عملاء إيران والانتقام من الحراك الشعبي العراقي
داود البصري/السياسة/27 آب/15
لقد حصل ما توقعناه مسبقا فعلا! وفشل الحراك الجماهيري العراقي في تغيير الواقع السلطوي الفاسد, وأثبتت العصابات الإيرانية في العراق أنها أقوى كثيرا مما يبدو على السطح, لكون نفوذها متجذرا في عمق الدولة البائسة العميقة التي نشأت بعد الاحتلال الأميركي وانهيار الدولة الوطنية. فمن الحقائق الميدانية المهمة التي أفرزتها مرحلة التحرك الجماهيري العراقي والحراك الشعبي الشامل في ساحات التظاهر في المدن العراقية, إماطة اللثام عن الكثير من الملفات والحقائق التي كانت مغيبة وسط ركام الأحداث والمختفية تحت ملفات المصالح والمشاعر الطائفية الضيقة التي أوردت العراق وشعبه مورد الهلاك! فالأحزاب الطائفية التي تسلقت الموجة وتصدرت الركب بعد احتلال العراق العام 2003 وإسقاط الدولة الوطنية ومؤسساتها الأمنية والعسكرية باتت تواجه اليوم ساعة الحقيقة أمام تراكم ملفات فشلها المرعبة, وتهاوي دعاياتها ونظرياتها, وإثباتها أنها تحولت لأكبر مظلة فساد مرعب في تاريخ العراق المعاصر, لذلك كانت ردود فعل وتصرفات تلكم القيادات قمة في العدوانية وعدم الاتزان بعد أن عبرت الجماهير المسحوقة التي كانت أصلا هي الحاضنة الشعبية لتلكم الأحزاب عن تبرمها وضيقها وكفرها الصريح بسياسات وممارسات وقيادات تلكم الأحزاب. لقد كان الابتزاز سيد الموقف, فإمام جمعة النجف مثلا وهو القيادي في جماعة المجلس الأعلى الموالي لإيران صدر الدين القبانجي قد اعتبر التظاهرات والمطالبات الشعبية إساءة للدين والمذهب! وكذلك فعل القطب المجلسي الإيراني الآخر جلال الدين الصغير الغارق حتى الثمالة في أوحال الإرهاب الطائفي, وهو موقف ابتزازي صريح يعبر بكل تأكيد عن فشل قيمي وأخلاقي, فالدين كما نعرفه ويعرفه جميع العقلاء يأمر بمحاربة المنكر والدفاع عن الحق ورفع المظلومية, وإن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر, والجور والظلم والسرقة التي مارستها الأحزاب الطائفية قد تعدت كل الحدود حتى تخلصت الجماهير من صبرها الطويل, وعبرت عن مواقفها الصريحة, وهتفت بسقوط الطغيان لتدك صروح اللصوصية والفساد والتعجرف, وكان من الطبيعي أن تكون شعارات المتظاهرين موجهة لتلكم العصابات, التي إستشعرت الخطر الداهم, ما دعا قياداتها الميدانية لرفع رايات التهديد والتلويح بالانتقام مع حملة الشائعات المفبركة التي تصور المتظاهرين وشعاراتهم بكونها معادية للإسلام, أو المذهب وليس ذلك من الحقيقة في شيء أبدا! فبعد تهديدات زعيم عصابة “العصائب” الإرهابية قيس الخزعلي للجماهير, جاء دور زعيم العصابة الإيرانية الأكبر في العراق, وقائد الحشد الطائفي المهزوم, والعميد في الحرس الثوري هادي العامري الذي يحاول جاهدا تقديم كل صور الابتزاز الفاضح, فهو يقول إن الحماية الحكومية للتظاهرات الشعبية كانت سببا في تقدم تنظيم الدولة في بيجي! ثم عاد لاحقا ليهدد الجماهير ويلوح بأن “المخربين” ويقصد المتظاهرين السلميين يعادون الإسلام ويحاربونه! وذلك افتراء محض وكذب صريح يخفي رعبا طائفيا قاتلا من سحب البساط من تحت أقدام العصابات الطائفية, وهو ما فتح الطريق لبداية حملة اعتداءات ميليشياوية على المتظاهرين كما حصل في محافظات البصرة والنجف وكربلاء وبابل, وهو ما سيتطور لاحقا وحتما لاعتداءات أوسع ستصل لدرجة إدارة عمليات اغتيال سياسية عادة ما تعتمدها الأنظمة القمعية من خلال استهداف رموز معينة وتصفيتها وإرهاب الساحة والجماهير مع إشاعة شائعات مغرضة تصور المتظاهرين بكونهم معادين للإسلام! وهي ستراتيجية إيرانية واضحة لتفكيك المعارضة, يبدو أن المستشارين الإيرانيين في العراق قد نصحوا أتباعهم وعملاءهم ورجالهم في العراق باتباعها أسوة بما فعله النظام الإيراني بمتظاهري ربيع طهران العام 2009 . العامري باعتباره إيراني الولاء والهوى والمرجعية لابد أن يطبق ما نصحه به سادته في إيران وسيده المباشر في العراق “السردار” قاسم سليماني الذي يتجول بحرية في العراق متحديا الجماهير وحتى الولايات المتحدة التي تمنعه من السفر بينما هو يحكم العراق فعليا. حقائق الموقف تقول إن الميليشيات أقوى من حكومة العبادي وشرطته وقواه الأمنية, وأنها اليوم بصدد الإعداد لتدبير وإدارة مذابح كبرى ستقوم بها ضد المتظاهرين وبما سيؤدي في نهاية المطاف لانقلاب ميليشياوي رهيب باتت الأحداث تتسارع إليه بقوة, كل ما يدور في كواليس الحكم العراقي يؤكد حتمية الصدام بين الميليشيات الطائفية والجماهير, وهو تطور سيؤدي لنتائج من شأنها تغيير مجرى إدارة الصراع في العراق وصولا لاضمحلال الدور الإيراني الرهيب.
قراءة سياسية في ثورة “الزبالة”
مهى عون/السياسة/27 آب/15
قد يبدو عنوان المقالة غريباً, لناحية إضافة مفردة الثورة إلى عبارة الزبالة, وغيرَ مألوف, مقارنة بالتسميات المعهودة للتحركات الشعبية, التي تترافق عادة مع عبارات الربيع والأمل وما شابه, إلا أن ثورة “طلعت ريحتكم” في لبنان هي أول من كسر هذه القاعدة, فقرنت تسمية انتفاضة الشعب اللبناني المحقة على الطبقة الفاسدة والمتمادية في غيها, باسم الزبالة والروائح الكريهة. وإذ ترسم تسمية تحرك الشعب اللبناني ضد السلطة المتهاوية أو العاجزة هذه الصورةَ المغايرة, فهي تأخذها من التناقض القائم بين الظاهر والجوهر, ففي الظاهر يذكر شكل الانتفاضة الشعبية بالربيع العربي في بداياته, وفي الباطن يتجسد في الانتفاضة كل النواحي المقيتة والسلبية التي ظهرت في الثورات العربية الحاضرة, المتمثلة في تدخل الأصابع الملوِّثة والمشوهة لها في مراحلها المتقدمة.
تظاهر آلاف اللبنانيين في بيروت ضمن حملة “طلعت ريحتكم”, للاحتجاج على ظاهرة تراكم القمامة, إذ لا تزال بيروت تشهد تكدس القمامة في الشوارع, وانتشار روائحها النتنة, إلا أن اللافت كان تحول الشعارات والهتافات عند بعض المشاركين المدسوسين إلى هتافات تقول “الشعب يريد إسقاط الحكومة”. وإذا كانت الحكومة عادة هي المسؤولة عن التقصير ومن الطبيعي أن تستقيل في حالة التقصير, وهذا ما يحصل في مختلف الدول المتحضرة, وغير المتحضرة أيضاً, إلا أن الوضع مختلف اليوم بالنسبة إلى لبنان, كون هذه الحكومة القائمة هي آخر ما تبقى من شكل الدولة والنظام, وهي -على علاتها وتفككها وتشرذمها وتناقض مكوناتها- تظل كما يقال “أفضل من بلاش”, أي أفضل من الفراغ التام والكامل. ولكن الأكيد هو أن هناك جهة لا تزال تراهن على إحداث الفراغ التام, ونزلت إلى الشارع عن سابق تخطيط وتصميم, للتحريض على رفع هتافات تطاول الحكومة وتطالب برحيلها. والجدير بالذكر هنا, أن أي سيناريو لاحق لأي رحيل للحكومة تحت ضغط الشارع, كما سبق وحصل بالنسبة إلى حكومة عمر كرامي, بعد عملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري, هو سيناريو كارثي في ظل غياب أي مؤسسة دستورية أخرى, فالفراغ الذي قد يحصل على صعيد رئاسة الحكومة, زائد الفراغ الحاصل على صعيد رئاسة الجمهورية, زائد شلل المجلس النيابي, المعطل وغير الشرعي, إنما يمهد ويساهم في إيصال قوى الأمر الواقع إلى سدة السلطة, ونعني بها “حزب الله” الذي يملك القوة والسلاح والكلمة الفصل في كل مجريات الأمور, على صعيد الدولة والبلاد والشعب والجيش.
وكلمة حق تُقال, “طلعت ريحتكم”, كان شعاراً حمله العديد من المواطنين المظلومين والمقهورين, من تراكم عجز وتلكؤ جميع الحكومات المتتالية, بعد نهاية الحرب, وليس هذه الحكومة فقط, في النظر إلى مختلف حاجاتهم الحياتية غير المؤمنة, وأن مسألة تراكم الزبالة, لم تكن سوى القشة التي قصمت ظهر البعير, كون المواطن لا يزال ينوء تحت ثقل عشرات ملفات الفساد العالقة الأخرى على صعيد كل المؤسسات الخدماتية, من كهرباء وماء وأخيراً نفايات, وكذلك على مستوى الأمن السائب وعدم تأمين الطبابة… وغيرها الكثير من الأمور المعيشية العالقة. كان شكل التحرك واعداً وطبيعياً ومنتظراً, وحمل العديد من اللبنانيين على النظر بأمل إلى إمكان بزوغ فجر جديد, إلا أن بعض المؤشرات لفتت المراقب إلى انحراف مسار هذا التحرك, منها على سبيل المثال استغلاله من جهات مدسوسة ومحاولة الانتقال به من المطالبة بالأمور المعيشية, إلى التحامل الفجائي على رئيس الحكومة انتقالاً إلى المطالبة بإسقاطه وإسقاط حكومته. ومنها أيضاً رفع صور الزعماء والسياسيين كافة على أكياس الزبالة, ما عدا صورة أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصر الله, ومنها أيضاً نزول وجوه فنية معروفة مناصرة ل¯”حزب الله” إلى الساحة, كالمغنيين معين شريف وملحم زين وسواهما, لتحريك الشارع ورفع الصوت واليافطات.
أما العامل الميداني الآخر الذي حير المراقبين, فكان الغياب التام لأي ناطق رسمي باسم التحرك, يمكنه أن يحاور ويفاوض باسم مجموع المعتصمين, ما ساهم في تغطية شخصية وطبيعة من يسعى لاستغلال هذا التحرك وسرقته. أما ظهور البلطجية والزعران التابعين لحركة “أمل” والذين أمعنوا في الممتلكات العامة, تكسيراً وحرقاً وتدميراً, فهو تحرك جاء مقصوداً ومسيراً من أحزاب معروفة لتشويه صورة التحرك وتهريب الناس وتخويفهم, بعد الإمعان في عملية استغلال أهداف التحرك وتحويره في طرح شعارات سياسية معادية للحكومة.
التشويه من بعد الاستغلال, كانا سمتي هذا التحرك الشعبي العفوي والنظيف. أما الجهات المغرضة, فهي غنية عن التعريف, ف¯”حزب الله” كان الفريق الذي حاول استغلال التحرك لحرْفه عن مساره, وحركة “أمل” التي تدخلت في آخر النهار لتشويهه.
أما التساؤل حول هل ستستمر الناس في النزول إلى الشارع, للمطالبة بحقوقها المشروعة? فالحقيقة أنه يصعب التكهن بطريقة تصرف الناس, بعد أن اصطدمت بمن يريد استغلال تحركها من ناحية, ومن يريد إحباطه من ناحية أخرى. ولكن يبقى الأمل معقوداً على همة وإرادة الشرائح الشبابية التي من المفترض ألا تخيفها هذه التصرفات الميليشياوية الفاسقة والمنحرفة. فكل تراجع هو غنيمة لنظام الاستبداد والبلطجة, وكل تراخ أمامه هو تمهيد لإحلال جبروته وتمكينه من تحقيق مشروعه وأهدافه المبيتة.