عندما يلبس «حزب الله» قميص الإرهاب.. الأسود
علي الحسيني/المستقبل/18 كانون الثاني/16
يوماً بعد يوم تتعزّز مقولة أن البلد محكوم من «حزب الله»، وتُستتبع هذه المقولة بعبارات أخرى مثل أنه هو الآمر والناهي والمُتحكم بكافة مفاصل الدولة والقابض بسلاحه على الشأنين العام والخاص. ومن هنا يُمكن أن يتلخص الوضع في هذا البلد الذي يقف على حد سكين، بأن لا حياة مع «حزب الله»، ولا الحزب هو مع الحياة، وكأنهما يسيران على خطين متوازيين لن يلتقيا الى ابد الدهر. منذ تخلية سبيل المجرم ميشال سماحة منذ ايام، و»حزب الله» يُحاول أن يمنحه صفة البريء أو البطل، وذلك في سياق إسطورة يحاول أن يرسمها تُظهره وكأنه خرج من سجنه بعد صراع انتصر في نهايته الحق على الباطل، لكن الحزب تناسى كعادته أن في هذا البلد مجرمين يتلطون خلف مواقفه السياسية ويحتمون في ظل سلاحه المتفلت والجاهز دائما وابدا للتلويح بـ»7 ايار» جديد وكأن هذا اليوم «المجيد» الذي قُتل فيه شعب بسلاح قيل فيه ذات يوم إنه موجود لحمايتهم، أصبح عنواناً للإنتصار والعزّة والكرامة، ولكن في الحقيقة فإن هذا «الإنتصار» يُشبه إلى حد بعيد، إنتصار ال الأسد الوهمي «االتشريني» الممتلئ بالذل والعار، ورغم ذلك يُصر هذا الحلف «الممايع» على وصفهما بـ»المجيدين».
اليوم لم يعد مستغرباً أن يقف «حزب الله» مع أمثال سماحة، ومواقفه في هذا الإتجاه كثيرة منها، منح بعض عملاء اسرائيل في العام 2000 مكاسب سياسية أوصلتهم في بعض الحالات إلى ترؤس بلديات ووقوفه الى جانب النظام السوري في عملية إبادة شعبه، ودفاعه عن الداعية عمر بكري فستق واخراجه من سجنه قبل أن يعود ويدخله ثانية بتهم التحريض على الدولة، مروراً بإرتكابات عديدة في بيروت وصيدا والشمال، وصولاً إلى تأييده جريمة إخراج المجرم من سجنه الذي استهل اولى عباراته بعد قرار العار أنه سيُعاود ممارسة نشاطه السياسي مجدداً، ومن يدري فقد يُعيّن الحزب للمجرم سماحة أحد مُحاميه ليطالب الدولة باسترداد المضبوطات التي ادخل السجن بسببها.
تحوّل يوم «القمصان السود» إلى عنوان وعلامة يطبعان نهج وطريقة «حزب الله» في التعاطي مع الإستحقاقات المصيرية، فممارسته الإنقلابية على الدولة ومؤسساتها وأعرافها في ذلك اليوم الأسود، أصبحت دليلاً يُدرّس في صفحات كتبه وفي أجندته السياسية والامنية والعسكرية، وما يُمارسه اليوم في ملف سماحة يدعو إلى الحذر مجدداً من إنقلاب جديد يمكن أن يقوم به للتغطية على ممارساته في سوريا بحق شعبها وللتعمية على تدخله في عمل القضاء وتحديدا عمل المحكمة العسكرية التي تأذى اللبنانيون من حكمها الاخير وذلك على حد وصف رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة بأن «ما قامت به المحكمة العسكرية بتخلية سبيل المجرم ميشال سماحه يعد إجراءً ظالماً وجائراً، وهو بمثابة جريمة إغتيال لكرامة اللبنانيين وبالتالي لن نسمح أن تستمر هذه المحاكم التي يتحكم بها حزب السلاح والقمصان السود«.
لم يعد هناك أدنى شك بوجود نيات مبيّتة لدى «حزب الله« تجاه الوضع في لبنان وتحديداً الوضع الحكومي، وكأنه مخطط يقضي بإسقاط أهم مؤسسات الدولة الرسمية يعقبه انهيار في ما تبقّى من بنية هذه الدولة خصوصاً أن للحزب سوابق في هذا المجال إمّا من خلال اعتماده طرقاً سياسية ملتوية أو في الشارع، وقصّة «القمصان السود« ما زالت تشهد على الحالات التي تفلّت فيها الحزب من عقاله وانقلب من خلالها على الشرعية والدستور والأعراف في البلد. ودفاعه اليوم عن المجرم سماحة يعتبر بمثابة دق المسمار الاخير في نعش النزاهة المتمثلة بالقضاء اللبناني وتحديداً العسكري.
يفرد «حزب الله» مساحات واسعة في اعلامه المرئي والمسموع، لتغطية تخلية سبيل المجرم سماحة والدفاع عنه في وجه الشارع اللبناني الذي خرج مطالبا بعودة المجرم من حيث اتى، مدافعاً عن نفسه من مُخطط كان قاب قوسين من أن يستهدفه لولا ان احبطته شعبة «المعلومات». لكن ما يدعو إلى عدم الإستغراب من موقف الحزب هذا، وقوفه بكل قواه السياسية والعسكرية الى جانب النظام الذي كلّف المجرم سماحة بالقيام بخطة اجرامه هذه ودفاعه المستميت عنه حتّى ولو كلّفه سقوط ما يُقارب الألفي عنصر من أجل قضية لن يربحها سوى الشعب السوري.
السقطات السياسية والإعلامية المتكررة لـ»حزب الله»، ما هي سوى مؤشر واضح على التخبط والارتباك في سياسته في التعامل مع مجموعة من القضايا على الساحتين المحلية والعربية، وما تبنيه لقضية المجرم سماحة ومحاولة اظهاره كبطل وطني ومظلوم، على الرغم من كل الإدانات التي اثبتت جرمه وتورطه، إلا موقف كيدي وغير مدروس، سبقته جملة مواقف تصب جميعها في خانة ضرب مؤسسات الدولة وتحديداً الدستورية، وكأنه أيضاً موقف واضح يؤكد من خلاله تبنيه للإرهاب.
ميشال سماحة كما روى زاهي البستاني
ايلي الحاج/النهار/18 كانون الثاني 2016
رغب بشير الجميّل بالحاح في معرفة مصدر كان يعلم بأنه يزوّد الأمن العام معلومات دقيقة عما يحصل ويُقال في الاجتماعات التي تنعقد في البيت المركزي لحزب الكتائب. عندما صار زاهي البستاني في الموقع المتقدم بين فريق معاونيه الذي أشرف على عملية ايصاله الى رئاسة الجمهورية والتخطيط لما بعدها، سأله بشير الجميّل أن يلبي طلبين. الأول أن يحضر اجتماعاً للمكتب السياسي الكتائبي ليتعرف المسؤولون الحزبيون، مجرد تعرف، الى هذه الشخصية اللاحزبية التي صارت في الموقع الأول عند الرئيس العتيد. الثاني أن يخبره باسم المُخبر الذي أرهقه التفتيش عنه مدى سنوات. كان جواب زاهي: “بالنسبة الى الطلب الأول كلا، لن أحضر اجتماعاً في الصيفي. بالنسبة الى الطلب الثاني، أنا لا أكشف مصادري”. اغتيل بشير الجميّل ولم يعرف من هو مصدر الأمن العام لدى قيادة الكتائب. وكان زاهي البستاني المبتسم غالباً، كتوماً جداً ومستودع أسرار عظمى للجمهورية لا يخبر شيئاً عما يعرف. لكنه بعد تقاعده كان يكشف أمام حلقة ضيقة ممن يثق بهم، بعضاً من مفاصل ومحطات من حرب لبنان. أما السرد الطويل للأحداث وما رافقها ففي جعبة زميل صحافي سجله في باريس، كما في جعبة أحد أفراد عائلته المباشرين. سيكون هذا الأرشيف المسموع يوماً عند تحوله مكتوباً ذا دويّ، بمثابة كشف أسرار الحكومات وأجهزة معلوماتها في بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وسواها بعد مرور الوقت الكافي، والذي يختلف بين دولة ودولة.
لم يخبر زاهي البستاني صديقه بشير الجميّل بأن ميشال سماحة كان يكتب اليه دورياً عما يجري في بيت الكتائب، والأرجح لم يكن ليرغب في كشف ذلك، ليس اليوم. لكن ما يبيح اخراج المعلومة الى الضوء مصلحة لـ”قضية لبنان” كما كان يسميها البستاني ورفاقه. كما أن سماحة نفسه لم يرتدع عن تعلقه، ليس بالأمن العام وحده بل بأجهزة أمن متعددة، لبنانية وغير لبنانية، وان كانت قمة صعوده في عهد رفيقه الذي أعلن انفصاله عنه، اللواء جميل السيد، بعد خروجه الملتبس والصاخب من السجن بقرار من محكمة التمييز العسكرية. كان ميشال سماحة مخبراً من أول شبابه، أيام ترأس مصلحة الطلاب في حزب الكتائب، زمن اعتمد الحزب قراراً بأن يكون رئيس هذه المصلحة عضواً حكماً في المكتب السياسي. من سخرية القدر أن يوقع به أو يكشفه مُخبر أصغر بعد عقود. غير المال، الذي كان لا يتجاوز مصروف الجيب العادي لشاب يقيم في بيروت، ما الذي يجذب حزبياً يتسلق المسؤوليات الطالبية والسياسية الى العمل مع جهاز أمني على حساب مصلحة حزبه؟ السؤال يصير أكثر وجاهة باسترجاع وقائع تبيّن أن الشاب الطموح الذي يهوى السياسة والصحافة والاعلام والتعامل مع أجهزة الأمن تنقّل بين هذه الأجهزة مراراً من غير أن يتوقف عند تناقض سياساتها، والاختلافات بين حقبة وحقبة وبين عهد وعهد ودولة ودولة. بعد الكتائب التي أسس فيها جهاز الأمن قبل ايلي حبيقة انتقل للعمل مع حبيقة في جهاز أمن “القوات اللبنانية” أيام الميليشيا، وكان الطابخ الأساسي لـ”الاتفاق الثلاثي”، وبعدما أطاح سمير جعجع هذا الاتفاق بالقوة وبالتحالف مع أمين الجميّل أيام رئاسته قبل ثلاثين عاماً في 15 كانون الثاني 1986 دخل سماحة دائرة العمل مع الأمن السوري في ظل حافظ وبشار الأسد على التوالي. ومن هناك أطل على “المقاومة” وانتسب اليها حدّ البكاء لدى ذكر اسم السيد حسن نصرالله أمامه. قضية ميشال سماحة الى أين بعد عودته الى منزله وعائلته؟ تبدو متجهة بالأكثر الى فتح ملف القضاء برمته في لبنان، أكان عسكرياً أم أمنياً. لعلّ رأي وزير عدل سابق هو شارل رزق يفيد بدقة هنا في التحديد: “الدولة، أي دولة، تقوم على توازن ثلاث سلطات، الاشتراعية أي البرلمان، التنفيذية أي الحكومة. لكن البرلمان عاجز عن انتخاب رئيس ريثما تأتيه تعليمات من الخارج، والحكومة عاجزة عن التخلص من النفايات ريثما يتفق الوزراء على تقاسم عمولات. وتريدون قضاءً؟”.