علي حماده: ١٤ آذار: عودوا إلى القضية/حسين شبكشي: مسيلمة وجوبلز ونصر الله/اميل خوري: اتفاق القادة على أي لبنان يريدون يجعلهم ينتخبون الرئيس المناسب له

351

١٤ آذار: عودوا إلى القضية
علي حماده/النهار/4 شباط 2016
الرد على “تدلل” الامين العام لـ”حزب الله” في ما يتعلق بانتخاب رئيس للجمهورية، و”التسلي” بمرشحيه الجنرال ميشال عون والنائب سليمان فرنجيه ومن خلالهما بقوى ١٤ آذار الاساسية التي تتنافس بهما، يكون باتفاق ١٤ آذار بقواها كافة على سحب تأييدها لأي مرشح من ٨ آذار لأن نصرالله غير مستعجل، كما أن مرشحيه عون وفرنجيه ليسا في عجلة من أمرهما، فالاول الذي نال تأييد أحد كبار معارضي التعطيل، وتهريب النصاب لانتخاب الرئيس، لن ينزل الى مجلس النواب الاسبوع المقبل، وسيبقي مع “حزب الله” على موقف التعطيل كما هو، رغم نيله تأييد قوة مسيحية كبرى كـ”القوات اللبنانية”. أما الثاني الذي يحظى بدعم شبه معلن من أكبر كتلة في ١٤ آذار تضم 35 نائباً، فلا يرى حرجا في مقاطعة الجلسة التي سيقاطعها “حزب الله”، ويعلن أنه لا يزال مرشحا للرئاسة! إذاً هؤلاء يستثمرون في التعطيل، فيما قوى ١٤ آذار تعود الى نقطة البداية، اي الى الشغور الذي كانت تقول إنها تحاربه!
ما تقدم هو لسان حال فئات واسعة من قواعد ١٤ آذار تعتبر أن الدرك الذي بلغته مواقف القوى الاساسية فيها يمثل في السياسة استسلاما كاملا لـ”حزب الله” ومشروعه، والتسليم له بأن يكون “الضابط” الامني والسياسي للبلد على النحو الذي كانته الوصاية الاحتلالية السورية لثلاثة عقود متتالية. وقد أتى خطاب نصرالله الأخير الذي رد فيه على “التسليم ” برئيس من ٨ آذار باستهزاء وفوقية، ليذكر الجميع من سعد الحريري الى سمير جعجع وصحبهما في ١٤ آذار بأننا نقف أمام حالة احتلالية لا تختلف كثيرا عن الحالة السورية السابقة. فأين الفارق بين منطق نصرالله المستقوي بالسلاح، وموقف بشار الاسد الذي كان يستقوي بالجيش السوري وأجهزته الامنية في لبنان لفرض خياراته وسياساته ومصالحه على اللبنانيين؟ ثمة من يرى انه حان الاوان لكي يعيد قادة ١٤ آذار النظر في خياراتهم، فالتنافس بمرشحين يتبعان عملياً “حزب الله” هو بمثابة تنافس على الخضوع للحزب ولإيران من خلفه. فهل هذا هو الثمن الذي ينبغي للبنانيين أن يدفعوه لمواجهة الشغور الرئاسي؟ هل مطلوب أن نسلم لبنان الى “حزب الله” ونخضع للسيد حسن نصرالله “ولياً” على لبنان للخروج من الشغور الرئاسي؟ هذا سؤال مطروح بجدية في الشارع الاستقلالي، وهو موجه الى قادة “ثورة الارز” الذين ينبغي أن يدركوا أن المعركة على الخيارات الكبرى في البلد لم تنته بعد، وان الحوار والمصالحات، على أهميتها، لا يجوز أن تحرف الأنظار عن القضية الكبرى، أي عن النضال لتحرير لبنان من كل الوصايات الخارجية والداخلية على حد سواء، بتحقيق انتصار الدولة على الدويلة، ولو بعد حين. ننا في ١٤ آذار أمام مفترق طرق تاريخي: إما أن نعود الى القضية والى خياراتنا التاريخية ونواصل المقاومة، وإما أن نواصل مسارنا الانحداري المتواصل لينتهي بنا الامر الى الاستسلام والخضوع العملي أمام الدويلة! وعندها ربما لن يعود “المنتصر” قابلا بالمستسلمين. أليس “دلع” السيد نصرالله الرئاسي الاخير عينة أولية مما ينتظر الجميع بلا استثناء؟

 

مسيلمة وجوبلز ونصر الله!
حسين شبكشي/الشرق الأوسط/شباط/16
في قاموس الكذب يسجل التاريخ أسماء لافتة ومميزة برزت وتألقت وتميزت في هذا المجال حتى تحولت أيقونة ومضربًا للأمثال بشكل أسطوري؛ فمن الشخصية التاريخية المجرمة «مسيلمة الكذاب» إلى وزير الدعاية أو الإعلام الألماني في العهد النازي «جوبلز» الذي عرف ببياناته الإعلامية الأسطورية المليئة بالدجل والكذب من أجل تمجيد الطاغية أدولف هتلر وصولا إلى زعيم عصابة حزب الله الإرهابي حسن نصر الذي تحول من سياسي يقاوم ضد إسرائيل إلى بندقية رخيصة مأجورة للدفاع عن مجرم يقتل شعبه بواجهة طائفية منفذًا بشكل واضح لمشروع طائفي وإقليمي يعتبر هو وعصابته إحدى أهم الركائز الأساسية فيه.
التاريخ دائمًا ما يظهر لنا كيف يتمكن الدجالون من اصطياد القطيع المناسب الذي يسير خلفهم بانصياع تام مصدقين الشعارات المرفوعة ومؤمنين بالخطب المسموعة، إلا أنه مهما زاد بريقها ولمعانها واستمر الطرح العذب الجذاب فهو لا يزال يسمى دجلاً وخداعًا بامتياز. المذهل هو وجود عدد لا بأس به ممن لا يزالون تحت تأثير الخداع التراكمي وما زالوا يصدقون مقولة إن حسن نصر الله «مقاوم» وهي أشبه بمقولة أن مسيلمة الكذاب نبي، ولا تفسير لذلك سوى أن أنصار حسن نصر الله أعمتهم الطائفية عن رؤية الحق، فبرروا وأوجدوا الأعذار تلو الأعذار له حتى وإن كان ظاهر أفعاله لا يمكن تفسيرها إلا تحت بنود الإجرام والعمالة. وأدى هذا الانصياع التام والتأييد الأعمى إلى تأصيل حالة من الشلل التام في لبنان، فلا البلد قادر على اختيار رئيس الجمهورية ولا هو قادر على إزالة النفايات من الأزقة والشوارع لأن كل شيء يهون أمام نصرة المقاومة «وسيدها» بحسب الشعارات التي يرددها أنصاره والتي تحولت إلى ما يشبه حبوب الهلوسة بامتياز عظيم. بلد بأكمله يدفع ثمن الأكاذيب التي يروّج لها زعيم عصابة خطف شعارًا شريفًا وادعاه زورًا وبهتانًا. المقاومة الشريفة رحلت عن لبنان منذ زمن طويل لتستقر في فلسطين موقعها الحقيقي. كل دول العالم حينما تصاب بالأوبئة تجند نفسها وقواتها ومؤسساتها للخلاص منها، وكذب حسن نصر الله تحول إلى وباء مدمر على لبنان وذي آثار تطال مناطق وجيوبًا مختلفة حول العالم العربي، وبالتالي فإن فضح أكاذيبه بات مسألة إجبارية لا خيار فيها. سيسطر التاريخ عما قريب مشاهد السقوط المتتالي العظيم لمقاوم سابق وكاذب حالي، تقلصت شعبيته بالتدريج وانقرض احترامه عند الناس ليظل عبرة لتبيان أن حبل الكذب قصير. أن يكذب المرء فهذا خطيئة بينه وبين نفسه وربه، ولكن أن يكذب على العالم ويذهب بالشباب إلى الموت من أجل الكذب فهذه خطيئة يتحملها الجميع بسكوتهم عنه.  لبنان يواصل قدرته على الإبداع والإبهار، فبعد أن كان منارة للعلم والفن والأدب والرياضة يدور الزمن ولا يستطيع أن يقدم للعالم سوى نماذج ساقطة مثل حسن نصر الله. إنها عجلة الزمان التي تدور.

 

اتفاق القادة على أي لبنان يريدون يجعلهم ينتخبون الرئيس المناسب له…
اميل خوري/النهار/4 شباط 2016
لو أن القوى السياسية الأساسية اتفقت على أي لبنان تريد منذ نيله الاستقلال لما كانت تواجه اليوم ما تواجهه من أزمات، ولا كان لأي خارج أن يتدخل في شؤونه الداخلية، ما جعل كل قوة من هذه القوى تستقوي بخارج على شريكها في الوطن الواحد، ولما ظل لبنان الواحد معرضاً كل مرة لأن يصبح لبنانين وأكثر.
لقد صار اتفاق عام 1943 على ما سمي “ميثاق 43″، وكان موقف طرف منه سلبياً عبّر عنه الصحافي الكبير جورج نقاش في مقال له تحت عنوان: “سلبيتان لا تصنعان أمة”. ولم تتفق كل القوى السياسية الأساسية في لبنان على “اتفاق الطائف” الذي صار دستوراً جديداً له، لا لأنه قلّص صلاحيات رئيس الجمهورية وأعاد النظر في توزيع الصلاحيات على السلطات الثلاث، إنما لأن تنفيذه كان انتقائياً واستنسابياً، ولم يتم تنفيذه تنفيذاً دقيقاً كاملاً كي يصار في ما بعد الى تصحيح ما يجب تصحيحه وسد ما يظهر فيه من ثغر من خلال الممارسة. والوصاية السورية على لبنان التي تولت تنفيذ هذا الاتفاق لم يكن لها مصلحة في ذلك خصوصاً في ما يتعلق بإقامة دولة قوية قادرة على حفظ الأمن والاستقرار بقواتها الذاتية لئلا يستغني قيامها عن هذه الوصاية… لذلك لم يتم الغاء الطائفية السياسية، ولا انتخب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي كي يصير في الإمكان إنشاء مجلس للشيوخ يحمي حقوق الطوائف، ولا طبّقت اللامركزية الإدارية كي يضع تطبيقها حداً للصراع السياسي والمذهبي على السلطة، ولا تم تنفيذ ما اتفق عليه في جلسات هيئة الحوار الوطني لأن سوريا النافذة في لبنان عرقلت ذلك. وأهم ما صدر عن هيئة الحوار وبالإجماع كان “إعلان بعبدا”، فلو أن كل الأقطاب الذين وافقوا عليه التزموه لما كان لبنان يواجه اليوم خلافات وانقسامات حول سياسته الخارجية، ولما كان يواجه الإحراج في جامعة الدول العربية وفي منظمة الأمم المتحدة والمؤتمر الإسلامي، ويرتبك في اتخاذ موقف لا يزعزع الوحدة الوطنية التي يبقى الحرص عليها أهم من كل موقف. ولم تنفع “أوراق التفاهم” الثنائية بين أحزاب في تحقيق المصالحات الوطنية، بل محاولة تحقيق مصالحات شخصية تطوي صفحة الخلافات والانقسامات، مثل “ورقة التفاهم” بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، وورقة “إعلان النيات” بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”، وهي ورقة لو أنها كانت تصلح لتحقيق مصالحة وطنية حقيقية شاملة لكان يجب عرضها على كل القوى السياسية الأساسية في البلاد لتقول رأيها فيها، ولما كان رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل في حاجة الى طرح أسئلة على كل مرشح للرئاسة كي يحدد موقف الحزب في ضوء الأجوبة عنها، ولم يجب أي مرشح للرئاسة حتى الآن عن هذه الأسئلة، ولم يتأكد الجميع من ان العماد ميشال عون هو قلباً وقالباً مع ورقة “إعلان النيات” وليس بمجرد تلاوتها عليه، ومعروف عنه أن له مواقف معلنة تناقض بعض ما جاء فيها، ولا سيما ما يتعلق بسلاح “حزب الله” وحصره بالدولة، وما يتعلق بقرارات مهمة اتخذها هذا الحزب من دون أن يعود بها الى مجلس الوزراء.
الواقع أن المصالحة الوطنية الحقيقية الشاملة لا تقوم على أساس أوراق تجمع حزبين، أو أكثر، لكي يتحولا من خصمين الى حليفين، إنما على أساس وثيقة توقعها كل القوى السياسية الأساسية في البلاد وتتعهد تنفيذها تنفيذاً دقيقاً كاملاً من خلال كل السلطات في الدولة.
لذلك فإن هذه القوى إذا كانت جدية وجادة في تحقيق مصالحة وطنية حقيقية شاملة، فما عليها سوى الدعوة الى عقد مؤتمر موسع يجيب فيه المدعوون إليه بوضوح وصراحة عن سؤال واحد هو: أي لبنان يريدون؟ لبنان الانحياز أم لبنان الحياد؟ لبنان الدولة المدنية التي يحتل المناصب فيها كل صاحب كفاية الى أي حزب أو مذهب انتمى، أم دولة طوائف تتصارع على السلطات وعلى الوظائف والمكاسب بحيث يصبح لكل طائفة دولة لها نظامها وحتى جسمها؟ أيريدون دولة بنظام ديموقراطي أكثري أم توافقي، أم دولة اتحاد فيديرالي؟
إن كل القوى السياسية الأساسية في البلاد عندما تتفق على أي لبنان تريد يسهل عندئذ اختيار الرجل المناسب للمكان المناسب فيها، ولا يعود لدى كل مكون من مكونات الوطن مخاوف وهواجس يحتاج الى من يبددها، بل يصبح الدين لله والوطن للجميع، وإلا ستظل الطوائف في صراع دائم على السلطة، وكل طائفة تريد أن تكون لها القيادة والامتيازات لأنها الأقوى أو الأكبر حتى من الوطن… فلبنان القوي لا يبنى إلا على ايجابيات تقيم الدولة القوية القادرة والعادلة فيه، وليس على سلبيات تفرّق ولا تجمع.