حزب الله بعد «النووي».. لا «جار ولا دار»
علي رباح/المستقبل/19 آب/15
ليس سراً أن الكويت هي المساحة الأكثر رحابة لتحرك «حزب الله« في الخليج، لما له هناك من حلفاء ملتصقين به وفاعلين في الساحة البرلمانية، وأصدقاء من العائلات التجارية الكبرى ذات النفوذ الواسع في الحياة السياسية والاقتصادية، وحتى في الصحافة. وليس سراً أن مناصري الحزب يعيشون أريحية في الكويت لا يحظون بها في أي دولة خليجية أخرى، سواء من حيث حرية الرأي والتعبير عبر الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي، أو من حيث ممارسة الشعائر الدينية في الحسينيات والساحات العامة والطرقات. فلماذا يعبث الحزب في الساحة شبه الوحيدة المتبقية له ولبيئته الحاضنة خليجياً؟ ولماذا يغامر بلقمة عيش عشرات آلاف الجنوبيين والبقاعيين في دولة تحسن وفادتهم؟ ولماذا يصرّ على زجّ شيعة الخليج بمشاريع قاسم سليماني؟
لدى «حزب الله« تاريخ مظلم من التورط الأمني مع الكويت، منذ حادثة اختطاف طائرة الجابرية في الثمانينات والتي ارتبطت باسم عماد مغنية شخصياً. ومع ذلك وجد الحزب على مدار السنوات الماضية تعاطفا من كثير من الكويتيين.
لا مجال للزعم أن في ما أعلنته وزارة الداخلية الكويتية مؤامرة أو استهدافاً لحزب الله. فالدبلوماسية الكويتية تحافظ على خطوط مفتوحة ولغة معتدلة مع الجميع، لاسيما إيران، وتنتهج في الداخل سياسة تسامح وانفتاح تجاه مختلف الفئات، حتى أن في البرلمان أصواتا متطرفة تجاهر بالعلاقة مع بشار الأسد وتمجّد «حزب الله« وعماد مغنية، رغم كل التاريخ الملتبس لهما مع الكويت، من دون أن تتعرض لهم السلطات بكلمة.
كانت الكويت المحطّة الخليجية والعربية الأولى لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بعد إبرام الاتفاق النووي في 14 تموز الماضي. قبيل جولته التي شملت الكويت وقطر والعراق ولبنان وسوريا، وجّه ظريف رسالة الى «شعوب المنطقة«، يعلن فيها عن ان «أولويات إيران هي نسج علاقات طيّبة ووطيدة مع جيرانها، وخاصة بعد تشكيل الحكومة الإيرانية الجديدة«. مرّ على الإتفاق النووي 35 يوماً، أكّد ظريف خلالها عزم بلاده تغيير سياستها تجاه المنطقة. فماذا حدث منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا؟ اعتقلت السلطات الكويتية خلية إرهابية لـ«حزب الله« متورّطة في تخزين ترسانة أسلحة، وصلت الى الكويت من إيران عن طريق البحر ومن العراق عن طريق البر. ايضاً، تمّ اعتقال خلية إرهابية تابعة للحرس الثوري في البحرين، كانت تحضّر لاعمال إرهابية بحق مؤسسات الدولة والقوى الأمنية ومنشآت حيوية وغيرها. وفي سوريا، خاضت إيران مفاوضات فاشلة مع «أحرار الشام« لتكريس التقسيم عبر تهجير أهالي الزبداني وبردى ومضايا وحتى حي الوعر باتّجاه جهة ما، مقابل إخراج عشرات الآلاف من شيعة الفوعة وكفريا باتجاه الساحل ومنه الى حمص وريف دمشق. ألم يقل ظريف في خطابه العربي، «إنّ في تقاليدنا العريقة وفي ديننا الإسلامي الحنيف (الذي يجمعنا معاً) توصية حكيمة، وهي «الجار ثم الدار«؟ ألم يدعُ شعوب المنطقة الى مواجهة الإرهاب صفاً واحداً ؟ هل الدعوة الى مواجهة هذا الإرهاب تُتَرجم بتشكيل خلايا إرهابية لضرب أمن الخليج ونسيجه؟ هل المطالبة بإحترام سيادة ووحدة وتراب جميع الدول واستقلالها السياسي وعدم انتهاك حدودها، يُترجّم بالتفاوض على تغيير الديمغرافيا السورية تمهيداً لفرض التقسيم؟ في بداية ثمانينات القرن الماضي، صُنّف «حزب الله« كمنظمة إرهابية عالمياً (تفجير السفارة الأميركية، تفجيرات بيونس آيرس). وبعدها بقي الحزب على قوائم الإرهاب الأميركية فقط، حيث تعاملت معه أوروبا باعتباره جزءاً من النظام اللبناني. اليوم، يعود «حزب الله« الى نشاطات تصدير الثورة الايرانية الى الكويت والبحرين والعراق وسوريا، وتسليح ودعم ميليشيات إرهابية هنا وهناك، والتدخّل في الشؤون الداخلية لدول الجوار. يعود «حزب الله« للدخول في جو مختلف عن الجو الذي كان عليه طوال عقدين من الزمن، وهو ما لا يستسيغه الأوروبيون والغرب. فهل يكون للغرب كلام جديد، خاصة مع اقتراب ايران من دخول المنظومة الدولية؟ ام أنه سيطلق يد «حزب الله« ليغرق أكثر على «طريق القدس« الذي بات يمرّ في الكويت والبحرين والعراق أيضاً؟
الطرافة في مواقف قياديي “حزب الله”
موقع 14 آذار/18 آب/15/ أطل علينا أمس رئيس الهيئة الشرعية في “حزب الله” الشيخ محمد يزبك بتصريح واضح وصريح، لا بد من التمعن فيه، ومقارنته بحال “حزب الله” في لبنان وتصرفاته حيال المجرمين، ويقول يزبك: “إن إنجازات القوى الأمنية التي تتمثل بإعتقال رؤوس الإرهاب، تستدعي تقديم كل الدعم للقوى الأمنية لكي تقوم بواجبها في حماية أمن اللبنانيين من دون أي غطاء لمرتكب أو مخلّ”. ويضيف يزبك، خلال كلمته في الحفل التأبيني في بلدة الخضر، على “الذين يدّعون أن هناك بؤراً أمنية وغطاءاً سياسياً على مطلوبين”، ويقول: “لا بؤر محمية، بل على السلطة أن تقوم بدورها، من جيش وقوى أمن في كل لبنان، فنحن نريد الأمن لأهلنا وشعبنا”. فعلاً من الطرافة الاطلاع على هذه التصريحات، فأين يزبك من المتهمين الخمسة باغتيال الرئيس رفيق الحريري؟ أين هو من قاتل هاشم السلمان والذين نشرت صورهم في صفحات الصحف الأولى، أين يزبك من مجرمي بتدعي وغيرهم؟ “لا بؤر أمنية لدينا” قالها يزبك، والسؤال: “ماذا في شأن البلدات الحدودية التي يسرح ويمرح فيها مقاتلو “حزب الله”؟ ماذا عن الضاحية الجنوبية التي لا تزال يخضع اللبنانيون فيها لحواجز “حزب الله”؟ ماذا عن السلاح المنتشر في مناطق الحزب الذي بات يعجز عن ضبط أنصاره؟”. بؤركم الأمنية يا شيخ كثيرة والمجرمون الذين تؤمنون لهم الغطاء كثيرون… ارحموا عقولنا يرحمكم الله.
ازمة ‘حزب الله’… تسويق لهزيمة
ميدل ايست أونلاين/خيرالله خيرالله
ليس من كلمة واحدة لها علاقة بالواقع في الخطاب الطويل الذي القاه في الرابع عشر من آب ـ اغسطس الجاري الأمين العام لـ”حزب الله”. إنّه خطاب بيع الأوهام بامتياز وخطاب دفع النائب ميشال عون في اتجاه متابعة تحرّكه الهادف إلى تعطيل الحياة السياسية والإقتصادية، أو ما بقي منهما في لبنان. إنّه خطاب التمسّك، بالطبع، بمنع مجلس النواب من انتخاب رئيس جديد للجمهورية. في كلّ الأحوال، ليس من مصلحة ميشال عون أن يعتبره حسن نصرالله “ممرّا”. لو كان ميشال عون يمتلك حدّا أدنى من المنطق لسأل نفسه: ممرّ إلى أين؟
كان الخطاب في مناسبة الذكرى التاسعة لـ”الإنتصار الالهي” الذي يحاول الحزب، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، تسويقه بصفة كونه انتصارا. إنّه انتصار حقّقه الحزب على لبنان واللبنانيين وذلك في سياق التغطية على جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. ما يؤكد ذلك أن الحزب افتعل، بطلب ايراني، حرب صيف 2006 التي لم يكن لديها من هدف سوى مساعدة اسرائيل في تدمير جزء من البنية التحتية اللبنانية وتهجير اكبر عدد ممكن من اللبنانيين واعادة خلط الأوراق في الداخل اللبناني.
ولمّا لم يجد نصرالله أن الحرب المفتعلة مع اسرائيل ليست كافية لكسر عزيمة اللبنانيين المؤمنين بثقافة الحياة، لجأ إلى الإعتصام في وسط بيروت بغية ضرب الإقتصاد اللبناني استكمالا للعدوان الإسرائيلي.
لا تزال بيروت تعاني إلى اليوم من آثار هذا الإعتصام الذي استمرّ ما يزيد على سنة وساهم في جعل مؤسسات كثيرة تغلق ابوابها وفي تهجير عشرات الآلاف من الشبان اللبنانيين إلى الخارج، خصوصا إلى الدول العربية في الخليج. ما لا يمكن تجاهله أن ميشال عون كان شريكا في الإعتصام ولعب، على عادته، الدور المطلوب منه في مجال ضرب الإقتصاد اللبناني وتهجير العدد الأكبر من المسيحيين من لبنان…
اراد نصرالله مرّة أخرى تسويق هزيمة، ليس بعدها هزيمة، والخروج بنظريات عسكرية جديدة، واقناع اللبنانيين بأنّها إنتصار. إذا كانت حرب صيف 2006 انتصارا، كيف تكون عندئذ الهزائم؟
الجانب الإيجابي الوحيد في كل هذا المسلسل المستمرّ منذ العام 2005، تاريخ ارتكاب جريمة اغتيال رفيق الحريري، هو القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. عزّز القرار القوة الدولية المؤقتة المرابطة في جنوب لبنان منذ العام 1978. ما لا مفرّ من الإعتراف به أن الجنوب اللبناني لم ينعم بفترة طويلة من الهدوء، كما نعم بذلك بين 2006 و2015. هذه حقيقة لا يمكن تجاوزها بأيّ شكل، وهي تعني أوّل ما تعني أن جنوب لبنان كان المستفيد الأوّل من حرب صيف العام 2006… في حين أنّ الخاسر الأوّل كان لبنان ككلّ وجميع اللبنانيين الذين صار عليهم مواجهة سلاح “حزب الله” الميليشيوي والمذهبي بصدورهم العارية.
لم تكن من فائدة لحرب صيف 2006. لم يكن هناك انتصار الهي أو غير الهي. كلّ ما في الأمر، ان لبنان كان في غنى عن مثل هذا النوع من المغامرات، خصوصا أنّه كان في الإمكان المحافظة على الهدوء في الجنوب من دون الحاجة إلى القرار 1701، لو امتلك “حزب الله” والذين يسيرونه الحدّ الأدنى من الحس الوطني والمسؤولية. ولكن ما العمل عندما تكون هناك حاجة ايرانية ماسة إلى ضرب الشراكة الوطنية وتعطيل الحياة السياسية والإقتصادية من أجل تغطية جريمة معروف من نفّذها ومعروف من حرّض عليها… ومن أجل امتلاك ورقة في المفاوضات مع الولايات المتحدة؟
باستثناء الرغبة في اظهار ميشال عون بأنّه مظلوم بغية الاستمرار في الإستفادة منه، وعصره، قدر الإمكان، ليس في خطاب نصرالله سوى تحريض على مزيد من الخراب. قبل كلّ شيء، إن ميشال عون ليس مظلوما. على العكس من ذلك، لديه كتلة نيابية كبيرة جمعها له “حزب الله”. ميشال عون نفسه لم يكن قادرا على الوصول إلى مجلس النوّاب لولا “حزب الله”. الآن يهدّد “حزب الله” لبنان واللبنانيين. يوحي لهم بأنّه يستطيع ان ينزل مع العونيين إلى الشارع. هذه القدرة على النزول إلى الشارع والتي ظهرت من خلال غزوة بيروت والجبل في ايار ـ مايو من العام 2008، باتت سيفا مسلطا على رقاب اللبنانيين وعلى الحياة السياسية والإقتصادية في لبنان.
إنّه سلاح “حزب الله” الذي يهدّد به نصرالله اللبنانيين. هذا السلاح أذلّ السنّة والدروز والمسيحيين في لبنان واستأسد على الشيعة الأحرار الذين رفضوا أن يكونوا تابعين لإيران. هذا السلاح جاء بحكومة من لون واحد، برئاسة نجيب ميقاتي، ضربت الشراكة الوطنية من اساسها. لم يكن من هدف لتلك الحكومة سوى تهميش اهل السنّة، بواسطة شخصية سنّية، وعزل لبنان عن محيطه العربي… وهذا ما حصل بالفعل.
كانت لـ”لإنتصار الإلهي” وظيفة أخرى، اضافة إلى تأكيد أن الإنتصار على لبنان، بما في ذلك تغطية جريمة التخلّص من رفيق الحريري. كان مطلوبا التأكيد أن الإنتصار على لبنان بديل من الإنتصار على اسرائيل. تتمثل هذه الوظيفة في تجاوز الحزب لدوره اللبناني.
نجده الآن في سوريا وفي اليمن والبحرين والكويت، كذلك في العراق حيث شارك بعض العراقيين في الوصول إلى السلطة على دبّابة أميركية. يسعى الحزب إلى لعب دور في كلّ منطقة عربية. من يتذكّر تهريبه السلاح إلى “حماس” في غزّة عن طريق مصر؟
رفع حسن نصرالله صوته عاليا في وجه اللبنانيين، كذلك رفع اصبعه. وجّه إليهم تهديدات مباشرة مؤكدا أنّه لن يتخلّى عن ادواته المحلية، ولا يمكن أن يفعل ذلك. في الواقع، كان الصوت العالي والنبرة الحادة للرجل دليلا على مدى عمق الأزمة التي يواجهها الحزب على كلّ صعيد. دوره صار مكشوفا في كلّ مكان يتدخّل فيه، خصوصا في اليمن والبحرين والكويت والعراق. كذلك لا أفق من أي نوع لمغامرته السورية التي لا تستند سوى إلى الرابط المذهبي بموجب المواصفات الإيرانية. كلّ ما يمكن قوله أن نصرالله استخدم لغة قديمة في التعاطي مع وضع جديد. ما يختزل ازمة “حزب الله” أن ايران تصالحت مع “الشيطان الأكبر” بمواكبة من “الشيطان الأصغر”، فيما لا يزال الأمين العام للحزب يتحدّث عن مواجهة مع المشروع الأميركي الذي يريد تقسيم المنطقة. فات حسن نصرالله أن تقسيم المنطقة مشروع ايراني لا تعترض عليه اسرائيل. ما سرّ ذلك الإصرار على “تطهير” الزبداني من أهلها؟ اليسوا سوريين… أم يكفي بالنسبة إلى نصرالله أن لا يكون السوري علويا حتّى لا يعود سوريا؟ ذلك هو لبّ الأزمة التي يعاني منها “حزب الله”. إنّها أزمة هرب من الواقع يمارسها حزب مذهبي تابع لإيران المتصالحة مع “الشيطان الأكبر”، أكثر من أيّ شيء اخر… وقبل أيّ شيء آخر.