تفادي الصدام السعودي الإيراني
عبد الرحمن الراشد/الشرق الأوسط/04 تشرين الأول/15
هذه أعلى درجة من التوتر بين الجارتين السعودية وإيران، منذ نهاية الحرب العراقية الإيرانية، وذلك قبل 27 عامًا. وليس عسيرًا على المتابع أن يتفهم دوافع القلق السعودي من إيران. فهي تتمدد حتى أصبحت توجد عسكريًا في محيطها، شمالاً في العراق وجنوبًا في اليمن، وجماعاتها تنشط كمعارضة في البحرين شرقًا، وتدير القتال مباشرة في سوريا. إيران تستثمر الكثير من رجالها وأموالها في مشروع يبدو هدفه محاصرة دول الخليج. ولولا هذا التوتر ما حولت القيادة الإيرانية بأعلى مستوياتها، المرشد الأعلى والرئيس روحاني، حادثة التدافع في موسم الحج إلى قضية وصعدتها سياسيًا. فالحج منطقة تزاحم، ووقوع حوادث فيه محتمل بوجود مليونين ونصف المليون حاج في المشاعر الدينية المحدودة المساحة والزمن. والهدف من ذلك تحريض الشعب الإيراني وتبرير نشاطات الحكومة الإيرانية في الخارج. والاحتجاج الإيراني الآخر هو ضد ما تسميه بـ«الحرب العسكرية السعودية في اليمن»، مع أنه تدخل جاء بموافقة كل أعضاء مجلس الأمن، وبمساندة عشرات الدول الإسلامية. إيران وجدت أن استثمارها في دعم المتمردين الحوثيين، وهم جماعة صغيرة، يتبخر بعدما كانوا قريبين من الاستيلاء على الحكم، وحكم اليمن، عندما قاموا بتنفيذ انقلابهم واعتقال رئيس الجمهورية الشرعي. وقد قطع «التدخل السعودي» الطريق على الإمدادات العسكرية الإيرانية بحرًا، وجوًا، بإغلاقه ميناء الحديدة، وقصف مدرج مطار صنعاء، والاستعانة بالبحرية الأميركية لفرض رقابة بحرية ضد المدد من إيران. وفي سوريا، أيضًا، هناك صدام غير مباشر، حيث تقود قوات الحرس الثوري الإيراني مباشرة ميليشيات جلبتها من العراق ولبنان وأفغانستان، تقاتل جميعها نيابة عن نظام بشار الأسد. وقد تسببت في ارتكاب أكبر مأساة عرفتها المنطقة، ربع مليون قتيل واثني عشر مليون مهجر ومشرد. أما العراق، فإنه في طور التحول إلى نقطة تماس ثالثة، وبالغة الخطورة، بعد أن أصبحت الهيمنة الإيرانية واضحة على الحكم في بغداد، وقيادات الحرس الثوري تقاتل في محافظات عدة.
تزايد شهية الحكومة الإيرانية لنشر نشاطاتها في منطقة الشرق الأوسط يخالف كل الفانتازيا التي تحدث عنها الأميركيون، من أن الاتفاق النووي مع الغرب سيحول إيران إلى دولة تلتفت إلى أوضاعها الداخلية، وتتخلى عن مغامراتها الخارجية، وستسعى للتعاون من أجل الانفتاح الاقتصادي وتطوير خدماتها لمواطنيها. الذي يحدث عكس ذلك تمامًا. والحرارة المرتفعة جدًا في علاقات السعودية بإيران تنذر بالخروج عن السيطرة، ما لم يسعَ البلدان إلى وضعها في إطارها، كما تقتضي العلاقات والأعراف بين الدول. وقد زاد من توجس دول المنطقة من إيران الاتفاق النووي، لأنه يرفع العقوبات العسكرية والاقتصادية، ليتفاعل سلبيًا فيزيد الخلاف والتراشق الدبلوماسي والإعلامي. لكن تزايد التوتر يستوجب تحسين وسائل التواصل وليس العكس، من أجل محاولة فهم أسبابها ودوافعها وإلى أين يمكن أن تتجه. ونتوقع أن يستمر الخلاف الإقليمي في اليمن والبحرين والعراق وسوريا وغيرها، وستصاحبه نعرات طائفية، لكن لن يكون سهلاً إطفاء الفتن الدينية بعد إنهاء الخلافات السياسية. لكن يفترض ألا يخرج التوتر عن سيطرة الطرفين.
لا ترقصوا على إيقاع بوتين وخامنئي
طارق الحميد/الشرق الأوسط/04 تشرين الأول/15
نعم تغيرت قواعد اللعبة في سوريا بعد الغارات الجوية الروسية، والسؤال الآن: كيف يمكن التعامل مع هذا الواقع الجديد؟ الأكيد أنه مهما حقق الروس الآن من نتائج فإنها آنية، وستتبخر، وهذا ليس تفكيرًا رغبويًا، وإنما هناك ما يسنده. التدخل الروسي، والمشاركة الإيرانية لنصرة مجرم محسوب على أقلية، وهذا توصيف لواقع وليس شحنًا عاطفيًا، من شأنه تأجيج الطائفية، والتطرف، ولن يكون بمقدور روسيا أو إيران الانتصار على مخزن السنة، وهذا ليس تفاخرًا بالنزعة السنية بقدر ما هو تحذير من إشعال جذوة التطرف التي أشعلها الروس الآن عمليًا. ولذا فمن المهم التساؤل الآن حول ماهية ردة فعل دول المنطقة، الجادة، وحلفائها الغربيين، وعلى رأسهم أميركا، الراغبين في دعم الشعب السوري، ووضع حد للضربات الروسية – الإيرانية على سوريا؟ نتحدث أولاً عن منطقتنا، حيث من المهم أن لا تكون ردة الفعل عاطفية، أو انفعالية، بحيث لا اندفاع ولا انكفاء. من المهم الآن، عربيًا، أن تكون هناك غرفة عمليات تضم العرب الجادين بنصرة الشعب السوري، ومعهم حلفاؤهم، وتعمل على فرز المعارضة جيدًا، وتركز تحديدًا على الجيش السوري الحر، تدريبًا وتسليحًا نوعيًا بمعنى الكلمة. وقد يقول قائل وهل بقي شيء من الجيش الحر؟ حسنًا، قليل من التبصر.. اليوم وبعد الضربات الروسية الجوية التي طالت المعارضة، والجيش السوري الحر، تحديدًا، خرجت بريطانيا، وأميركا، محذرتين من المساس به.. أميركا التي كان يقول رئيسها إن الجيش الحر هو عبارة عن مزارعين وأطباء، الآن تحذر إدارته من المساس به، وتتعهد بدعمه! ولتأكيد أن ما نطرحه ليس تفكيرًا رغبويًا، فقد أخطأ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خطأ الشاطر، ويجب أن يدفع ثمنًا حقيقيًا، حيث صرح قائلاً إن بلاده لا تستهدف الجيش الحر، بل يجب أن يكون جزءًا من الحل السياسي. وليكن ذلك! وعليه يجب الآن دعم الجيش الحر وتدريبه، وتسليحه، بأسرع وقت، وتسهيل وانتظام تمويله للتأكد من انضمام أكبر المجموعات إليه، وبالتالي، وهذا أمر واجب وحتمي، عدم الانزلاق في دعم أي مجموعات راديكالية متطرفة، ومهما كانت درجة الغضب الآن. والأمر لا يقف عند هذا الحد، فالواجب على العرب الآن الإصرار على الغرب، وتحديدًا أميركا، بضرورة تسريع، وتفعيل، دعم الجيش الحر، وضرورة سرعة مباشرة فرض مناطق آمنة محظورة الطيران في سوريا، حول الحدود التركية والأردنية، وغيرها، وبذلك يساهم المجتمع الدولي بالحد من تدفق اللاجئين، ومنع سقوط المناطق المحررة من الوقوع بيد الأسد مرة أخرى، وكذلك تشجيع المقاتلين المجبرين على الانضمام لـ«داعش» على الانسحاب منه، والانضمام لصفوف الجيش الحر. ومهما بدت هذه الاقتراحات باردة إلا أنها عملية، ومن شأنها إعطاء الروس درسًا قاسيًا، وكسر لطوق روسيا وإيران اللتين تعتقدان أن بمقدورهما العبث بمنطقتنا، وأمننا. يجب أن يكون الرد قاسيًا، لكن ليس بالرقص على إيقاع بوتين وخامنئي.