ثمانية أعوام على «وسام» .. الشهادة والحقيقة
علي الحسيني/المستقبل/25 كانون الثاني/16
ثمانية أعوام مرّت على استشهاد الرائد وسام عيد والذاكرة لم تشفَ من غيابه ولا من بصمات وأدلة ما زالت تشهد على جريمة ظن مرتكبوها أنهم سيفلتون من العقاب ومن عدالة بدأت تكشف عن وجوهم وتفضحهم بالأسماء حتى ولو حملوا أكثر من اسم واختبأوا خلف أقنعة مزيفة لم تزدهم إلا جبناً ولن تُضفي الى مسيرتهم سوى مزيد من القتل والسفك والاجرام. 25 كانون الثاني من العام 2008 كان يوما اسود في تاريخ لبنان حيث شهد فيه اللبنانيون انفجارا ضخماً، قدّرت زنته بنحو خمسين كيلوغراماً من مادة الـ«تي.أن.تي»، فكان وسام عيد في ذلك اليوم على موعد مع شهادة لا تليق إلا بأمثاله وبحجم الاجرام الذي كشف عنه في مخطط إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري حيث تمكّن بقدرات تقنية محدودة ومتواضعة من وضع المخطط على السكة الصحيحة بعد محاولات تمييعه ولفلفته، لكنه أبى إلّا أن يُحلّل الأرقام والإتصالات فاتحاً الباب على مصراعيه امام التحقيقات اللبنانية والدولية بشكل جعله هدفاً وجب التخلص منه.
لم تكن يد الاجرام في عملية اغتيال عيد ومعه المعاون أوّل اسامة مرعب، هي الأولى التي تطال أحد ضبّاط او أفراد شعبة «المعلومات» في قوى الأمن الداخلي، إذ سبقتها محاولة مماثلة لاغتيال مسؤول «الفرع» يومها المقدم سمير شحادة الذي نجا يومها بأعجوبة بينما استشهد أربعة من مرافقيه هم: الرقيبان الأولان عمر الحاج شحادة ونمر ياسين والرقيبان شهاب عون ووسام حرب، وجرح الرقيب الأول زاهر قداح بالإضافة إلى مهندس مدني كان يعمل في ورشة مجاورة لمكان الانفجار في منطقة الرميلة. وقد جاءت عمليتا الاغتيال من ضمن محاولات ضرب عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي كانت يومها في طريقها الى الإنشاء وهو الأمر الذي أزعج الجهات المتورطة بالجريمة. نوعيّة التفجير الذي استهدف عيد مع حجم المواد التي استخدمت في عملية اغتياله، يؤكدان أن القاتل كان يعرف حجم مهمّات هذا الرائد، وكان يدرك تماماً حجم خطره عليه خصوصاً لجهة اطلاعه وعلمه بالملفات الخاصة بالجرائم الإرهابية، وهو الذي من خلال خبرته كمهندس اتصالات ومعلوماتية، لعب دوراً هاماً وبارزاً مع لجنة التحقيق حيث مدّها بمعلومات عديدة مكنتها لاحقاً من وضع يدها على طرف الخيط في «جريمة العصر» وهو الذي استطاع ايضاً الكشف عن مُخططي ومنفذي جريمة تفجير «عين علق» في المتن الشمالي وذلك بعد أقل من ساعة على وقوعها من خلال تحليله آلاف الاتصالات في منطقة الإنفجار مع رصده ومجموعة من رفاقه، شبكة خطوط خليوية مؤلّفة من ثلاثة أرقام كانت تتواصل في ما بينها بشكل حصري. لم تبخل «المعلومات» بتقديم نخبة من ضباطها وعناصرها شهداء و«شهداء أحياء»، ففي التاسع عشر من تشرين الأول من العام 2012 قدّمت «الشعبة» رئيسها اللواء وسام الحسن شهيداً على مذبح الوطن بعمليّة اغتيال من خلال تفجير عبوة زُرعت إلى جانب سيارته، ليؤسّس دمه مرحلة جديدة على طريق العدالة التي كانت بدأت بقيام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وكان ثبّت الحسن قواعد جديدة من التعاطي الأمني مع العدو الإسرائيلي الذي أسقط له مع أفراد «شعبته» أكثر من ثلاثين شبكة تجسّس في لبنان، عدا الشبكات الداخلية من بينها شبكة سماحة – مملوك التي كانت تُخطّط للقيام بعمليات إرهابية واغتيالات هدفها زعزعة الأمن والاستقرار وخلق حلقة جديدة من مسلسل الدماء. لغاية اليوم، يصف زملاء عيد من الضبّاط في شعبة «المعلومات» زميلهم الرائد الشهيد بـ«الذكي»، وهم العارفون ان اغتياله كان مقصوداً منه عدة أهداف أولها شخصه، وثانيها «المعلومات» نفسها وثالثها أمن لبنان واللبنانيين. فهذا الجهاز الذي أثبت طيلة الاعوام السابقة مدى قدرته القوية والثابتة على كشف شبكات تجسس إسرائيلية ومحلية وشبكات إرهابية، لم يكن عمله سهلا لولا وجود قدرات آمنت بوطن نهائي لجميع أبنائه من دون تغليب فئة على أخرى، ولولا وجود ضبّاط وعناصر في مؤسسات امنية، أشعلوا عيونهم نارا ليحموا خط حدود وطنهم وأمنه.
العلاقات بين الطوائف غير سليمة وغير سوية
وسام سعادة/المستقبل/25 كانون الثاني/16
يحور اللبنانيون حول نقطة: تراكمت مشكلاتهم، بشكل يتكثف مشهدية ومعنى مع تراكم الاستعصاءات في ملف النفايات، وتعددت أوجه أزمتهم، النظامية بل الأهلية بل الكيانية، الى الدرجة التي صارَ فيها أي تناول جزئي، موضعي، قطاعي، تقني، لجانب دون آخر من جوانب الأزمة، «مثل قلته»، يتطاير زبداً هذا إن سبق الزبد بعض مؤثرات ابهار، وفي أحيان كثيرة، هو زبد لم يسبقه ابهار، وكلام وعظي يتكرر، ولو حسّن الوعظ اختيار المصطلحات التقنية الواجبة. في الوقت نفسه، وبالدرجة نفسها التي صار متفقاً فيه «ضمناً» بأن مشكلاتنا تراكمت الى درجة صار حلها شمولياً يكون أو لا يكون، فإنّ هناك قناعة «ضمنية» موازية، بأنّ أي بحث عن حلول جذرية لأزمة النظام والمجتمع والكيان سيصب رأساً في صندوق مصالح «حزب الله»، هذا الحزب المستفيد في الوقت نفسه من مكابرة المهونين من حدة وجذرية الأزمة اللبنانية، ومن «النتعات» الاصلاحوية الفاقدة لشروطها. لكن «حزب الله» ليس المشكلة الوحيدة في هذا البلد، وهنا بيت القصيد. العلاقات بين الطوائف غير سليمة، سياسياً على الأقل، وبالتأكيد ليس سياسياً فقط، وهذا لا يختزل الى مشكلة «حزب الله» وحدها. الحزب يستفيد من الخوف في طرح هذه المشكلة، مثلما سيستفيد حتماً من كل طرح انفعالي، متوتر لها، من كل طرح يصنف الطوائف بين من هي على حق وبين من هي على ضلالة، ويصنف زعماء التيارات الراجحة في الطوائف بين من أعطي الحكمة وبين من كان الحظ حليفه الى آخر مثل هذه التصنيفات التي تشوه لوحة القراءة أكثر مما هي مشوهة بتعقيدات التركيبة اللبنانية نفسها، ومنسوب الرياء المعجونة به هذه التركيبة. العلاقة بين الطوائف غير سليمة في لبنان. لا يختزل الأمر بالمشروع الهيمني الفئوي الذي يقوده الحزب. الحزب يتغذى من هذه العلاقة غير السليمة ومن الخوف من طرحها. ويرث بهذا الوصاية السورية التي تغذت من الشيء نفسه. اليوم، من جهة، صحيح، هناك مشكلة تتمثل في كيفية ان تختار كل مجموعة لبنانية ممثليها، وأن يقام العدل بين المجموعات في السياسة مثلما يقام العدل بين الأفراد المواطنين في القانون، نظرياً طبعاً (وحالة ميشال سماحة لا تشجع). وهناك، «على يسار» المعطى الأول، رأي مخالف يقول بأن العدالة بين الجماعات الطائفية وهم تختلقه التيارات الطائفية لتعطيل العدالات الاخرى، كالعدالة القانونية، والعدالة الاجتماعية، والعدالة الجندرية. وهناك على «يمين» هذا المعطى الأول، رأي يقول بأن الحل يكون بأن تختار كل طائفها حصتها المعطاة لها في مؤسسات الدولة كما لو كانت الطائفة ولاية قائمة بذاتها في نظام فدرالي. ثم هناك من يخلط بين المعايير وفقاً لمصلحته أو هواه أو تحسسه للمناخات المحيطة بلبنان، أو يسوّغ لنفسه ما لا يبيحه لسواه. بشكل عام، الكل غير قادر على الذهاب بشكل كامل الى تطبيق مبدأ «المعاملة بالمثل» أو «الرسيبروسيتي». لكن هذا التعميم لا يلغي التفاوت بين درجة ابتعاد كل قوة عن مبدأ «المعاملة بالمثل«. كل الجماعات تشعر بأن هناك شيئاً ما غير عادل يجري بحقها. كل الجماعات تصعد هذا الشعور، وتصعد معه شعور .. باللاسنية هنا، واللاشيعية هناك، والمارونوفوبيا أنى دعت الحاجة، وهكذا. لكن الجماعات تصعد عناصر واقعية، حقيقية، ولا تختلق من عدم كل شيء. من دون وعي ذلك، من دون تعميم الاعتراف بأن العلاقات بين الطوائف «باتت» غير سليمة وغير سوية وغير «مصرّح عنها»، الا عندما يستعاض عن التصريحات بنوبات الانفعال ورهاب الآخر، أو الآخرين، لا يمكن التقدم خطوة واحدة الى الأمام.