المجازفة بورقة مضيق باب السلام رد إيران على تعثرها في اليمن
محمد المذحجي
القدس العربي
May 3, 2015
لندن – «القدس العربي»: تعتبر عملية «عاصفة الحزم» العثرة الأضخم التي واجهتها إيران لاستنساخ تجربة حزب الله اللبناني في اليمن وتحويل جماعة أنصار الله الحوثية من مجموعة محصورة في جبال صعدة إلى حركة فاعلة في اليمن خلال الـ 12 عاما الأخيرة، وفي طبيعة الحال الهدف الرئيسي هو السيطرة على مضيق باب المندب الاستراتيجي وميناء عدن، كما تخطط إيران وتبني منذ أكثر من عقدين علاقات دبلوماسية وعسكرية مع جيبوتي والصومال تحت غطاء توفير أمان الملاحة البحرية والمساعدات الإنسانية بهدف إكمال طوقها على هذا الممر المائي الحساس.
وجاء الرد الإيراني عفوياً وغاضباً وبشكل غير مدروس بسبب المفاجئة وعدم تمكنها من التنبؤ بـ»عاصفة الحزم» وتوفير الدعم لحلفائها والتأثير على مجرى الأحداث في اليمن. واعتبر رئيس مكتب المرشد الأعلى الإيراني، محمد محمدي كلبايكاني، التصريحات الأخيرة لخامنئي حول عملية «عاصفة الحزم» بشارة الولي الفقيه حول سقوط النظام السعودي، وقال إن انهيار آل سعود قد بدأ بالفعل، وزعم أن حكام المملكة العربية السعودية هم ملحدون وغارقون في الذات الدنيوية، وأنهم يتصرفون حسب ما يحلو لهم مستندين على مالهم الهائل. وشدد مساعد هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، العميد علي شادماني، على أنهم لا يعتبرون مسؤولي المملكة العربية السعودية مسلمين. وقال إن ما أقدمت عليه السعودية في اليمن جاء نتيجة لخسارتها في عدة قضايا إقليمية فعمدت للتعويض عبر عدوانها على ذلك البلد. وبدوره وصف القائد العام للحرس الثوري، اللواء محمد علي جعفري، عملية «عاصفة الحزم» بـ «وقاحة وعار وخزي» للسعودية، وقال إن موجة الثورة الإسلامية ستؤدي إلى انهيار آل سعود، كما تسببت في إنهيار الاتحاد السوفييتي، وطالب الحكومة الإيرانية أن تضع الاعتبارات السياسية والدبلوماسية جانباً، وقال إن السعودية انتهكت الحرمات وإنها خائنة، حسب وصفه.
وأثناء هذه التصريحات الغاضبة وتكرار مطالب تحرير مكة المكرمة والمدينة المنورة وانتزاع إدارة الحرمين الشريفين من السعودية وتحويلها إلى لجهات إسلامية أخرى، أظهرت تصريحات مسؤولي الحكومة ومحاولاتهم الدبلوماسية مدى ضعف تأثير إيران على الأزمة اليمنية، حيث الرئيس الإيراني، حسن روحاني مساعدة رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، للوقف الفوري لعملية «عاصفة الحزم» في رسالة رسمية نقلها المبعوث الخاص لروحاني ونائب وزير الخارجية الإيراني مرتضى سرمدي، مساء الأربعاء إلى بغداد. وبدوره شدد وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، على تشكيل حكومة جديدة في اليمن، وقال إن طهران بإمكانها أن تلعب «دورا إيجابيا» في عملية الإنتقال السياسي في اليمن.
وكرر الطلب من منصة أمريكية شهيرة، وحث بان كي مون والأمم المتحدة في مقال له في صحيفة «نيويورك تايمز» على تبني مبادرة سياسية تتضمن إجراء مفاوضات بين طرفي الصراع في اليمن في «بلد محايد» وأعلن عن استعداد طهران التفاوض مع المملكة العربية السعودية حول اليمن «إنطلاقاً من ملف أمن الخليج العربي». وتلت هذه المحاولات الدبلوماسية الإيرانية تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، حول مطالبة إيران بإلتزام «دور إيجابي» في الأزمة اليمنية، بالإشارة إلى مواقفه من تصريحات نظيره الإيراني، وتتضمن رؤية كيري رسالة للتحالف العربي بقيادة السعودية أيضاً.
وتزامن حدثان مهمان بعد أن لم تلق المطالبات الأمريكية الإيرانية إعجاباً من الجانب العربي. الحدث الأول هو لقاء فريد من نوعه، جمع وزيري الخارجية الإيراني والأمريكي على الأراضي الإيرانية في مكتب طهران لدى الأمم المتحدة في نيويورك، يوحي بأن جميع الخطوط الحمراء بين الطرفين سقطت، ومن جانب ثاني يتضمن رسالة مبطنة أخرى رداً على تصريحات المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، الذي قال «المفاوضات النووية هي تجربة، وإذا تكف أمريكا عن الالتباس معنا، يمكن أن نستمر معهم في قضايا أخرى». والحدث الثاني هو احتجاز سفينة شحن تابعة لجزر مارشال في مضيق باب السلام (هرمز) من قبل زوارق وسفن الحرس الثوري أمام أعين القوات الأمريكية المسيطرة على المضيق. والرد الأمريكي على هذا الحادث الخطير اقتصر على إصدار بيان من البيت الأبيض والبنتاغون، طالب إيران بإحترام حرية الملاحة والمعاهدات الدولية والافراج عن السفينة المحتجزة، ووصف التصرف الإيراني بـ «العمل غير المناسب». والرسالة الأمريكية الإيرانية المشتركة التي تضمنها الحدثان، موجهة تحديداً لدول الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، ومحتواها يتجاوز الأزمة اليمنية بكثير.
قرار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بإلغاء قانون منع تسليم إيران منظومة صواريخ إس 300، الذي تتفاوض طهران مع موسكو لشرائها منذ عام 2007 ولم تتم الصفقة حتى الآن خلط أوراق الصراع السياسي الحاد في المنطقة. والتصريحات الروسية التي تلت هذا القرار تظهر أن روسيا تريد استخدام هذه الورقة للحصول على امتيازات من الجانبين الغربي والعربي في الوقت ذاته، نظراً لإقتراب موعد توقيع الاتفاق الشامل النووي مع إيران واحتدام الصراع بين إيران والدول العربية، وتؤيد وجهة النظر هذه تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي قال إنه لن يتم تسليم إيران منظومة صواريخ إس 300 قريباً.
بعد فشل المحاولات الأمريكية والإيرانية لوضع المملكة العربية السعودية بين كماشتي العراق واليمن، وعدم تحقيق أهداف مشروع عرقنة اليمن من أجل إرغام الرياض للقبول بالدور الإقليمي الإيراني الجديد الذي تتم صياغته تحت غطاء مسرح النووي الإيراني، يحاول حكام طهران عبر المجازفة بورقة أمن مضيق باب السلام (هرمز) إعادة المياه إلى المجرى الذي تريده طهران وواشنطن.
محمد المذحجي