عون لا يقدم ولا يؤخر…
علي حماده/النهار/13 آب 2015
تحرّك ميشال عون بالأمس لم يقدّم ولم يؤخّر. تحركات عون المقبلة إذا تمّت وفق الشروط والظروف عينها، هي الأخرى لن تقدّم ولن تؤخّر. الساحة اللبنانية مضبوطة في ايقاعها داخلياً واقليمياً. ولا يمكن لطرف لا يحمل سوى حزمة مطالب شخصية أن يفرض تغييراً حقيقياً على المعادلة التي يرسمها اللاعبون الكبار في الاقليم، ويضبط ايقاعها أطراف محليون يمثلون الامتداد الحقيقي لمحاور متقابلة تمتد من باكستان شرقاً، وحتى مصر وليبيا غرباً، وتمر بالعراق وسوريا واليمن والاردن وغزة، ولبنان. في لعبة المحاور، ومهما حاول التلطّي خلف شعارات من نوع الدفاع عن حقوق المسيحيين، فإن عون لا يشذّ في العمق. هو محسوب ضمن محوَر تقوده ايران ويضم بشار الاسد و”حزب الله”، وايقاعه مضبوط من قبل اللاعب الكبير اقليمياً، ووكيله اللاعب المحلي الكبير (“حزب الله”). بناءً عليه، يمكنه النزول الى الشارع، لكن ممنوع عليه أن يهدد بقاء الحكومة، أو أن يهزّ الاستقرار المتفق عليه من طهران الى الرياض فواشنطن. ويمكنه أن يتظاهر ضد نفسه، أي ضد الحكومة التي يشارك فيها بثلاثة وزراء، يمارسون أعمالهم بشكل عادي قبل الظهر، ويتظاهرون عصراً ضد الحكومة في ساحة رياض الصلح! هذا النوع من التمثيليات مسموح به، لكن من غير المسموح به الذهاب بعيداً في مهاجمة الجيش أو قيادته، لأن الجيش بقيادته الحالية في مكان ما تتعاون مع “حزب الله” في تورطه الدموي في سوريا، وتؤمن له خطوطه الخلفية في مرحلة يعاني فيها الحزب خسائر فادحة على أرض المعركة. صحيح أن “حزب الله” يفضّل أن يصل مرشّح عون لقيادة الجيش، لكنه لا يريد أن يقلب الطاولة على الجميع وعلى نفسه عبر اللحاق بميشال عون، مما يعني أن “حزب الله” يؤيّد عون لفظياً، ويستغل حركته المضبوطة لكن العدائية ضد السُنّة في البلد، انما لا تغيير للمشهد الراهن كرمى لعيون عون أو أي فرد من أفراد عائلته. نستنتج مما تقدّم أن حراك عون لا يقدّم ولا يؤخّر. فهو لن يصل الى رئاسة الجمهورية في ظل التوازنات المحلية والاقليمية الراهنة، فضلاً عن ذلك لن يصل مرشّحه الى قيادة الجيش، ولن يقلب أحد الطاولة على الجميع من أجله. لذلك سيظل يزاول قبل الظهر أعماله في الحكومة، ويتظاهر ضدها عصراً. أكثر من ذلك ممنوع، وهو يعرف أن الطرف المقرر هنا يمتلك “وسائل ” إقناع متنوّعة ستبقيه لاعباً تحت سقف لا يتعدّى الصراخ على الشاشات، والمسيرات السيارة المزعجة لناسه قبل خصومه. نذكّر بالقواعد التي تُدار وفقها الأزمة اللبنانية في الوقت الراهن: منوع الاطاحة بـ”التهدئة “، وتالياً ممنوع إسقاط الحكومة على علاّتها. لكن هل القواعد المشار اليها راسخة؟ بالطبع لا. فالمنطقة في طور مخاض كبير، ومن السابق لأوانه التكهّن بما سيفضي اليه. في الوقت الضائع مسموح للأولاد اللعب في الحديقة القريبة بعيداً من قوافل “الفيلة” العابرة طرقات المنطقة!
التطورات في المنطقة وانتخاب رئيس للبنان: خلط للأوراق وتغيير للتحالفات الداخلية
اميل خوري/النهار/13 آب 2015
أي حزب سيسلمه العماد عون لمن سيخلفه في رئاسته؟ هل يسلمه حزباً زاد عدد خصومه السياسيين وخاض معارك صعبة فخسرها؟ هل يسلمه حزباً متحالفاً مع “حزب الله” أم مع مشروع تحالف مع “القوات اللبنانية” انطلاقاً من “إعلان النيات”؟” ولمن سيسلم الحزب وإن بالانتخاب هل لصهره الوزير جبران باسيل لأن الضهر سندة الضهر” كما يقال أم للنائب آلان عون ابن الأخت “عدو الخال” كما يقال أيضاً وهل يسلمه لصهره الآخر العميد شامل روكز ليكون رئيساً عسكرياً على حزب مدني بديلاً من قيادة الجيش، أم يبقى العماد عون رئيساً حسماً للخلافات وحرصاً على وحدة الحزب وخوفاً من انقسامه، وهو ما تنتظره أحزاب أخرى لتتقاسمه. الواقع ان معظم الاحزاب تصبح أحزاب عدة بانقسامها الداخلي بعد غياب مؤسيسها لأن شخصية المؤسس تبقى هي الطاغية في الحزب خصوصاً عندما تبلغ أحياناً حد العبادة وهذا ما جعل احزاباً تنقسم على نفسها ثم تتلاشى وتزول بما فيها أحزاب عقائدية. والسؤال المطروح هو: هل يبقى حزب “التيار الوطني الحر” في ظل رئاسة لغير العماد عون كما كان قبله، أم أنه سيعيد النظر في تموضعه وفي تحالفاته في ضوء التطورات المتسارعة في المنطقة والتحولات فيها التي قد تفرض على كثير من الاحزاب التكيف مع هذه التطورات والتحولات؟ هل يبقى “حزب الله” نفسه على تحالفاته أم يعيد النظر فيها أيضاً عندما لا يعود في حاجة الى غطاء مسيحي يوفره له “حزب التيار” ولا حزب التيار يبقى في حاجة الى دعم الحزب انتخابياً خصوصاً بعد انتخاب رئيس للجمهورية ووضع قانون جديد للانتخابات النيابية يلغي نواب البوسطات، بحيث يعتمد كل حزب على نفسه وكل مرشح على نفسه أيضاً في اختيار شعبيته. ان قيام حكم جديد في سوريا من جهة أخرى قد يغيّر الاصطفافات السياسية في لبنان فلا تبقى 8 و14 آذار بل اصطفافات جديدة تستدعي قيامها معطيات جديدة. لكن من الآن الى أن يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود في لبنان وفي المنطقة. فان أوساطاً سياسية تخشى ان يصبح العماد عون أكثر شراسة وعدائية في سياساته عندما لا يعود لديه ما يخسره ليخاف عليه وليضطر للمسايرة والمجاملة والانفتاح على الجميع تحقيقاً لرغبة في الوصول الى سدة الرئاسة الأولى. وقد انفتح لهذه الغاية، حتى على خصومه السياسيين اللدودين عله يكسب تأييدهم، وها هو يعود الآن وينقلب عليهم مجدداً ويعاود حملته ضدهم، ويحول الوزراء الذين يمثلونه في الحكومة الى مشاكسين لا الى مشاركين، لان المشاركة في نظره لم تعد متساوية ومنصفة فقرر العودة الى الشارع عله يعوض ما خسره في السلطة. فهل يربح في الشارع فيستعيد حقوقه وحقوق المسيحيين في الشراكة الوطنية الفعلية واحتراماً للميثاق الوطني؟ يتساءل نائب في “تيار المستقبل، كيف لحزب أن يكون في وقت واحد في السلطة وفي الشارع ولا يختار إما السلطة وإما الشارع ليكون منسجماً مع نفسه، فالشارع لم يكن يوماً مصدراً للشرعية لأنه لا يمثل سوى رغبات من يشاركون فيه من سائر الطبقات الاجتماعية، والدولة لا يمكن استبدالها بالجماهير الصاخبة بدليل ان شعارات اسقاط الأنظمة العربية في الشارع لا تزال عاجزة حتى الآن عن إقامة دولة متصالحة مع نفسها ومع شعبها ومع العالم الخارجي: فهناك فرق كبير بين اصلاح الدولة واللجوء الى الشارع. فالثوار لا يصنعون حكماً بل يبحثون عمن يصنع لهم الحكم. فعلى العماد عون الذي يرفع شعار “التغيير والاصلاح” منذ سنوات ان يغير اولاً ما في نفسه ليصبح صالحاً للاصلاح، وليس بتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية وبجعل الميثاق الوطني سيبة بركيزتين وليس بثلاث ركائز لئلا تهوي بمن عليها، وليعلم الجميع أن لا مستقبل لأحد أن لم يبن الجميع مستقبل لبنان. لقد ثمّن وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف الدور الكبير اذي يلعبه الرئيس سلام لتوفير الامن ومكافحة التطرف، كما ثمن هذا الدور الذي ادى الى مزيد من الهدوء والاستقرار والامن في لبنان، فهل ينعكس هذا الموقف الايجابي على تصرف حلفاء ايران في لبنان ام ان الكلام شيء والفعل شيء آخر؟