتكتم عنها سابقاً نزولاً عند رغبة رئاسة التيار.
كل هذه الحركة يترصدها “المستقبل”، ويعتبر أن ريفي يحضّر لزعامة سنية. ويقول أحد نواب “المستقبل” في الشمال ل”المدن” أنه “ليس جديداً على ريفي أن يطمح الى تشكيل حالة سياسية مستقلة ليس في الشمال فقط بل في كل لبنان، وهو انطلق فيها من طرابلس، وأخذ في التوسع باتجاه الضنية وصولاً إلى عكار، كما يسعى إلى فتح خطوطه البقاعية وباتجاه المناطق الأخرى. وتشير مصادر “المدن” إلى أن ريفي أطلق منذ مدة عدداً لا بأس به من التجمعات الشبابية من حوله، كـ”شباب اللواء ريفي”، “اللواء ريفي_قطاع المرأة”، وبعض المجموعات الأخرى التي تعنى بتقديم المساعدات لشرائح مجتمعية فقيرة. ولكن من أين يأتي بالتمويل؟ يقول النائب الشمالي إنه “في البداية كانت لديه أبواب مالية مفتوحة خليجياً، لكنها الآن توقفت، إلا أن لديه بعض المال، وهو مستعد للتصرف باللحم الحي بغية مساعدة الناس”.
والأهم من ذلك كله، فإن ريفي يرتكز في تحركاته ومشاريعه، على شعبوية أساسية تلقى قبولاً متميزاً في صفوف الناس، لأنه لم يغير موقفه، ولم يساوم، وهو مطلوب من قبل الاجهزة السورية والمتعاونين معها في لبنان، منذ ان عين عام 2005 منسقا الى جانب لجنة التحقيق الدولية، بالإضافة إلى نجاحه في تركيب فريق أمني أنجز الكثير طوال السنوات الماضية. وابعد من الساحة السنية يرى البعض أنه كما يسعى رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع إلى احتكار تمثيل 14 آذار مسيحياً، فإن ريفي يسعى إلى اقتحام الساحة السنية، ووفق هذا التقاطع، يتحدث البعض عن امكانية تعميق التنسيق بين الطرفين الممتعضين من الحريري، والمتطابقين في الرؤى والتوجهات.
حلم رفيق الحريري يؤرق جميل السيّد: الجلّاد لا يكون ضحيّة…
فايزة دياب/جنوبية/ 13 فبراير، 2016
عشية الذكرى الحادية عشر لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، اختار اللواء السابق جميل السيد بأن ينشر حوارا من نسج خياله بينه وبين الشهيد، وفي الحوار أظهر السيّد نفسه وكأنّه الحريص على سمعة وإرث الحريري بوجه من يتاجرون بدمه على حدّ تعبيره.
جميل السيّد الذي طارد أنصار الحريري قبيل استشهاده، وأوقفهم بتهمة توزيع الزيت على المناصرين كمساعدات كان يقدّمها الحريري لفقراء بيروت. وكان قد اعتبرها أنّها بمثابة رشاوى انتخابية استخدمها وحلفائه آنذاك للتشهير والنيل من سمعة الرئيس الشهيد، قرّر السيّد أن يحاضر بالعفّة ويتهم ورثة الشهيد والذين ناضلوا ودفع منهم حياته ثمنا لمعرفة الحقيقة وقدّموها فداءً للوطن والقضية، بأنّهم خانوا الشهيد وأهدروا دمه. اللافت أنّه في الحوار الوهمي الذي نشره السيّد على صفحته الخاصة على موقع تويتر، أقرّ أنّه من مدرسة القمع والقتل والاجرام التي تستخدم أبشع الوسائل لفرض سياستها عندما قال «دولة الرئيس! هيئتك مصدق انو نحنا منبعت على الاخرة! اصلاً انا بطلت بالامن . بس ما بنكر هالصيت، لانو بلاه ما بكون الواحد عندو مستقبل سياسي بهيك بلد… ». واستمّر جميل السيّد بحواره الافتراضي حيث قال للحريري أنّ «جماعتك بتيار المستقبل ما كان بدهم انو نحنا نحقق باغتيالك وما كان عندهم مصلحة يعرفوا مين قتلك. بنظرهم هني واسيادهم برات لبنان انو لازم يكون قاتلك اما سوري او شيعي من حزب الله، والا ما بتظبط المؤامرة.» إلاّ أنّ السيد نسي أنّ الأجهزة الأمنية التابعة للوصاية السورية على لبنان آنذالك هي من عبثت بمسرح الجريمة، على الرغم من طلب قاضي التحقيق العسكري الأول في تلك الفترة رشيد مزهر بحماية مسرح الجريمة نظراً لأهميته في التحقيق. جميل السيدومن المعلوم أنّه بعد منتصف الليل، وبطريقة مفاجئة قرّر جميل السيّد ورفاقه نقل سيارات موكب الرئيس رفيق الحريري المحترقة من مسرح الجريمة في عين المريسة الى ثكنة الحلو، فيما أوقفت الضجة الاعلامية المرفقة بتهديدات دولية عمليات ردم حفرة التفجير. كذلك تمّ إعادة قطعتين الى حفرة الجريمة كانت قد أخذتا منها، وقيل إنها للسيارات. استكمل السيّد مسرحيته الاعتباطية بالتهكّم على الشهداء والأحياء، فقال «وسام الحسن صار عندك فوق. بشرفي مش نحنا بعتناه. اسأله عن السنيورة والريفي وميرزا وغيرهم وعن محمد زهير الصديق وشهود الزور. القصة كلها معو، بخبرك شو صار وكيف بفركوها…». وبهذا أخطأ اللواء بحق نفسه وجماعته الممانعين خطأً جسيما، فكان عليه أن لا يفتح قضية شهود الزور التي تدينه وفريقه، فلم ننس بعد كيف أسقط حزب الله حكومة الرئيس سعد الحريري بحجة قضية «الشهود الزور»، ليشكلوا حكومة اللون الواحد مؤلفة حصريا من معسكر الثامن من آذار وكان حزب الله الآمر الناهي فيها، إلاّ أنّهم لم يتطرقوا إلى قضيّة شهود الزور لأنهم يعرفون تمامًا أنّها تدينهم قبل غيرهم، فضلوع النظام السوري بإرسال شهود زور الى المحكمة الدولية أصبح مكشوفا وواضحا.
ماذا قال خطباء 14 شباط قبل عشر سنوات؟
خاص جنوبية 13 فبراير، 2016
ما بين 14 شباط 2006، و14 شباط 2016، مرحلة سياسية كاملة، كانت خاضعة لتداعيات محلية وإقليمية ولإختراقات أمنية ولسلطة السلاح.. في وقفة نستعيد بها أهم الكلمات التي طوّبت ما بين ذكرى الاستشهاد الأولى وما بين الذكرى العاشرة 2015، نجد أن الخطاب السياسي قد تلوّن بحيثيات وبتحالفات وبإصطفافات جديدة وبإعادة التموضع في السلطة. 14 شباط 2006، كانت الخطابات عالية اللهجة، الحريري في هذا اليوم وصّف الحشود التي توّجهت لساحة الشهداء، بأنّ حضورها هو على عمليات الإغتيال، وعلى جرائم التفجير، وعلى الغرف السوداء التي تخطط للفتنة بين اللبنانيين. معتبراً أنّ قوى 14 آذار هي ضمانة لبنان ومستقبله الديمقراطي، معتبراً أنّ لبنان أكبر من أيّ حزب وأنّهم سوف يقطعون اصابع الفتنة إذ لا مكان للمجرمين والمخربين ولا مكان في لبنان لأدوات النظام الأمني ولرموزه، ولا مكان لمن يبيع شرف لبنان ولا لقتلة رفيق الحريري وشهداء الحرية. وتوّجه الحريري في خطابه مطالباً بسحب رمز الوصاية من بعبدا ” ايميل لحود” ومؤكداً على عدم المساومة على الشهداء.
وليد جنبلاط ألقى كلمة عالية اللهجة وجّه به تحية للشهيد الحريري واصفاً اياه المارد العربي والقائد الدولي، وخاطب بشار الأسد بوصفه “طاغية الشام هو ورفاقه وحلفائه”، وبأنّهم قلة عابرة مجرمة حاقدة، والتسامح معها مستحيل. كذلك أطلق جنبلاط شعار “يا بيروت بدنا الثار من لحود والبشار، وياحاكم دمشق انت العبد المأمور ونحن الاحرار”، مشدداً على سلطة الدولة ورافضاً لحجة مزارع شبعا وللمحور السوري-الإيراني، ولمصادرة الوطن من رمز العمالة والارتهان القابع في بعبدا.
الدكتور سمير جعجع قال في كلمته أنّهم اعتقدوا بقتل الشهيد يخنقون فيهم الروح، ليخاطب الجماهير المحتشدة قائلاً:”جئنا نقول لهم بئسا لكم أيها البائسون، نحن هنا، هنا كنا وهنا سنبقى وقوات الجحيم لن تقوى علينا”. وأكد للبنانيين أنّ مسيرة الحق والحقيقة والحرية انطلقت، ولن يقف في وجهها شيء، فكونوا مستعدين، مردفاً بمقولته التي تداولت كثراً: “نحن نعرف تماما ان البحر امامنا والعدو وراءنا، لكن لن يرف لنا جفن، لن نرتاح، لن نستكين حتى النهاية، نحن هنا، وهنا سنبقى، سلاما على من يحب السلام”.
في 14 شباط 2007، شكر الشيخ سعد المشاركين والذين وصفهم بالأبطال، مؤكداً التمسك بالمحكمة الدولية وبمعرفة من يقف وراء اغتيال رفيق الحريري وكل الشهد
وأضاف: “بعد عامين على اغتيال رفيق لبنان نقف اليوم أمام ساعة الحقيقة في ساحة الحقيقة، وأمام الاستحقاق المصيري لقيام المحكمة الدولية، رغم محاولة الانقلاب على حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، ورغم محاولة شل البلاد من وسط عاصمتها إلى مطارها”.
جعجع من جهته أكد في كلمة له رفض الرضوخ، قائلاً: “الخيل والليل والبيداء تعرفنا, نموت واقفين لكننا لن نركع..”، وأكد أنّهم لن يقبلون بأي سلاح خارج الجيش اللبناني، كما توّجه إلى النظام السوري قائلاً له: “عين لبنان تقاوم مخرزك وسوف تظل تقاومه”. وخاطب لحود:”ما من ظالم أو طاغية أو مستبد ومستأثر إلا وأخذ التاريخ حقه منه، عطل وعرقل وتآمر ما شئت، لكنك سترحل”
وليد بك جنبلاط، تضمنت كلمته هجوماً على سوريا الأسد، وتأكيداً على عدم الخوف لا من التهديد ولا من صواريخ حزب الله، وتوجّه إلى السيد حسن مطالباً اياه بإعطاء الصواريخ والمدافع إلى الجيش اللبناني أما التبن والشعير فللحفاء.
و وصف بشار الاسد بـ :” يا طاغية دمشق، يا قرداً لم تعرفه الطبيعة، يا افعى هربت منها الأفاعي، يا حوتاً لفظته البحار، يا وحشاً من وحوش البراري، يا مخلوقاً من أنصاف الرجال، يا منتجاً اسرائيليا على أشلاء الجنوب واهل الجنوب، يا كذاباً وحجاجاً في العراق ومجرما ًوسفاحا في سورية ولبنان”
في 14 شباط 2008 ، تضمنت كلمة الحريري، إشارة إلى يد الغدر والإجرام والإرهاب التي اغتالت لبنان بإغتيال الشهيد، وبأن لبنان لن يركع وأنّ رفيق الحريري باقٍ، وتطرق إلى موضوع رئاسة الجمهورية وبأنّ يكون للبنان رئيساً.
وتابع في كلمته معتبراً أنّ لبنان يتعرض لمحاولة إغتيال مستمرة من النساء والرجال وصولاً لنهر البارد واغتيال الأكثرية النيابية بتصفية الأعداد واغتيال حكومة السنيورة بتصفية شبابها، واغتيال ضمير لبنان بالتطاول على البطريرك ما نصر الله بطرس صفير.
كما وصف الحريري في كلمته الأسد ونظامه بالمنتج الاسرائيلي الذي يسمي نفسه نظاما في دمشق،والذي يضمن للعدو منذ 34 سنة الهدوء التام والسلم الثابت على أرض الجولان العربي السليب، ويمنع شعبه البطل من أي مقاومة أو محاولة لتحرير أرضه الطاهرة
واتهم هذا المنتج الاسرائيلي بتنفيذ حلم العدو الاسرائيلي بجر المقاومة إلى حرب أهلية تنتحر فيها وتقضي معها على نموذج لبنان.
سعد 14 شباط
أما رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع فإستهل كلمته بالعبارة التالية: “قلتم بالشر المستطير، وبالويل والثبور وعظائم الأمور، فها نحن جئناكم. جئناكم نقول:أهلا بكم وبشركم وبويلكم وثبوركم وعظائم أموركم. أنسيتم أنه “تصغر في عين العظيم العظائم.”
ودعا الشعب اللبناني إلى عدم الخوف لا من فجورهم ولا من إجرامهم، مشيراً إلى أنّ المحكمة لآتية ورافضاً للغوغائية للفوضوى وللتعطيل والتهديد والوعيد والحرمان من بعبدا.
وقال لهم:” من خاض غمار التاريخ وأحداثه، ومن واكب شعبه على مر العصور وفي أصعب المحن، لن تقوى عليه زمرة فتيان. من أعطي مجد لبنان، لن يقوى عليه من أعطي مال إيران، وخنجر الشام.”
وتوجه جعجع في كلمته إلى الجنوب قائلاً له “كم من الجرائم ترتكب بإسمك” داعياً حزب الله أن يحب وطنه وأن يشاركهم في كل القرار ومنها قرار السلم والحرب، كما أشار إلى أنّ ما يقومون به من تعطيل هو بهدف رمي لبنان في فم الأسد ولكن “خسئوا”.
وليد بك جنبلاط خاطب بدوره الشهداء، ثورة الأرز، وتحدى الغدر والأشرار، و وصف الثلث المعطل بالمدرم وثلث الإجرام السياسي والاغتيال، و وصف حال الفريق الأخير بأنه يسعى لتسليم لبنان إلى ريف دمشق إلى عالمه، عالم الشر الأسود الايراني-السوري.
مضيفاً أنّ اختصاص بشار وحلفاؤه علم الأشلاء الحية والميتة، وأنّهم أشلاء يعيشون في جهنم
هذه الكلمات التي شهدت ذكرى رفيق الحريري قبل 7 أيار 2008، فكيف أسقطت هذا اليوم الأسود لبنانياً والمجيد حزبياً ثقله على المرحلة التي تلت، وكيف تغيرت المنابر الحريرية.