«حزب الله» يغرق في الميدان ويتعلّق بحبال.. الطيران
علي الحسيني/المستقبل/25 تشرين الثاني/15
يوم أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عزم بلاده على التدخل في الحرب في سوريا بشكل مباشر، إنفرجت أسارير النظامين السوري والإيراني ومعهما الشريك الميداني «حزب الله»، واستبشروا يومها «نصراً» قريباً من شأنه أن يضع حداً لمأساتهم اليومية بعدما تحوّل جنودهم وآلياتهم الى صيد سهل يسقط منهم العشرات مع كل إطلالة شمس، ولتنتقل بعدها عمليات «الصيد« هذه من ملاحقة الجنود إلى استهداف الضباط والقادة في صفوف «الممانعين»، فكان ان سقط لهم ما لا يقل عن ثلاثمائة قتيل أصغرهم رتبة يحمل صفة «قائد ميداني». مع دخول روسيا كطرف رئيسي في الحرب السوريّة، تحوّلت المعارك من الأرض إلى حرب الطائرات يقودها الجيش الروسي ضد فصائل المعارضة السورية بأكملها، لكن تحت مُسمّى محاربة «الإرهاب»، علماً أن أولى غاراته الجوية كانت قد استهدفت مقرّاً تابعاً لـ»الجيش السوري الحر»، لكن في المقابل غابت هذه الطائرات عن سماء الحدود اللبنانية – السورية التي يسيطر «حزب الله» على أرضها ولترسم لنفسها خطاًّ جوياً يقتصر على أجواء اللاذقية وحلب وريف إدلب، وهو الأمر الذي جعل النظام يدّعي منذ يومين أنه حقّق «إنتصاراً« نوعياً بعد إستعادته إحدى التلال في ريف اللاذقية والتي كان قد خسرها مع مجموعة مناطق منذ ستة أشهر.
هذا في ما خص الأجواء السورية، أما ميدانياً فقد سقطت كل الخطط والفرضيات التي كان يتحدث عنها «حزب الله» منذ عامين ولغاية اليوم حول إقتراب موعد «النصر» والقضاء على المسلحين عند الحدود بالإضافة إلى طردهم من سوريا، مع العلم أن النسبة الأكبر من عناصر هذه الفصائل المسلحة، إن لم يكن جميعهم، هم من أبناء الشعب السوري، وهذا ما يؤكده سير المعارك التي يخوضها الحزب من دون جدوى في مواجهة أبناء قرى «القلمون» و»الزبداني» و»مضايا» وفي «الغوطتين» الشرقية والغربية، فيما الإنجاز الاخير الذي حقّقه ميدانيّاً، كان منذ عامين تقريباً في «القصير» التي احتلّها بعد أن دمرها على سكانها الأمر الذي لم يتمكن من تحقيقه في أكثر من مكان آخر حيث لا زالت هناك جيوب مُقاومة تعانده وترفض الخضوع والإذلال وتُنغّص عليه إدعاءاته بالنصر.
تعويل «حزب الله» على سلاح الجو الروسي إنخفضت مستوياته أمس بعد سقوط طائرتين حربيتين روسيتين في سوريا، وهو الذي كان ينتظر مرور إحداهما فوق سماء «القلمون» أو «الزبداني» علّه يستريح من عناء رحلات التنقل من جبهة إلى أخرى وسط خسائر مستمرة لاحقته بالأمس إلى خلف الكواليس وسط همس في أوساط جمهوره تحدث عن فرضية إنسحابه من العمق السوري باتجاه القرى الحدودية التي يُسيطر عليها بعدما أيقن عدم جدوى تدخله، وبعد مرور الفترة الزمنية التي كان وضعها للإنتهاء من «التكفيريين» عند الحدود. ومن ضمن الهمس الذي دار أن سبب وقوع التفجيرين الأخيرين في «برج البراجنة»، مرده سحب «حزب الله» معظم عناصره من محيط القرى الحدودية و»القلمون» باتجاه «الغوطتين» وريف «إدلب». وللتذكير أن السيد حسن نصرالله كان قد أكد يوم دخل حزبه خلسة في الحرب السورية، أن «نقل عناصر من الحزب باتجاه البقاع هو لحماية هذه الحدود فقط وأن ما يجري في سوريا هو شأن خاص وبأن بشار الأسد كفيل بالدفاع عن بلاده». يزداد مأزق «حزب الله» في سوريا وتتوسع رقعته يوماً بعد يوم، والوعود «الصادقة» لم تجد طريقها الى التنفيذ بعد. «القلمون» لم تُحرّر و»الزبداني» ما زالت تُقاوم وصامدة، حتّى إنه سرت معلومات خلال اليومين المنصرمين تحدثت عن صفقة جديدة يسعى الحزب هذه المرّة إلى تفعيلها وصولاً إلى تحقيقها ترتكز على إنسحابه من «الزبداني» ومحيطها بشكل كامل والانكفاء الى القرى الحدودية اللبنانية على ان تتسلم الفرقة العاشرة بجيش النظام الأمن بالتعاون مع فصيل معارض يتم الاتفاق عليه لاحقاً بين قوى المعارضة السورية المسلحة، ومن المرجح ان يكون مُطعّماً من الفصائل كافة. تزداد أزمات «حزب الله» في سوريا، فبالإضافة إلى خسائره الميدانية والبشرية المتلاحقة، تحدثت معلومات عن أسر ثلاثة عناصر الاسبوع الماضي بالإضافة إلى اعلان احدى الجهات المسلحة في سوريا عن أسر جثة الكادر مصطفى المُقدّم قاتل الطيّار سامر حنّا. وتزداد أزمات الحليف «الممانع» مع تسريب أخبار تشير إلى تعرّض قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري الايراني» قاسم سليماني لإصابة بالغة خلال قيادته معارك في ريف ادلب، لكن من دون تأكيد من القيادة الإيرانية وحلفائها.. ولا حتى نفي لها.
الصدع الأخطر للسياديّين
نبيل بومنصف/النهار/25 تشرين الثاني 2015
هبط ذاك الغموض “غير البناء” هبوط الصاعقة على تحالف 14 آذار برمزية مزدوجة. فهو التحالف السيادي بالولادة الأصلية التي تلزمه “أبد الآبدين” الحفاظ على ما قام من أجله. وهو الذي وقف في ذكرى الاستقلال للسنة الثانية بلا رئيس عند مشارف الصدع الكبير والأخطر منذ عشر سنوات. ما كان للقاء الرئيس سعد الحريري وزعيم المردة سليمان فرنجية أن يتحول اللغم الأخطر على قوى 14 آذار لولا استعادة شبه حرفية لواقعة لقاء الرئيس الحريري والعماد ميشال عون. سيقول كثر من ذوي إنكار الواقع أن التحالف السيادي مر بتجارب كثيرة من هذا المذاق وتمكن من تجاوزها. كان الأمر ليصح لو اتبعت الشفافية المطلقة في مواكبة هذا التطور. كما سيصعب التنكر لتداعيات استثنائية هذه المرة لهذا الحدث على الائتلاف السيادي بذريعة أن تحالف الخصوم أصابه ما أصاب 14 آذار، لأن الجميع يدركون بان ثمة فوارق جوهرية تبقي قدرة التماسك لدى تحالف 8 آذار أقوى وأمتن مما لدى خصومه، أقله لجهة الحذر الشديد الذي يتملك “حزب الله” مما قد يرى فيه دساً للغم مقابل يراد له أن يزعزع تحالفه المعمد بالاستراتيجيات الكبيرة مع الزعيم المسيحي “الأول” لديه العماد عون. ومع ذلك نتساءل عقب أيام شهدت “اجتياحا” اعلامياً حول لقاء زعيمين سياسيين كاد يتحول حدث السنة مهمشاً إحدى أخطر السنوات التي عرفها لبنان والشرق الأوسط بل العالم بأسره: هل هو اللقاء المرتجل بحساباته أو حتى المتعمد لتحريك كل هذا الاضطراب ما تسبب بكل هذا “الخراب السياسي” السريع، أم أن انهيارات سياسية كبرى كانت تعتمل أساساً خلف الأبواب الموصدة فجاء لقاء الحريري وفرنجية بمثابة الصدع المنذر بانفراط العقد؟
أمام هذا المشهد من التداعيات المتصاعدة والمتفاعلة بقوة في “دواخل” التحالفات السياسية يغدو من ذروة العقم الانخراط في عملية التبصير الطائش حول ارتفاع حظوظ مرشحين وهبوط فرص آخرين في حين تهدد معالم الاستنفارات الحادة حول التعويم المفاجئ الغامض لاسم زعيم المردة بانقلابات سياسية رأساً على عقب. ولن يجدي في هذه الحال “وهم القوة” الذي يراد منه الإيحاء بنشأة رعاية اقليمية ولدت على عجل لأن اللبنانيين العاديين هم أنفسهم الأدرى بهذا النوع من التجارب حين تحل كلمات السر وتهبط بقوتها الجارفة على القوى الداخلية، وليس في المقلب الطالع بعد أي نذر مماثلة. تبعاً لذلك ترانا منشدين لمعاينة “الخاصرة الرخوة” بالدرجة الأولى، أي تحالف 14 آذار وما يواجهه مصيرياً بكل المعايير. وللتذكير فقط، يجري ذلك بين الذكرى التاسعة لاغتيال بيار الجميل والذكرى العاشرة لاغتيال جبران تويني، ولا داعي لمزيد.