أيها المسؤولون: من أين لكم هذا؟
غسان حجار/النهار/6 تشرين الأول 2015
لفتني أمس في إطار متابعة النقل المباشر لـ”معارك” مجلس النواب تبادل التهم بالسرقة، يقول الأول: “انت حرامي وسارق كهرباء”. ويرد الثاني: “انت ومعلمك حراميّي”. لا تهمني الأسماء بقدر ما تثيرني التهمة بلا إثبات، بل الأهم بلا متابعة، إذ كيف يقبل الشعب اللبناني بأن يسمع نائباً يتهم زميله بالسرقة، ثم يراهما في اليوم التالي يتبادلان المدائح والقبل؟ حيال هذا الوضع ثمة احتمالان لا ثالث لهما، إما أن تكون التهمة باطلة وهي محض سياسية، وفيها مسّ بالكرامات وقدح وذم، وتنبغي محاسبة مروّجها، واما ان الصمت المطبق سببه الرغبة في عدم فضح اي امر يمكن ان يشكل حلقة في سلسلة قد ترتد على صاحبها وتفضح أموره وتجاوزاته وفساده. وعلى رغم اني ضد التعميم في توزيع التهم بالسرقة والفساد والافساد، الا ان فكرة تراودني باستمرار وفيها ان المسؤولين، على اختلاف انتمائهم، مسؤولون عن الفساد بطريقة غير مباشرة. فلم نشهد الى اليوم، على وزير افتضح امر سلفه، وكشف عن سوء ادارة وارتكابات بالوقائع والأرقام. كل وزير يعلن في خطاب التسلم انه سيسعى الى اصلاح الادارة وتوفير الخدمات العامة بأقل بيروقراطية ممكنة، وانه سيجتث الفساد في الادارات العامة، وقليلون يقدمون على خطوات جريئة في هذا المجال. وهكذا يصبح صمتهم اشبه بالتواطؤ الضمني على استمرار الفساد. ثم ان الأسئلة كثيرة عن الامكانات المالية لوزراء ونواب لم يعرف عنهم انهم ورثوا ثروات، أو انهم من اصحاب المؤسسات التجارية والصناعية الكبرى التي تدر عليهم مالاً وفيراً، ولم نرهم يوماً يصرّحون بأموالهم المنقولة وغير المنقولة لدى تسلمهم مهماتهم الا في استعراض لا تتم متابعته أو محاسبته لاحقاً. إن محاربة الفساد تبدأ برأس الهرم، أي بالطبقة السياسية الحاكمة التي اذا ما طبّق عليها قانون الاثراء غير المشروع “من اين لك هذا؟”، أمكن انسحاب المحاسبة على كل المستويات. في أيلول الماضي، أعلن وزير العدل أشرف ريفي أنه سيتقدم بمشروع قانون لتعديل قانون الاثراء غير المشروع، لضمان الشفافية الكاملة، بحيث يلزم كل من يتسلم زمام المسؤولية أن يكشف أمام الرأي العام، وخارج الظرف المختوم، ما لديه من أموال وممتلكات. بدوره النائب حسن فضل الله طالب بأن “يكون هناك قانون ترفع فيه السرية المصرفية عن المسؤولين في البلد، ليعرف كل الناس ما هي حسابات وثروات الكثير من المسؤولين ومن أين أتت، وفي هذا المجال هناك قانون الإثراء غير المشروع، فلماذا لا يطبّق؟”. ريفي وفضل الله يمثلان كتلتين كبيرتين في المجلس والوطن، يضاف اليهما “تكتل التغيير والاصلاح” المنادي دوماً بالاصلاح، وكتل اخرى لن تتوانى في الأمر. يبقى السؤال ما، أو من، الذي يعوّق تطبيق “من اين لك هذا؟”، ليس الشعب بالتأكيد.
البدايات والنهايات
راشد فايد /النهار/6 تشرين الأول 2015
ينقص الوجود الروسي في سوريا ان يعلن بوتين انه “وجود شرعي وضروري وموقت”، تماما كما كان النظام الأسدي يعرّف دوره في لبنان، لكن من دون “شعب واحد في بلدين”، لعدم واقعيته. هذا الوجود، أعلن، ضمنا، فشل ايران في تدعيم نظام الاسد المتهاوي، وأحلّ موسكو في منصب الوصي المباشرعليه، والقادر على منازعة واشنطن، في الاقليم، من دون ظلال التنازلات الايرانية الجدية في “الملف النووي” و”ضواحيه” السياسية. أولى نتائج التدخل الروسي، اذا، عودة موسكو بقوة الى المسرح الدولي، وبفاعلية الى مياه المتوسط. ثانية النتائج، إنهاء حلم طهران باتخاذ دور القوة الاقليمية الرئيسية، وتحولها الى منفّذ وتابع للاستراتيجية الروسية في المنطقة، وهو ما ينطبق على “حزب الله” والفصائل الشيعية العراقية. ثالثة النتائج، وضع طهران ودمشق وبغداد في تنسيق ضمني مع تل أبيب، وفق “قواعد اشتباك” تحددها المصالح الروسية في الشرق الأوسط، وما يحيل على السخرية هو قول نائب رئيس المجلس التنفيذي للحزب الشيخ نبيل قاووق “إن الضربات الروسية تعزز محور المقاومة في وجه التكفيريين”، متجاهلا مواجهة اسرائيل. من هنا، تبدو طموحات طهران الإقليمية، وشعاراتها الفلسطينية تحديدا، الضحية الأولى، وفي ذلك ما يفسر تصعيد متطرفي نظامها الهجومات على السعودية، في حادثة مشعر منى، برغم الأصوات الداعية إلى التعامل الهادئ، كحال هاشمي رفسنجاني، رئيس مجمع تشخيص النظام. فاستعداء الرأي العام الإيراني على الرياض، يبعد الأنظار عن إدعاء القوة السابق، وعن التنسيق الضمني مع اسرائيل. فـ”الشيطان الأكبر” انتهى بالإتفاق النووي، وحليفه “الأصغر” بات شريكا مقيما في “الخندق الروسي” المستجد. لكن لماذا تحركت روسيا الآن؟ هل لأن النظام بات على الرمق الأخير، وأشهرت طهران عجزها عن تدعيمه؟ وهل التدخل هو فعلا ضد “داعش”، أم ضد المعارضة المعتدلة؟ وهل هو للحسم، أم لتعديل ميزان القوى ليتاح للنظام أن يكون طرفا في تسوية تفصلها روسيا بما يحفظ مصالحها في المنطقة؟ وأين تقع أهمية النفط السوري، والغاز المكتشف عند الشاطئ بين بانياس وطرطوس، والتنافس الروسي – التركي على تغذية أوروبا بالغاز، وكون دمشق الزبون الخامس على 88 شارياً للسلاح الروسي؟ إلى كل ذلك، ما حقيقة مخاوف موسكو من ارتدادات “داعشية” عليها، وزعمها، على طريقة “حزب الله”، أنها تذهب إلى محاربة “داعش” في سوريا قبل أن ينتشر “الفكر التكفيري” بين الـ20 مليون مسلم روسي وفي دول القوقاز التي منعت استقلالها بعيد انهيار الإتحاد السوفياتي، بسبب ثروتها النفطية؟ كل الإجابات صالحة، لكن المشهد الحالي ليس نهائيا، ولا تعكس الوقائع دائما ما هو مخطط. فمن فيتنام إلى أفغانستان، فالصومال، لم تستسلم المجريات اليومية لما رسم في الغرف المغلقة. عادة، تسهل معرفة البدايات وليس النهايات.