من يؤمن بقضية لا يؤله أشخاصاً إلياس بجاني
05 تشرين الثاني/15
تعودت شعوبنا، أو لنقل الأكثرية منها، أن تلوم الآخرين من الدول والشعوب من مثل أميركا وإسرائيل والقوى الغربية التي تسقط عليها ببغائية قاتلة صفات الاستعمار والاستكبار والاحتلال، وذلك على خلفيات مفاهيم موروثة ومبسطة ومسطحة، وغالباً ما تكون وهمية وإسقاطية. كما تلوم شعوبنا حكامها على كل معاناتها والمآسي على كل الصعد وفي كل المجالات، في حين أن غالبية مشكلاتنا الصغيرة، كما الكبيرة، والمحلية ومعها الإقليمية، هي من صنعنا ومن إنتاجنا وإن كان الغير يستغلها فلأننا نتركه يفعل ذلك. عن سابق تصور وتصميم نتعامى عن حقيقة ثابتة ومؤكدة تتجسد في مثل من أمثالنا الشائعة الذي يقول: «كيف تكونون يولى عليكم». كما اننا نغفل مقولة الفيلسوف جبران خليل جبران في الثلاثينات من القرن الماضي التي أخذ العبر منها الشعب الأميركي وغيره من الشعوب وهي: «لا تسأل ماذا يقدم لك الوطن، بل اسأل ماذا تقدم أنت للوطن».
هذا الإنكار القاتل للمسؤوليات أوصل شعوبنا، ورغم غنى دولها بالموارد الطبيعية المتعددة، أوصلها إلى حالات مدمرة من الضياع والتناحر الذاتي والحروب العبثية والنزاعات المتكررة وفقدان القدرة على تحمل تبعيات أعمالها والغرق في ثقافات بالية لا تنتج غير التعصب والتمذهب والانسلاخ عن الواقع. من هنا فإن علل التبعية وثقافة التزلم هي أعراض لمرض ثقافة العبودية الرائج جداً في زمننا الحالي التعيس والبائس. إن ثقافة العبودية المرضية واللا إيمانية واللا إنسانية هذه هي ظاهرة اجتماعية دركية خطيرة جداً تعشعش في عقول كثر من أهلنا وتبين أن غالبية العاملين منهم في الشأنين، العام والسياسي، ليس عندهم قضية، لا قضية وطن، ولا قضية إنسان، ولا قضية حقوق، والأخطر لا قضية إيمان، ولا مقومات رجاء ولا احترام للذات.
التابعون للسياسيين ورجال الدين والأحزاب الشركات هؤلاء يعانون من وباء ثقافة العبودية، وهم عملياً أتباع وأدوات آلية تتحرك وتنطق وتخرس غب فرمانات أسيادها، بل قل «فرمانات» وفتاوى الأسياد. من هنا لا أمل ولا رجاء من هؤلاء الزلم إن لم يتحرروا من ثقافة العبودية لأنهم قتلوا بدواخلهم الضمائر وحواس النقد وخدروا الكرامات، فتحجرت قلوبهم وفقدوا لأحاسيس والمشاعر البشرية كافة، وفي مقدمها نعمة الخجل. هؤلاء الزلم يعبدون من يتزلمون لهم من السياسيين ورجال الدين وقادة الأحزاب الشركات وبالتالي على عماها يذهبون معهم وخلفهم خانعين وبكماً وصماً إلى حيث يطلبون منهم ومن دون اعتراض. هؤلاء لا يعرفون ألف باء مقومات الثورة ولا وجود في دواخلهم لنعمتي الاعتراض والحس النقدي، وبالتالي هم عملياً وثقافة وممارسات مجرد واغنام. بربكم كيف يمكن للأغنام أن تثور بوجه رعاتها حتى وهم يسوقونها إلى المسالخ لتذبح وتعرض للبيع.
في الخلاصة إن من لم تثره أطنان القمامة من أهلنا في لبنان المحتل، ومن لم تحركه هرطقات بطاركة ومطارنة هم فريسيون وعشارون وكتبة، ومن لم تتحرك كرامته في مواجهة ممارسات سياسيين ومسؤولين فجار وتجار هيكل، لا يمكن أن يثور ولا يمكن أن يتحرر من ثقافة العبودية، وفالج لا تعالج.