إدارة أوباما المؤمنة بإيران… والإخوان خير الله خير الله
الراي/26 نيسان/15
عندما يعلن الرئيس باراك أوباما «اعترافه بالنفوذ الإيراني في العراق»، لا يعود الكلام الذي نقله رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عن تحفّظ الإدارة الأميركية على «عملية الحزم» مستغربا. اضطر المسؤولون الأميركيون إلى نفي الكلام الصادر عن العبادي الذي يتبيّن في كلّ يوم أنّه لا يختلف في شيء عن سلفه نوري المالكي. لكنّ النفي الأميركي ليس كافيا، لا لشيء سوى لأن هناك إدارة أميركية تسعى إلى تبسيط أزمات الشرق الأوسط واختزالها بالملفّ النووي الإيراني.
هناك بكل بساطة، إدارة أميركية تؤمن بإيران والإخوان المسلمين. بالنسبة إلى هذه الإدارة، هناك ايران التي يحقّ لها، من وجهة النظر الأميركية طبعا، امتلاك مناطق نفوذ في الشرق الأوسط، حتّى لو كان ذلك من منطلق مذهبي بحت. وهناك الدول العربية التي تقع خارج النفوذ الإيراني والتي يُفترض أن يكون الحكم فيها للإخوان المسلمين. يعبّر الإخوان من وجهة نظر الإدارة عن توق الشعوب العربية إلى التخلّف ولا شيء آخر غير التخلّف.
هذا ما جعل إدارة أوباما تتجاهل التمدّد الإيراني في العراق وسعيها الدائم إلى وضع اليد على سورية، وقد نجحت في ذلك إلى حدّ كبير…مع اعتبار لبنان شبه مستعمرة إيرانية تديره ميليشيا مذهبية، هي لواء في «الحرس الثوري» الإيراني. أكثر من ذلك، كان هناك في كلّ وقت غض نظر أميركي عن الوجود الحوثي في اليمن وسعي «انصار الله» إلى السيطرة شيئا فشيئا على البلد كي يتحوّل مجرّد قاعدة إيرانية.
طوال ما يزيد على عشر سنوات كان كلّ مسؤول أميركي، يُسأل عن الحوثيين وعلاقتهم بإيران، يجيب أن ليس ما يثبت وجود مثل هذه العلاقة. كان المسؤولون في واشنطن يصرّون على أن المشكلة الوحيدة في اليمن هي «القاعدة» التي استطاعت في العام 2000 توجيه ضربة إلى المدمّرة «كول» الراسية في ميناء عدن. بالنسبة إلى أي مسؤول أميركي، كان هناك نوع من التعتيم على العلاقة بين إيران والحوثيين الذين خاضوا ست حروب مع الجيش اليمني بين العامين 2004 و2010.
في موازاة ذلك، كان هناك رفض أميركي مستمرّ لفكرة أن الإخوان المسلمين الذين كانوا يشاركون علي عبدالله صالح في السلطة، عبر التجمع اليمني لإصلاح، وذلك قبل أن ينقلبوا عليه، إنّما كانوا يساعدون على إيجاد حاضنة لـ «القاعدة». وثمّة من يقول إن علي عبدالله صالح نفسه لعب دورا في إيجاد مثل هذه الحاضنة في أرجاء مختلفة من اليمن، خصوصا في شبوة وحضرموت وحتى في عدن وصنعاء والمناطق المحيطة بالعاصمة. لعبت السياسة الأميركية دورا في غاية الخطورة في إيصال الوضع في الشرق الأوسط إلى ما وصل إليه، بما في ذلك قيام «داعش». لم يكن التمدّد المفاجئ لـ «داعش» سوى نتيجة مباشرة لالتقاء مصالح إيران مع مصالح النظام السوري عند تشجيع قيام منظمات إرهابية يمكن ربطها بأهل السنّة لتبرير الدور الذي تلعبه الميليشيات الشيعية في غير مكان. هذه الميليشيات باتت موجودة في العراق وسورية ولبنان واليمن. بات هناك مسؤولون إيرانيون يتفاخرون بأن إيران تتحكّم بأربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. هناك أحد هؤلاء المسؤولين الإيرانيين، ويدعى علي يونسي، تبجّح بقيام الإمبراطورية الإيرانية التي عاصمتها بغداد.
استخفّت الإدارة الأميركية برد الفعل العربي. لعلّ أوّل ما استخفّت به الشعب المصري الذي رفض الإخوان المسلمين ونظامهم وألقى بهم في مزبلة التاريخ. فعل التونسيون الشيء نفسه على الرغم من كلّ المحاولات الهادفة إلى تخويفهم. شملت هذه المحاولات اغتيال شخصيات سياسية مثل شكري بلعيد ومحمد البراهمي وتفجيرات من نوع ذلك الذي استهدف سياحا أجانب في متحف باردو…
هناك رفض عربي للخضوع للأمر الواقع الذي تسعى الإدارة الأميركية إلى فرضه والذي كان أفضل تعبير عنه اعتراف أوباما بالنفوذ الإيراني في العراق. لم يكتف العرب بدعم مصر عندما تخلّصت من الإخوان. قرّر العرب الشرفاء استعادة مصر وتمكينها من لعب دورها في مجال إيجاد توازن على الصعيد الإقليمي. ذهبوا إلى أبعد من ذلك عندما قرّروا أيضا منع إيران من الاستيلاء على اليمن. يمكن لـ «عاصفة الحزم»، وهي أيضا عاصفة العزم أن تستمرّ طويلا. لكنّ هذه العملية العسكرية، التي تقودها المملكة العربية السعودية والتي يشارك فيها تحالف عربي وإقليمي ودولي، تعكس قبل كلّ شيء الرغبة في المقاومة والإصرار على رفض الخضوع لإيران وللرغبات والتمنيات الأميركية.
هناك مكان آخر عبّر فيه العرب عن مقاومتهم لما تريد إيران وأميركا فرضه عليهم. هذا المكان هو سورية. ما شهدته الأسابيع القليلة الماضية في سورية، إن في حلب وإدلب ومحيط درعا، يدلّ على رفض السوريين وقف ثورتهم من جهة والاستعداد العربي لدعم هذا الشعب المظلوم إلى أبعد حدود من جهة أخرى، خصوصا بعدما تبيّن أنّ الحرب التي يخوضها الشعب السوري، هي حرب مع إيران أوّلا. ما نشهده حاليا من تطورات يدلّ على أنّ الوضع العربي غير ميؤوس منه. مجرّد وضع حدّ للتمدّد الإيراني في اليمن بداية جيّدة. مجرّد قلب الموازين في سورية لمصلحة الثورة الشعبية، مؤشر إلى أنّ هناك جهات عربية، على رأسها المملكة العربية السعودية، ترفض الرضوخ للإملاءات الأميركية. لا يشكّ عاقلان بأن الولايات المتحدة هي القوة العظمى الوحيدة في العالم. طبيعي أن تكون حرّة في خياراتها، بما في ذلك الاعتراف بالنفوذ الإيراني في العراق وكأنّه يكفي أن تكون هناك أكثرية شيعية في العراق، كي يكون هناك مبرّر لهذا النفوذ.
أن تكون هناك خيارات أميركية لا يعني في الضرورة انصياع العرب لهذه الخيارات. ها هم يؤكدون رفض هذا الانصياع في مصر أوّلا حيث انحازوا للشعب المصري وثورته على الإخوان المسلمين ونظامهم الذي قرّرت إدارة أوباما دعمه. وإنحازوا للشعب السوري على الرغم من رفض إدارة أوباما المستمرّ لأيّ تعاط جدّي مع المجازر التي يرتكبها النظام في حقّ المدنيين… هناك للمرّة الأولى منذ فترة طويلة إرادة عربية في المقاومة. تؤكّد ذلك الحال التي يظهر فيها الأمين العام لـ «حزب الله» في لبنان في كلّ مرّة يتناول موضوع اليمن ويستغلّه لمهاجمة السعودية مستخدما لغة أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها مشينة. هل من دليل أفضل من هذا الدليل على أن المقاومة العربية للمشروع التوسّعي الإيراني والإملاءات الأميركية فعلت فعلها؟