بلغت الاستعدادات العسكرية ذروتها في منطقة القلمون بشقيها السوري واللبناني منذ أيام: «حزب الله» استكمل تحركاته العسكرية على الحدود بإحضاره آليات ومدرعات ومئات المقاتلين إلى عدة أماكن بقاعية لا سيما في محيط بلدتي نحلة وبريتال، وفصائل المعارضة المسلحة (مجموعات الجيش الحر، جبهة النصرة، لواء نسور دمشق، لواء الغرباء، كتيبة رجال القلمون، حركة أحرار الشام) تعلن توحدها في تكتل عسكري واحد أطلق عليه اسم «جيش الفتح» تمهيداً لتحرير القلمون من الجيش السوري ومقاتلي «حزب الله».
يمتد القلمون الغربي من رنكوس جنوباً على بعد 45 كيلومتراً من دمشق إلى البريج شمالاً قبيل القصير بكيلومترات، وهو عبارة عن شريط إستراتيجي بطول نحو 70 كيلومتراً وعرض 10 كيلومترات يتضمن مجموعة من المدن والبلدات: حوش عرب، عسال الورد، الجبة، المعرة بخعة / الصرخة، فليطة / المشرفة، يبرود، النبك، دير عطية، قارة، جراجير.
ولذلك تشكل معركة القلمون الغربي المقبلة هدفاً إستراتيجياً لكلا الطرفين، المعارضة المسلحة تسعى إلى استعادتها لما تشكله من نقطة وصل بين حمص وريفها ودمشق وريفها أولا، وتأثيرها على مسار المواجهات في عموم سورية ثانياً، وتطويق عناصر «حزب الله» الداخلين والخارجين من لبنان إلى سورية ثالثاً، وإعادة الاعتبار لنفسها مع إنهائها حالة «الستاتيكو» المستمرة منذ نحو عام ونصف في المنطقة رابعاً.
أما «حزب الله» الذي يحاول إخفاء المعادلة السورية في معركته المقبلة (حماية النظام) فهو يهدف الى وقف النزيف البشري الذي يعاني منه منذ انتهاء معركة يبرود منتصف آذار (مارس) من العام الماضي، ومنذ ذلك الوقت يتعرض الحزب لخسائر بشرية بدءاً من المعارك التي جرت في آب (أغسطس) الماضي مع دخول «داعش» و»النصرة» إلى عرسال، ثم الاشتباكات في محيط تلة موسى برأس المعرة في تشرين الأول (اكتوبر) الماضي، ثم تفجير حاجز بين السحل ويبرود تابع للحزب وموقعين آخرين في فليطة / المشرفة بداية العام الحالي، ثم كمين لعناصر الحزب في رأس المعرة نهاية آذار الماضي، فضلاً عن الهجوم الذي شنته «النصرة» نهاية الشهر ذاته على فليطة / المشرفة وما نجم عنه من خسائر بشرية للحزب، والهجوم الذي شنته «النصرة» وفصائل أخرى على أربعة مواقع هي: المسروب، جب اليابس، الحمرا، شيار، شعبة حميدة منتصف نيسان (ابريل) الماضي وسيطرتها على عدة تلال تكشف طرق الإمداد التي يسلكها عناصر الحزب من لبنان إلى القلمون.
لكن معركة القلمون اليوم مختلفة عن معارك القلمون التي جرت في القصير وقارة ودير عطية والنبك ويبرود، ذلك أن المعارك الماضية كانت تجري داخل محيط المدن، وكان عناصر الحزب وقوات الدفاع الشعبي يخوضون المعارك عقب عمليات قصف جوي ومدفعي من قبل الجيش تمهد الطريق لهم، أما اليوم فهذه الميزة غير موجودة، وبالتالي فإن المعارك التي ستجري ستتم وفق أسلوب حرب العصابات في الجبال والوديان، ما يفقد «حزب الله» المبادرة والقدرة السريعة على الحركة، وهذا يفسر تصريحات بعض قيادات الحزب أخيراً باستحالة القضاء على الفصائل المسلحة نهائياً لما يتطلبه الأمر من انتشار عسكري كبير على منطقة واسعة بطول نحو 75 كيلومتراً وعرض نحو 15 كيلومتراً مليئة بالجبال والوديان.
هذا الواقع يسمح للفصائل المسلحة بالقدرة على شن هجمات مباغتة وسريعة أولاً، وإمكان دخول مناطق تعتبر خطاً أحمر بالنسبة للنظام ثانياً، ما يعني أن عمليات الكر والفر ستبقى قائمة في المنطقة وتشكل تهديداً من الناحية البشرية لعناصر الحزب.
حتى الآن تبدو معركة القلمون التي تتحدث عنها وسائل الإعلام اللبنانية لا سيما المقربة من «حزب الله» غامضة، هل سيدخل الحزب قواته إلى عمق القلمون أم يكتفي بالتمركز في نقاط حدودية، وقد فسرت بعض المصادر اللبنانية تصريحات صادرة عن أوساط الحزب أخيراً حول أهمية حماية البلدات اللبنانية الحدودية بأن الحزب غيّر تكتيكه بعدم مواجهة المعارضة المسلحة داخل الأراضي السورية بحيث يتم الاكتفاء بالتمركز عند نقاط حدودية للحيلولة دون وصول الفصائل المسلحة إلى الأراضي اللبنانية وإبقاءها في سلسلة الجبال، مع ما يتطلب ذلك من عمليات كر وفر محدودة. وما يعزز هذا الرأي أن النظام السوري غير مضطر وربما غير قادر على فتح جبهة القلمون بسبب التغيرات الحاصلة في المشهد الميداني شمالاً وجنوباً، وبالتالي يحاول «حزب الله» الاستعاضة عن ذلك بدفع الجيش اللبناني إلى واجهة المعارك باللعب على وتر الإرهاب الذي يتعرض له اللبنانيون عموماً والمسيحيون خصوصاً في البقاع (رأس بعلبك والقاع وشليفا ودير الأحمر).