من حقيبة “النهار” الديبلوماسية صيغة غربية لإنهاء حكم الأسد
عبد الكريم أبو النصر/النهار/9 تشرين الأول 2015
“الحشد العسكري الروسي الكبير في سوريا لم يمنح القيادة الروسية القدرة على فرض شروطها ومطالبها على أميركا والدول الغربية والاقليمية المؤثرة، ولم يدفع هذه الدول الى تغيير مواقفها الاساسية والجوهرية من طريقة تسوية الصراع السوري، ولم يجعلها تتخلى عن التمسك بضرورة رحيل الرئيس بشار الأسد والمرتبطين به عن السلطة من أجل القضاء على “داعش” ووقف الحرب وانجاز حل سياسي شامل للأزمة. والتصريحات الاميركية والفرنسية والبريطانية والالمانية الاخيرة تعكس في وقت واحد الاصرار على ضرورة انهاء حكم الأسد وبعض المرونة الشكلية من أجل تحقيق هذا الهدف والتي أخطأ كثيرون في تفسيرها”. هذا ما اطلعنا عليه مسؤول أوروبي معني بالملف السوري في باريس ومشارك في الاتصالات والمشاورات في شأن هذه القضية، وركز على مسألة مهمة تتعلق باقتراح بقاء الأسد موقتاً خلال المرحلة الانتقالية فقال: “ان اميركا والدول الغربية الحليفة لها أبلغت القيادة الروسية وجهات دولية واقليمية ذات صلة بالأزمة انها تضع أربعة شروط للموافقة على بقاء الأسد فترة موقتة ومحدودة ومتفقاً عليها في المرحلة الانتقالية التي تمهد لانتقال السلطة الى نظام جديد، وهذه الشروط هي الآتية:
أولاً: يجب أن يقبل الأسد رسمياً بنقل السلطة الى نظام جديد وأن يلتزم دعم عملية الانتقال هذه من أجل قيام نظام جديد يرتكز على التعاون بين ممثلين لنظامه وممثلين للمعارضة المعتدلة استناداً الى بيان جنيف المؤرخ 30 حزيران 2012. ويدعو هذا البيان خصوصاً الى تشكيل هيئة حكم انتقالي تضم ممثلين للنظام وللمعارضة تمارس السلطات التنفيذية الكاملة وتخضع لها الأجهزة العسكرية والأمنية وباقي مؤسسات الدولة. وقد رفض الأسد حتى الآن تطبيق بيان جنيف وتشكيل هيئة الحكم الانتقالي.
ثانياً: يجب أن يتخلى الأسد عن صلاحياته التنفيذية وينقلها الى هيئة الحكم التي ستتولى السلطة موقتاً وتعمل على قيام النظام الجديد من طريق صوغ دستور جديد واجراء انتخابات نيابية ورئاسية تعددية في اشراف الأمم المتحدة.
ثالثاً: يجب أن يمتنع الأسد عن عرقلة عملية انتقال السلطة ويدعم مهمة هيئة الحكم ويدعو انصاره الى مساندة هذه الهيئة من أجل الانتقال الى مرحلة السلام والبناء وضمان الاستقرار.
رابعاً: يجب أن يقبل الأسد بالبقاء في منصبه من غير صلاحيات تنفيذية سياسية أو عسكرية أو أمنية فترة زمنية محددة وقصيرة متفقاً عليها في المفاوضات التي ستجري في رعاية الأمم المتحدة وفي ظل الدعم الدولي والاقليمي لها.
وأوضح المسؤول الأوروبي ان هذه الشروط “ليست هدية للأسد” بل تظهر ان الدول الغربية المدعومة عربياً واقليمياً على نطاق واسع تركز على ضرورة رحيل الأسد وتبحث عن أفضل الوسائل لتحقيق هذا الهدف. وأعطى المسؤول مثلاً آخر يتعلق بالتفسير الخاطئ للمرونة الشكلية الغربية في التعامل مع عقدة الأسد، إذ قال كثيرون من المراقبين والمحللين ان الدول الغربية تخلت عن شرط رحيل الرئيس السوري سلفاً عن السلطة وقبل بدء المفاوضات، وان ذلك يعكس تنازلاً غربياً للقيادة الروسية. هذا الكلام يتناقض مع الوقائع والحقائق. فقد تفاوضت المعارضة السورية ممثلة بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، مع ممثلي النظام في مؤتمر جنيف – 2 طوال أكثر من اسبوعين مطلع 2014 وفي رعاية المبعوث الأممي الأخضر الابرهيمي وبدعم كامل من كل الدول الغربية والاقليمية باستثناء ايران، من أجل تطبيق بيان جنيف ومحاولة تشكيل هيئة حكم انتقالي. حصل ذلك من غير أن تطالب المعارضة والدول الداعمة برحيل الأسد سلفاً عن السلطة. وفشلت هذه المفاوضات، كما هو معلن ومعروف، لأن وفد النظام رفض مناقشة قضية تشكيل هيئة الحكم ونقل السلطة واصر على ضرورة تركيز النقاش على محاربة الارهاب والقضاء على “الارهابيين” أي على جميع الثوار والمعارضين قبل التطرق الى أي موضوع سياسي.
وخلص المسؤول الأوروبي الى القول: “نشهد في المفاوضات مرونة غربية شكلية من أجل تسهيل انطلاق عملية تفاوض جديدة، لكن الهدف الغربي الأساسي المدعوم عربياً واقليمياً على نطاق واسع لم يتغير، وهو ضرورة انهاء حكم الأسد، ولو بقي الرئيس السوري موقتاً ولبضعة أشهر في منصبه ومارس دوراً رمزياً أو بروتوكولياً ضمن الشروط المحددة. وهذا هدف كبير لن يتحقق بسرعة أو بسهولة. لكن القيادة الروسية عاجزة في المقابل ولو بالتعاون مع ايران، عن انجاز ما تريده في سوريا على رغم كل ما تقوله وتفعله. والاولوية هي في وقت واحد لمحاربة “داعش” وللعمل الجدي سياسياً أو عسكرياً على انهاء حكم الأسد”.
هل يصمد لبنان سياسياً وأمنياً واقتصادياً في انتظار كلمة الخارج في الرئاسة؟
اميل خوري/النهار/9 تشرين الأول 2015
لو لم يكن في لبنان قادة مرتبطون بخارج لا بل مرتهنون له لما كان ثمة حاجة الى انتظار ما ستقرره ايران أو غيرها كما لم يكن ثمة حاجة الى دوحة جديدة كتلك التي فرضت عليهم جميعاً انتخاب رئيس للجمهورية من خارج 8 و14 آذار واجراء انتخابات نيابية على أساس قانون الستين معدلاً تعديلاً طفيفاً، وتشكيل حكومة وحدة وطنية توزعت فيها المقاعد والحقائب محاصصة بين القوى السياسية الأساسية في البلاد. ولما كان تقرر في الطائف أن يكون رينه معوض رئيس لبنان وليس سواه لأنه هو الأصلح لتلك المرحلة. ولو لم يكن في لبنان قادة مرتبطون بخارج لا بل مرتهنون له لما كان انتخاب رئيس للجمهورية في حاجة الى طاولات حوار انما كانت الحاجة الى جلسة نيابية، يستمر انعقادها الى ان تنتخب فيها الأكثرية من تشاء رئيساً للجمهورية من بين المرشحين المعلنين وغير المعلنين. والواقع ان الحوارات لم تسفر حتى الآن عن نتيجة حتى بالنسبة الى الموضوع الأهم الا وهو انتخاب رئيس للجمهورية.
فالحوار بين “القوات اللبنانية”، و”التيار الوطني الحر”، أسفر عن اتفاق على عدد من المواضيع باستثناء موضوع الانتخابات الرئاسية. والحوار بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” أسفر عن الاتفاق على شيء واحد الا وهو منع حصول فتنة شيعية سنية حرصاً على استمرار الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي في البلاد ولكن بعد الاتفاق على استبعاد البحث في موضوع الانتخابات الرئاسية وبطلب من “حزب الله”. وفي الحوار الجامع برئاسة الرئيس نبيه بري لم تظهر حتى الآن اي نتيجة سوى تبادل الكلمات الهادئة أحياناً والمتشنجة أحياناً أخرى عندما تتناول موضوع الانتخابات الرئاسية. ولأن “حزب الله” ينتظر كلمة ايران فهو يرى في الحوار شراء للوقت الى أن تصبح ايران في وضع الجاهز على قول كلمتها، ولكي يطول هذا الحوار ولا يظل يدور في حلقة مفرغة حول موضوع الانتخابات الرئاسية ارتأى البعض الانتقال الى البحث في موضوع قانون الانتخابات على أساس النسبية علّ الاتفاق عليه يفتح ثغرة في جدار الخلاف على انتخاب رئيس للبنان إذ أنه في حال صار اتفاق على هذا القانون يشعر “حزب الله” ومن معه انه قد يضمن له أكثرية نيابية في مجلس النواب العتيد فلا يعود ثمة مبرر للتمسك برئيس من 8 أو من 14 آذار كونه يمثل بيئته تمثيلاً صحيحاً كما لا يعود ثمة مانع من القبول برئيس من خارج هذين التكتلين الكبيرين يسمى “توافقياً” لأنه يصبح محاصراً ومطوقاً من هذه الأكثرية المرتقبة، لكن الاقطاب الذين يمثلون 14 آذار يصرون على الاتفاق أولاً على بند رئاسة الجمهورية كي يصير في الامكان الانتقال الى البحث في قانون الانتخابات الذي وان صار اتفاق عليه وظل الخلاف قائماً على موضوع الرئاسة فلا يكون معنى عندئذ لأي اتفاق اذا لم يشمل انتخاب رئيس للجمهورية حتى اذا ما جرت الانتخابات تجرى بوجوده وليس في ظل شغور رئاسي وكأن كل شيء يمكن أن يسير سيره الطبيعي في البلاد من دونه. لقد اعتبر بعض المتحاورين أن الانتقال الى تحديد مواصفات رئيس الجمهورية يشكل تقدماً في حين أن ذلك قد يشكل وسيلة جديدة للهو وتقطيع الوقت. فقد يلتقي المتحاورون على تحديد المواصفات عندما يظن كل طرف منهم انها تنطبق على مرشحه أو يعطي مواصفات تنطبق عليه فينتهي النقاش باتفاق على مواصفات من دون الاتفاق على المرشح الذي تنطبق عليه أو ينتهي الى خلاف حول أن يكون المرشح يلبس نظارات أو له شاربان أو يكون أصلع… الواقع، أنه لو ان قادة في لبنان يفكّون ارتباطهم بأي خارج ويعودون الى لبنانيتهم يصبح قرارهم حراً بأنهم يستطيعون عندئذ الاتفاق على مرشح يفوز بالتزكية أو على مرشح قوي هو العماد ميشال عون ينافسه مرشح قوي آخر هو الدكتور سمير جعجع، فاذا لم يستطع اي منهما الفوز بأصوات الأكثرية النيابية المطلوبة، فينبغي عندئذ الاتفاق على مرشح من خارج 8 و14 آذار واذا تقرر ذلك ترك الأمر للأكثرية النيابية عملاً بالدستور وبالنظام الديموقراطي. لقد تلهى المتحاورون خلال جلسات بتحديد مواصفات رئيس للبنان ومن دون اتفاق، وقد يفكر بعضهم في الاتفاق على صفات الرئيس لأنها أهم من مواصفات قد لا تجعل صفاته غير الحسنة يتمتع بهذه المواصفات… فكفى دوراناً في حلقات مفرغة ليبقى الحوار من دون قرار في انتظار أن يصدر عن الخارج، والمصيبة ان أحداً لا يعرف متى يصدر وهل يستطيع لبنان الانتظار الطويل ويظل صامداً سياسياً وأمنياً واقتصادياً؟