مطران بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس الياس عودة في قداس الفصح: أدعو إلى التمرد على الوضع وانتخاب رئيس من دون النظر إلى ما وراء الحدود
الأحد 12 نيسان 2015 /وطنية – احتفل مطران بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس الياس عودة بالهجمة وقداس عيد الفصح في كاتدرائية مار جرجس في وسط بيروت، في حضور النائبين عاطف مجدلاني وروبير فاضل والوزيرين السابقين طارق متري وعصام ابو جمرة وحشد من المؤمنين. بعد الإنجيل، ألقى عودة عظة قال فيها: “المسيح قام من بين الأموات ووطىء الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور. اليوم يوم القيامة يوم الفرح يوم الإنعتاق من الخطيئة يوم الإنتصار على الجحيم. إنه عيد الأعياد وموسم المواسم لأن الرب يسوع إبن الله الإله المتجسد الذي أخلى ذاته آخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس قد قام من بين الأموات مانحا إيانا الحياة والخلاص. قد أعلنا وسنعلن مرارا أن المسيح قام. لكن هل نؤمن فعلا بأن الإله قد تجسد من أجلنا وقد احتمل الآلام والموت من أجل خلاصنا وقد غلب الجحيم وقام من بين الأموات لكي يقيمنا معه ويمنحنا الحياة الأبدية هل نؤمن حقا أن القيامة قد حصلت وأنها أساس إيماننا وأنه إن لم يقم المسيح فإيماننا باطل ( 1كو 15 14)”
أضاف: “في هذه المناسبة المباركة في موسم الفرح هذا ليعد كل منا إلى نفسه وليطرح السؤال عليها وليجب بصدق عن هذا السؤال وإن كان جوابه إيجابيا ليسأل نفسه إن كنت أؤمن حقا بيسوع المسيح ابن الله القائم من بين الأموات هل أنا سالك الطريق التي خطها هل أنا أتصرف بحسب وصاياه هل أنا فعلا لابس المسيح الذي اقتبلته عند المعمودية وهل نوره ينبعث من أقوالي وأفعالي وحياتي ليعرف العالم أنني تلميذه؟ هذا السؤال أطرحه الآن عليكم وعلى جميع الذين يدعون أنهم مسيحيون في هذا البلد لأن وطننا في مأزق ولا ينتشله من هذا المأزق إلا أناس يؤمنون حقا بالله ويتصرفون بحسب مشيئته. يقول بولس الرسول لأهل كولوسي “إطرحوا عنكم… الغضب السخط الخبث التجديف الكلام القبيح من أفواهكم لا تكذبوا بعضكم على بعض… إلبسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات ولطفا وتواضعا ووداعة وطول أناة محتملين بعضكم بعضا ومسامحين بعضكم بعضا… إلبسوا المحبة التي هي رباط الكمال وليملك في قلوبكم سلام الله الذي إليه دعيتم” (كو 3 8-15)”.
وسأل: “هل أبناء هذا البلد والمسيحيون منهم خاصة يتصرفون بتواضع ولطف ومحبة ووداعة وسلام وطول أناة وتعفف وهي كلها من ثمار الروح القدس هل يطرحون عنهم الحقد والغضب والحسد والكذب والمصلحة وكل ما يحول دون لقياهم الآخر هل يفعلون هذا في سبيل وطنهم وفي سبيل أولادهم وأحفادهم الذين سيرثون هذا الوطن؟ نحن بحاجة إلى وعي خطورة الوضع الذي نعيشه وإلى تغليب مصلحة الوطن على كل مصلحة. النيران حولنا مشتعلة والأحرى بنا درء الخطر عن لبناننا باتحادنا ووقوفنا درعا تقي بلدنا من الحريق. والمطلوب منا كمؤمنين وأقصد كل من يؤمن بالله الخالق أن نستلهم إيماننا لنكون مواطنين صالحين في وطن جميل منحنا إياه الخالق وائتمننا عليه. مطلوب منا أن نتصرف فيه لا كمؤمنين بديانات ومذاهب بل كمواطنين يعيشون في دولة مستقلة ذات قوانين تسري على الجميع. أما أدياننا ومذاهبنا فهي الحافز لنا لنكون مواطنين صالحين أوفياء لوطنهم أمناء على أرضه ودستوره مخلصين له ومحبين لشعبه”.
أضاف: “الإيمان الحقيقي لا يمكن أن يكون سببا للشقاق والفراق. والمؤمن الحقيقي لا يمكن أن يعيش في قوقعة طائفية لأن الإيمان الصحيح انفتاح على الآخر (كائنا من كان هذا الآخر) الذي نرى في وجهه وجه الله. نحن نشهد حولنا مجازر باسم الدين وجرائم ضد الإنسانية. حضارات تمحى وشعوب تواجه خطر الإنقراض بسبب التعصب والعنف والإرهاب وإنكار الآخر المختلف. هل تمت هذه الأعمال البربرية إلى الأديان بصلة هل إبادة المعالم التاريخية وأماكن العبادة وثروات التاريخ من الدين هل إنكاركل ما يمت إلى الحضارات بصلة من الإيمان أليس حري بإنسان القرن الحادي والعشرين المحافظة على الإرث الإنساني عوض القضاء على التاريخ والفكر والفن؟ الدين ليس إيديولوجيا سياسية بل إيمان بالله وسلوك بحسب القيم والمبادىء والأخلاق. الدين تسامح وفكر منفتح وقلب محب. ألا نؤمن جميعنا أن لا إكراه في الدين وأن الإنسان خلق حرا وهو مسؤول عن أقواله وأفعاله ومواقفه فإذا كان الله رب السماء والأرض قد خلق الإنسان حرا وترك له حرية الإختيار من أنت أيها الإنسان البائس لتكره أخاك على أمر لا يريده؟”.
وتابع: “إن التطرف والتعصب وإنكار الآخر واستئصاله أفعال تدمر الآخر وتدمر الذات وهي تشوه سمعة الدين. لذلك أتوجه إلى إخوتي ومواطني المسلمين طالبا منهم الوقوف بحزم في وجه حملات التطرف والتكفير والقضاء على الوجه التعددي لهذا المشرق. فإذا انقرض المسيحيون من هذه المنطقة بسبب عمليات اضطهادهم واقتلاعهم تباعا من دول الشرق الأوسط كيف سيكون هذا الشرق بدونهم؟ المسيحية متجذرة في هذه المنطقة ونحن نعيد اليوم لقيامة ربنا يسوع المسيح الذي ولد في بيت لحم وعاش في الناصرة وتجول في أنحاء فلسطين ولبنان معلما الناس شافيا أمراضهم ومقيما موتاهم إلى أن اقتبل الآلام وصلب ومات وقام في اليوم الثالث على ما جاء في النبوءات. فهل شرق لا تعددية فيه ولا تسامح ولا تفاعل بين الأديان والحضارات قابل للحياة وهل هو قابل للتفاعل مع أوروبا وغيرها من القارات وعلى التقدم والتطور إن لم يكن قادرا على التفاعل فيما بين أبنائه؟”.
وقال: “حسن جدا أن يؤمن الإنسان بالله لكن من الضروري أن نتمسك بحرية الدين والمعتقد وأن نحترم حرية الآخر ونصونها وأن لا نجعل الدين مطية للمصالح السياسية والإنتماءات الضيقة. جميعنا مخلوقون على صورة الله ومثاله وهو يشرق شمسه على الجميع الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين (متى 5 45) وقد افتدى الجميع بدمه الثمين. هنا أقول لإخوتي المسيحيين في هذه المنطقة لا تدعوا الصعوبات مهما كبرت والصراعات السياسية والطائفية والنزاعات على السلطة تحبطكم وتدفعكم إلى الهجرة ولا تستعطوا تأشيرة على جواز سفركم تقتلعكم من أوطانكم ومن أرضكم التي سقيتموها عرقا ودما منذ أقدم العصور. أنتم متجذرون في هذه الأرض أرض آبائكم وأجدادكم وأرض أولادكم وأحفادكم. لا تتركوها وإن قست الظروف. آمنوا أن إلهنا قد غلب الموت ونحن به مدعوون إلى النصر وإلى الحياة الحقيقية “لأن كل من ولد من الله يغلب العالم” (1 يو 5 4). ونحن نؤكد لكم أنكم في قلوبنا وفي فكرنا وأننا نرفع الدعاء المستمر إلى الرب الإله كي يحفظكم بنعمته ويبعد عنكم كل شر ورجز وخطر وشدة ويخرجكم من هذه المحنة سالمين”.
أضاف: “ما ينطبق على المنطقة كلها ينطبق على لبنان الذي بات أبناؤه يفتقدون العيش الهانىء في ظل دولة موحدة قوية عادلة وقوانين تسري على الجميع وذلك بسبب تطرف البعض وتعنت البعض الآخر أو حقدهم أو ارتباطاتهم أو تقديم مصالحهم أو التشبث بمكتسباتهم واللائحة تطول. وكلنا نعرف أن ما وصلنا إليه سببه عدم انتخاب رئيس للجمهورية يضبط الأمور ويسهر على تطبيق الدستور وحماية الوطن. لذا أتوجه إلى أحبائنا النواب ممثلي الشعب وأخاطب ضمائرهم مذكرا إياهم أن التاريخ لا يرحم وأن عليهم واجبا مقدسا أن ينتخبوا رئيسا في أسرع وقت ليتسلم زمام الأمور. هل انتخاب رئيس أمر عصي إلى هذا الحد إحدى وعشرون جلسة وما يقارب السنة ولم يتمكن ممثلو الشعب من انتخاب رئيس والشعب الذي انتدبهم يصرخ ويتألم والبلد ينهار شيئا فشيئا. ألم يعد في لبنان شخصيات قادرة على تولي المسؤولية وتحظى بالأصوات اللازمة لانتخابها لا تدعوا شهوة السلطة تفقدكم الوطن. الوطن أغلى من المناصب ومن المكاسب ومن الأنا المدمرة. الوطن أغلى من الطموحات والشهوات والمطامع والمنافع والإرتهان إلى كل شيء ما عدا الوطن”.
وسأل: “هل بتنا نعيش على ذكريات وطن وطن رجالات الأمس الكبار الذين إلى علمهم وثقافتهم كانوا ذوي أخلاق رفيعة وأيد نظيفة لم يورثوا إبنا أو قريبا ولم يستغلوا السلطة لمصلحة أو لجني ثروة ولم يخلصوا إلا للبنان وشعبه وجيشه. هل انقرض هذا النوع من الرجال لا أعتقد. لذا وفي يوم القيامة المبارك أدعو الجميع إلى التمرد على هذا الوضع ورفضه. أدعو إلى التمرد على الإقطاع السياسي والمالي والفكري وعلى سوس الفساد وبلادة العقول وجهل النفوس. أدعو إلى العودة إلى الضمير والقيام بالواجب لتخطي الإنحطاط السياسي والفحش الأخلاقي والتراجع الإقتصادي والتراخي الإجتماعي. نحن بحاجة إلى ثورة بيضاء تقضي على الإهمال والإرتجال وانعدام التخطيط وعدم احترام المهل الدستورية والإستحقاقات الوطنية. أدعو إلى صرخة للعلم في وجه الجهل والإيمان في وجه التطرف والإلغاء صرخة للحق في وجه الباطل للنور في وجه الظلمة للصدق في وجه الدجل صرخة للديمقراطية في وجه الفوضى صرخة للأخلاق والضمير تدين كل الأعمال اللاأخلاقية بحق البشر والطبيعة والبيئة والتاريخ. تذكروا سؤال الرب لقايين “أين هابيل أخوك” (تك 4 9). الرب لن يسألنا يوم الدينونة عن أنفسنا بل عما فعلنا لإخوتنا وعما فعلنا بما أعطانا الله من نعم. من طمر وزنته سوف يعاقب ومن ثمرها سيكافأ أضعافا”.
وتابع: “لبنان عطية ثمينة من الله وواجب كل واحد منا أن يحافظ عليه بقدر ما أعطاه الله من طاقة. وأولى المسؤوليات وهذه تقع على النواب كما ينص دستورنا هي انتخاب رئيس للجمهورية فلا تتقاعسوا ولا تتعللوا بعلل الخطايا ولا تنظروا إلى ما وراء الحدود. ألستم أهلا للمسؤولية واتخاذ القرار أحبسوا أنفسكم في مجلس النواب ولا تخرجوا إلا والمهمة قد أنجزت. إفتدوا الوطن وكونوا على قدر المسؤولية وعلى قدر آمال من انتخبكم لا من تطمحون إلى رضاهم. هنا لا بد لي من التعبير عن أسفي وحزني حين أسمع بعض من يدعون أنهم لبنانيون يدافعون عن رئيس هذه الدولة أو تلك وعن مصالح هذه الدولة أو تلك ويفاخرون بذلك ويتشاتمون على شاشات التلفزيون مع من لا يوافقهم الرأي. أين وطنهم في كل هذا الصراخ والسباب الذي نشهده. ألا يخجل الإنسان الذي يدافع عن بلد ليس بلده وجيش ليس جيشه وعلم ليس علمه ومن لا يحترم وطنه ورئيسه وجيشه هل هو قادر حقا على احترام الغير بصدق؟”
وختم: “صلاتنا في يوم القيامة أن يلهم ربنا القائم من بين الأموات أبناء هذا البلد مسؤولين ومواطنين كي يتكاتفوا ويتحابوا ويعملوا بصدق وإخلاص من أجل النهوض بلبنان. نسأله أن يحمي جيشنا وقوانا الأمنية ويشدد عزائم المستضعفين ويبلسم قلوب المحزونين ويعيد جميع المهجرين إلى ديارهم وجميع المخطوفين إلى ذويهم سالمين. كما نسأله أن يعيد إلينا أخوينا المطرانين بولس ويوحنا وأن يبسط سلامه في منطقتنا وفي العالم وينشر نور قيامته في قلوب البشر أجمعين”.