بعد الرد المحدود على اغتيال القنطار هل تكون حرب تموز هي الأخيرة مع إسرائيل؟
اميل خوري/النهار/18 كانون الثاني 2016
يمكن القول إن رد فعل “حزب الله” على اغتيال القيادي الشهيد سمير القنطار حتى الآن حدّد حجم الرد في الزمان والمكان وأكّد أن ذلك لن يبلغ حد قيام حرب مع اسرائيل، لأن آخر الحروب معها كانت حرب تموز 2006، وبات قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 هو الذي يحول دون تجدّدها، عدا أن الظروف السائدة في المنطقة لا تسمح بقيام مثل هذه الحرب. فالحرب على تنظيم “داعش” لها الأولوية على أي أمر آخر، وهذا التنظيم هو الذي يستفيد من أي حرب سواء كانت بين الدول العربية أو كانت ضد اسرائيل. لذلك فإن الفعل ورد الفعل بين “حزب الله” واسرائيل سوف يقتصر على ضربة تقابلها ضربة، وإن تفاوت حجمها، وقد تقوم حرب أجهزة لتنفيذ اغتيالات متبادلة لتكون بديلاً من حرب نظامية. لقد حقّق الأمين العام لـ”حزب الله” ما أعلنه على إثر اغتيال القنطار بقوله: “إنّ ردّ المقاومة على اغتيال القنطار قادم لا محالة”، وقد فعل بأوّل ردّ له على هذا الاغتيال، وقد تليه ردود من دون أن تغيّر قواعد المواجهة المحكومة بالقرار 1701 حتى وإن ظلّت اسرائيل قلقة في الداخل وفي الخارج من ردود الفعل التي قد لا تتوقّف انتقاماً للقنطار وتظل اسرائيل حائرة حول أين ومتى. وردود الفعل المتبادلة بين اسرائيل و”حزب الله” لن تثير قلق المجتمع الدولي ما دامت محكومة بالقرار 1701 وقد احترمه الطرفان ولو في حدّه الأدنى، وهو وقف العمليات العسكريّة وإن ظل يُخرق من حين إلى آخر.
ويرى بعض المراقبين إن وجود روسيا عسكرياً داخل سوريا يمنع قيام حرب بين أي جهة واسرائيل بدليل ان اغتيال الشهيد القنطار تم داخل سوريا وبوجود منظومة دفاعية روسيا تغطّي سماء سوريا، ولا جبهة الجنوب اللبناني مع اسرائيل مسموح تحريكها ولا تحريك جبهة الجولان مسموح أيضاً لأن المطلوب في الظرف الراهن ليس إشعال حروب في المنطقة مهما بلغت حدّة التوتّر بين دول عربية ولا سيما بين السعودية وإيران، إنّما المطلوب بذل المساعي لايجاد حلول للأزمات في سوريا وفي اليمن وفي العراق وفي ليبيا توصلاً إلى اقامة حكم قوي فيها مدعوم من الشعب ومن كل القوى السياسية الأساسية في كل دولة لتكون قادرة على القضاء على ما تبقى من التنظيمات الإرهابية، بحيث لا تعاود نشاطها مستفيدة من ضعف الحكم في أي دولة.
الواقع ان الاتفاق النووي بين أميركا وإيران لم يعقد من أجل إدخال المنطقة في حروب مدمّرة إنّما في مرحلة سلام ثابت ودائم تحميه دول يقوم فيها حكم قوي متماسك وله شعبيته، وان بداية تنفيذ هذا الاتفاق ومن ثم رفع العقوبات عن إيران يجعلان المنطقة يسودها الأمن والاستقرار العام والازدهار، وهذا يشكّل أهم وسيلة لمكافحة الفقر الذي يولّد الارهاب. ولكي يقوم في كل دولة في المنطقة حكم قوي، لا بدّ من منع وجود أي سلاح خارج الدولة بحيث يأتي بعد ضرب الارهاب دور الميليشيات التي لا يعود مبرّر لوجودها، وسوف يعتبر هذا السلاح غير شرعي ويجب إزالته، خصوصاً بعد التوصّل إلى حل للقضية الفلسطينية على أساس قيام دولتين يمنع قيامهما وجود تنظيمات مسلّحة جهادية. وعندم تقوم دولة قوية في كل دولة في المنطقة تتحمّل هي وحدها مسؤولية حفظ الأمن والاستقرار فيها، فلا يعود ثمة مبرّر لوجود تنظيمات مسلّحة إلى جانبها تعوق سير الحكم وتضعفه، وهذا ينطبق طبعاً على لبنان الذي تعذّر أن تقوم فيه دولة قوية حتى الآن بسبب وجود سلاح خارجها، ولا حل لمشكلته إلاّ بالتوصّل إلى حل للأزمة في سوريا قد تكون مدخلاً لحل كل الأزمات وإزالة التوتّر بين عدد من الدول ولا سيما بين السعودية وإيران. لذلك، فكما أن التنظيمات الارهابية تهدّد أمن واستقرار دول كثيرة في العالم، فإن كل سلاح خارج الدول يهدّد الأمن والاستقرار فيها. فهل ينتهي العام 2016 وقد ارتاح العالم من التنظيمات الارهابية وتخلّص من كل سلاح يحول دون قيام الدولة القوية القادرة على بسط سيادتها وسلطتها على كل أراضيها فلا يكون قانون غير قانونها ولا سلاح غير سلاحها فتنعم الشعوب عندئذ بالأمن والأمان والاستقرار والازدهار؟
رفع العقوبات يعيد إيران إلى الحضن الدولي لا يريح “حزب الله” بل يزيد التشدد الأميركي
سابين عويس/النهار/18 كانون الثاني 2016
ما إن أعلن الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران أوفت بالتزاماتها في شأن الاتفاق النووي، حتى بادرت واشنطن الى الإعلان أن الاتفاق النووي مع طهران دخل حيز التنفيذ، لتكر وراءه سبحة اعلانات مماثلة عن الدول الأوروبية، فتُفتح بذلك صفحة جديدة من العلاقات بين الاسرة الدولية وطهران، أهم ما فيها أنها أعادت بلاد فارس الى الحضن الدولي والى نظامه، مع كل ما ستحمله هذه العودة من تحديات ومحاذير بعد العزلة الدولية التي حاصرتها لعقود من الزمن. فيما ينتظر العالم آليات رفع القيود الاقتصادية التي ستتطلب نقضاً أو إلغاء لقوانين وإجراءات حكمت العقود التجارية والتعاملات المالية في حقبة الحظر، يرى المراقبون الاقتصاديون أن من المبكر جداً تقويم المكاسب التي ستتحقق لطهران أو لدول الغرب أو العالم العربي من جراء عودتها المشرعة الى الساحة الدولية، خصوصا أن بدء تطبيق الاتفاق النووي يأتي في خضم التغيرات التي تشهدها الساحة الإقليمية والدولية، وقد كان الاتفاق جزءاً أساسياً في تركيب المعادلات التي ستحكم الشرق الاوسط الجديد وترسيم خريطة طريقه. لم تكن مصادفة أن يأتي قرار رفع العقوبات بعد أيام قليلة على صدور قانون أميركي جديد يحظر التعامل مع “حزب الله” ويفرض عقوبات شديدة على كل التعاملات المشتبه فيها، ليس لعناصر تابعة للحزب، ولكن حتى لتجار أو قريبين منه.
ولم يكن هذا القانون بريئا بما أنه قرر تشديد القبضة الأميركية على الحزب، مع ما يستتبعه ذلك على لبنان، فيما كان يرخيها في المكان الذي يشكل المصدر الأساسي لتمويل الحزب ولشبكاته الخارجية. وهذا التزامن لا بد أن يستدعي قراءة لمضامينه والرسائل التي على لبنان أن يتلقفها، بمصارفه من جهة وبسلطاته من جهة ثانية، وبـ”حزب الله” من جهة ثالثة. عندما صدر القانون الأخير، مع ما أثاره من ضجة في الاعلام بعد تناوله مباشرة من الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله من خلال دعوته المصارف الى عدم الانصياع للإرادة الأميركية، ساد نقاش داخلي بعيد من الاضواء بين المصارف التي يستعد وفد منها للسفر في ٢٤ من الجاري الى واشنطن للقاء الدوائر المالية الأميركية، حيال المقاربة الواجب إتباعها لاحتواء التعاطي الإعلامي السلبي او غير المتفهم للموضوع، ولأهميتها على سمعة لبنان وقطاعه المصرفي. وقد انقسم الرأي بين من دعا الى الاستمرار في التزام الصمت بما أن لا شيء لقوله ما دامت المصارف تلتزم القوانين، وليس ضروريا بالتالي تكرار ذلك كلما صدر قرار أو اتخذ إجراء. وذهب الرأي الآخر الى ضرورة شرح المواضيع الملتبسة على الاعلام، منعا لخروجها عن سياقها. وقرّ الرأي على عدم التعليق إلا عند الحاجة، والواضح أن لا حاجة راهنا الى إيضاحات ما دامت المصارف تقوم بواجباتها.
ستساعد زيارة الوفد المصرفي اللبناني لواشنطن ونيويورك الأسبوع المقبل في إطار الزيارات الروتينية التي تقوم بها المصارف سنويا للولايات المتحدة، في استيضاح القانون وآليات تطبيقه، لكنها ستساعد كذلك في إفساح المجال امام المصرفيين اللبنانيين للإستفسار عن آلية رفع العقوبات عن طهران بالنسبة الى المصارف اللبنانية، وما سيرتب عليها التعامل المالي الجديد، وفق اي قوانين او معايير. بات أكيدا للوسط المصرفي أن ثلاث حقائق ستحكم المرحلة المقبلة في مقاربة الملف المالي:
– ان الولايات المتحدة جدية جداً في تطبيق القانون الجديد وتضييق الخناق على الشريان المالي لـ”حزب الله”. – ان المصارف ستكون ملتزمة الى أقصى الحدود ولن تسمح بأي تفلت يؤثر عليها.
– ان “حزب الله”، رغم رفضه للمنظومة المالية والمصرفية القائمة، لن يعرض المصارف اللبنانية لأي تهديد، إنطلاقا من حرصه على الاستقرار الداخلي والحؤول دون انهيار الأوضاع، خصوصا أنه يعي تحميله مسؤولية التعطيل والشغور الرئاسي.
ثمة حقيقة رابعة لا بد من أخذها في الاعتبار، وتكمن في أن الادارة الأميركية مضطرة الى إعطاء إشارات واضحة وجدية مفادها أنها لن تخفف الضغط على “حزب الله”، بما يطمئن إسرائيل من جهة ويؤكد الموقف الاميركي الصارم في شأن مكافحة تمويل الارهاب، من جهة أخرى.