الضمير هو صوت الله فينا
الياس بجاني
11 أيار/15
الضمير النقي هو ينبوع لكل البركات الإلهية، فذوو القلوب النقية يتمتعون بسلامٍ داخلي، وهم لطفاء وأسخياء في العطاء. وهكذا يُعطيهم الله، في هذه الحياة المليئة بالمحن والعذاب، سَبْق تذوُّق للملكوت السماوي. يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: ”لا الشهرة ولا الثروة ولا السلطان ولا القدرة الجسدية ولا المائدة الشهية ولا الملابس الأنيقة ولا أيَّة ميزة بشرية، يمكنها أن تجلب سعادة حقيقية؛ بل كل هذه تتأتَّى من صحة روحية وضمير نقي“. ويقول القديس يوحنا الدرجي: ”لنتخذ من ضميرنا ناصحاً لنا بعد الله، ودستوراً في كل شيء؛ وذلك لكي نعرف من أيَّة جهة تهبُّ الريح، فنفرد شِرَاعنا ونوجِّه سفينتنا طبقاً لها“.
نحن البشر أبناء الله وقد خلقنا على صورته ومثاله لكننا خالفنا وصاياه وخاصمناه، إلا ـنه صالحنا فيما بعد بدم ابنه وعمدنا بالماء والروح القدس ورفعنا إلى القداسة واعتقنا من إنساننا القديم وعبودية الخطيئة وجعل من أجسادنا معابد له محذراً من عاقبة من ينجسها. من قدر محبته لنا منحنا الحرية المطلقة ولكنه خيرنا بين طريقين، الأولى صعبة وأبوابها ضيقة وفيها صعاب وعذاب وتضحيات وهي في النهاية توصل إلى جنته حيث منازله السماوية المعدة للأبرار منا لم، منازل تُشِّدها يد انسان، وطريق أخرى سهلة وغرية وغرائزية أبوابها واسعة تؤدي بمن يسير عليها إلى الجحيم حيث النار لا تنطفئ والدود لا يهدأ والعذاب لا ينتهي.
الله يحبنا ويريدنا أن نعود إلى مساكنه السماوية بخيارنا وطبقاً لأعمالنا وإيماننا يوم تنتهي رحلة حياتنا الأرضية، وهو ليعيننا ويساعدنا على اختيار طريق الخلاص لم يتركنا لنكون فريسة سهلة لتجارب الشيطان، لذلك بقي في داخلنا من خلال الضمير الذي ينبهنا باستمرار لصوابية أو خطأ تصرفاتنا وأفعالنا وأفكارنا. كما أنه ميزنا عن باقي المخلوقات بنعمة الكلمة، أي النطق، والكلمة هي الله التي كما جاء في الكتاب المقدس (يوحنا01/01حتى07: “في البَدْءِ كانَ الكَلِمَةُ،والكَلِمَةُ كانَ عِندَ اللهِ، وكانَ الكَلِمَةُ اللهَ. هوَ في البَدْءِ كانَ عِندَ اللهِ. بِه كانَ كُلُّ شيءٍ، وبِغَيرِهِ ما كانَ شيءٌ مِمّا كانَ. فيهِ كانَتِ الحياةُ، وحياتُهُ كانَت نُورَ النّـاسِ. والنُّورُ يُشرِقُ في الظُّلْمَةِ، والظُّلْمَةُ لا تَقوى علَيهِ”.
لنستحق رضى والدنا الله ولنكون من الذين يخافونه ويلتزمون بتعاليمه علينا أن نُبقي صوته فينا، الذي هو الضمير حياً وفاعلاً ومطاعاً. من يخدر ضميره يبتعد عن الله ويبعد الله عنه فيقع في تجارب الشيطان وفخاخه. إن الخجل هو من علامات قوة ونشاط الضمير فعندما نحس بالخجل ذلك يعني أن ضميرنا حي وقد أدركنا الخطأ أو الخطيئة التي اقترفنا وأحسسنا بالذنب من خلال شعورنا بالخجل. في لبناننا الحبيب نقول: “إن لم تستحي فأفعل ما تشاء”، أي إن كان ضميرك ميتاً فأنت ذئب مفترس لا رادع لأفعالك الإبليسية. كما نقول:”ذاك صورة الله على وجهه وذاك لا”، أي أن المؤمن يشع من وجهه نور الله فيما الشرير يسكنه ابليس ويظهر على وجهه.
في أسفل آيات من الآنجيل تبين أهمية الضمير مع شرح مختصر لكل آية. لا يوجد كتاب يشهد بوجود الضمير في الإنسان مثل الكتاب المقدس فلنراجع بعض الآيات هذه. إن السلوك غير اللائق يُثير في الإنسان الخجل والخوف والمعاناة ومشاعر الذنب، بل وحتى اليأس. فمثلاً آدم وحواء، عندما أكلا من الثمرة المُحرَّمة، شعرا بالخجل وحاولا أن يختبئا من الله (تكوين03/07-10) وقايين، بعد أن قتل أخاه هابيل حسداً، بدأ بعد ذلك يشعر بالخوف على حياته (تكوين 04/08-01) والملك شاول، بعد أن اضطهد داود البريء، بكى في خجله، عندما وجد أن داود بدلاً من الانتقام منه بالشر، حفظ حياته (1صم 26). والكَتَبَة والفرِّيسيون، بعد أن جاءوا بالمرأة الزانية إلى المسيح، تفرَّقوا بخجل عندما شعروا بخطاياهم التي وبَّخهم عليها الرب (يوحنا08/02-11). وأحياناً تصير أوجاع الضمير غير محتملة لدرجة أن الإنسان يُفضِّل أن يُنهي حياته بالانتحار. وأوضح الأمثلة على ذلك نجدها في يهوذا الإسخريوطي (متى27/05).
وبصفة عامة، فإنَّ جميع الخطاة والمؤمنين وغير المؤمنين، يشعرون بالمسئولية عن سلوكهم. وهكذا تتحقَّق نبوَّة المسيح عن الخطاة أنهم في نهاية العالم، عندما يرون اقتراب دينونة الله، «يبتدئون يقولون للجبال: اسقطي علينا، وللآكام: غطِّينا» (لوقا23/30) و(الرؤيا06/16). ويحدث أحياناً، أنَّ الإنسان – وهو في اضطراب وفي دوامة ألم شديد، أو مغمور بالخوف – يبدو أنه لا يُصغي ل الضمير؛ ولكنه فيما بعد يشعر بتبكيت الضمير بقوة مُضاعفة! عندما صار إخوة يوسف الصدِّيق في ضيقة، تذكَّروا خطية بيعهم لأخيهم وتسليمه للعبودية، وأدركوا أنهم يُعاقبون على قسوتهم (تكوين 42/21).
وداود النبي، أدرك خطية زناه بعد أن وبَّخه عليها ناثان النبي (2صم 12/13). والرسول بطرس المندفع، أنكر المسيح تحت ضغط الشعور بالخوف، ولكنه لما سمع صياح الديك تذكَّر نبوة المسيح عنه وبكى بكاءً مُرّاً. واللص اليمين، أدرك، وهو مُعلَّقٌ على صليبه بجوار الرب قبل موته فقط، أن آلامه كانت جزاءً عادلاً لجرائمه (لوقا 23/41). وزكَّا العشَّار، بعد أن تأثَّر بحب المسيح، تذكَّر إساءاته للناس التي ارتكبها بجشعه، وقرر أن يُصحح أخطاءه التي ارتكبها (لوقا 19/08). ومن الناحية الأخرى، عندما يكون الإنسان على دراية ببراءته، فإن ضميره الصافي يُقوِّي رجاءه في الله. فمثلاً، عندما كان أيوب البار يتألم، عَلِمَ أن سبب ذلك لم يكن هو ارتكابه لأيَّة خطايا؛ بل إن ذلك كان في خطة الله وكان يترجَّى رحمة الله (أي 27/06).
والرسول بولس، الذي تكرَّست حياته لله ولخلاص البشر، لم يَخَفْ من الموت، بل إنه رغب أن يستريح من أتعاب جسده ويُكافَأ بوجوده مع المسيح إلى الأبد (في 1: 23). وبالنسبة للخاطئ، لا يوجد ارتياح وسعادة أعظم من أن ينال المغفرة وسلام الضمير. والإنجيل غنيٌّ بأمثلة التوبة. فالمرأة الخاطئة، عندما نالت مغفرة خطاياها، اعترفت بفضل المسيح وغسلت قدميه بدموعها وجفَّفتهما بشعر رأسها (لو07/38).
فلنصلي من أجل أن تبقى ضمائرنا حية
في أسفل فهرس صفحات الياس بجاني على موقع المنسقية القديم
فهرس مقالات وبيانات ومقابلات وتحاليل/نص/صوت/ بقلم الياس بجاني بالعربية والإنكليزية والفرنسية والإسبانية