المستقبل والحزب وجهان لعمالة واحدة
عبدو شامي
19 نيسان/15
منذ بداية “عاصفة الحزم” بقيادة المملكة العربية السعودية بهدف تأمين “حديقتها الخلفية” عبر تطهير اليمن من قذارة الاحتلال الإيراني المتستّر بالزي الحوثي-اليمني، ولبنان يشهد حملات يومية للهجوم والردود والردود المضادة بين “حزب الإرهاب المنظم” و”تيار المستقبل”، وضعَ فيها الطرفَين كامل طاقاتهما الإعلامية والإنشائية والهجائية بما يضمن إرضاء أولياء أمورهما في الخارج في الدفاع عنهم.
حقًا، إنه لمشهد معيب بحق لبنان كرامةً وسيادة وشعبًا؛ فمن حيث المبدأ، كل من عمل لمصلحة بلد آخر على حساب مصلحة بلده فهو عميل، سواء كان ذلك البلد الذي ارتضى العميل أن يحقَّق له مصالحه على حساب بلده عدوًا أو مسالمًا؛ طبعًا العمالة لعدو إرهابي تكفيري توسعي (إيران ) أخطر من العمالة لباحث بطرق سلميّة عن نفوذ أو هيمنة أو تأثير عبر فريق سياسي داخلي (السعودية)، لكن هذا لا ينفي أن “العمالة” تبقى واحدة من حيث تقديم مصالح الآخرين على مصلحة الوطن لبنان.
لا شك لدينا أن السعودية باتخاذها قرار التدخل العسكري في اليمن أصابت وإن أتى متأخرًا جدًا، ولا ريب كذلك أن السعودية ساعدت لبنان في محطات حرجة كثيرة، هذا يستدعي واجبًا أخلاقيًا بالقول لمن أحسن أحسنت وتقديم الشكر على المعروف، بيد أن كل ما تقدّم مضافًا إليه تطاول وهجوم الحزب الإرهابي الإيراني على السعودية يجب أن لا يجعلنا ندافع عنها بطريقة استزلامية وضيعة ورخيصة؛ نعم، نقول كلمة الحق بفخر وبراحة ضمير ونعلن موقفنا بوضوح، لكن لا نستميت في الدفاع المتكرّر عن المملكة أكثر من دفاعها هي شخصيًا عن نفسها، وذلك كلما سمعنا نباحًا أو نعيقًا أو نهيقًا من هنا أو هناك، حفاظًا على كرامتنا وكرامة بلدنا. اللبنانيون الأحرار لا يُباعون ولا يُشترون، فلا رعاية اتفاق طائف ولا بضعة مليارات دولار ولا حتى سداد الدين العام بكامله (71مليار دولار) يجعلنا أزلامًا ومستزلمين ولا مُبايِعِين لمقدِّم تلك الخدمات ومانح تلك الأموال.
ثم هل السعودية جمعية خيرية تفعله ما تفعله مع لبنان دون مقابل؟ واقع الحال يُظهر أن السعودية تملك في لبنان تيارًا سياسيًا ينفِّذ مصالحها حرفيًا ويتلقى منها الأوامر الاستراتيجية في المحطات المصيرية بما يتناسب مع مصالحها وتصارعها على تقاسم النفوذ مع إيران. وبمراجعة بسيطة لكل القرارات القاتلة والمذِلّة بحق “ثورة الأرز” وتضحيات شهدائها وشعبها على مدى السنوات العشر الأخيرة، نجد أن أوامر الديوان الملكي تقف بالكامل وراء قرارات “الحريري” الانبطاحية والفجائية والمنقلبة على عهودها ومواقفها المشرِّفة بين ليلة وضحاها، بعدما ارتضى أن يكون رجل المملكة في لبنان وراعي مصالحها على حساب الشعار الدعائي “لبنان أولاً”؛ الإطاحة بانتصار2009 الانتخابي، وتشريع سلاح الحزب في البيان الوزاري، والـ س.س، والاعتراف بوجود شهود زور في التحقيق الدولي، والاعتذار من المجرم بشار الأسد والنوم في قصره، وحكومة اليوم وفضائح وزارة داخليتها… كلها نماذج صارخة عن مدى الإذلال الذي سبّبته رعاية “الحريري” للتدخل السعودي في لبنان.
الحملة المستميتة والبشعة والمقززة والمقيتة والتي فاقت المألوف والواجب في دفاع “تيار الحريري” عن المملكة هو إحدى تجليات هذه التبعية البغيضة. وإذا كان من شيء كشفَته الردود والردود المضادة التي أدت الى تسخين المناخ الشعبي العام لدى جمهور الطرفَين (المستقبل والحزب)، فهو دجل حجة “تنفيس الاحتقان” التي اخترعها “الحريري” تحديدًا لتبرير انقلابه على مواقفه السابقة وقبوله بالجلوس الى طاولة حوار مذل مع الحزب الإرهابي، فقد نسَفَت الحملة تلك الحجة من أساسها وأثبت “الحريري” مجدّدًا أنه لا يزال يقدّم مصلحة السعودية على مصلحة لبنان، فعندما تهادن السعودية إيران يأتي الأمر بالجلوس الى طاولة الحزب الإرهابي و”تنفيس الاحتقان”، وعندما تشتبك السعودية مع إيران يصبح الشحن المكثّف مطلوبًا، وهذه المرة تحت تعبير الوفاء للمملكة وتأييد “التضامن العربي”. وعليه، كل ما يأكل به عقولنا ذلك التيار من حجج وتبريرات “خزعبلية” عند كل انقلاب مفاجئ ما هو إلا محض دجل عابر، أما “السعودية أولاً” فهي السبب والحقيقة الدائمة.
بعد ذلك، قد يتساءل القارئ لماذا الانتقاد موجّه لحملة “المستقبل” الاستزلامية في الدفاع عن السعودية دون التطرق الى حملة الحزب الإرهابي المضادة دفاعًا عن إيران و”حوثيِّها”، والجواب هو أن الحزب الإرهابي واضح، يُعلن ويفتخر ويجاهر بأعلى صوته يوميًا بعمالته وطاعته الكاملة للولي الفقيه وتقديمه إياها على مصلحة لبنان، فيما “تيار المستقبل” يُخفي ولاءه التام للسعودية وينفي تبعيّته المطلقة لها ويستغبي عقولنا متستّرًا بشعار “لبنان أولاً” رغم تقديمة البَيعة علنًا في 14/2/2015 أمام وباسم الحاضرين في احتفال “البيال”. فليذهب هذا الى السعودية (وهو هناك) وذاك الى إيران وليتركوا لبنان للبنانيِّين، لا عملاء ولا أزلامًا ولامستزلمين.