قوائم الإرهاب: “فيتو سعودي” على ترشيح سليمان “الزغير”؟
الشفاف/28 تشرين الثاني/15
كان مفاجئا تزامن صدور لائحة اشخاص ومنظمات عن وزارة الداخلية السعودية في تصنيف أشخاص ومنظمات لبنانية على قائمة الارهابيين، في بادرة هي الاولى من نوعها في المملكة، مع تصاعد حدة الكلام عن ترشيح سليمان فرنجيه لرئاسة الجمهورية اللبنانية مدعوما من الرئيس سعد الحريري. معلومات أشارت الى ان خطوة الحريري جاءت منسّقة مع ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي أعطى الغطاء للحريري ليبادر إلى طرح وتبني ترشيح حليف بشار الاسد وحزب الله لرئاسة الجمهورية اللبنانية، في وقت الذي يهدد وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، بشار الاسد بالرحيل عن سوريا سلما او حربا، وتصدر وزارة الداخلية السعودية التي يرأسها محمد بن نايف، قراراً هو الاول من نوعه، بتصنيف حلفاء الاسد من حزب الله في لبنان على لائحة الارهاب السعودية. فكيف تستقيم الامور إذاً؟ جناح وزارة الداخلية السعودية مع وزارة الخارجية، ضد “محور الممانعة”، وضد حزب الله وضد بقاء الاسد في سوريا، وتاليا ضد وصول حليف هذا الحلف، الى رئاسة الجمهورية في لبنان. علما ان فرنجيه ابلغ الرئيس الحريري في الاجتماع الباريسي الشهير ان لا يطلب منه موقفا من سلاح حزب الله، ولا من سوريا، فهذه قناعات لدى فرنجية لا تخضع للبحث ولا للتفاوض! في المقابل ولي ولي العهد يدعم الرئيس الحريري في طرح وتبني ترشيح حليف “محور الممانعة” سلميان فرنجيه لمنصب رئيس الجمهورية في لبنان، خلافا لقناعات الحريري، وقوى 14 آذار، التي يفترض ان يكون الحريري احد ابرز قياديها. وتشير المعلومات الى ان عرقلة تسوية فرنجيه الحريري، سوف تحصل في الخارج، وفي تفاوت وجهات النظر داخل المملكة العربية السعودية، وأن ثنائي الحريري-فرنجية في لبنان، لن يستطيع ان يشكل رافدا اقليميا داعما لمحمد بن سلمان في صراعه مع الرجل القوي محمد بن نايف، وفق ما يسوق انصار الحريري من المؤيدين لوصول فرنجيه على قلتهم، من ان فرنجيه من دون الاسد في سوريا سيكون اكثر مطواعية وداعما للملكة العربية السعودية. وتضيف المعلومات ان الحريري فاته ان وجود فرنجيه في بعبدا، سيبقي على سلاح حزب الله ودويلته، وهذه تجربة خاضها والده الشهيد رفيق الحريري، مع الرئيس السابق اميل لحود، وانتهت باغتيال رفيق الحريري، وان فرنجيه نفسه كان من فريق عمل اميل لحود، والاثنين كانا في فريق النظام السوري بشار الاسد. وتشير الى ان ثنائي فرنجيه الحريري قد يمثل مكسبا قصير المدى للحريري، فيترأس حكومة العهد الاولى التي سيفخّخها فرنجيه وحزب الله بوزرائهما، وهي ستكون عرضة للانهيار عند اول استحقاق، من نوع تمويل المحكمة الدولية. فينسحب وزارء الشيعة، وتخسر الحكومة بدعة ميثاقيتها، على ما يمكن أنيفتي رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ولا شيء يمنع من ان يولي “الرئيس” سليمان فرنجيه حكومةَ العهد الثانية لعبد الرحيم مراد، او الرئيس نجيب ميقاتي.
حجر في مستنقع
الياس الزغبي/لبنان الآن/28 تشرين الثاني/15
لم يكن ما جرى في الأيّام الأخيرة حول الرئاسة اللبنانيّة بحثاً جادّاً في تحديد الرئيس العتيد، إسماً وتصنيفاً ونهجاً والتزامات وخيارات، بل مجرّد تمرين في الوقت الضائع، يتمّ بعده حساب الأرباح والخسائر داخل كلّ فريق وفي المواجهة البينيّة بين الأفرقاء.
صحيح أنّ هؤلاء الأفرقاء تعاطوا مع الترويج للنائب سليمان فرنجيّة رئيساً، بعضهم بجديّة ظاهرة وبعضهم الآخر بخفّة مكتومة، لكنّ الجميع كان يحتسب أنّ المسألة، في حقيقتها، هي اختبار ضروري لتحريك المياه الراكدة، لعلّ عوسجهم السياسي يعطي ثمرة من حيث لا يدرون.
وقد توزّع السياسيّون والكتل النيابيّة في مقاربتهم الأمر، بين التصديق والاستهجان والاستخفاف، على فئات أربع:
فئة مبادِرة تضمّ الثلاثي برّي الحريري جنبلاط.
ثانية متربّصة هي “حزب الله” والذين في جلدته من البعث والقومي وأرسلان.
ثالثة مرتابة ومترصّدة تضمّ عون (مع الطاشناق)، وجعجع، مع تمايز حزب الكتائب.
ورابعة من 9 نوّاب مستقلّين بين عكّار وطرابلس والبترون وبيروت والشوف يتباينون في حسم مواقفهم.
وفي حين كان الثلاثي الأوّل يترقّب ردّ طرفَي “إعلان النيّات”، جاءه الإرباك من حيث لم يكن يتوقّع، من رئيس الكتائب سامي الجميّل، فاختلطت الأوراق من جديد قبل أن تُضطرّ معراب والرابية إلى استعادة مشهد 1988 بقطع الطريق أمام سليمان الكبير ومخايل الضاهر آنذاك.
وليس خافياً أنّ ما يجمع هؤلاء الرافضين الثلاثة ليس هو نفسه، فحسابات جعجع والجميّل تتقاطع عند المبدأ، أي قياس الرئاسة الأولى على الأسس والأهداف الكبرى، من فكرة تحييد لبنان إلى رفض السلاح غير الشرعي وتورّطه في سوريّا والتزام القرارات الدوليّة والدستور.
بينما عون يلتزم “خطّ” فرنجيّة المعروف، ولا يرفضه على الأساس المبدئي كحليفَين مشتركين لبشّار الأسد وحسن نصرالله، بل على خلفيّة من له الأحقيّة الشخصيّة في الرئاسة تحت شعار تمثيل المسيحيّين. ولم يكن كلام رئيس التيّار العوني عن “الأصيل” (عون)، إلاّ رفضاً ل”البديل” (فرنجيّة).
وإذا أهملنا احتمال أن يكون موقف تيّار “المستقبل” مناوراً أو فقط بهدف تحريك الملفّ الرئاسي وإحياء المؤسّسات ولو على حساب المبادئ والتحالفات العميقة، فإنّ ما بعد طرح اسم فرنجيّة للرئاسة لن يكون كما قبله.
فالكثير من المياه يجري تحت جسور القوى السياسيّة، سواء كانت حليفة أو متخاصمة، وخلط الأوراق سيغيّر المشهد السياسي، بدون بلوغ مرحلة هدم الجسور وقلب التوازنات السابقة.
فليس في المنطق السياسي أن ينقلب الموقف رأساً على عقب مطيحاً بكلّ تراكمات الأزمة والخصومات بما فيها من شهداء ودماء، لأنّ أيّ انقلاب حادّ في الهدف السياسي والوطني سيرتدّ حكماً على القائم به، وصيّادو الفرص على الأبواب.
وتتهاوى في هذا السياق النظريّة القائلة بأنّ “الخط” يسقط برحيل الأسد، وأنّ فرنجيّه بدون سنده السوري يكون مكشوفاً ولا يشكّل عقبة أو خطراً، وأنّ إيران التي ستدفع في سوريّا ستحصل فقط على شيك بلا رصيد في لبنان. فهي مبرّرات واهية لتغطية صفقة سياسيّة ما معقودة في الخارج ومفروضة على الأطراف اللبنانيّين.
قراءة متخوِّفة من ترشيح فرنجية ونقاش يقارب الـ «ضد» والـ «مع»
اللواء/28 تشرين الثاني/15
الحيثيات التي دفعت زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري إلى طرح النائب سليمان فرنجية، كمرشح لرئاسة الجمهورية، غير واضحة المعالِم بعد. الأكيد أن الحريري أقبل عليه. الخطوة الأولى تعود إلى ما يقارب الثمانية أشهر. يومها قال فرنجية لزائرَيه، نادر الحريري وغطاس خوري، أن مرشحنا هو العماد عون ولكنه لم يقفل الباب، فالأمر يصبح وارداً لديه إذا ما جرى التوافق عليه. لا يحمل فرنجية سمات المرشح التوافقي، لكنه من الأقطاب الأربعة الذين أُسبغت عليهم لقاءات بكركي سمة «المرشحين الأقوى». هو لا ينفك عن تأكيد تمسكه بـ «الخط»، والخط تعبير يختصر فيه موقفه السياسي المتلازم مع الرئيس السوري بشار الأسد. فحيث الأسد يكون فرنجية، حبل السرّة لا ينقطع بين الرجلين. علاقته ليست مع سوريا بل مع شخص الأسد. سوريا بلا الأسد مسألة أخرى بالنسبة إليه. قالها بوضوح لسابري أغوار المرشحين المحتملين للرئاسة، مِن بينهم السفير الأميركي دايفيد هيل: «أنا مع الأسد ولكني أيضاً لا أفرّط بسيادة لبنان ولا بجيشه». استشفّ من كانوا على تواصل مع الدبلوماسي الأميركي، قبل انتهاء ولايته في لبنان، أن لا «فيتو» على «توأم الأسد» في لبنان.
لا لبس في الموقع السياسي للرجل. أحد مكونات فريق الثامن من آذار، الذي كان يأتي اسمه في المرتبة الثانية بعد العماد ميشال عون كمرشح أول. المستجد أن طرح اسم فرنجية لم يأت من فريق الثامن من آذار، بل من الزعيم الأول في فريق الرابع عشر من آذار. بات هو اليوم مرشح الحريري. هكذا ظهّر فرنجية المسألة، منتظراً أن يُعلن الفريق الآخر ذلك رسمياً كي يبنى على الشيء مقتضاه.
الترجمة السياسية لخطوة الحريري تشي أن الأدوار قد انقلبت، في رأي مراقبين، فبدل أن تُمسك مكوّنات الرابع عشر من آذار وزعيم «المستقبل» بأوراق التفاوض وتكون لها الكلمة الفصل قبولاً أو رفضاً، أضحت المسألة بيد فريق الثامن من آذار، وفي مقدمهم «حزب الله» الذي سيدير اللعبة ويعود إليه رسم سقف التفاوض والقبول والرفض. وبالرغم من المعلومات المتداولة بأن «الطبخة» برمتها تعود إلى الثنائي نبيه برّي – وليد جنبلاط ، بضوء أخضر من حارة حريك، وأن الإيرانيين أبلغوا الفرنسيين بأن فرنجية مرشح بإمكانه أن يُشكّل الضمانات والتطمينات للحزب للسير في انتخابات الرئاسة، فإن ثمة مخاوف من أن تكون عملية الإخراج قد أصابت الحريري على غير مستوى.
فبدل أن يتركز الاهتمام على طبيعة التطورات الإقليمية التي يمكن أن تفضي إلى «تسوية ما»، وماهية هذه التسوية، فإن اللافت أن النقاش اليوم يدور حول تداعيات خطوة الحريري سواء داخل «البيت المستقبلي» والشارع السني أو على الحلفاء في قوى الرابع عشر من آذار، وفي مقدمهم الحليف الرئيسي سمير جعجع الذي كان مرشحاً رئاسياً لهذا الفريق في وجه مرشح الفريق الآخر.
وإذا كان مطلعون على مسار المفاوضات بين الحريري وفرنجية يرون أن الاتفاق الذي تم التوافق عليه من شأنه أن يُخرج البلاد من حال انهيار المؤسسات ويُعيد الانتظام العام إليها، ويوفّر مظلة داخلية سياسية وأمنية للبنان تقيه من اشتداد رياح الأزمات الإقليمية وتداعياته عليه، فإنهم يذهبون إلى التأكيد أن التسوية لا يمكن أن تقوم بتنازل الفريقين وعلى قاعدة «لا غالب ولا مغلوب»، ويرسمون تالياً إطار الاتفاق، والذي يندرج في «سلة كاملة» ذات أضلع أربعة: أولها، فرنجية المحسوب على قوى 8 آذار رئيساً للجمهورية والذي يُطمئن «حزب الله» المتشظي، حتى العظم، من انغماسه في الحرب السورية. وثانيها، رئيس حكومة من قوى الرابع عشر من آذار، إذا ارتأى الحريري ألا يكون هو في سدة الرئاسة الثالثة. وثالثها، عدم وجود ثلث معطّل في الحكومة. أما رابعها، فقانون الانتخاب على أساس «قانون الستين» الذي يُكرّس النظام الأكثري.
لكن بنود تلك التسوية، على أهميتها، لا تؤخذ في الاعتبار في حسابات المعترضين، سواء داخل «تيار المستقبل» أو لدى حلفائه. ففي رأي الحلفاء المعترضين أن الظروف لانتخاب رئيس للجمهورية غير مؤاتية، ذلك أن الصراع في سوريا والمنطقة لا يزال طويلاً، ولا أفق واضحاً لتسويات كبرى في المنطقة كي تنتج عنها مناخات لتسوية داخلية والأسس التي سترسو عليها، ما يدفع بهؤلاء إلى الاعتقاد بأن ترشيح فرنجية سيسقط في قابل الأسابيع حين يصطدم مع شروط «حزب الله» والشروط المضادة.
على أن القيادات المُعترضة داخل «البيت المستقبلي» تعتريها مخاوف من أن يواجه الحريري أزمة، سواء تمّ انتخاب فرنجية أو لم يتم، فثمة مخاوف من أن يؤول سقوط فرنجية إلى إضعاف «زعيم المستقبل» في مشهد يُعيد إلى الأذهان كل المحطات السابقة، الأمر الذي قد يفضي إلى مزيد من الإحباط داخل الشارع السني، ومن أن يفتح ذلك الباب لمزايدات من القوى السنية الأخرى في المقلب الآخر عبر «مرافعات» عن صوابية خياراتها ما دام الحريري نفسه ذهب إلى خيارات مماثلة، إضافة إلى خشية من شروخ قد تصيب مكونات فريق الرابع عشر من آذار.
أما في حال تمّت التسوية لصالح الإتيان بفرنجية رئيساً، فإن المخاوف من أن تدفع تلك الخطوة إلى مزيد من الاحتقان في الشارع السني عموماً الذي قد يرى أن الإتيان بفرنجية هو عودة للأسد إلى المشهد اللبناني وانتصار له. وهو أمر من الممكن أن يُفاقم الأزمة التي يعانيها الشارع السني جرّاء شعوره بالتهميش، وهو ما يبرز جلياً في الشمال، المخزون البشري لـ «تيار المستقبل»، حيث أن حال الإحباط تدفع بالآلاف من الشبان الشماليين إلى الهجرة عبر «قوارب الموت»، أو بالذهاب إلى حالات التطرّف، إذ تفيد المعلومات عن وجود ما يقارب الأربعمائة شاب انضموا، خلال الفترات الأخيرة، إلى تنظيم «داعش» على وقع الشعور بالغبن!
ولعل التعبير الأبرز لحجم المخاوف من تداعيات انتخاب فرنجية، إذا حصل، يكمن بحسب المعترضين، في السؤال عمّا سيكون عليه موقف الحريري إنْ أراد الأسد القدوم إلى لبنان لتهنئة «الرئيس العتيد» في قصر بعبدا؟ وما هي الحكمة، إذا تمّ التسليم بأن فرنجية سيكون رئيساً لمرحلة ما بعد الأسد، مِن الإتيان برئيس معادٍ للحُكم الجديد في دمشق الذي ستكون المعارضة السورية نواته؟