عندما يستنسخ «حزب الله» «نكبة فلسطين».. في سوريا
علي رباح/المستقبل/14 آب/15
عروضٌ مغرية تُقدّم لفئة معيّنة من اللبنانيين لاستثمار القليل من أموالهم في عقارات سوريّة. من يحلم بقطعة أرض وبيت ريفي وبستان صغير بأسعار بخسة؟ هكذا دخل أحد الناشطين في «حزب الله» الى «مصلحة» صديق له في منطقة البقاع ليُقدّم له «عرض العمر»، 8 دونمات في إحدى قرى «القصير» المُهجّرة من أهلها، ومنزل صغير مع حديقة، بسعر مغرٍ وبالتقسيط الممل! «يا بلاش». قبل عامين، دخل «حزب الله» المعركة السورية الى جانب الأسد بحجّة حماية «المراقد». وما لبث أن عدّل في الحجج ليدخل الى القصير وريفها لـ«حماية القرى الشيعية الـ5 على الحدود». كل ذلك قبل ان يبتكر حجّة حماية لبنان وسوريا من المشروع التكفيري، ليخوض تحت ستارها حرباً على الشعب السوري في كافة المحافظات. تحت هذه العناوين، انطلق الحزب، منذ اليوم الأول، في مشروع تغيير الديموغرافيا السورية. هجّر أهالي «السيّدة زينب» في ريف دمشق وأبقى على بيئته المذهبية فيها. ثمّ دمّر القصير بيتاً بيتاً وهجّر كل من فيها، قبل ان يدمّر كامل حمص، التي لم يبق من أهلها الأصليين سوى بضعة آلاف ما زالوا محاصرين في «حي الوعر» حتى اليوم.
كيف لحزبٍ عقائدي ان يستغلّ عنوان «حماية المراقد» ليُطلق مشروع تغيير الديموغرافية السورية؟ ألم يقل الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله في احد خطاباته، متوجّهاً الى البحرينيين، ان «هناك عملاً دؤوباً لتغيير هوية الشعب البحريني»؟ ألم يقل، ان «هناك استيطاناً وتجنيساً بشكل متسارع في البحرين، يؤتى فيه الناس من كل أنحاء العالم ويُعطون الجنسية والوظائف؟ ألم يقل يومها: «إن البحريني يُسلب منه أبسط الحقوق، وامام اي موقف سياسي يُطرد او يُسجن او تُنزع منه الجنسية»؟ كيف لـ«سيّد المقاومة»، الذي حذّر البحرينيين من «مشروع شبيه بالمشروع الصهيوني»، ان يستخدم في سوريا الاسلوب نفسه الذي اتّبعه الصهاينة في العام 1948، عندما هُجّر الفلسطينيون وطُردوا من ارضهم»؟ ربما تفوق القرى التي يريد «حزب الله» إخلاءها من سكانها الأصليين مساحة فلسطين بأكملها، أو بالحد الأدنى مساحة الأراضي المحتلة عام 1948. لا ينتبه كثيرون إلى أن عدد اللاجئين السوريين في المخيمات التركية والاردنية وحدها يعادل ثلاثة أضعاف الفلسطينيين الذين هجّرتهم اسرائيل الى المخيّمات لتُقيم كيانها الغاصب على أرضهم في 1948.
إذاً، هو مشروع استيطان الحزب في دمشق والقلمون والقصير وحمص، والذي برّره نصرالله في احد خطاباته قائلاً: «إن «حزب الله» ليس غازياً، بل هو من أهل الأرض». «عشرات الكيلومترات في «القصير» وريفها باتت مستوطنات ومعسكرات للحزب»، يقول الناطق باسم الهيئة العامة للثورة السورية أحمد القصير لـ«المستقبل». ويتابع متحدّثاً عن طبيعة المنطقة والتموضع السكاني والمذهبي الجديد: «إن «حزب الله» عمل منذ البداية على تهجير معظم أهالي القرى من غير لونه المذهبي. هجّر الآلاف من أهالي الاذنية والخالدية والسكميات والسماقيات وأكوم والبجاجية وعرب الفواعرة من «السكمانية» و«ابو حورى» وعرب المقالدة من «البرهانية» وعرب الطويلع من «النهرية». كما عمل على انشاء معسكرات في القرى الحدودية الموالية له في الجنطلية ومطربا وزيتا والديابية وكوكران والفاضلية ووادي حنا. وبحسب القصير، فإن مجموعات من أهالي القرى المهجّرة، حاولت العودة الى قراها، إلا ان «رجال الله» منعوها من العودة، قائلين، «اذا بيجي بشار ما بترجعوا»!
مصادر مطّلعة على طبيعة التغيرات الديموغرافية التي يعمل «حزب الله» عليها، تقول لـ«المستقبل» إن القرى والاراضي التي يسيطر الحزب عليها، هي ليست «مشاعات للدولة»، انما «املاك خاصة تعود للسوريين». وهي تختلف «عن طبيعة سيطرة الايرانيين على مباني الدولة السورية وعقاراتها ومشاعات واسعة في دمشق، التي رهنها الاسد للايرانيين مقابل الديون المستحقة عليه لطهران».
زاد في الآونة الأخيرة الحديث عن مسارين للثورة، مسار لإسقاط نظام الاسد ومسار ثانٍ لمواجهة ما تسميه المعارضة بـ«الاحتلال الايراني» لسوريا. وظهر الحديث بوضوح عن المسار الثاني بعد فشل المفاوضات بين ممثلين عن «احرار الشام» وايرانيين في اسطنبول لحل ازمة الزبداني. واستكمالاً لبيان اهالي الزبداني، الرافضين لأي مبادرة تطرح التغيير الديموغرافي لمدينتهم ولأي شبر من الارض السورية، شدد «المجلس العسكري للثورة في دمشق وريفها – غرفة عمليات القلمون» في حديث الى «المستقبل» على «بطلان كل الاجراءات القانونية واجراءات البيع والتمليك والاستحواذات الحاصلة بعد عام 2011، واعتبارها لاغية، لصدورها عن نظام عصابة فاقد للشرعية، وعن محتلٍ ايراني مغتصب، لا يملك الحق في توزيع ممتلكات السوريين على الغرباء». وأكّد «المجلس» الحق «في القتال والنضال الثوري والعسكري لحين تحرير كامل الاراضي السورية من كل المغتصبين وإعادة الحقوق الى اهلها».
وعلى خطى أهالي الزبداني و«الحراك الثوري» و«المجلس العسكري للثورة» وفصائل المعارضة، ذكّرت «لجنة مؤتمر القاهرة للحل السياسي»، في تصريح لـ«المستقبل»، بـ«خارطة الطريق» الصادرة عن المؤتمر، والتي رفضت بوضوح كل عقود التمليك أو التجنيس الصادرة منذ عام 2011 حتى اليوم، واعتبارها لاغية. لم يكن سهلاً على أهالي الزبداني أن يرفضوا المبادرات الايرانية خلال الحوار الذي جرى في اسطنبول. ليس سهلاً أن تصرّ الزبداني على القتال حتى آخر نفس، على ان تُسلّم المدينة للإيراني ليُغيّر ديموغرافيتها، وليأتي لاحقاً بأهالي الفوعة إليها! وصلت يومها الرسالة الزبدانية الى من يعنيه الأمر، «لم نُسلّم المدينة، على الرغم من إمطارها بآلاف البراميل المتفجّرة وبصواريخ الزلزال التي كانت معدّة لتغيير المعادلات مع اسرائيل وبمئات القذائف يومياً، ونرى في احتمال دخول «حزب الله» اليها احتلالاً يوجب مقاومته حتى دحره». وفي الحديث عن الاحتلال، ها هو الجيش الاسرائيلي الذي لا يُقهر، لم يجد بديلاً عن الانسحاب من جنوب لبنان بعد سنوات طويلة. وها هو الجيش الاميركي بجبروته، احتل افغانستان وما لبث ان غرق في الوحول التي سبقها اليه الاتحاد السوفياتي. حتى ان واشنطن تفاوض اليوم حركة «طالبان» لتؤمّن خروجاً لقواتها من افغانستان بأقل الخسائر الممكنة. ليس «حزب الله» أقوى من كل هؤلاء. خرج الناشط في «حزب الله» من «مصلحة» صديقه مكفهرّ الوجه بعد أن سمع كلاماً لا يسرّ قلوب أصحاب «الانتصارات الإلهية». قال صديقه: «لقد قدّمت لي عرض العمر، بيتاً وبستاناً وقطعة أرض في القصير، لكن هذه النعمة ستتحوّل يوماً ما الى نقمة.. أنا مبسوط بمصلحتي وبأرضي».
من حقيبة “النهار” الديبلوماسية – مأزق روسيا وايران في سوريا
عبد الكريم أبو النصر/النهار/14 آب 2015
مسؤول أوروبي معني مباشرة بالملف السوري أوضح لنا “ان التطور الجديد المهم في مسار الأزمة السورية ان المسؤولين الروس والايرانيين الحلفاء الاساسيين للرئيس بشار الأسد باتوا يدركون انهم يواجهون مأزقاً مزدوجاً في سوريا: فهم عاجزون عن انقاذ نظام الأسد وضمان بقائه، خصوصاً انه خسر المواجهة، وعاجزون في الوقت عينه عن وقف حرب الاستنزاف التي تورطوا فيها وانجاز أي تفاهم مع أميركا والسعودية والدول المؤثرة الأخرى من غير اخراج الأسد والمرتبطين به من السلطة”. وقال: “أياً يكن مضمون الاتصالات والمشاورات واللقاءات المتعلقة بسوريا ومصيرها، فإن الدول الغربية والعربية والإقليمية المؤثرة وفي مقدمها أميركا والسعودية وتركيا تتحرك على أساس اتفاقها على المسائل الرئيسية الآتية:
أولاً، لن تستطيع روسيا وايران وحدهما وقف الحرب وايجاد حل سياسي للأزمة من غير التعاون والتفاهم مع أميركا والدول الحليفة لها والمتمسكة بضرورة رحيل الأسد والمرتبطين به عن السلطة وبناء نظام جديد مختلف جذرياً عن النظام القائم. وقد عجز الروس والايرانيون في السنوات الأخيرة عن فرض بقاء الأسد وتركيبة حكمه على الآخرين وبات مستحيلاً تحقيق هذا الهدف الآن وقت يواجه النظام الهزائم في معظم المناطق وقد أفلتت سوريا من قبضته.
ثانياً، ليست سوريا دولة حليفة للغرب بل انها حليفة لروسيا وايران. وقد فشل الروس والايرانيون، على رغم الدعم الهائل الذي قدموه للنظام، في وقف الحرب ووضع حد لتدمير البلد والحفاظ في الوقت عينه على الأسد وتركيبة حكمه. وهذه هزيمة سياسية – استراتيجية حقيقية لهم، وهم يعترفون بذلك ضمناً في محادثاتهم مع الدول المؤثرة الأخرى.
ثالثاً، يستطيع نظام الأسد مواصلة القتال، لكن حربه يائسة ويدفع ثمنها السوريون جميعاً، إذ انه فقد القدرة على الانتصار واستعادة حكمه وزمام الأمور، وبات في وضع ليس ممكناً فيه انقاذه عسكرياً أو سياسياً أو ديبلوماسياً أياً تكن قدرات حلفائه. والواقع ان الأسد عبء حقيقي على الروس والايرانيين إذ انه ليس قادراً على منحهم أي انتصار وهو في المقابل يحدّ من قدرتهم على عقد الصفقة المناسبة مع الدول الأخرى المؤثرة.
رابعاً، تمسك أميركا وحلفائها بضرورة رحيل الأسد وانهاء حكمه ليس مجرد شعار بل مرده الى عاملين اساسيين: الأول ان النظام هو المسؤول الرئيسي عن تفجير الحرب التي الحقت بسوريا الخراب والدمار الهائلين والكوارث في مختلف المجالات وشردت أكثر من نصف الشعب وأدت الى مقتل وجرح أكثر من مليون ونصف مليون سوري وحولت البلد ساحة خصبة للنشاطات والاعمال الارهابية. وليس ممكناً تجاهل هذه الوقائع في عملية البحث عن حل. الثاني ان وقف الحرب وانقاذ سوريا يتطلبان وجود تركيبة جديدة للحكم تضمن الحقوق المشروعة للغالبية وللأقليات معاً وليس لفئة معينة من السوريين. والأسد خاض الحرب ضد شعبه المحتج وهو يواصل القتال من أجل منع انتقال السلطة الى نظام جديد يحقق التطلعات والأهداف المشروعة لكل مكونات الشعب ويمنح السوريين حق تقرير مصيرهم بأنفسهم من طريق انتخابات نيابية ورئاسية تعددية حرة وشفافة وهو حق حرموه منذ العام 1963.
خامساً، الخطأ الكبير الذي يرتكبه حلفاء النظام هو انهم كانوا يرون، حتى الآن، ان انقاذ الأسد ونظامه اكثر أهمية بالنسبة اليهم من العمل الجدي على انقاذ سوريا وشعبها على أساس صيغة حل متفق عليها مع أميركا وحلفائها تعالج الجذور الحقيقية للنزاع وتعطي الأولوية القصوى لوقف الحرب وضمان مصالح كل مكونات الشعب وتمنح السوريين حق تقرير مصيرهم بحرية وفي اشراف الأمم المتحدة. وليس ممكناً الحفاظ على نظام الأسد والعمل على انقاذ سوريا في وقت واحد اذ ان وجود النظام بتركيبته القائمة وبأعماله وممارساته وتوجهاته يمنع الحل السياسي الحقيقي الشامل للأزمة وانهاء اكبر مأساة انسانية شهدها العالم منذ اكثر من خمسين سنة”.
وخلص المسؤول الاوروبي الى القول: “يردد المسؤولون الاميركيون والفرنسيون في مجالسهم الخاصة ان الروس والايرانيين لم يعودوا راغبين فعلاً في بذل جهود كبيرة من اجل محاولة انقاذ نظام الاسد لأن هذه مهمة مستحيلة، وهم يبحثون في اتصالاتهم المختلفة عن مخرج مناسب لهم وعن الصيغة التي يمكن ان تحد من خسائرهم وتحقق لهم بعض المكاسب وتوقف الحرب وتحل الأزمة. وهذا الأمر دفع الرئيس باراك اوباما الى التصريح لصحافيين اميركيين بأن روسيا وايران تعتقدان ان أيام نظام الأسد معدودة وهما قلقتان من احتمال انهيار الدولة السورية مما قد يساعد على ايجاد حلّ سياسي”.