موسكو تجاوزت “خطاً أحمر” آخر في اتفاق النووي مع ايران دونالد جينسين/السياسة/02 أيار/15
في الثالث عشر من ابريل الماضي انهى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تأجيله الطويل لشحنة الصواريخ الروسية “S-300″ التي طلبتها ايران وتم بالفعل تجهيز الشحنة لارسالها الى طهران, وبهذه الطريقة اكد بوتين عزمه على تقوية الروابط الاقتصادية والامنية مع ايران في اعقاب الاتفاق النووي الاميركي الذي يهدف الى فرض قيود على البرنامج النووي الايراني.
قررت روسيا في العام 2010 الغاء صفقة بيع مجموعة من صواريخ “S-300″ الروسية لايران بسبب ضغوط شديدة من جانب الدولة الغربية, الا ان رفع هذه الحظر من الجانب الروسي في الآونة الاخيرة ازال عقبة كبيرة على طريق العلاقة الثنائية بين روسيا وايران, وصرح مسؤول روسي كبير بأن روسيا بدأت ايضا بتزويد ايران بالحبوب والمعدات ومواد البناء والانشاء مقابل النفط الخام وهذه الصفقات يمكن ان تحقق مكاسب لروسيا تصل الى 20 مليار دولار اميركي, وجاء الاعلان عن تلك الصفقات مواكبا لزيارة وفد ايراني رفيع المستوى الى موسكو لعقد اجتماع يضم كبار المسؤولين عن الامن في منظمة “شنغهاي للتعاون” والمعروف ان روسيا والصين عضوان رئيسيان في هذه المنظمة, فيما تشغل ايران منصب المراقب. وتشير الانباء الى ان ايران تتطلع الى الاشتراك في المنظمة كعضو فعال, الا ان العقوبات التي فرضتها عليها الأمم المتحدة تعرقل انضمامها, كما ان اعلان موسكو عزمها بيع صواريخ “S-300″ لايران يعني انها تجاوزت ما يسمى الخط الأحمر الذي وضعته ادارة اوباما في العام 2010 وهذا ما اكده كبار المسؤولين الاميركيين وفي ذلك الوقت اعرب البيت الابيض عن رضاه عن ذلك الحظر الذي وصف بأنه اعراب عن نجاح الرئيس الاميركي باراك اوباما في اجراء تعديل ايجابي في العلاقات الاميركية – الروسية اليوم – وبعد ان قرر الكرملين رفع الحظر – اتصل وزير الخارجية الاميركي جون كيري بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للاعراب عن معارضته لهذا الاجراء, الا ان ذلك لم يؤد الى نتيجة ايجابية ملحوظة, ومن ناحيته اعرب البيت الابيض عن قلقه ازاء صفقات “النفط مقابل الغذاء” مؤكدا ان تلك الصفقات تنسف العقوبات الدولية “المفروضة على ايران” والتي تريد واشنطن رفعها بالتدريج وبشروط بعد التوصل الى اتفاق نهائي بشأن البرنامج النووي الايراني.
ومع استمرار مشاعر العداء بين ايران والولايات المتحدة في السنوات الاخيرة اتبعت موسكو سياسة تتسم بالازدواجية مع طهران كغيرها من السياسات التي يتبعها بوتين في مناطق اخرى, فمن ناحية نجد ان الكرملين حاول ممارسة دور مهم في الشؤون الدولية, ووجد ضالته في التدخل في النزاع المتعلق بالبرنامج النووي الايراني, ورأى ان يؤدي دور الوسيط (او السمسار) في الخلاف الدائر بين الجانبين اميركا وايران, ومن ناحية اخرى قرر الكرملين ان يستغل العداء بين ايران والغرب لتوثيق العلاقات الثنائية بين روسيا وايران على حساب الغرب, وبهذه الطريقة اصبحت روسيا شريكا رئيسيا في قطاع التجارة وقطاع النفط بالاضافة الى كونها موردا للاسلحة لايران حتى وهي من بين الدول التي وافقت على الاجراءات الخاصة بفرض العقوبات على ايران في الاجتماعات الدولية المختلفة. هذا التناقض بين الاتجاهين ادى الى نسف الجهود التي بذلتها موسكو ورغم حاجة ايران الى علاقات افضل مع موسكو للتعويض عن عزلتها الدولية, الا انها كانت تدرك ان هناك حدودا للمساعدات الروسية, بالاضافة الى تلكؤها في تنفيذ مشروع تزويد ايران بصواريخ “S-300″ الروسية على سبيل المثال – تباطأت روسيا ايضا في اكمال المفاعل النووي في بوشهر, وسخرت من اسلوب محمود احمدي نجاد الراغب في معارضة اميركا ومعاداتها رغم ان بوتين نفسه يميل الى هذا الاسلوب ويشجعه, ولوحظ ان الكثير من المسؤولين الايرانيين يعترفون – على المستوى الشخصي – بأنهم لا يثقون في الكرملين وهذا ما يؤكده الكثير من التقارير الاعلامية المختلفة.
لقد حاولت موسكو بكل جدية التأكيد ان الاتفاق النووي الموقت بين اميركا وايران انتصار لديبلوماسية الكرملين, والواقع ان روسيا مارست دورا ثانويا في المفاوضات, بل ان وزير الخارجية الروسي لافروف لم يكن موجودا في اليوم الاخير من المحادثات, وادعى البعض ان روسيا بذلت اقصى ما يمكن من جهد للتفريق بين الاميركيين والايرانيين لعدم وجود التفاهم المأمول وعدم تحقيق التقدم المرغوب فيه بالمفاوضات, ورأت روسيا – منذ بداية العام 2014 ان لها تأثيرها المباشر بهذا الشأن وهذا هو سر الاجتماعات الكثيرة (نحو ستة اجتماعات) بين لافروف ونظيره وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف .
ويقول المراقبون.. رغم ان روسيا لا تزال تؤدي دورا رئيسيا في سورية والعراق, الا ان نفوذها في مناطق اخرى مستمر في الضعف, كما ان اقتصادها مستمر في التدهور وفقدت روسيا صورتها الدولية البراقة, كما ان صورتها في الداخل غير جذابة بسبب الاستبداد والتسلط, وهذا احد اسباب السياسة الخارجية الروسية الخاطئة.
ان محاولات روسيا اجتذاب ايران ترجع – جزئيا- الى تشابه اهدافهما التي تتلخص في العمل على تقليص النفوذ الاميركي في وسط آسيا والشرق الأوسط, وكلتا الدولتين تريدان ابعاد اي نفوذ اجنبي عن منطقة بحر قزوين, كما انهما تؤكدان بشدة على ضرورة مقاومة تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) حتى لا ينتشر في افغانستان ووسط آسيا بعد مغادرة قوات التحالف تلك المناطق, كما ان روسيا وايران تدعمان بشدة نظام الاسد في سورية وتقدمان مساعداتهما لمساعدة حكومة بغداد في مقاومة تنظيم “داعش” في العراق .
نرى ان رفع العقوبات عن ايران سيفيد روسيا فائدة كبيرة, خصوصا اذا اصبحت “دولة عادية “normal country” وفي هذه الحالة ستقوى مكانة روسيا كمورد للاسلحة لاحدى الدول الاقليمية البارزة, ونظرا الى ان علاقات موسكو بواشنطن متوترة فان روسيا ستتمكن من استغلال علاقاتها الوثيقة بايران في الادعاء بأنها ليست دولة غربية منحازة, وانما هي دولة لها علاقات جيدة بدول اخرى في الشرق ايضا, ولها ايضا طموحاتها ورغباتها في تحقيق احلامها وتحدي النظام العالمي اذا استدعى الامر, لكن يمكن القول في الوقت ذاته ان الفوائد التي ستجنيها روسيا على المدى القصير – كما ذكرنا- لن تجعلها الفائزة العظيمة من الاتفاق النووي الايراني, وانها ستكون اكبر خاسر في الصفقة المذكورة على المدى الطويل.
في هذه الحالة ستكون امام ايران فرصة اكبر لاختيار الدول الحليفة او الشريكة التي تتعاون معها وفقا لمصالحها, بل ان بامكانها ان تتحالف مع دول غربية وتوطد علاقاتها بصورة اوثق واقوى من علاقاتها مع روسيا ذاتها, وبخاصة في مجال التكنولوجيا والتنمية الاقتصادية والتجارة والصناعة والاستثمار, ورغم رغبة الدولتين “ايران وروسيا” في استبعاد اي قوى اخرى اجنبية تريد التغلغل في منطقة بحر قزوين فإنهما لا تعارضان فتح الباب امام العناصر (الغربية او الشرقية) في المساعدة على الاستفادة من مياه ذلك البحر, وثرواته المعدنية الدفينة, كما ان علاقات روسيا الايجابية مع اسرائيل يمكن ان تنهار اذا هي وثقت علاقاتها مع ايران, واخيرا نشير الى مسألة اخرى بالغة الاهمية – وهي أنه مع عودة عمليات انتاج النفط والغاز الايراني الى مستواها الاصلي, فان صناعة النفط والغاز الروسية ستجد منافسا قويا في ايران, وستهبط اسعار الطاقة وتقل العوائد المالية. اخيرا علينا الا ننسى ان الاتفاق النووي النهائي المنتظر قد يمثل تحديات كبيرة لمختلف الاطراف, اذ حتى اليوم لم يوضع نص رسمي صريح, ولم ينشر عنه اي شيء بعد, ومن المتوقع حدوث بعض الخلافات بين اميركا والاتحاد الاوروبي وايران بشأن معنى بعض البنود, وعن الموعد المحدد للرفع النهائي للعقوبات, هذا بالاضافة الى المزيد من الانتقادات للصيغة العامة للاتفاق النووي وهناك احتمال ان تضطر روسيا الى استخدام “الفيتو” اذا شعرت ان حماية مبيعاتها من الصواريخ طراز “S-300″ ومصالحها التي تهدف الى تحقيقها تواجه عقبات ومصاعب جمة