أكلّما تحالف عون وجعجع تدفع الكتائب الثمن؟
ايلي الحاج/النهار/29 كانون الثاني 2016
لم يتفق “التيار العوني” و”القوات اللبنانية “على رئاسة الجمهورية وحدها ولمن تكون، بل ايضاً وضمناً وتلقائياً على أنهما يمثّلان المسيحيين في الجمهورية اللبنانية بالاستناد إلى ناتج الجمع بين محازبيهما وأنصارهما، وأيضاً من يصوتون لمرشحيهما في أي انتخابات، أنيابية كانت أم طالبية وبلدية.
بدت عائدات المصالحة المكرّسة في يوم معراب التاريخي “حرزانة” لكل من طرفيها اللذين شعرا بقوتهما تتضاعف فوراً بابتهاج غالبية المسيحيين، لكن ما تبع هذا الابتهاج خصوصاً بين “القوات” والكتائب أظهر رغبة في تحويل هذه الغالبية في اتجاه آخر، لتكون “ساحقة” فعلاً لكل من يعترض على “الثنائي المسيحي” المستجدّ والمساوي في الجوهر للثنائي الشيعي. الدليل هو أسلوب الرد “القواتي” على موقف حزب الكتائب الذي أعلنه رئيسه النائب سامي الجميّل، سواء من ترشيح الجنرال عون أو النائب سليمان فرنجية. “لن ننتخب مرشحاً من قوى 8 آذار، لا أصلياً ولا تايوانياً”، قال الجميّل. وما إن أنهى مؤتمره الصحافي حتى اشتعلت مواقع التواصل الإجتماعي بحملة تعليقات من “قواتيين” ومؤيدين لـ”القوات” و”عونيين أيضاً. تعليقات صاخبة غاضبة ومنسّقة ربما، توحي أن بعضهم نافد الصبر ضاق ذرعاً بكل من يجرؤ على مخالفتهم الرأي. نسي مطلقوها في لحظات أنهم كانوا يتغنون قبل وقت قصير بأبعاد وجماليات نرفانية في “المصالحة المسيحية” (المسيحية، حقاً؟).اشتغل “الخط الأحمر” بين معراب وبكفيا، بعدما بلغت السجالات العدائية مداها، فتوقفت. لكن الحديث المتلفز للرئيس أمين الجميّل إلى قناة “الجزيرة” أول من أمس أعاد تظهير مشهد الاختلاف بين “القوات” والكتائب في المرحلة الدقيقة. قلة ربما تذكر ما حصل في ربع الساعة الأخير من عهد الرئيس الجميّل. كان الوقت داهماً عندما لجأ إلى تعيين قائد الجيش الجنرال عون رئيساً لحكومة عسكريين موقتة. كانت مفاجأة غير سارة للدكتور جعجع الذي طمأنه الجميّل طوال أشهر إلى أنه في أسوأ الأحوال سيشكل حكومة سياسيين بينهم جعجع نفسه تتولى إدارة البلاد إذا لم يُنتخَب رئيس لخلافته. غير سارة لأن الرئيس المغادر قصر بعبدا كان قبل ساعات رافضاً توزير العماد عون في الحكومة وجعجع يصرّ على توزير قائد الجيش على رغم حذره الشديد من طموحاته، عالماً بأنه استنفر وحدات الجيش تلك الليلة 23 – 24 أيلول 1988 للقيام بتحرك ما، قد يكون انقلاباً عسكرياً إذا لم يتسلم هو السلطة.
بقية القصة معروفة. انتحى جعجع بعون جانباً وقال له: “أنا معك”. وسيدفع الجميّل الثمن بعد ساعات عملية عسكرية لميليشيا “القوات” سيطرت فيها على معاقله ومراكز أنصاره الحزبية في المتن، ثم تهجيراً من لبنان بناءً على رسالة نقلها إليه نائب قائد “القوات” آنذاك كريم بقرادوني. وبعد سجن الدكتور جعجع لم يستطع الجميّل العودة بفعل قرار سوري هذه المرة . كل هذه المراحل عاشتها عائلة الجميّل معه، ولا سيما نجله الرئيس الحالي للحزب النائب سامي، لكن النضالات المشتركة لشباب “القوات” والكتائب و”التيار العوني” ومن بعدها “انتفاضة الإستقلال- 2005” محت حقبة الخلافات السابقة وفتحت صفحة جديدة. هذه الصفحة تحديداً تتعرض اليوم للتمزيق . لعلّ الرئيس الجميّل لم يقدم الصورة كاملة عندما اعتبر في حديثه التلفزيوني أن مبادرة الدكتور جعجع “نسفت حركة 14 آذار” . كانت تلزم إشارة إلى أن ترشيح “المستقبل” لرئيس “المردة” النائب سليمان فرنجية سبق أن نسفها أيضاً. لا بل أن افرقاء عدة نسفوها على مراحل ومن ضمنهم الكتائب في بعض المواقف. لكنّ الرئيس السابق لم يجافِ الحقيقة عندما تحدث عن دوافع الدكتور جعجع إلى ترشيح الجنرال عون، فرئيس “القوات” بنفسه قال في مقابلته التلفزيونية الأخيرة عبر “إم تي في” أنه ما كان ليقدم على هذه الخطوة – ليس بهذه العجلة – لولا ترشيح فرنجية.
وفي كل الأحوال كان الأفضل عدم ترك انطباع أنه كلما اجتمع عون وجعجع يدفع آل الجميّل ومعهم الكتائب الثمن. فما هذه الجمهورية التي لا يمكن رئيس سابق للجمهورية أن يعلن رأيه صراحة من غير أن يتعرض للتعنيف والتوبيخ في بيان مؤسف منسوب إلى نائب حزبي (الدكتور فادي كرم)؟
وإذا لم يكن لأمين الجميّل مكان في دولة عون وجعجع العتيدة، فمن له مكان؟ وأي مصالحة “مسيحية” هذه بهذا المقدار من العدائية ورفض حق النقد؟
“حزب الله”.. متى “المكاشفة”؟
نبيل بومنصف/النهار/29 كانون الثاني 2016
لا ندري ماذا ستحمله اليوم اطلالة السيد حسن نصرالله من جديد في الملف الرئاسي الذي دارت كل الدوائر لتحمل “حزب الله” تبعة الاستمرار في تعطيله في ظل معادلة ولا اغرب يصعب على اللبنانيين فهمها. هي معادلة تمتع الحزب باللحظة القصوى التي يقدم له فيها زعيمان من مكونات ١٤ آذار حليفيه الكبيرين العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجيه مرشحين حصريين للرئاسة فيما هو لا يزال يتريث وينأى بنفسه عن اي جهد لإتمام الاستحقاق بأي وجهة. اقله ينتظر اللبنانيون تفسيرا واضحا مقنعا لهذا الاستنكاف عن شق طريق الانتخابات سواء بمحاولة توسيع التوافق الى اوسع مدى ممكن على اي من المرشحين او بترك المنازلة الديموقراطية تأخذ مداها عبر توافق عام على توفير النصاب السياسي والقانوني لجلسات انتخابية مفتوحة لا تقفل الا ومجلس النواب وضع حدا حاسما للفراغ الرئاسي. ولعلنا لا نبالغ ان انتظرنا مع المنتظرين خروج السيد نصرالله من الغموض الهائل الذي يغلف موقف الحزب حيال كل ما يثار ابعد من مسألة الترشيحات والعوامل الشخصية المتصلة بواقع كل من حليفيه اللذين صارا في اقل من اشهر ثلاثة حليفين لابرز خصومه. ونعني بذلك الاجتهادات والتفسيرات المبررة حيال طموحات بعيدة للحزب في إحداث تبديلات جوهرية في النظام الدستوري بحيث يأتي ” الانتصار ” كاملا ناجزا مرة واحدة حاسمة، ولا نظن بان هذه المخاوف خافية على الحزب وقيادته خصوصا بعدما اكتملت لديه لوحة التعادل السلبي بين ترشيح حليفيه على يد الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع من جهة وتحميله واقعيا تبعة اتخاذ القرار الحاسم بالافراج عن الانتخابات وعدم رهنها لأجندات اقليمية من جهة مقابلة. في هذا السياق المحموم الذي توغل اليه لبنان ما يجب ان يعاد تثبيته من حقائق هو ان طمأنة اللبنانيين الى استقرارهم لم تعد موقوفة على تداخل المصالح السياسية في اشكال غرائبية كالتي بلغتها معركة التنافس المنهك على الرئاسة بل باتت تتطلب مكاشفات “تاريخية ” تجيب على اسئلة الناس ومخاوف الكثير من اللبنانيين حول ماذا تراه يريد “حزب الله” حقيقة وفعلا وبمنتهى الشفافية من الاستحقاق الرئاسي رئيسا ومضمونا ومصيرا بلوغا الى المكاشفة الاكبر عما اذا كانت وجهته نحو تغيير النظام صارت ملازمة لموقفه من الاستحقاق. ثمة كثر يعتقدون انه لن يكون هناك واقع اشد سوءا واثارة للتداعيات الخطيرة مما يمكن ان يبلغه لبنان اذا تمادى الفراغ فيه بعد اشهر اخرى بعد. تبعا لذلك حان الوقت للتسوية الجذرية والآن بين الحزب وسائر القوى المتخوفة من مشروعه بما يملي زمن المكاشفة الصريحة حول الاتجاهات المتصلة بالنظام والطائف في المقام الاول والا فان اشد السوء سيبقى ماثلا مع كل هذا الغموض غير البناء اطلاقا.