واشنطن قلقة من ارتفاع ثمن الشغور الرئاسي
روزانا بومنصف/النهار/30 تشرين الأول 2015
لم يتخل مصدر ديبلوماسي أميركي بعد عن الأمل في ان يتمكن اللبنانيون من اخذ المبادرة بانفسهم في انتخاب رئيس للجمهورية وهو لا يمل من تكرار ان المسألة لا تزال في يد اللبنانيين ومن مسؤوليتهم. ويقول ان احداً لا يساوره شك بأن لبعض الدول نفوذاً في لبنان، الا ان أياً منها لا يحاول استخدام هذا النفوذ راهناً في اختيار رئيس للجمهورية. وتالياً فإن هذا يشكل فرصة للبنانيين من أجل اختيار رئيسهم وتحمل المسؤولية ومحاولة الوصول الى اتفاق فشلوا في الوصول اليه حتى الآن. ولا يخفي هذا المصدر ان الولايات المتحدة قلقة أكثر فأكثر من عدم قدرة الزعماء اللبنانيين على الاجتماع وايجاد الحل الصحيح فيما هي تدعم تحمل اللبنانيين مسؤولياتهم ورغبتها في العمل مع من يختاره اللبنانيون رئيساً لهم. وفي ظل الشلل الذي يواجه المؤسسات الدستورية، فإن المصدر على ثقة بان كل شيء يبدأ بانتخاب رئيس جديد على رغم ان هذا الانتخاب قد لا يحل كل الأزمات الا انه نقطة الانطلاق لحل هذه المشاكل وهو على اقتناع بأن عدداً كبيراً من المسؤولين اللبنانيين يساورهم القلق من استمرار الشغور الرئاسي ومهتمون بايجاد وسيلة لانهائه لادراكهم ان الحكومة قد وصلت الى نقطة لم تعد تلبي فيها توقعات اللبنانيين. واذ لا يرى هذا المصدر انه يمكن التنبؤ حول المدة التي قد يستغرقها الشغور الرئاسي، فهو يخشى انه بمرور كل يوم وكل شهر فإن ثمن هذا الشغور يرتفع. ويولي المصدر اهمية للنظر الى موقع الرئاسة على انه رمز وحدة البلد. فالموقع مسيحي بامتياز، الا انه أكبر من ذلك مما يلقي بالمسؤولية على عاتق كل الطوائف من أجل العمل على ايجاد حل لهذه المسألة. ومن هنا اهمية ان يكون المرشح مقبولاً من كل الأطراف وهذه هي المعادلة الأساسية وفقاً لهذا المصدر مؤكداً ان ليس من مسؤولية الولايات المتحدة اختيار رئيس وهي لم تشر علناً أو ضمناً الى افضلية لها في أي اتجاه لا بل هدفها الأساسي ان ترى اللبنانيين يحددون خياراتهم ويجدون وسيلة لانتخاب رئيس مقبول من اللبنانيين ويؤمن استقرار لبنان. فالسياسة التي تعتمدها واشنطن كما يشرح المصدرحول ما اذا كان لا يزال يصح دعمها لفريق 14 اذار أو ابتعادها عنه هي التحاور مع جميع الأفرقاء باستثناء من هو مصنف كتنظيم ارهابي في اشارته الى “حزب الله” من دون ان يعني التحاور مع الجميع تبني أو التزام وجهة أي طرف أو ان تنخرط الولايات المتحدة في الاختلافات الداخلية بل تحاول ان تبقي نفسها خارج هذه الاختلافات مع احترام كل وجهات النظر وتثمين للعلاقات مع زعماء يتشاركون والولايات المتحدة القيم نفسها ويحرصون على علاقات جيدة بين البلدين. وعلى غير ما تذهب اليه الرهانات المحلية في احتمال تغير التوازنات الداخلية بناء على التدخل الروسي في سوريا، فإن هذا المصدر لا يرى انه سيغير المعادلة الأساسية في لبنان راهناً فيما يلقى الجيش اللبناني تقديراً مهماً اذ يؤكد المصدر اهمية ان يدعم اللبنانيون ما يقوم به لأن ذلك قد يكون أهم الأمور راهنا. وهو يستند في ذلك الى شهادة المدربين الأميركيين الذين تنقلوا في مهمات مماثلة في كل أنحاء المنطقة. فالجيش اللبناني قد لا يكون أكبر جيش في المنطقة أو لا يحظى بافضل المعدات بين دول المنطقة لكنه الأفضل بعناصره لثقافتهم ومعنوياتهم وقيادتهم فضلاً عن ارادتهم وشجاعتهم والتزامهم الدفاع عن لبنان. وهذا رصيد كبير يسجل للجيش بما يجعل الولايات المتحدة على استعداد لتقديم أي مساعدة تدريباً أو معدات عسكرية. الا ان ذلك لا يختصر ديمومة الاستقرار في لبنان اذ ان الجيش لا يشكل وحده البديل لذلك بل ان لبنان في حاجة الى المبادرة لحل الخلافات السياسية وعمل الحكومة والبحث في ما يمكن ان يعيد تفعيل نظام الحكم.وعن خشية البعض من التسليم بالنفوذ لايران في لبنان، فإن المصدر لا ينفي وجود نفوذ ايراني لكن هناك اختلاف بينه وبين الاحتلال السوري للبنان. وهذا الأمر يجب ان يعالج من أجل استقرار لبنان والسلام فيه في مرحلة ما لان لا استقرار تاماً ممكناً اذا بقي أفرقاء مسلحون أو كانت هناك دولة ضمن الدولة. وان يكون لبنان مستقراً ومتمتعاً بالأمن ومؤسساته الأمنية والمصرفية فاعلة بعيداً من أي تهديد ارهابي يشكل تحدياً لمصلحة حيوية للولايات المتحدة. والاستراتيجية الأفضل للبنان هي تمكين الدولة ان تكون هي البديل لأي مجموعة أخرى في البلد. يسير القلق الذي تبديه الولايات المتحدة من الشلل في المؤسسات الدستورية وإلحاحها بأن يعمل الزعماء اللبنانيون بجدية من أجل ايجاد الحلول في موازاة رسالة قوية يوجهها المصدر الديبلوماسي الأميركي الى الزعماء اللبنانيين تفيد بالتزام أميركا الشراكة مع لبنان. فيقول إن دور الولايات المتحدة هو المساعدة على دعم القرارات التي تساهم في الاستقرار والأمن خصوصاً ان احد ابرز النقاط التي يجمع عليها الأفرقاء السياسيون هي دعم الجيش اللبناني وان هناك جهداً كبيراً بُذل من أجل تمكين القوى الأمنية من مواجهة خطر الارهاب الذي تواجهه المنطقة. والتزام الشراكة وديمومتها وفق هذه الرسالة لا يقتصران على الشراكة الأمنية في دعم الجيش والمؤسسات الأمنية حيث ضاعفت واشنطن أخيراً مساعداتها العسكرية سنوياً بمعزل عن الأموال التي قدمتها المملكة العربية السعودية، وهو أكثر ما يجذب الانتباه في الاهتمام الأميركي بلبنان بل تشمل قطاعات اخرى من العمل مع القطاع المصرفي في مواجهة تمويل الارهاب وتبييض الأموال ومساعدة القطاع على البقاء وفق المعايير الدولية بما يساعد الاقتصاد اللبناني وسائر القطاعات الاجتماعية والتعليمية والبلدية والانمائية الأخرى. وهو يبدي ثقته بأن المحكمة الدولية ترسي مبدأ العدالة وعدم الافلات من العقاب ولو ان عملها يأخذ وقتاً طويلاً ما قد يقي لبنان مستقبلاً ما تعرض له في السابق.
جنون الارتياب
نبيل بومنصف/النهار/30 تشرين الأول 2015
تكاد المسماة أزمة النفايات المقيمة بيننا منذ أكثر من مئة يوم ان تودي بآخر معاقل المنطق فينا لفرط ما امعنت هذه اللعنة في زيادة منسوب التوجس مما يصح ولا يصح في مسلسلات التدهور اللبناني الذي لم يعد يوفر آفة الا ويعممها. في آخر التقليعات الهزلية لهذه الأزمة لم يعد الكلام الرسمي والسياسي كما التداول الاعلامي الرائج يجد أي حرج في ان تنسحب التصنيفات المرضية مثل المذهبية والطائفية على توزيع المطامر. فصار الكلام من مطمر يأخذ بجريرة الاهانة مذهبا من هنا وآخر من هناك من دون أي رفة جفن أو انتفاضة لكرامة أو لحرمة. يقع قليلنا ممن لا يزالون يقيمون اعتبارا للكرامات والحرمات في الاحراج الكبير لدى التعامل مع هذا الانحدار بل التهاوي الهائل في يوميات يكاد يمسخ معها كل ما كان من سلم قيم لم تقو عليه حتى الحرب إياها على رغم كل مآسيها وويلاتها لكن بقي منها وبعدها على الأقل “أدبيات” وثقافة تحفظ تراكما كان يسمى يوما إشعاعاً لبنانياً. نقفز الآن الى مرحلة أخرى موغلة في القتامة والهبوط فاذا بنا أمام تصنيفات وخلفيات يجري زجها في التداول من مثل ربط أزمة القمامة بأبعاد تتجاوز الاهانة اللاحقة بمجمل الفئات اللبنانية والشعب اللبناني والدولة اللبنانية، طبعاً مع التذكير ان هذه التسميات الرفيعة هي آخر ما تبقى لنا من خطوط ولو وهمية لكي نظل نقول ونردد اننا ننتمي الى وطننا. هي أبعاد ربما تكون متصورة وربما واقعية ولكنها في الحالين تكاد تلصق فينا ما يصح كونه جنون الارتياب من أي شيء الى حدود ربط الكبيرة كما الصغيرة بأزمات أكبر من واقعنا قد تصل معها مثلاً أزمة نفايات الى حدود التضخيم الهستيري. ولكن كيف لا يحصل ان يقال مثلاً ان حل ازمة المطامر وتوزيعها وفق تصنيف طائفي – مذهبي على مقياس الأوتار الفتنوية القائمة في كل تفصيل لبناني ما دام “كبار القوم” السياسيين راحوا في خبثهم الشديد الواقعية يطبعون الناس على “ادبيات” التصنيف البشع هذا كأنه من امور مألوفة. وكيف، والحال هذه، لا تقاس موجات الوساطات والتحركات والمواقيت المتصلة بتأخير خطة للنفايات أو بتسريعها على مقياس اقليمي مثلاً تبعاً لارتباطات القوى الداخلية واسقاط كل موقف من مواقفها القديمة أو الجديدة على اللحظة الاقليمية؟ لعله من غير الجائز تصنيف حالة عامة كهذه الا بتصنيفات علماء النفس والاجتماع والأطباء النفسيين، ولكن ما يخيف فعلاً ان يغدو جنون الارتياب فينا هو الحقيقة الجارفة التي تتحكم بالبلاد كلما اكتشفنا ان وقائع الصراعات الداخلية السياسية صارت من البشاعة بحيث يصح فيها كل ما لم نتخيل يوماً انه قابل للتصديق وبعد سقوط كل محاذير الجنون.