طارق الحميد: روسيا وورطة الجيش الحر/عبد الرحمن الراشد: التحريض على الصدام مع روسيا/موناليزا فريحة: السوخوي لن تصنع سلام سوريا

316

روسيا وورطة الجيش الحر
طارق الحميد/الشرق الأوسط/07 تشرين الأول/15
قبل عدة أيام صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وبمؤتمر صحافي في الأمم المتحدة، بأن بلاده «لا تعتبر الجيش السوري الحر جماعة إرهابية»، ومضيفًا: «نعتقد أن الجيش السوري الحر يجب أن يكون جزءا من العملية السياسية مثل بعض الجماعات المسلحة الأخرى على الأرض المكونة من المعارضين الوطنيين السوريين». وعلى أثر ذلك التصريح كتبنا هنا أن موقف لافروف هذا يعتبر بمثابة غلطة الشاطر، ويجب أن يستثمر المجتمع الدولي، وقبله العرب المعنيون بوقف جرائم الأسد، هذا التصريح، وذلك للتحرك الفوري بدعم الجيش الحر، وضمان ألا يستعيد بشار الأسد ما افتقده من أراض سورية نتيجة التدخل الروسي العسكري، إلا أن الواضح جيدا هو أن الوزير الروسي تنبه لهذه الغلطة، أي غلطة الشاطر، وخرج قبل أمس بتصريحات تناقض تصريحاته الأولى عن الجيش الحر، حيث حاول لافروف استدراك تصريحه الذي اعتبر فيه الجيش الحر ليس بجماعة إرهابية، من خلال تشكيكه بوجود الجيش الحر أصلا. وقال لافروف: «إن أحدًا لم يرد علينا، ولم يمدنا بأي تفاصيل عن هذا الجيش، أو أي وحدات أخرى لما يسمونها المعارضة المعتدلة»! هذه الورطة الروسية، أو الغلطة، تؤكد ما ذكرناه سابقا بأن ليس لدى الروس خطة في سوريا، كما تظهر أن موسكو استشعرت خطورة تصريح لافروف الأول بعدم اعتبار الجيش الحر تنظيما إرهابيا، وأنه يجب أن يكون ضمن العملية السياسية، خصوصا أن تصريح لافروف الأول لم يكن نتيجة خطأ بالترجمة، ولم يخرج عن سياقه، بل كان في مؤتمر صحافي، ونقلته أيضا وكالة أنباء «سبوتنيك» الروسية. ومن هنا فمن الواضح أن الروس في ورطة جراء التصريحات المتناقضة حول الجيش الحر، والمفروض أن يستغل العرب، والمجتمع الدولي، هذه الثغرة جيدا. من المفروض أن يكون هناك دعم حقيقي للجيش الحر، تدريبا، وتسليحا، وتمويلا، وكذلك لا بد من الضغط على الروس بأنه أخيرا وجدنا ما نتفق معكم عليه بسوريا، وهو الجيش الحر، كما اتفقنا معكم من قبل على بيان «جنيف1». صحيح ألا أحد يقبل بدعم الجماعات الإرهابية بسوريا، إلا أن لا أحد يقبل أيضا بدعم الأسد، وبعد كل جرائمه بحق السوريين، ولذا فمن المصلحة إيجاد أرضية مشتركة بين الحلفاء ضد الأسد و«داعش»، وبين الروس، فليس المطلوب تأجيج الصراع، لكن يجب عدم القبول أيضا بإنقاذ المجرم الأسد. ولذا فلا بد من السعي لدعم الجيش الحر المعتدل، والسعي لفرض مناطق آمنة يحظر الطيران فيها وذلك لمعالجة أزمة اللاجئين، وحماية للمدنيين، وعزل «داعش» على الأرض، وضمان ألا يستعيد الأسد ما فقده من الأراضي التي لن تصان إلا برحيله، وبناء على اتفاق «جنيف1»، وكل ذلك ممكن حدوثه في حال تم دعم الجيش السوري الحر دعما جديا، والآن، لأن ذلك هو مفتاح الحل، وضمان أن تصغي موسكو للمجتمع الدولي بسوريا.

التحريض على الصدام مع روسيا
عبد الرحمن الراشد/الشرق الأوسط/07 تشرين الأول/15
لا شك أبدًا أن مشاعر الأكثرية في السعودية، والدول العربية عمومًا، غاضبة من تدخل الروس في سوريا، لأنه جاء لدعم نظام بشار الأسد، الذي ارتكب أبشع المجازر في تاريخ المنطقة. مع هذا فإن حث الشباب هنا على «الجهاد» لقتال الغزاة الروس تطور خطير، وتعدٍ على الدولة، وسيتسبب أولاً في خروج الشباب للقتال ضد الروس، ثم التحول لاحقًا لقتال لبلدانهم وحكوماتهم وأهاليهم. وعندما تقبض السلطات الأمنية على شاب يحاول التسلل أو العودة، فمن المسؤول؟ هل هو الداعي المحرض أم الشاب المغرر به؟ بكل أسف المسجونون اليوم هم المغرر بهم، أما الذين أرسلوهم، فإنهم ينامون في أسرتهم قريري العين!
والسؤال الأهم: هل الدعوة لـ«الجهاد» إعلان حرب أم اجتهاد من صاحبه أي مجرد رأي؟ الأكيد أنها تحريض، وفي كل الأنظمة الدعوة للقتل تعتبر عملاً خطيرًا. وأكثر من رأي فردي عابر بسبب صراحتها ولأنها عمل جماعي. وأعادت الدعوة للقتال في سوريا للذاكرة، تاريخ «الجهاد» في أفغانستان، الذي غيّر السعودية فكريًا إلى الأسوأ. فقد رحل آلاف الشباب للقتال، نيابة عن الأميركيين. وانتهت الحرب بتأسيس عهد جديد من الفوضى بظهور جماعات إرهابية، لا يزال العالم يعاني منها إلى هذا اليوم. وفي داخل السعودية لم تتوقف المطاردات عن ملاحقة خلايا تنظيم داعش، و«القاعدة» التي هي من امتدادات «الجهاد» في حرب أفغانستان. أما لماذا غيرت للأسوأ، فلأنها زرعت فكر التطرف السياسي ومفاهيم استخدام القوة خارج إطار الدولة من أجل التغيير. الحقيقة، كلنا غاضبون من التدخل الروسي في سوريا، لأنه جاء لمساندة نظام الأسد وإيران وميليشياتها في الحرب الظالمة على شعب تحت تسميات كاذبة مثل الحرب على الإرهاب. مع هذا يجب ألا يسمح بتكرار فصول التاريخ السيئة، التي افتتحت بالدعوة لـ«الجهاد» ضد السوفيات في أفغانستان، فمقاتلة الأميركيين في العراق، وبعدها محاربة الأسد في سوريا، ثم الآن ضد الروس في سوريا. صاحب الحق في الدعوة إلى حرب، في العالم كله، هي الدولة، والأمر نفسه في الإسلام هو حق ولي الأمر. وبالتالي الدعوة إلى الحرب عبر البيانات لا تخرج عن كونها تحديًا لشرعية مؤسسات الدولة، واستعداء للعالم على السعودية، وتجاوزًا لقرارات دولية ضد التحريض على الإرهاب. السؤال لماذا يفعلها هؤلاء رغم النهي عن التحريض والتحذير؟ كنا نعتقد أنهم جهلة في علوم الصراع السياسي، لكنهم يكررون التحريض مرة بعد أخرى، حتى نجحوا في تأليب الرأي العام الدولي ضد السعودية والمسلمين بشكل عام. الضرر كبير لأن دعواتهم صبّت في مصلحة تنظيمات قبيحة مثل «داعش» أجرمت باسم الإسلام والمسلمين، وأضرت بالسوريين وقضيتهم. فقد كانت أمنية النظام السوري عندما بدأ ارتكاب مذابحه ضد الشعب السوري في منتصف عام 2011، أن يلتحق المتطرفون بجيش المعارضة، حتى تصدق مزاعمه أنه يقاتل التكفيريين الإرهابيين. حينها، كانت غالبية السوريين المنتفضين مواطنين يدافعون عن بيوتهم وأحيائهم، ولم يخالطهم مقاتلون أجانب، بعد. ومن أجل إلصاق تهمة التطرّف بمعارضيه، أطلق نظام الأسد سراح المعتقلين في سجونه من الجماعات الإرهابية، وبدأ يبرر عملية القتل الواسعة بأن معارضيه من تنظيم القاعدة. وتحققت أمنيته بدخول دعاة «الجهاد»، الذين أرسلوا شبابًا لا يؤمنون أصلا بشيء من مبادئ الثورة السورية، ولا يهمهم شيء من مطالب الشعب السوري، هدفهم الوحيد إقامة دولة دينية متطرفة لا مكان فيها لمعظم السوريين، وملامح دولتهم الحلم تشبه في قسوتها وإقصائيتها نظام الأسد. من جانب آخر، يتمنى، أيضًا، الأسد والإيرانيون أن تتسع المعركة، ويقع الصدام بين الروس وخصومهم في الخليج، وهؤلاء الذين كتبوا بياناتهم يحرضون الخليجيين على السفر وقتال الروس في سوريا، يخدمون النظام الإيراني. كعادتهم في كل أزمة، يفعلونها، إما بسبب جهلهم في السياسة أو بسبب رغبة البعض في توسيع دائرة الصدام وتقويض المجتمع الذي يعيش فيه. بالنسبة للروس في سوريا نحن نعلم أنهم سيخسرون، دون دعوات «الجهاد»، فقد سبقهم إلى سوريا ومساندة الأسد، حزب الله وعجز، ثم التحق به الإيرانيون وفشلوا، والآن الروس يحاولون ترميم نظام متآكل على وشك الانهيار.

السوخوي” لن تصنع سلام سوريا
موناليزا فريحة /النهار/7 تشرين الأول 2015
خلافاً لتوقعات إيكاترينا غريغوروفا، سيدة الاحوال الجوية في التلفزيون الروسي، ليست سماء سوريا مطلع هذا الخريف، زرقاء صافية، ولا هي مؤاتية لحركة الطائرات والقصف. سماء سوريا كما كل البلاد، ملبّدة وخطرة جدا. مقاتلات وقاذفات متعددة الهوية تصول وتجول فيها وراء أهداف متضاربة حينا ودونما تنسيق بينها أحيانا. احتمالات حصول حوادث غير مقصودة صارت أكبر وزاد خطر انزلاق النزاع الى مستويات أدنى.  روسيا هي آخر الواصلين الى الحرب السورية. سبقتها الى هناك فرنسا وأوستراليا وبريطانيا بانضمامها اخيرا الى الائتلاف الدولي الذي تقوده واشنطن. وقبلها اعلنت تركيا بعد تردد الالتحاق بصفة كاملة بالائتلاف. سلاح الجو السوري يواصل منذ اربع سنوات رمي المدن والقرى بالبراميل، دونما تمييز بين “داعش” و”نصرة” و”جيش سوري حر” ومدنيين. بالنسبة اليه جميعهم ارهابيون، بمن فيهم الاطفال والنساء. سماء سوريا زادت تلبدا الاثنين مع التحذير الذي وجهه حلف شمال الاطلسي الى موسكو، بعد انتهاك احدى مقاتلاتها المجال الجوي التركي. الاطلسي كان واضحا في انّ أي خرق مماثل سيُعدّ انتهاكاً لاجوائه. ومع تكرار الانتهاكات، تزداد احتمالات انضمام المنظمة العسكرية أيضاً الى “العرض” العسكري في السماء السورية. وكما السماء تستعد أرض سوريا لوافدين جدد، هي التي تحولت في السنوات الاربع الاخيرة موئلاً للجهاد العالمي بكل مذاهبه. القائد السابق لاسطول البحر الاسود الروسي توقع انضمام متطوعين روس ومحاربين قدامى الى الجيش السوري. وكان وصل قبلهم خمسة آلاف مقاتل شيعي، استناداً الى الباحث في الميليشيات الشيعية فيليب سميث، الى سوريا بين تموز وآب الماضيين، للانضمام الى المجموعات الشيعية الحاضرة بقوة منذ بداية النزاع. وفي الجبهة المقابلة، رفع دفق المقاتلين الاجانب الى سوريا عدد هؤلاء الى نحو 30 الفاً، نصفهم دخل في الاشهر الـ12 الاخيرة وينتمون الى نحو 80 دولة. ومع بدء التدخل الروسي العسكري في سوريا، أعلن “الاخوان المسلمون” أن جهاد الدفاع ضد ما وصفوه بـ”الاحتلال الروسي السافر لسوريا”، “فرض على كل قادر على حمل السلاح”. ومعهم استحضر 55 داعية سعودياً ذكرى الغزو السوفياتي لافغانستان للتعبئة ضد “الوريثة الصليبية الأرثوذكسية” التي تغزو سوريا، ملوحين لها بمصير شبيه بمصير سلفها البولشفي. وسط هذا التصعيد، تتحدث موسكو عن انتقال سياسي في سوريا. انها تضغط عسكرياً لايصال النظام الى طاولة المفاوضات. لكنّ ذلك قد يضطرها الى ما هو أكثر من سرب مقاتلات. 7200 طلعة لمقاتلات الائتلاف الدولي لم تؤثر بتاتاً في الدفع نحو حل سياسي، ولا شيء يوحي بأن “السوخوي” ستستطيع ذلك. وحدهم مشاهدو التلفزيون الروسي قد يصدقون، ولكن ليس طويلاً، أن “الحرب المقدسة” في سوريا رحلة خاطفة و”مباركة” للقضاء على الارهاب.