استقراراليمن ما زال بعيداً
حسان حيدر/الحياة/23 نيسان/15
لا يزال الطريق طويلاً وصعباً قبل ان يعاود اليمن جنوحه نحو الهدوء والاستقرار، بعدما دفعت المغامرة الايرانية في هذا البلد دولاً عربية بقيادة السعودية الى شن عملية جوية لإزالة تهديدات أمنية فرضها انقلاب «الحوثيين» على التسوية السياسية والوفاق الوطني وعدم قبولهم بدور يتناسب مع حجمهم وينسجم مع مسار التداول السلمي للسلطة الذي ارسته المبادرة الخليجية عبر انتخاب الرئيس هادي قبل ثلاث سنوات ونيّف. ومع ان التحالف العربي أعلن الانتقال الى مرحلة جديدة هدفها استئناف العملية السياسية، الا انه شدد على شرط استمرار منع المتمردين الموالين لطهران من التحرك عسكرياً واستغلال وقف الغارات لتعزيز وضعهم الميداني. وشهدت الساعات التي تلت الاعلان محاولات «حوثية» من هذا النوع، رد عليها التحالف باستئناف محدود للغارات، ما يعني ان الإصبع سيظل على الزناد الى حين التأكد فعلياً من عودة المسار السياسي وممثلي الشرعية السياسية المعترف بها دولياً، وانسحاب «الحوثيين» من صنعاء والمدن الكبرى وانكفاء مقاتليهم الى معقلهم في الشمال، وإعادة الأسلحة المنهوبة الى الجيش الذي يتولى وحده الأمن، وموافقة قيادتهم على الاكتفاء بدور سياسي في إطار جامع يشمل المكونات كافة. كان الهدف الأساس لمبادرة مجلس التعاون الخليجي الوفاقية في نيسان (أبريل) 2011 وقف الاقتتال الناجم عن رفض علي عبدالله صالح التخلي عن السلطة في مقابل اصرار غالبية اليمنيين على رحيله. ولم يكن وقف الاشتباكات التي أودت بحياة آلاف المدنيين ليتم او يستمر لو ان طرفاً شعر بأنه غُلب على أمره، ولذا تضمنت المبادرة بعض الثغرات الاضطرارية، وبينها منح علي صالح الحصانة من الملاحقة القضائية، الأمر الذي استغله لنسج تعاون عسكري وسياسي مع «الحوثيين» لاطاحة النظام الذي خلفه، ومن ثم عودته ولو في شكل غير مباشرة الى ادارة اليمن. وكان في خلفية هذا التعاون بين الطرفين تلاقي جموح الرئيس السابق مع رغبة ايران في تطويق السعودية وتهديد أمنها، في اطار استراتيجيتها الدؤوبة لاختراق منطقة الخليج والعالم العربي الأوسع، بالوسائل المتاحة كلها.
وقد يكون ترحيب الايرانيين و «الحوثيين» بوقف الغارات، وما ذكر عن قبولهم «المبادرة العمانية» التي لا تختلف بنودها كثيراً عن شروط التحالف، مجرد مناورة تتيح لهم التقاط انفاسهم بعد أكثر من 2400 غارة جوية دمرت معظم عتادهم الثقيل والصاروخي، ودفعت ألوية في الجيش اليمني الى اعلان ولائها للشرعية بعدما كان علي صالح تمكن من تحييدها بالمال واللعب على الولاءات القبلية، ما كشف قوات «الحوثيين» الموزعة في مناطق تفوق قدرتها على السيطرة عليها وحدها.
فـ «الحوثيون» الذين سقطوا في سائر «اختبارات» حسن النية خلال السنوات الاربع الفائتة، بتنكرهم التدريجي للاتفاقات السياسية التي توصل اليها مؤتمر الحوار الوطني اليمني، لم يظهروا بعد ما يوحي بأنهم تعلموا الدرس من محاولتهم الفاشلة للامساك بالبلاد وحدهم بقوة السلاح، وقد يعاودون مغامرتهم بمجرد ان يلمسوا تهاوناً من جانب التحالف او استرخاء من جانب «المقاومة الشعبية». وقد يتبدى خلال الاسابيع المقبلة ان الوضع لا يزال في حاجة الى عمل عسكري، يكون اقوى هذه المرة، وقد يشمل تدخلاً برياً، تطبيقاً لمقولة «آخر الدواء الكي».