عبد الوهاب بدرخان: عن النصر الإلهي والتقسيم والأسير/وسام سعادة: هل لبنان فاشل كيانياً/مشاري الذايدي: هل حان الحوار مع إيران/عبد الرحمن الراشد: الاستعداد الدولي للحرب في ليبيا

454

عن “النصر الإلهي” والتقسيم و… الأسير
عبد الوهاب بدرخان/النهار/19 آب 2015
كان لافتاً أن يحوّل اعتقال أحمد الأسير الأنظار الى “حزب الله” وأمينه العام. فردود الفعل أظهرت، في الداخل كما في الخارج، أن في وجود الشيخ الصيداوي وراء القضبان خطوة طبيعية نظراً الى تمرّده على الدولة واعتدائه على الجيش وولغه في التحريض المذهبي، لكنها أشارت الى وجود قتلة معروفين ومتمتّعين بحصانة “الحزب” الذي وضعهم فوق الدولة والقانون، وكذلك الى التحريض العلني المتلفز الذي يمارسه حسن نصرالله ويوظّفه لتكريس حال شاذة تستهتر بالدولة وتمعن في تهميش الجيش. وهي حال ذهبت بتداعياتها أبعد كثيراً مما بلغته الظاهرة البائسة التي مثّلها أحمد الأسير. ولعل المصير الذي انتهى اليه الأسير كشف كل الأكاذيب التي حيكت حول علاقاته الداخلية ومَن حرّكه وموّله، وخصوصاً مَن حماه. اذ اتضح أخيراً أنه لم يحظَ بأي حماية، وأن حمله السلاح كان خياراً غبيّاً لم تؤيده طائفته بل استدرجه اليه ذلك “الحزب” و”سرايا” زعرانه. أدّى الاعتقال غداة الذكرى التاسعة لـ”النصر الالهي” الى حجب الأضواء باكراً عن خطاب نصرالله الذي حفل، كما باتت العادة، بالكثير من التضليلات وكأن اللبنانيين لم يكونوا شهوداً على حرب تموز 2006. قال إن “النصر” حصل رغم الانقسام السياسي وعدم وجود رأي موحّد في البلد، وطالما أنه شهّد الرئيس نبيه بري ففي استطاعة الأخير أن يقول ما اذا كان ذلك الانقسام أساء لذلك “النصر” أو أربكه. ثم ما المقصود بـ”الرأي الموحّد” اذا كان “حزب الله” “فاتح على حسابو” ولا يستشير أحداً غير الايرانيين، فهل “الرأي الموحّد” يعني أنه كان على الحكومة آنذاك أن تعلن الحرب أو تأمر الجيش بالمشاركة فيها، وهل يمكن أي حكومة أن تساند حرباً لم تقررها أو أن تدعم مَن قرّرها على أساس “لو كنّا نعلم لما كنّا ذهبنا الى الحرب”؟ والأهم أن نصرالله لا يأخذ في اعتباره أبداً أن من يسميه “الفريق الآخر” ليس العدو الاسرائيلي بل يلتقي معه ضد هذا العدو، ومع علمه بأن “أسرلة” خصمه الداخلي مجرد كذبة خطابية إلا أنه بات يصدّقها. أقيم احتفال ذكرى “النصر” في وادي الحجير، لذا استعاد نصرالله المؤتمر الذي عقد في هذا الوادي عام 1920 مستخلصاً أن “المقاومة” الحالية هي امتداد لمقاومة أبناء جبل عامل للاحتلال الفرنسي، وهذا حقه وشأنه، لكنه صادر رفض العامليين آنذاك لـ”التقسيم” ليوحي بأنه لا يزال على الخط العاملي نفسه، وكان ممكناً أن يكون نصرالله محقّاً لولا فارق هائل بين ايرانيته الفارسية وبين العروبة التي دافع عنها السيد عبد الحسين شرف الدين في مؤتمر وادي الحجير. فإيران تستخدم “حزب الله” في كفاحها من أجل تقسيم سوريا، ليقينها باستحالة الحفاظ على “مصالحها” في سوريا موحّدة.

هل لبنان فاشل كيانياً؟ تجربتنا حين تستحضر في نقاش هندي
وسام سعادة/المستقبل/19 آب/15
اختار أحد أهم صناع الرأي في الهند المعاصرة، وأحد أهم المؤرخين لها، رمشندرا غوها، أن يأتي على ذكر تجربة لبنان بمناسبة الذكرى الثامنة والستين لاستقلال بلاده. فكما يتصدّى غوها لمقولات اليمين القومي الديني ويرفض أن تكون الهند للهندوس فقط، أو أن تكون «باكستان هندوسية» مثلما هي باكستان «هند اسلامية»، فإنّه وجّه النقد لنزعة النوستالجيا الطافحة لزمن كانت فيه شبه القارة الهندية لا تزال موحدة، وهذه تتحول الى نزعة مأتمية عند بعض المثقفين عشية كل ذكرى استقلال. لذا كتب غوها في «الهندوستان تايمز» ما معناه انه، وعلى رغم الطابع الكارثي لمآسي الانفصال على أساس طائفي – ديني عام سبعة وأربعين، وقيام دولتين هندية علمانية دستورياً وباكستانية اسلامية قومياً وليس فقط دينياً، فإنّه ينبغي تثمين صنيع آباء الاستقلال لأنهم رفضوا ان وحدة البلاد بمركز ضعيف، وآثروا التقسيم في مقابل قيام مركز قوي، ويصل غوها الى انه لو اعتمد الخيار الاول، اي استمرار وحدة شبه القارة الهندية، بنسب متقاربة من الهندوس والمسلمين، وبمركز ضعيف، لكانت الحال الكيانية ستكون بهشاشة تجربة .. لبنان.
طبعاً، ليس سهلاً ان تكون لبنانياً وتتقبل على الرحب مثل هذا الحديث. لكن المسارعة للتفتيش عن اول حجج تخطر في الذهن لمناقضة ما يقوله غوها ستجعلك لا تستفيد من المقارنة الكيانية التي يقترحها، وتفوت عليك الفرصة للخروج من المماحكات اليومية للسجال الداخلي، الى ما به تستقرأ تجربة تآكل المؤسسات الدستورية وجسم الدولة اللبنانية بهذا الشكل المستفحل بعد ربع قرن على انتهاء الحرب الاهلية. لكن اللذيذ في الموضوع ان غوها يميز بين كيان تأمنت فيه غلبة دينية، الهند المستقلة، من دون ان يضبط نفسه بدين للدولة، كما باكستان، وبين لبنان، الذي قام على ثنائية اسلامية مسيحية أو تدرّج نحوها، ويقابل بسبب ذلك بين تجربة بمركز قوي هي الهند وتجربة بمركز ضعيف هو لبنان، هذا على الرغم من ان الهند دولة فدرالية ولبنان دولة مركزية، وعلى الرغم من الهند بلد يمكن ان تتحدث فيه عن العواصم بالجمع، دلهي ومومباي وكولكاتا وشيناي، في مقابل تركز اكثرية اللبنانيين في بيروت وضواحيها. لبنان يبدو بدن برأس أكبر منه، وهذا ما يلعب بشكل أو بآخر دور في تعطيل هذا الرأس، وهذا البدن. المشترك بين لبنان والهند هو عدم تبني اي منهما لدين للدولة، وان كانت الهند تذهب لابعد من ذلك في علمانية الاحوال الشخصية بالنسبة لغير المسلمين، وتغيب فيها الكوتا الطائفية الرسمية، في حين ان الدولة اللبنانية علمانية من جهة الاستقلال المتبادل بينها وبين الكنائس وغير علمانية من جهة المؤسسات الدينية الاسلامية، وغير علمانية في الحالتين من جهة الاحوال الشخصية، وغير علمانية ابداً من جهة التوزيع الطائفي للمقاعد النيابية والوزارية والرئاسات.
لكن حتى المشترك بين البلدين يتعرض لاعادة نظر. تيار «الهندوتفا» بمعنى الهند للهندوس، يريد ربطاً عضوياً على كل الصعد الممكنة، بين الهندوسية، اذ يعاد تعريفها كدين قومي، وبين الهند اذ تعرّف كوطن للهندوس، ما يطعن في وطنية مئة وخمسين مليون مسلم، بشكل أو بآخر. في الوقت نفسه، تعيش الهند موجة من نزعات تعميق الفدرالية والذاتيات الاقليمية، في مواجهة المعادلة التي أقامها جيل الاستقلال وحزب المؤتمر: معادلة الفدرالية بمركز قوي.
أما الاستقلال اللبناني فاستبعد الفدرالية الجغرافية منذ البدء، واعتمد مبدأ الدولة المركزية، انما بمركز قرار آيل الى التعطّل. كانت الحجة في زمن الجمهورية الاولى ان صلاحيات رئيس الدولة اوسع من ان يمكن له الواقع اللبناني ان يستخدمها وهذا ما يعود فيعطل دوره، ويعطل مؤسسات الدولة. صارت الحجة في زمن الجمهورية الثانية منقسمة بين من يرى انها تستند الى معادلة تضيّع مركز القرار، أو توزعه هباء، أو تنقله من هذا الى ذاك، دون استعداد لموافقة الجميع على ذلك. في الحالتين، تستمر صحة بعض ما قاله رمنشندرا غوها، حول لبنان كتجربة كانت أفضل للهند المستقلة انها لم تقتبسها، وان آباء الاستقلال الهندي الذين رفضوا في آن واحد الدولة المركزية والدولة الملتزمة بدين لها، واعتمدوا الفدرالية وكرسوا التعددية اللغوية، الا انهم وقفوا بالمرصاد لكل طرح كان سيؤدي الى قيام كيان هجين، يعطّل ذاته بذاته، وبمركز مهلهل، هش، ضعيف. الرغبة في تقوية المركز زيادة عن اللزوم، باتجاه ابوي في زمن جوهرلال نهرو، وتسلطي في زمن ابنته انديرا غاندي، وقومي ديني اصولي، مع رئيس الوزراء الحالي نارندرا مودي، كانت دائماً تعيق التطور الديموقراطي وتعرّض التجربة الدستورية الهندية لفترات اختبار، وان ظلت حيوية الاحزاب والمجتمع المدني والنزعات المناطقية ومناعة المؤسسة القضائية تساعد التجربة على المضي بسلام، وحتى الساعة لم تتحول الهند الى «باكستان هندوسية» كما يشدّد غوها، كما انها في لحظة انفصالها عن باكستان، أعفت نفسها من الاحتمال اللبناني. في المقابل، الرغبة بتقوية مركز اتخاذ القرار ظلت تقود لبنانياً الى اضعاف المركز، دون ان يتمخض عن ذلك لامركزية الدولة بأي مستوى من المستويات، وما نعيشه اليوم هو تذكير يومي متماد بأنه لا يمكن احتمال لذلك لفترة طويلة مقبلة. تقوية المركز بلامركزية الدولة، قد تبدو معادلة مضغوطة، مبهمة بعض الشيء، لكنها ستخطر في البال عندما نأخذ بجدية اختيار غوها الحديث عن نجاح التجربة الهندية بمقابلتها مع الحال اللبنانية.

هل حان الحوار مع إيران؟
مشاري الذايدي/الشرق الأوسط/19 آب/15
نشرت «الشرق الأوسط» خبرًا فيه تفاصيل مهمة عن الحوار الإيراني المزعوم مع دول الخليج. مسؤول خليجي كبير كشف لـ«الشرق الأوسط»، تفاصيل عن الحوار الخليجي – الإيراني الذي أعلنت طهران أنه سينطلق في الثاني والعشرين من سبتمبر (أيلول) المقبل، مشيرًا إلى أن الفكرة قطرية، ووجدت ترحيبًا حارًا، من إيران وسلطنة عمان فيما تحفظت 3 دول خليجية. وتتوقع إيران أن يعقد اللقاء في إحدى دول المنطقة أو دولة محايدة. يقول الخبر إن سلطنة عمان استجابت للمقترح القطري «دون تردد»، فيما لم تسجل الكويت موقفًا رافضًا للحوار، وبدا أنها لا تمانع من إجرائه، أما السعودية والإمارات والبحرين فكانت لديهم تحفظات عميقة على إقامة مثل هذا الحوار في وقت لا تزال طهران تمارس العدوان على أمن العرب والخليج. بحسب المسؤول الخليجي الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، فإن المسؤولين الإيرانيين «مستميتون على عقد هذا الحوار، وذلك لإيقاف خسائرهم المتتالية في اليمن، وأيضًا بعد فضح أجندتهم في البحرين والكويت كما أعلن هذا الأسبوع». هناك من يناصر الحوار مع إيران، لمجرد الحوار، وكسر الجليد، والاستماع لهواجس بعض، على الطريقة الأوبامية الساذجة، أو المتساذجة، وهناك من لا يوافق على ذلك مفضلاً رؤية الأعمال قبل الأقوال. الأعمال تقول إن إيران الحالية، دولة «معادية» للخليج والعرب، ربما باستثناء سلطنة عمان، هي تحتل جزر الإمارات، والإمارات تحارب إيران في اليمن، من خلال وكيلها المحلي الحوثي، وإيران تدعم الإرهاب في البحرين والكويت، والسعودية قبل ذلك. إيران تعادي مصالح العرب في العراق وسوريا ولبنان وحتى في أفريقيا، وهي تساند كل الجماعات التي تزرع الخراب في الدول العربية والمسلمة، حتى السنية منها. لماذا تنفتح السعودية والبحرين والإمارات على إيران، مسوقة لوهم أوباما حول دعم المعتدلين في إيران؟! هل الحل في الحرب المباشرة على إيران إذن؟ ليس ضروريًا ذلك، لكن لا يجوز أبدًا التفريط في المكاسب التي حصلت في اليمن، والآن في العراق، ولاحقًا في سوريا، من أجل منح رخصة تحسين صورة للنظام الخميني الشرير. لسنا في عجلة من الأمر، هم من يعاني في اليمن وسوريا والعراق، لا نحن. وهناك داخل إيران أصوات تنادي بالكف عن هذه التدخلات المدمرة، مثل المفكر السياسي الإصلاحي والأستاذ الجامعي، د. صادق زيبا كلام، الذي دعا حكومة بلاده مؤخرًا لوقف دعم النظام الأسدي بسوريا والحوثيين باليمن والكف عن التدخل في الدول العربية. أخطر شيء أن تذهب للحوار مع العدو وأنت مشتت الرأي، وليت أصحاب الاقتراح، والمهللين له، ينشغلون بأمور أفضل.ليس بعد.

الاستعداد الدولي للحرب في ليبيا
عبد الرحمن الراشد/الشرق الأوسط/19 آب/15
كالعادة، التراخي في مواجهة الجماعات المتطرفة يجعل المهمة أصعب لاحقًا، وبكلفةٍ أغلى. هذا وضع ليبيا اليوم. فمنذ بداية الاقتتال كانت المؤشرات والمحطات كثيرة على تنامي ثم انتشار الجماعات المتطرفة المحسوبة على «القاعدة». جماعة «أنصار الشريعة» هدّدت بذبح سفير بورما، في منتصف عام 2012، ولم يلتفت إليها أحد، حتى هاجمت القنصلية الأميركية وقتلت السفير وثلاثة آخرين، فقط بعد شهر من تهديداتها للدبلوماسيين! ردة الفعل كانت عملية كوماندوز أميركية محدودة عندما اعتقلت أحد منسوبي «القاعدة» من بيته في طرابلس. ومرَّت أربعة أشهر قبل أن تضع الحكومة الأميركية «أنصار الشريعة» على قائمة المنظمات الإرهابية، أما الأوروبيون فلم يفعلوا شيئًا على الأرض. ازدادت نشاطات الجماعات المتطرفة فاختطفت رئيس الوزراء حينها، ثم قامت جماعة أخرى فخطفت موظفين في السفارة المصرية مطلع العام الماضي. ورغم تزايد نشاط الإرهاب في هذه الدولة البحر متوسطية والنفطية، لم يرغب أحد في بناء قوة لمواجهة الإرهاب، ربما على أمل أن يتبخَّروا! والأسوأ أن الأوروبيين، وهم المعنيون بالدرجة الأولى بما يحدث لخطورته على مناطقهم، لم يدعموا القوة الوحيدة التي تجرَّأت على الإعلان عن استعدادها لوقف الفوضى. الجيش الليبي، من خلال اللواء خليفة حفتر، أعرب عن استعداده لتولي المهمة. ربما كانت فرصة لتطوير وإدارة قوة عسكرية ليبية ما، تقوم بمهمة توحيد البلاد، والقضاء على الميليشيات، ثم فرض الحل السياسي، الموجود أصلاً، لكن من دون قوة تحميه، لأن المشروع لم يُدعم، كبرت الأزمة، وانتشر سرطان الجماعات المتطرفة. أخيرًا، يهدد الأوروبيون، على لسان وزير الخارجية الإيطالي، بأنهم بعد بضعة أسابيع سيضطرون للتدخل العسكري إن لم يتَّفق الليبيون على حل يوحِّد بينهم سياسيًا! الوزير قال إنهم ينظرون في توسيع دائرة التحالف الدولي الذي يقاتل «داعش» في سوريا، ليشمل ليبيا. والسؤال، لماذا لم يفعلوا ذلك مبكرًا عندما كانت المهمة أهون؟
فوضى الشرق الأوسط تتطلب وضع قواعد للاشتباك تكون دولية. هناك دول قد يصعب على المجتمع الدولي فرض نفسه عليها، مهما كانت ضعيفة، ما لم تطلب أو تقبل حكوماتها بالتدخل مثل اليمن سابقًا، والعراق حاليًا. الأميركيون، قبل سنوات، وضعوا حكومة الرئيس صالح حينها، قبل عزله، أمام خيارين: أن يحارب «القاعدة» أو أن يتدخّلوا لمحاربتها لأن خطرها صار يهددهم، خوفًا من المسؤولية وافق على نشر طائرات «الدرون» الأميركية في سماء اليمن ومقاتلة «القاعدة». وكذلك العراق الذي كان يرفض، لكن بعد استيلاء «داعش» على مدينة الموصل، ثم الرمادي، قبل بالتدخّل العسكري الدولي. أما سوريا، لأنه لا توجد فيها حكومة مركزية، جرى التدخل دون الالتفات إلى اعتراضات حكومة الأسد. المشكلة أن التدخل العسكري لمقاتلة التنظيمات الإرهابية كان يأتي دائمًا متأخرًا.
ليبيا بلد حيوي للمصالح والأمن الأوروبي، وجار قريب، وكان بإمكان الاتحاد الأوروبي أن يؤسس لنفسه موقفًا واضحًا بأنه مستعد للتدخل في مناطق النزاع التي تدور في محيطه وتؤثر على أمنه، عندما لا يكون هناك نظام قوي. لا أحد يحبِّذ العودة إلى زمن التدخلات الأجنبية، لكن قد يصبح هو الحل الوحيد، في ظروف خطيرة، عندما تسقط الأنظمة أو تضعف، وبعد الحصول على موافقة من مجلس الأمن. في ظني أن الأوروبيين كانوا يرون صورة واضحة لدولة تتفكك وتنهار أمامهم، فالأحداث تكبر من خطف، وقتل، والآن مذابح جماعية! وليبيا في طريقها لتكون صومالاً آخر، كما وصفها الوزير الإيطالي، ومع هذا لم يبادروا إلى ترتيب عسكري، كما فعل الأميركيون في سوريا. والأسوأ أن بعض الدول الأوروبية أرادت نموذجًا سياسيًا معدَّلاً يقوم على المحاصصة، بفرض الجماعات الإسلامية بدلاً من الاحتكام الكامل للانتخابات، رغم نتائجهم الهزيلة في الانتخابات. يعتقدون أن ذلك سيساعد على ترتيب الوضع السياسي والأمني معًا. هذا الرضوخ للمتطرفين، ومموليهم الماليين، هو الذي أطال أمد الفوضى، وتسبّب أخيرًا في انتشار سرطان «داعش».