الخلافات الدولية أنهكت المفاوضات قبل انطلاقها فدْرلة العراق كأمر واقع بوابة للدويلة العلوية!
روزانا بومنصف/النهار/5 شباط 2016
تكشف مصادر ديبلوماسية انه لم يكن مقدرا لانطلاق المفاوضات في جنيف بين النظام والمعارضة السورية ان ينجح لا في 25 شباط ولا في 29 منه بعد ارجائها من الموعد الاول، ولا تعتقد انها قد تنجح في اي وقت قريب. فبعض المواقف التي يعبر عنها رؤساء الديبلوماسية في دول مؤثرة تكشف رأس جبل الجليد في الخلافات الدولية التي لا تسمح تاليا باقلاع المفاوضات الثنائية ولو عبر وساطة الامم المتحدة. فعدا عن ان روسيا افتعلت عراقيل حول المعارضة وتشكيلتها بالاصالة عن نفسها وبالنيابة عن النظام السوري تحت عنوان كبير ترفعه هو ترك السوريين يقررون مصيرهم بانفسهم فيما تؤمّن هي بقاء النظام وتقضي على خصومه، بدا لافتا الموقف البريطاني حيث سأل وزير الخارجية فيليب هاموند ما اذا كانت روسيا ملتزمة عملية سلام ام انها تستخدمها كورقة توت لمساعدة الاسد على اقامة دويلة علوية في شمال غرب سوريا. وحاولت الديبلوماسية الاميركية ان توجه عتبا قاسيا الى روسيا في هذا الاطار في ضوء اتهامها مرارا بأن القصف الروسي يستهدف القضاء على معارضي الاسد وليس على تنظيم “الدولة الاسلامية “، الا ان الولايات المتحدة لم ترفع الصوت تلويحا او تهديدا بوقف المفاوضات للضغط على روسيا، لا بل بدا الموقف الاميركي مطواعا ومتناغما مع الموقف الروسي في محطات عدة وكأن العتب على استهداف المعارضة هو من اجل تسجيل موقف ليس الا. ومع ان القرار 2254 اتى نتيجة توافق اميركي – روسي وقدم خريطة طريق مبدئية للمفاوضات، فان كل الاجتماعات التي عقدها مجلس الامن كشفت مدى اختلاف وجهات النظر في مقاربة المفاوضات، في الوقت الذي كان يخشى ان يؤدي التوتر السعودي – الايراني الاخير الى تعطيل المفاوضات، فبدت العقدة مع روسيا اكثر منها مع الدول الاقليمية. فمن جهة هناك عجز الامم المتحدة التي تملك معلومات دقيقة ليس عن تجويع مضايا وحصارها بل عن كل المدن والبلدات التي يحاصرها النظام، فيما يقول وزير الخارجية الاميركي جون كيري ان مجلس الامن قدم 113 طلبا للنظام من اجل السماح بعبور مساعدات انسانية الى المناطق المحاصرة ولم يلب سوى 13 منها. وثمة من يعتبر ان التكتيك الذي يعتمده النظام يرقى الى مستوى جريمة حرب وان المساعدات الانسانية حق تضمنه القوانين الدولية. فاذا صح هذا الامر، وهو كذلك، فهل يتم التعامل معه بالطلب الى النظام ان يمتنع عن ذلك ام بمقاضاته ايضا امام المحاكم الدولية او التلويح والتهديد بذلك كوسائل ضغط من اجل ارغامه على منع التجويع وقتل المعتقلين ووقف الحصار؟ ووقت يعلن الامين العام للامم المتحدة بان كي – مون هذه النقاط معتبرا انها جريمة حرب، توافق واشنطن مثلا وتضغط على المعارضة من اجل ان يكون ذلك من ضمن التفاوض المفترض مع النظام وكأنما ثمة تجاهلا متعمدا ان النظام وداعميه، اي روسيا وايران، سيستخدمان هذا التكتيك على طول الخط وكل مدة المفاوضات من دون القدرة على تغيير اي شيء. وتتحدث المصادر عن خلافات بين اعضاء مجلس الامن لجهة اعطاء حق للمعارضة بضرورة فك الحصار وتقديم المساعدات الانسانية كبادرة حسن نية، في حين يعارض بعض هؤلاء الاعضاء. ومن غير المحتمل تبعا لذلك ان يسمح التجاذب بانعقاد المفاوضات كبداية. وحيال العجز الذي واجهته الامم المتحدة، إن في ادخال المساعدات الى مضايا او سواها، اكتفى مجلس الامن باللجوء الى تكثيف اجتماعاته لاظهار مدى الاهمية التي يعلقها على هذه المسألة لعلها تشكل ضغطا على النظام وعلى حلفائه من دون طائل.
يشكل الموقف السلبي للولايات المتحدة ازاء محاولة تطويع مطالب المعارضة للرغبة الروسية من اجل انعقاد المفاوضات باي ثمن تحت طائلة عدم ازعاج روسيا التي ترفع السقف عاليا، إن في شروطها على المعارضة او في استمرار استهداف القوى المعارضة في سوريا، خيبة امل تضاف الى خيبة الامل المحيطة بالمواقف الاميركية من الازمة السورية. اذ مجددا هناك انتصار لمنطق ان من يقف مع روسيا يكسب وتدافع عنه روسيا بكل ما تملك من قوة، في حين ان من يراهن على الولايات المتحدة او دعمها تحت عناوين تتصل بحقوق الانسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها بحرية انما يخطىء خطأ جسيما لان الولايات المتحدة تخذل دوما من يعتمد عليها خصوصا مع ادارة الرئيس باراك اوباما التي يعتبر مراقبون كثر في المنطقة ان سياسته افتقدت الاخلاقيات المبدئية التي قال بها قادة عهود رئاسية اخرى. فبين الحدين الاقصيين اللذين تعامل بهما اوباما مع الازمة السورية اي حتمية انزال جنود اميركيين وهو ما كرر مرارا انه يرفضه في ظل سياسته سحب الجنود الاميركيين من مناطق النزاع في العالم او ترك القيادة في الشأن السوري كليا لروسيا، يؤخذ عليه عدم استخدام وسائل ضغط تملكها الولايات المتحدة من اجل منع روسيا من التحكم بمسار المفاوضات بدلا من النظام السوري، او مساعدة له على تركيز نفسه وتدعيم سلطته، او من اجل عدم تحطيم المعارضة وانهائها انطلاقا من ان ذلك لن ينهي الحرب في سوريا في اي حال بل يمد بعمرها وبمآسي شعبها ودول الجوار ما لم تقتطع روسيا فعلا دويلة علوية لبشار الاسد بدأت تتشكل اكثر فاكثر على الارض انسجاما مع كونفيديرالية عراقية بدأت تجد طريقها اكثر الى الواقع مع تزايد الاقتناع بانه الخيار الوحيد المحتمل للعراق.
لا قضاء من دون ضمير القاضي
أسعد الخوري/النهار/5 شباط 2016
بعد انحسار المواقف التصعيدية ضد المحكمة العسكرية، لا بدّ من كلام هادئ ورصين على دور هذه المحكمة المهم في مرحلة صعبة وحسّاسة من تاريخ لبنان، فهي تؤدي أدوارًا رئيسية في محاكمة العمــلاء والإرهابيين، وتماثلها محاكم عسكرية في معظم دول العالم. لقد عملت باستمرار بشكل عادل ووفق القوانين الدستورية على محاكمة مجموعات كبيرة من العملاء والإرهابيين بالسرعة الممكنة التي ترافقت دومًا مع الإلتزام الكامل بالقوانين اللبنانية. لكن “مشكلة” المحكمة العسكرية، رئيسًا وأعضاء، أنها لا “تخضع” للسياسة ولا للمداخلات السياسية، وتأتي أحكامها انطلاقًا من قناعة أعضائها ووفق ما يمليه الضمير والقانون، إذ “لا قضاء من دون ضمير القاضي وتجرّده”، كما يقول كبار علماء القانون في العالم. كانت محاكمة الإرهابي ميشال سماحة قمة في التزام القانون، حيث التزم أعضاء المحكمة العسكرية ورئيسها القاضي طوني لطوف المعايير القانونية والقضائية دون سواها، بل أن القاصي والداني يسجّل قدرة المحكمة على التعامل مع هذا الملف الأمني الدقيق والشائك وفق القانون، دون الالتفات الى أي كلام في السياسة الذي تمليه الأهواء السياسية والحزبية. كان التجرّد والضمير والقانون لدى هؤلاء القضاة الشجعان العوامل التي أصدرت الحكم، حيث تستمر محاكمة سماحة انطلاقًا من هذه المعايير دون سواها. وكان لافتًا ما قاله النائب أحمد كرامي على طاولة الحوار الوطني في الجلسة الأخيرة خلال مناقشة موضوع سماحة، إذ نوّه برئيس المحكمة العسكرية قائلاً: “أنا أعرف جيدًا القاضي طوني لطوف، إنه آدمي وقبضاي”. “شهادة” النائب كرامي بالقاضي لطوف ليست وحيدة، ولا منفصلة عن سيرة هذا القاضي العادل والنزيه والقبضاي فعلاً، حيث سيرته في القضاء مشرّفة، وهو الذي لم تؤثر في أحكامه تدخلات سياسية أو غيرها. هذا القاضي الذي أمر، قبل سنوات، بتوقيف وزير للزراعة، رغم كل المداخلات والوساطات، سجّل في تاريخ القضاء اللبناني عملاً كبيرًا. لقد سجن القضاء اللبناني وزيرًا فاسدًا. هو حكم قضائي إستثنائي في لبنان!