بين «المراهقة» اليمنية و «المقامرة» اللبنانية
وليد شقير/الحياة/24 نيسان/15
تسعى الميليشيات الحوثية في اليمن مدعومة من إيران، إلى تفريغ قرار مجلس الأمن الأخير الرقم 2216 من مضمونه الذي رسم خريطة الحل السياسي الذي يفترض أن يعقب عملية «عاصفة الحزم»، التي انتهت بتعطيل قدرة الذراع الإيرانية اليمنية على تهديد أمن السعودية ودول الخليج، بتدمير الصواريخ البالستية والمضادة للطائرات التي امتلكها مراهقون في السياسة، لمصلحة تمهيد الأرض لاستعادة اليمن توازنه السياسي. فالقرار مثلما شرّع العملية العسكرية، تضمن أسس وقفها تمهيداً للمسار السياسي، لإنهاء الأزمة ووقف تدخل طهران في البلد الفقير، معتمدة مبدأ قيام قوة عسكرية موازية لسلطة الدولة اليمنية وسائر مؤسساتها، لا سيما السياسية والعسكرية، تملي ما تريد وتغنم ما تستطيع من خدمات المؤسسات الأخرى. كل ذلك على قاعدة أيديولوجية تغرف من منطق ولاية الفقيه ومن تجارب طهران في لبنان وسورية والعراق في تصدير الثورة والتمدد الإمبراطوري الموهوم. ليس مبالغة الحديث عن استنساخ التجربة اللبنانية مع «حزب الله»، لجهة قيام جيش مواز للقوات المسلحة الشرعية وتعطيل سائر المؤسسات الدستورية والسياسية وتعليق العمل بالدستور عبر تأجيل اكتمال السلطة السياسية، تارة عبر ابتداع صيغة الثلث المعطل داخل الحكومة لعرقلة قراراتها، كما حصل منذ عام 2008، ثم عبر إطالة أمد الشغور الرئاسي الذي قد يمتد ردحاً آخر من الزمن مع اقتراب خلو هذا الموقع الناظم لفاعلية السلطة التنفيذية من نهاية سنته الأولى. هكذا احتل الحوثيون ومعهم علي عبد الله صالح المدن، واستولوا على أسلحة الجيش الشرعي وقسّموه، وأصدروا إعلاناً دستورياً في شكل منفرد ينسف كل أسس الحل السياسي الذي مضت سنوات على التحضير له بدعم خليجي ودولي.
الجوهري في استنساخ هذه التجربة يكمن في محاولة الحوثيين، مع صالح، تحسين مواقعهم العسكرية في تعز وصنعاء وعدن بعد أسبوع من صدور قرار مجلس الأمن وبعد ساعات من إعلان وقف «عاصفة الحزم» وبدء عملية «إعادة الأمل»، التي ترمز إلى ترجيح الحل السياسي الذي نص عليه القرار الدولي، فالقرار دعاهم (تحت الفصل السابع الذي يتيح استخدام القوة في حال خرقه) إلى «الانسحاب من المدن، بما فيها صنعاء» و «التخلي عن جميع الأسلحة التي استولوا عليها…» وسائر الإجراءات المنصوص عليها في فقراته (من 1 إلى 5) بالتفصيل، ويحدد إجراءات الحل السياسي، وتدابير الحؤول دون تقديم السلاح وغيره من المساعدات في سائر الفقرات… (والمقصود بها إيران و «حزب الله»). مراهقة الحوثيين ومعها مراوغة صالح المستمرة بعد القرار، تشبه مقامرة «حزب الله» في تفريغ القرار الدولي 1701 عام 2006، الذي يحظر وجود السلاح والمسلحين جنوب نهر الليطاني ويحصره بالجيش اللبناني والقوات التابعة للحكومة اللبنانية وقوات «يونيفيل». لكن إيران والحزب كدسا السلاح والمسلحين في تلك المنطقة، وحالا دون اتخاذ القوات الدولية والجيش تدابير لتطبيق القرار تعزز سلطة الدولة اللبنانية، التي امتد تلاشيها نحو الداخل اللبناني، ما سهل لاحقاً تحول المقامرة إلى مغامرة فوق طاقة الحزب وقدرة لبنان على الاحتمال، بدخول قواته الحرب في سورية لحفظ نفوذ طهران فيها مع كل تداعياتها. استسهل الحرس الثوري تكرار السيناريو في اليمن السعيد لمد نفوذه نحو الحدود السعودية وباب المندب، وحاول قبل يومين إلغاء مفاعيل «عاصفة الحزم» وتفريغ القرار الدولي، بالاحتفاظ بقدرته على تهديد أمن المملكة، متكلاً على نظرية «الصبر الاستراتيجي» التي أطلقها السيد حسن نصر الله قبل أسبوع، معتبراً أن لا قيمة للقرار الدولي الجديد. شكل آخر من أشكال استنساخ تجربة إيران في لبنان كان تسويغ تقويض الدولة بحجة محاربة الإرهاب بالنيابة عنها. في لبنان «داعش» وفي اليمن «القاعدة»، وفي الاثنين معاً محاولة الإيهام بأن الخيار هو بين الإرهاب أو الميليشيا التي تحاربه، تماما مثل الإيهام بأن الخيار في سورية هو بين نظام بشار الأسد وبين «داعش» و «النصرة» (الذي شارك في توسعهما). والنسخة العراقية هي افتعال الخيار بين «الحشد الشعبي» بقيادة اللواء قاسم سليماني وبين الدواعش. لا مكان عند العقل الإيراني للخيار الثالث، إلا بقدر ما يخدم استراتيجيته. ولذا وجب عليه مثل «القاعدة» وأخواتها أن يقسم العالم بين فسطاطين. لكن استنساخ عملية تفريغ القرار2216 من مضمونه تواجه فوارق بين التجربتين اللبنانية واليمنية. في لبنان أكثر من شبيه لعلي عبدالله صالح. لكن أياً منهم لم يصل إلى حد الجموح في اللعب بمصير حلفائه الحوثيين ومراهقتهم إلى درجة الانتحار، مقارنة بمراهنة نظرائه اللبنانيين على مغامرة «حزب الله» وإيران، فالتركيبة الطائفية اللبنانية ما زالت تتيح لهم خفض خسائرهم عندما تضطر طهران للانكفاء.