د.مصطفى علوش: اغتيال وسام عيد انتقام من العدالة/حازم الأميـن: لا أريد رئيساً/نديم قطيش: إيران تستنسخ رفيق الحريري

286

اغتيال وسام عيد انتقام من العدالة
د.مصطفى علوش/المستقبل/28 كانون الثاني/16
«ذبيح بلا جرم كأن قميصه صبيغ بماء الأرجوان حضيب» (الشافعي عن اغتيال الحسين)
في مهرجان يوم القدس سنة ، وبعد بضعة أشهر من اغتيال رفيق الحريري، وبعد أن استعرض حرسه الثوري بمختلف تشكيلاته، قال حسن نصر الله، في جملة ما قاله، إن قضية اغتيال رفيق الحريري يجب أن تخرج من التداول كقضية حق عام سياسي ووطني، وأن تحصر في أولياء الدم! يعني أن تتحول قضية اغتيال رئيس وزراء لبنان في قلب بيروت، وضمن مؤامرة إرهابية كبرى، إلى قضية حق شخصي محصورة في ورثته!
لا شك أن حسن نصر الله كان قد نام والإبتسامة تعلو وجهه بعد أن زار قريطم بعد بضعة أيام من يوم شباط ، مقدماً واجب العزاء لعائلة «صديقه»، «الداعم الصادق للمقاومة» بعد أن سدت أبواب التعزية في وجه النظام السوري وأتباعه، لكونهم المتهمين المنطقيين بارتكاب الجريمة.
إطمئنان حسن نصر الله كان لحرارة استقبال آل الحريري له، ولتأكيدهم الإستمرار على النهج الذي خطه الوالد الشهيد. وللأمانة، فقد حرص ورثة رفيق الحريري ومن آل البيت ومن السياسيين الأقرب، على حفظ ظهر «حزب الله« وتحييده عن المشاركة في الجريمة لأسباب اساسها الثقة بأن الحزب «لا يمكن أن يورط نفسه في جريمة من هذا النوع؟!» وقد تعرض كل من شكك بهذه الفرضية، أو حتى تعرض ولو بلوم لطيف لحزب الله، وكان من ضمن صفوف تيار «المستقبل«، لمساءلة وحتى لتأنيب من قبل أركان التيار.
في لقاء مع نواب من كتلة المستقبل في آذار حضرتها شخصيا، قال لنا حسن نصر الله ممازحاً، بأن مخابرات النظام السوري فاشلة لدرجة أنها غير قادرة على القيام بعملية دقيقة وعالية التنظيم مثل عملية اغتيال رفيق الحريري، مشيراً إلى أنه يجب علينا الشك بأن قوة أكثر خبرة وتنظيماً هي من قامت بهذه المهمة.
في ظل كل ذاك العمى السياسي الذي أصبنا به في تلك الأيام العصيبة، كان ضابط في قوى الأمن يعمل بصمت خارج أطر الشعبوية السياسية والإتهامات الفارغة المضمون. عاد إلى العلم والبحث وعمل على تفكيك متاهة شبكة الإتصالات بشكل متجرد ومن دون معرفة مسبقة بلائحة المتهمين. وبما أنه لا توجد جريمة كاملة، فقد لعب عامل الصدف ونزق أحد المتهمين «الكازانوفي»، إلى الإمساك بأول الخيوط التي أدّت إلى مصطفى بدر الدين.
وحتى عندها لم يقصد وسام عيد إتهام «حزب الله«، لقد قام فقط بواجبه الوظيفي مدفوعاً في الوقت ذاته بإحساس بظلامة اغتيال رفيق الحريري. كان هدفه فقط كشف المجرم، وبالتالي تبرئة المتهمين ظلماً.
حتى عندما تمت مصارحة سعد الحريري بالوقائع الصاعقة، ظن بأن جهازاً تابعاً للمخابرات السورية اخترق حزب الله وقام بالجريمة لحساب بشار الأسد من دون علم حسن نصر الله. فكان الخيار مصارحة الحزب مباشرة بما وصلت إليه قضية الإتصالات ولكن طبعاً من دون ذكر اسم وسام عيد.
فجأة، ومن دون مقدمات، جرت محاولة اغتيال مسؤول فرع المعلومات المقدم سمير شحادة في الرميلة في الخامس من أيلول في غمرة السجال حول إنشاء المحكمة الدولية المتعلقة باغتيال رفيق الحريري، لقد أتت تلك المحاولة يومها لمعاقبة المسؤولين عن كشف قضية الإتصالات، وعلى الأرجح لإرهاب المؤسسة وافرادها وضباطها لدفعهم إلى التوقف على الإيغال في كشف الحقائق.
وعندما لم يؤد ذلك إلى وقف التحقيق، ولا إلى ثني الحكومة عن ملاحقة قضية المحكمة، اغتيل وسام عيد في الخامس والعشرين من كانون الثاني سنة ، يومها كانت قضية تورط «حزب الله« تتظهر إلى العلن من خلال تقارير صحفية ومن خلال العناد الشرس الذي مارسه هذا الحزب لوقف مسار المحكمة.
لم يكن لدى وسام عيد نيات مبيتة لاستهداف حزب الله لا على أسس سياسية ولا أمنية ولا مذهبية، وحسب علمي فقد كان لحسن نصر الله وحزبه احترام كبير في عائلة الشهيد وقريته، وحتى ضمن الأكثرية في طائفته. كان هدف وسام عيد خدمة الحقيقة وتحقيق العدالة، ولا أظن أن من قتله كان يعتقد أنه يمكن أن يقتل معه المعلومات التي وصل إليها وأصبحت بكاملها لدى المحكمة الدولية، لكن بعض الأحزاب تتصرف بما يشبه المافيا، تقتل أحياناً بقرار بارد لإزاحة العوائق أمام مشاريعها كما حدث لرفيق الحريري، وأحياناً انتقاماً وأحياناً أخرى لإرهاب من بقي على قيد الحياة. هذه هي منظومة الإجرام العقائدي الذي يمثل «حزب الله« أحد وجوهها.
() عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»

 

“لا أريد رئيساً”
حـازم الأميـن/لبنان الآن/28 كانون الثاني/16
المشهد اللبناني اليوم هو على النحو التالي: هناك مرشّحان لرئاسة الجمهورية من قوى 8 آذار، والمرشّحان قريبان من حزب الله، وجماعة 14 آذار هي من تولّت ترشيحهما. وعلى رغم ذلك حزب الله مستمر في اتّهام جماعة 14 آذار بتعطيل استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان.
والحال أنّه من المفترض أنّ وصول أيّ من المرشّحين سيكون وفق الحسابات اللبنانية خسارة محقّقة وواضحة لـ”14 آذار”، أيّ للجماعة التي تولّت ترشيح الرجلين المقرّبين من خصمها. وعلى رغم ذلك، فإنّ حزب الله مستمر في اعتبار أن قوى 14 آذار، وعبر ترشيحها حليفيه، تتولى تعطيل الاستحقاق عبر “مؤامرة الترشيح”. هل تذكرون “مؤامرة الانسحاب الاسرائيلي من جزين”؟ على هذا النحو تتناسل المؤامرات في الوعي الممانعاتي. فالمؤامرة وفق هذا الوعي هي أيّ استجابة للخطاب المُعلَن. نريد أن نحرّر الجنوب، وإذ بالجنوب يتحرّر! الاستجابة للفعل المقاوم مؤامرة طالما أنه يفضي إلى البحث بما بعد التحرير. نريد رئيساً حليفاً لـ”المقاومة” وإلا فأنتم متآمرون على المقاومة. إذاً فليكن الرئيس حليف المقاومة. ويا لهول ما فعلت أيها المتآمر! يبدو أنك تريد رئيساً وتريد أن تقدم تنازلاً! لماذا؟ ماذا يدور في رأسك؟ يبدو أنك تستدرجنا للسقوط في فخّ رغبتك ببلد طبيعي. كيف تتجرأ على ترشيح حليفنا الذي كان ذريعتنا للتمسّك بالفراغ، تماماً كما كان المحتلّ ذريعتنا للتمسك بالاحتلال وبالمقاومة. ليس هذا الكلام مماحكة مع خصوم. هو حرفياً ما يمكن أن يخلص إليه المرء إذا ما طرح على نفسه هذا السؤال: إذا كانت مسألة انتخاب رئيس مرتبطة برغبة حزب الله وجماعة 8 آذار بأن يكون الرئيس من بينهم، فها هي 14 آذار قد رشّحت لها كل من ميشال عون وسليمان فرنجية، وهما في صلب مشروعها، فلماذا التلكؤ في النزول إلى المجلس النيابي والإقتراع لأحدهما، لا سيما وأن وصول أي منهما هو نصر لـ”8 آذار” وخسارة لـ”14 آذار”؟ الجواب للمرة الألف هو أن لا شيء اسمه “8 آذار”، وهذه الجماعة هي ديكور سياسي وأهلي لحزب الله، والأخير لا يريد رئيساً في هذه المرحلة. لكن بعد أن أصبح مملاً تكرار هذه البديهة المثبتة والمبتذلة لشدّة وضوحها، يجب أن ننتقل بالسؤال للمسيحيين: هل صار واضحاً أمامكم من هي الجهة التي تتولّى إلغاء المنصب وتمهيش الموقع؟ المسيحيون غير راغبين بالإجابة عن هذا السؤال، والدليل الصمت الممارس حيال الإمعان في التهميش. المشهد اليوم واضح على نحو غير مسبوق. مرشحان للرئاسة حليفان لحزب الله. أي أنه لا حجة لعدم النزول إلى المجلس إلا اذا كانت الرغبة في وجود رئيس غير متوفرة أصلاً. الأرجح أن ضعف المستقبل وتلاشي “14 آذار” أوقع المسيحيين مجدداً في عجز جديد. لا سبيل لمواجهة حزب الله في ظل تحوّله قوة وحيدة على الساحة. واليوم لم تعد التورية ممكنة. المشهد واضح وجليّ. لا رئيس للجمهورية. المسؤول عن الفراغ لم يعد بوسعه سوى أن يعلنها بوضوح وصراحة. وها هو يقول: “لا أريد رئيساً”.

 

إيران تستنسخ رفيق الحريري
نديم قطيش/المدن/الخميس 28/01/2016
عشية الذكرى ١١ لإغتيال الرئيس رفيق الحريري إستعار الرئيس الايراني صفحات اساسية من كتاب تجربته. شكل الحريري النموذج النقيض لأطروحة ايران وحزب الله، وكان اغتياله ذروة التصادم بين مشروعين واقتراحيين عميقين على دول المنطقة وشعوبها. كان رفيق الحريري يقول أن خمسين عاماً من الصراع مع اسرائيل لم تنتج شيئاً للعرب وشعوبهم، بل فاقمت أدوات الصراع المعتمدة، والتي استحوذت عليها ايران من النظام العسكري القومي ثم من الكفاح الشعبي الفلسطيني، من بؤس العرب وتخلفهم. اراد الحريري مثل هذه السنوات او اقل للنهوض بالداخل العربي، عمراناً وتعليماً وبنىً تحتية وانخراطاً حقيقياً في دورة اقتصاد العالم والتشبيك مع مصالحه. كانت هذه فكرته عن المقاومة. لم يَخَف رفيق الحريري من ناسه، بمثل ما خافت الانظمة العسكرية القومية، ولا استسهل دفعهم للمراهقة الثورية والكفاح الشعبي الذي بدل ان يحرر القدس فجر العاصمة العربية الابهى بيروت.
لسنوات طويلة كانت تجربة رفيق الحريري في مرمى خصومه العقائديين المرعيين من ايران وسوريا. أرعبتهم شهيته للإعمار وهم الصامدون “قرب هذا الدمار العظيم” وممجدو البؤس كطاقة ثورية يجب الا تنضب. حاربوا فكرة الانماء والاعمار والاستثمارات وفرص العمل وكل اطروحته النهضوية، لأنها ببساطة شديدة تسحب من خزان البشر الذي يعوزونه لإستكمال الحروب بالوكالة ومشاريع الهيمنة والتوسع بإسم فلسطين وتحريرها وإنهاء إسرائيل من الوجود! ولم يكونوا مخطئين في تقديرهم، لا سيما بالنظر الى تجربة مشروع منح التعليم الذي ادارته مؤسسة رفيق الحريري بكفاءة عالية، ونجحت في سحب طاقة شبابية هائلة من سوق الاقتتال الاهلي ما ساعد على استنزاف المليشيات وقدرتها على التعبئة، وفتح امام جيل لبناني جديد أفقاً آخر غير الحرب! هذا المشروع الذي تصدى له فريق ايران في لبنان، ولم يمنحه الثقة مرة واحدة طوال عهود الحكومات التي شكلها رفيق الحريري، ثم تآمر على إغتياله، بحسب ما تتهم المحكمة الخاصة بلبنان، هذا المشروع صار مشروع ايران اليوم. يا للعجب!   قبل ايام قرأت أن الرئيس الايراني حسن روحاني أبلغ مجموعة من رجال الاعمال الايطاليين والايرانيين خلال زيارته لايطاليا ان بلاده، بما في ذلك المرشد علي خامنئي، مستعدة لاستقبال الاستثمارات الاجنبية، وتراهن عليها. بل ذهب الى حد التنظير أن الطريق الى محاربة التطرف والارهاب في العالم تمر من تحقيق النمو وتوفير الوظائف. إنتحال كامل لمشروع ورؤية رفيق الحريري الذي لم توفر مجموعة ايران جهداً لتهشيمهما وتعطيلهما!
لن يناقش أحد من اعداء رفيق الحريري الرئيس روحاني في جدوى تجديد الاسطول الجوي الايراني، بمثل ما نوقش رفيق الحريري وهوجمت رؤيته للمطار! وسيسكت المخونون عن تخوين روحاني ولن يربطوا بين مشاريع الاستثمار والتنمية والنهوض ومشروع “الصلح مع الشيطان الأكبر” بمثل ما خون رفيق الحريري وإعتبر كل حجر يبنيه وكأنه حجر في مشروع “الصلح مع اسرائيل”!
ولن يفند فطاحل التنمية من فرقة ايران ما سيترتب على الجمهورية الاسلامية من ديون للنهوض بالبلاد، كما جعل هؤلاء من لعبة “الدين العام” الهواية المفضلة في لبنان لسنوات وسنوات. لا يفيد القول أنه بعد ١١ سنة على إغتياله ينتصر رفيق الحريري وتنتصر رؤيته. فما بقي من هذه الرؤية في لبنان مجرد اشلاء وما سُرق منها لغير لبنان سيخدم التفوق على البلد الصغير، ويخدم الامعان في بهدلته واهانته واهانة اهله. فإيران التي تنتحل مشروع الحريري لا تبدو ذاهبة بكامل هذا المشروع وقيمه الى آخرها، حيث أن تجربة الحريري لم تفصل الانماء عن الديموقراطية وصيانة الحريات العامة والليبرالية الاجتماعية والسياسية والاعلامية. وأحسب ان ايران عاجزة وستظل لوقت طويل عن ازاحة جدار الفصل بين هذين المكونين، بحيث لن تترجم تجربة التنمية والنهوض بإيران قريباً، في تغيير جزء رئيس من طبيعة النظام وتحويله الى سوية ليبرالية تعطل محركات الثورة وتصديرها. ما زلت أؤمن أن قطار التغيير انطلق في ايران، لكنه تغيير بطيء، ومكونات التخلف في النظام قادرة على فرض قيود على هذا التغيير وسرعته وتحديد المساحات التي يمنع ان يطالها، في وقت قريب. ما يعني انه ليس من ضمانات جدية أن ايران التي ستشهد تحسناً في واقعها الاقتصادي، لن تجير هذا التحسن لمزيد من ثقافة الاعتداء على الاخرين! ليس أدل على ذلك من استبعاد حسن الخميني، حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية في ايران، من انتخابات مجلس الخبراء التي ستجري في 26 شباط المقبل.
هذا الاستبعاد عن المجلس الذي سيكون الجهة الناخبة لخليفة خامنئي، يدخل ضمن حسابات متشددي النظام ورغبتهم في الحفاظ على تفوقهم داخل المجلس بما يعطل قدرة الاصلاحيين على تغيير اتجاهات النظام السياسي من خلال الاتيان بمرشد اصلاحي. فلن يسمح المتشددون الذين يهيمنون على مؤسسة الحرس الثوري في تحويل صفحة رفع العقوبات عن ايران وعودة ايران العالم، الى منصة لتغيير طبيعة النظام الايراني. ولن يسمحوا لروحاني بأن يترجم النهوض الاقتصادي والتنمية أبعد من رفع مستوى معيشة الايرانيين.
إنها حلقة مفرغة بلا شك. فالتحسن الاقصادي سيعزز مطالب الاصلاحيين بالاصلاح ويكبر كتلتهم. والمصالحة مع الغرب ستضعف تدريجياً طاقة التعبئة عن المتشددين. هذا على المدى الطويل نسبياً. أما على المدى القصير فلا يزال بوسع النظام ان يحافظ على رؤوسه المتعددة وعلى تماسك مكوناته رغم سيرها بسرعات مختلفة وفي اتجاهات متناقضة. نحن امام صورتين وافدتين من ايران. نهضوية اقتصادية في صورة روحاني، ولا-نهضوية سياسية في صورة استبعاد حسن خميني. وبالتالي فإن استنساخ الحريري الجزئي في ايران يعني المضي بمشروع استئصال الحريري الكلي من لبنان.