“حزب الله” خسر عبارة” فدا السيّد”
احمد عياش/النهار/1 آب 2015
في ذروة حرب تموز عام 2006 أثارت سيدة هي أم لعنصر من “حزب الله” سقط ضحية جدلاً عندما سجّل إعلام الحزب معها مقابلة قالت فيها: “فدا السيّد”. أي أنها تعتبر أن ولدها سقط فداء للأمين العام السيد حسن نصرالله. أما اليوم، والحزب منخرط في الحرب السورية صار يسمع على ألسنة ذوي الضحايا من عناصره الذين يسقطون في هذه الحرب كلاماً آخر. ويردد كثيرون في بيئة “حزب الله” ما يحصل عندما يأتي مسؤولون في الحزب الى ذوي أحد الضحايا لتقديم “التبريكات” بسقوطه جرياً على عادة الحزب منذ تأسيسه منذ اوائل ثمانينات القرن الماضي. ومنها ما حدث في إحدى القرى البقاعية منذ فترة قصيرة عندما خاطب مسؤول الحزب الأم المفجوعة بـ”التبريك” أي التهنئة بمقتل أبنها فأجابته بصوت عال: “عقبال ابنك”. فسارع المسؤول ومرافقوه إلى مغادرة المكان لتجري بعد ذلك مساعٍ لتهدئة الأم المفجوعة بطرق صار الحزب خبيراً فيها بعد أكثر من ثلاثة عقود بفضل التوجيه الايراني. الروايات التي يجري تناقلها عن تجربة الحزب في معارك الزبداني المستمرة حتى الآن تبرز صعوبة المواجهات التي زج فيها نصر الله ونظام بشار الاسد أهم الامكانات ولكن من دون أن تتكلل بالحسم. ومع تزايد عدد ضحايا الحزب الذين يعودون الى لبنان من هذه المواجهات صار لا بدّ من تداول التبريرات لهذا العجز عن الانتصار في الزبداني التي تمثل من الناحية الجغرافية ساحة مجاورة للبنان، والقاسم المشترك في هذه التبريرات أن هناك المئات من المقاتلين المتحصنين في أنفاق لهم مهارة عالية في القتال ولا سيما في أعمال القنص التي تسببت حتى الآن بسقوط معظم ضحايا الحزب هناك. الأرقام المتداولة حول خسائر “حزب الله” في الحرب السورية تفيد عن سقوط نحو ألفيّ قتيل وأضعاف مضاعفة من المصابين، وهي تمثل حصيلة غير مسبوقة في تاريخ الحزب الذي لم يدفع على مدى عشرات الأعوام في مواجهة إسرائيل مثل هذا الثمن. وتبعاً لحجم هذا التنظيم بشرياً تمثّل هذه الحصيلة نسبة عظيمة من تعداده مما دفع بعض الخبراء من هم على صلة بالحزب الى القول ان الحرب السورية إذا ما طالت فستقضي على “حزب الله” كلياً. ليس من المفيد إطلاق الاحكام في واقع معقّد كالحرب السورية، لكن المطلوب هو التبصّر في مآل الأمور بلبنان الذي نجا حتى الآن من الحريق الكبير الذي يجتاح سوريا. وإذا كانت إمكانية إقناع “حزب الله” بتغيير موقفه من التورط في الحرب السورية مفقودة فإن إمكان قيام تحرك في بيئة الحزب تحت عنوان “كفى” تضحية بشباب هذه البيئة في حرب سيسجلها التاريخ في سجل العار ما زالت موجودة. وفي موقع وكالة أنباء فارس الايرانية الرسمية نشر قبل أيام مقال يشيد بـ”سجادة بديعة” نسجتها إيران من خلال الاتفاق النووي مع الغرب مقابل سلوك العرب “البهاليل”. أليس ضحايا “حزب الله” عرباً؟
المواطن اللبناني المسؤول الأول
علي حماده/النهار/1 آب 2015
لبنان الدولة أشبه بجسم مهترئ متحلل تفوح منه رائحة نتنة شبيهة برائحة النفايات التي امتلأت بها شوارع العاصمة. لبنان في أزمة عميقة لأسباب سبق أن خضنا فيها مراراً وتكراراً هنا، أما المعالجات فشبيهة بالحل الموقت (لأيام معدودة) الذي جرى اجتراحه لتنظيف بيروت من النفايات المتكدسة في كل مكان. إذاً نحن أمام أزمة عميقة مديدة، تقابلها معالجات موقتة بمثابة مسكنات خفيفة لا تشفي ولا حتى تلغي الأوجاع. هذه صورة سوداوية، ولكنها أقل سوداوية من الواقع الذي نعيش، أو من المستقبل القاتم الذي يرتسم في الأفق ما لم يتم التصدي للأزمة في عمقها. والحقيقة أكثر قتامة مما نتصور. وأضواء بعض التظاهرات الترفيهية كالمهرجانات والحفلات الموسيقية، أو حتى بعض معالم الحياة الصاخبة على نطاق ضيّق تقتصر على قلة مقتدرة، لا يمكنها في أي حال أن تخفي حجم الماساة التي بلغها الاهتراء والتحلل لدولة في بعديها المؤسساتي والوطني. لا وطن من دون دولة. هذه حقيقة يجب أن يدركها اللبنانيون جيداً. وفي لبنان لا دولة، ولا مؤسسات أمدنية كانت أم أمنية أم عسكرية. جل ما في الأمر أننا بازاء مظاهر دولة ومؤسسات لا أكثر. حتى مؤسسة الجيش التي ينظمون فيها قصائد الزجل ليست مؤسسة على صورة قصائد المديح التي تنظم فيها. ربما كانت مؤسسة الجيش أقل اهتراء من غيرها من مؤسسات الدولة اللبنانية، لكنها لا يمكن إلا أن تلتحق عاجلاً أم آجلاً بركب الاهتراء والتحلل العام الذي يشهده لبنان على مختلف المستويات. فلا تتوقعوا المعجزات لأن المؤسسات كلها لا يمكن إلا أن تعكس صورة البلد. إنها مرآة عاكسة لأزمة لبنان العميقة والمديدة. لا دولة في لبنان. ولا مواطنية. ولا أبالغ إن قلت إنني ما زلت أبحث عن شعب لبناني، ورأي عام لبناني متحرر وواع لواقعه المأسوي. نعم الفرد اللبناني موجود، وواع، ورائد، ومقدام، وصاحب طاقة غير اعتيادية، ولكن بمقياس الفرد لا الجماعة. هنا الاشكالية الكبيرة التي تدفعنا الى التذكير بالحديث القائل: “كما تكونون يولّى عليكم”. بمعنى أن الشعب المتألم، والذي اكتشف متأخراً قبل أسابيع قليلة أنه في “مزبلة” توهم أنها جنة، يستحيل أن يكون أفضل من حكامه الذين تقع على عاتقهم مسؤولية كبرى في ما آلت اليه الأوضاع الحالية. أما مسؤولية الشعب الى أي فئة انتمى فلا تعلوها مسؤولية بمجرد أن قبلت هذه الجموع أن تتحول قطعان غنم هنا أو هناك، بخضوعها الأعمى هنا أو هناك. طبعاً لا أساوي بين الجميع، والفرصة التي ضاعت في الرابع عشر من آذار 2005 لبناء وطن ودولة، إنما ضاعت أساساً لوجود فئة مجرمة ذهبت بالبلاد من انهيار الى انهيار، ودفنت بارقة النور التي لاحت مع خروج مليون ونصف مليون مواطن الى الشارع لأجل لبنان، وحوّلت لبنان على صورتها بلد اللادولة واللامستقبل. ما لم ينتفض الشعب على نفسه أولاً فيتغير ليتغير حاضره، لن يكون له مستقبل، وسيستمر الموت البطيء.