اغتيال وسام عيد انتقام من العدالة
د.مصطفى علوش/المستقبل/28 كانون الثاني/16
«ذبيح بلا جرم كأن قميصه صبيغ بماء الأرجوان حضيب» (الشافعي عن اغتيال الحسين)
في مهرجان يوم القدس سنة ، وبعد بضعة أشهر من اغتيال رفيق الحريري، وبعد أن استعرض حرسه الثوري بمختلف تشكيلاته، قال حسن نصر الله، في جملة ما قاله، إن قضية اغتيال رفيق الحريري يجب أن تخرج من التداول كقضية حق عام سياسي ووطني، وأن تحصر في أولياء الدم! يعني أن تتحول قضية اغتيال رئيس وزراء لبنان في قلب بيروت، وضمن مؤامرة إرهابية كبرى، إلى قضية حق شخصي محصورة في ورثته!
لا شك أن حسن نصر الله كان قد نام والإبتسامة تعلو وجهه بعد أن زار قريطم بعد بضعة أيام من يوم شباط ، مقدماً واجب العزاء لعائلة «صديقه»، «الداعم الصادق للمقاومة» بعد أن سدت أبواب التعزية في وجه النظام السوري وأتباعه، لكونهم المتهمين المنطقيين بارتكاب الجريمة.
إطمئنان حسن نصر الله كان لحرارة استقبال آل الحريري له، ولتأكيدهم الإستمرار على النهج الذي خطه الوالد الشهيد. وللأمانة، فقد حرص ورثة رفيق الحريري ومن آل البيت ومن السياسيين الأقرب، على حفظ ظهر «حزب الله« وتحييده عن المشاركة في الجريمة لأسباب اساسها الثقة بأن الحزب «لا يمكن أن يورط نفسه في جريمة من هذا النوع؟!» وقد تعرض كل من شكك بهذه الفرضية، أو حتى تعرض ولو بلوم لطيف لحزب الله، وكان من ضمن صفوف تيار «المستقبل«، لمساءلة وحتى لتأنيب من قبل أركان التيار.
في لقاء مع نواب من كتلة المستقبل في آذار حضرتها شخصيا، قال لنا حسن نصر الله ممازحاً، بأن مخابرات النظام السوري فاشلة لدرجة أنها غير قادرة على القيام بعملية دقيقة وعالية التنظيم مثل عملية اغتيال رفيق الحريري، مشيراً إلى أنه يجب علينا الشك بأن قوة أكثر خبرة وتنظيماً هي من قامت بهذه المهمة.
في ظل كل ذاك العمى السياسي الذي أصبنا به في تلك الأيام العصيبة، كان ضابط في قوى الأمن يعمل بصمت خارج أطر الشعبوية السياسية والإتهامات الفارغة المضمون. عاد إلى العلم والبحث وعمل على تفكيك متاهة شبكة الإتصالات بشكل متجرد ومن دون معرفة مسبقة بلائحة المتهمين. وبما أنه لا توجد جريمة كاملة، فقد لعب عامل الصدف ونزق أحد المتهمين «الكازانوفي»، إلى الإمساك بأول الخيوط التي أدّت إلى مصطفى بدر الدين.
وحتى عندها لم يقصد وسام عيد إتهام «حزب الله«، لقد قام فقط بواجبه الوظيفي مدفوعاً في الوقت ذاته بإحساس بظلامة اغتيال رفيق الحريري. كان هدفه فقط كشف المجرم، وبالتالي تبرئة المتهمين ظلماً.
حتى عندما تمت مصارحة سعد الحريري بالوقائع الصاعقة، ظن بأن جهازاً تابعاً للمخابرات السورية اخترق حزب الله وقام بالجريمة لحساب بشار الأسد من دون علم حسن نصر الله. فكان الخيار مصارحة الحزب مباشرة بما وصلت إليه قضية الإتصالات ولكن طبعاً من دون ذكر اسم وسام عيد.
فجأة، ومن دون مقدمات، جرت محاولة اغتيال مسؤول فرع المعلومات المقدم سمير شحادة في الرميلة في الخامس من أيلول في غمرة السجال حول إنشاء المحكمة الدولية المتعلقة باغتيال رفيق الحريري، لقد أتت تلك المحاولة يومها لمعاقبة المسؤولين عن كشف قضية الإتصالات، وعلى الأرجح لإرهاب المؤسسة وافرادها وضباطها لدفعهم إلى التوقف على الإيغال في كشف الحقائق.
وعندما لم يؤد ذلك إلى وقف التحقيق، ولا إلى ثني الحكومة عن ملاحقة قضية المحكمة، اغتيل وسام عيد في الخامس والعشرين من كانون الثاني سنة ، يومها كانت قضية تورط «حزب الله« تتظهر إلى العلن من خلال تقارير صحفية ومن خلال العناد الشرس الذي مارسه هذا الحزب لوقف مسار المحكمة.
لم يكن لدى وسام عيد نيات مبيتة لاستهداف حزب الله لا على أسس سياسية ولا أمنية ولا مذهبية، وحسب علمي فقد كان لحسن نصر الله وحزبه احترام كبير في عائلة الشهيد وقريته، وحتى ضمن الأكثرية في طائفته. كان هدف وسام عيد خدمة الحقيقة وتحقيق العدالة، ولا أظن أن من قتله كان يعتقد أنه يمكن أن يقتل معه المعلومات التي وصل إليها وأصبحت بكاملها لدى المحكمة الدولية، لكن بعض الأحزاب تتصرف بما يشبه المافيا، تقتل أحياناً بقرار بارد لإزاحة العوائق أمام مشاريعها كما حدث لرفيق الحريري، وأحياناً انتقاماً وأحياناً أخرى لإرهاب من بقي على قيد الحياة. هذه هي منظومة الإجرام العقائدي الذي يمثل «حزب الله« أحد وجوهها.
() عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»
“لا أريد رئيساً”
حـازم الأميـن/لبنان الآن/28 كانون الثاني/16
المشهد اللبناني اليوم هو على النحو التالي: هناك مرشّحان لرئاسة الجمهورية من قوى 8 آذار، والمرشّحان قريبان من حزب الله، وجماعة 14 آذار هي من تولّت ترشيحهما. وعلى رغم ذلك حزب الله مستمر في اتّهام جماعة 14 آذار بتعطيل استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان.
والحال أنّه من المفترض أنّ وصول أيّ من المرشّحين سيكون وفق الحسابات اللبنانية خسارة محقّقة وواضحة لـ”14 آذار”، أيّ للجماعة التي تولّت ترشيح الرجلين المقرّبين من خصمها. وعلى رغم ذلك، فإنّ حزب الله مستمر في اعتبار أن قوى 14 آذار، وعبر ترشيحها حليفيه، تتولى تعطيل الاستحقاق عبر “مؤامرة الترشيح”. هل تذكرون “مؤامرة الانسحاب الاسرائيلي من جزين”؟ على هذا النحو تتناسل المؤامرات في الوعي الممانعاتي. فالمؤامرة وفق هذا الوعي هي أيّ استجابة للخطاب المُعلَن. نريد أن نحرّر الجنوب، وإذ بالجنوب يتحرّر! الاستجابة للفعل المقاوم مؤامرة طالما أنه يفضي إلى البحث بما بعد التحرير. نريد رئيساً حليفاً لـ”المقاومة” وإلا فأنتم متآمرون على المقاومة. إذاً فليكن الرئيس حليف المقاومة. ويا لهول ما فعلت أيها المتآمر! يبدو أنك تريد رئيساً وتريد أن تقدم تنازلاً! لماذا؟ ماذا يدور في رأسك؟ يبدو أنك تستدرجنا للسقوط في فخّ رغبتك ببلد طبيعي. كيف تتجرأ على ترشيح حليفنا الذي كان ذريعتنا للتمسّك بالفراغ، تماماً كما كان المحتلّ ذريعتنا للتمسك بالاحتلال وبالمقاومة. ليس هذا الكلام مماحكة مع خصوم. هو حرفياً ما يمكن أن يخلص إليه المرء إذا ما طرح على نفسه هذا السؤال: إذا كانت مسألة انتخاب رئيس مرتبطة برغبة حزب الله وجماعة 8 آذار بأن يكون الرئيس من بينهم، فها هي 14 آذار قد رشّحت لها كل من ميشال عون وسليمان فرنجية، وهما في صلب مشروعها، فلماذا التلكؤ في النزول إلى المجلس النيابي والإقتراع لأحدهما، لا سيما وأن وصول أي منهما هو نصر لـ”8 آذار” وخسارة لـ”14 آذار”؟ الجواب للمرة الألف هو أن لا شيء اسمه “8 آذار”، وهذه الجماعة هي ديكور سياسي وأهلي لحزب الله، والأخير لا يريد رئيساً في هذه المرحلة. لكن بعد أن أصبح مملاً تكرار هذه البديهة المثبتة والمبتذلة لشدّة وضوحها، يجب أن ننتقل بالسؤال للمسيحيين: هل صار واضحاً أمامكم من هي الجهة التي تتولّى إلغاء المنصب وتمهيش الموقع؟ المسيحيون غير راغبين بالإجابة عن هذا السؤال، والدليل الصمت الممارس حيال الإمعان في التهميش. المشهد اليوم واضح على نحو غير مسبوق. مرشحان للرئاسة حليفان لحزب الله. أي أنه لا حجة لعدم النزول إلى المجلس إلا اذا كانت الرغبة في وجود رئيس غير متوفرة أصلاً. الأرجح أن ضعف المستقبل وتلاشي “14 آذار” أوقع المسيحيين مجدداً في عجز جديد. لا سبيل لمواجهة حزب الله في ظل تحوّله قوة وحيدة على الساحة. واليوم لم تعد التورية ممكنة. المشهد واضح وجليّ. لا رئيس للجمهورية. المسؤول عن الفراغ لم يعد بوسعه سوى أن يعلنها بوضوح وصراحة. وها هو يقول: “لا أريد رئيساً”.