إستطلاع الرأي: آخر أرنب
عمـاد مـوسـى/لبنان الآن/02 تموز/15
يُنظر إلى استطلاعات الرأي في الدول الغربية كمقياس أساسي يسبق أي عملية سياسية أو يعلِّق على أي تحوّل، وغالباً ما تتمتع هذه الإستطلاعات بدرجة عالية من الصدقية.
في الحملات السياسية تؤشّر الإستطلاعات إلى القاعدة الشعبية لهذا المرشّح أو ذاك، وبناءً على نتيجتها يحاول المرشّحون تحسين أدائهم ومحاكاة مطالب الفئات المترددة، وبإزاء التحديات الكبرى تبرز اتجاهات الرأي العام. مثلاً في أحد استطلاعات الـ”سي أن أن” قبل أربعة أشهر تبيّن أن 57% من الأميركيين يعارضون أسلوب تعامل الرئيس باراك أوباما مع التهديدات التي تمثّلها داعش، و78% من الأميركيين مع تفويض جديد لاستخدام القوة العسكرية ضد هذا التنظيم الإرهابي.
الإستطلاع هو وسيلة تعبير ديمقراطي في دول يتمتّع فيها الفرد بقدرٍ كبير من حرية القرار والتفكير والإختيار والضغط بمعزل عن التوجيهات الفوقية، وتلعب الأحزاب وبرامجها السياسية دوراً في تعزيز الممارسة الديمقراطية لا في مسخها.
هذا في الغرب، وليس في لبنان. فهنا يمكن أن تحصل على نتائج بحسب الطلب أو الوسيلة. تخيّل أن تطرح محطات التلفزة اللبنانية هذا السؤال في توقيتٍ واحد: هل أنت مع استمرار المقاومة الإسلامية أو مع حلّها؟ على “المنار” ستكون النتيجة المتوقّعة 98% مع استمرار المقاومة، وعلى الـ”أم تي في” 89% مع حلّها. على الـ”أن بي أن” 95% من المشاهدين مع استمرار المقاومة، وعلى “المستقبل” 93% مع حلّها. على “الجديد” النسبة 76% مع ديمومة المقاومة، و24% مع وقف أعمالها. على “أل بي سي آي” نتيجة الـ”نيو تي في” معكوسة.
أما بالنسبة إلى إستطلاع المؤسسات المتخصصة، فلنا في انتخابات الـ2009 النيابية نموذج حول دقّتها، حيث فشلت في تقدير نتائج أقضية زحلة والبترون ودائرة بيروت الأولى والكورة والبقاع الغربي وعكار، وأعطت تقدماً مريحاً لفريق 8 آذار.
وبمعزلٍ عن مهنية المؤسسات ومعاييرها “العالمية”، فالإستطلاع في لبنان عليه أن يحاكي مجاميع وبلوكات بشرية وطائفية تتحرك بفتوى، بقرار، بمزاج… أما الحديث عن تنوع العيّنات هو مجرّد وهم.
ويبقى السؤال الأبرز: ما الغاية من إستطلاع الرأي حول الشخصية الأقوى مسيحياً؟ وماذا سيتغيّر في الجمود القائم والإصطفافات إذا حلّ العماد عون أولاً عند المسيحيين أو حلّ الدكتور جعجع ثانياً أو العكس؟ وماذا سيفيد جعجع رئاسياً إذا كان أهل السُنّة معه والشيعة مع الجنرال؟
جان عبيد، الصامت الأكبر فهم المغزى فاستبق الإستطلاع الذي طرحه عون ووافق عليه جعجع، وقال إنه “غير معني بالترشيحات والترجيحات والاستطلاعات المتصلة بالمعركة الرئاسية”.
عبيد غير معني لكن عون سيتلذذ بقراءة هذه النسب:
جان عبيد: 0,5 %
رياض سلامة: 1،3%
روبير غانم: 0،3 %
الشيخ أمين الجميل: 7 %
العماد جان قهوجي: 9،6 %… إلخ
وسيصلي عون كي لا يحصل زياد بارود على نسبة متقدمة.
عن جدّ ما معنى إستطلاع المسيحيين؟
يتّهم العماد عون خصومه بسحب الأرانب من أكمامهم. وبرأيي إن استطلاع الرأي المزمع إجراؤه هو آخر أرنب يخرج من كم الجنرال وليس الأخير.
حرب الإلغاء الثانية
غسان حجار/النهار/2 تموز 2015
وددت لو أتعامل مع التقارب العوني القواتي و”اعلان النيات” بإيجابية اكبر، لكني في الحقيقة لم اصدق تلك المودة المستجدة بين الرجلين اللذين، بسبب تباعدهما، جرّا الويلات الكثيرة على المجتمع المسيحي، فإذ بمصلحة غير متوقعة تجمعهما. لكن المصالح في عالم السياسة متبدلة، وغالبا ما تنقلب على ذاتها وفق المتغيرات الداخلية والاقليمية. وفي هذا ما يقلق، إذ ان الاحباط الماروني بلغ الذروة ولم يعد المجتمع المسيحي قادراً على تقبّل المزيد منه في ما لو انفرط عقد التفاهم القائم لاي سبب. في العام 1989 اعلن العماد ميشال عون حرب الالغاء على “القوات اللبنانية”، لكنه فشل، كما فشلت كل المجموعات اللبنانية في القضاء بعضها على بعض، وبات “العيش المشترك” امرا واقعا مفروضا بعدما سقطت احلام الكانتونات والدول الاسلامية والمسيحية وغيرها. لكن القادة اللبنانيين ما زالوا يفكرون بمنطق إلغائي لم يتبدل رغم عدم مجاهرتهم به. فالفريق الشيعي ادرك كيف يعمل على الامساك بمفاصل الدولة، فوطّد دعائمه في الامن والوظيفة العامة والمرافق الحيوية، وشعاره “رفع الحرمان” تحول اسقاطاً لحقوق الآخرين، خصوصا داخل الطائفة الشيعية التي صارت ممسوكة من الثنائي “حزب الله”- “امل”. والفريق السني تدحرجت احلامه مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي امسك، او حاول، بكل مفاصل الحياة الاقتصادية، وهو الذي ادرك جيدا ان الاقتصاد عصب الحياة، وان السياسة المالية والاقتصادية تؤثر في السياسة وتضغط عليها. واذا كان “تيار المستقبل” تراجع نسبيا لاسباب كثيرة لا مجال لتفصيلها هنا، فإنه لا يزال الاقدر على التأثير في الساحة السنية والتحدث باسمها، محاولا اضعاف من لا يؤيده من اهل السنّة. ويبدو ان مسيحيين استهوتهم هذه اللعبة، وهذا الاحتكار التمثيلي، فعمدوا، ولو متأخرين، الى تقليد الآخرين لعلهم بذلك يصبحون شركاء حقيقيين في القرار، بعدما منيوا بخسائر وهزائم بسبب انقساماتهم. لذا توافق العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع على استطلاع للرأي يكرّس الغاء الآخرين. فاجتماع القادة الموارنة الاربعة في بكركي حاول في مرحلة سابقة اقصاء اي مرشح خامس، ثم جاء “اعلان النيات” ليلغي اثنين من الاربعة، اذ قام على ثنائي رضي باستطلاع آراء لتحديد الاول والثاني، اي بلوغ الشوط الاخير من الالغاء. فالذي يتصدر النتائج يجب ان يكون المرشح الفعلي للمسيحيين الى رئاسة الجمهورية، بمعنى ان على الآخر ان يلغي نفسه، ويمضي بخيارات جديدة ربما. فإذا تحققت الاولوية لعون، فيجب على نواب “القوات” النزول الى مجلس النواب لانتخابه بمعزل عن حلفائهم في تحالف 14 اذار. اما المصيبة التي قد تقع على عون فهو ان يحقق جعجع الاولوية، وحينذاك هل يتمكن من الغاء كل احلامه الرئاسية، فيقترع له، ويعمل على اقناع حلفائه بذلك، ام ان نتائج الاستطلاع ستشكل عندها الضربة القاضية لأوراق النيات؟
فرنجية نسف الاستطلاع!
راجح الخوري/النهار/2 تموز 2015
تكراراً : من هو المسيحي الأقوى؟
استطلاع لا يستطلع شيئاً ولن يفتح الأبواب الموصدة على الفراغ الرئاسي، لأن الذين يعطلون عملية الإنتخاب بإمتناعهم عن حضور الجلسات، يريدون عملياً خنق الجمهورية وشلّ الدولة ومؤسساتها بحيث يصبح المؤتمر التأسيسي مطلباً على طريقة “حج خلاص”!
ولكن ها هو سليمان فرنجية بصراحته المعهودة يضع رصاصتين في رأس الاستطلاع:
اولاً عندما قال لإبرهيم كنعان الذي ذهب يستطلعه في شأن الإستطلاع، انه لا يمانع في إجرائه ولكن أيا كانت النتيجة فإن مرشحه للرئاسة هو ميشال عون، ولا بد ان كنعان قد وقع في حيص بيص، فلماذا الاستطلاع اذا كان فرنجية مثلاً لن يلتزم نتيجته!
ثانياً عندما دعا الى ان يكون الاستطلاع وطنياً، باعتبار ان رئيس الجمهورية هو لكل اللبنانيين وليس للمسيحيين وحدهم، وهذا ما يعيدنا الى مربع الإستفتاء المرفوض لألف سبب وسبب، أما حديثه عن شفافية العملية الإستكشافية كي لا أكثر من استعمال كلمة إستطلاع فقد طلعت روحنا وروحكم طبعاً وإشارته كذلك الى الشركات التي ستجريه، فدليل على وجود شكوك لديه في ما يتّسم به الإستطلاع من شفافية، ما لم تقم فرقة من جنود مريم بهذه المهمة الجليلة!
الدليل على ان هذه الشكوك وجيهة ومحقة هو المحاولات الالتفافية لإقناع الناس بأن الإستطلاع يحفظ دستورية الإنتخابات الرئاسية، هذا في حين أقدم نواب 08 آذار الأشاوس على قبر الدستور 25 مرة متتالية ووضعوا عليه حجراً ثقيلاً، عندما لم يمارسوا واجبهم الدستوري في النزول الى مجلس النواب وتمسكوا بتعطيل النصاب في رهان واضح عند البعض منهم على تعطيل الدستور والجمهورية، وفي رهان عند البعض الآخر على انه ان لم نصل الى الرئاسة فلا معنى لبقاء الجمهورية!
وفي عودة الى تقنيات الاستطلاع من غير شر، من الضروري طرح أسئلة محددة عن هذه العملية خصوصاً اننا تعودنا ان معظم الإستطلاعات عندنا هي مجرد أرقام مفبركة تخرج من الجوارير لتلبي رغبة المكلِّفين وترد على غاياتهم وتقدم ما يمكن ان يخدم غرضياتهم، وهو ما يمثّل تزويراً فاضحاً ووقحاً لإرادة الناس!
لهذا من الضروري سؤال المستطلِعين:
في أي مناطق من لبنان السعيد سيُجرى الإستطلاع، وما هي أعمار الذين سيشملهم إستطلاعهم، وما مدى تنوّع مستواهم الإجتماعي، وما نسبة تفاوت ثقافتهم، وما هي أوضاعهم الإقتصادية، وما نسبة توزّعهم بين الجنسين، وهل سيجري اختيارهم عشوائياً، وفي أي الأوقات وأي الأمكنة سيُستطلعون، وما هو السؤال والأسماء او الأسئلة التي ستطرح عليهم، وهل يكون الإستطلاع شفاهة او عبر إستمارة محددة؟
للعلم فقط، ان عملية وضع الاسئلة وتنظيم الإستطلاعات بالكاد نجد من يتقنها في الدول الأوروبية !