التفرس العربي» و«عاصفة الحزم» عبدالله بن بجاد العتيبي/الشرق الأوسط/12 نيسان/15
أصابت عاصفة الحزم المشروع الإيراني التوسعي في مقتل، وسببت اضطرابًا كبيرًا للعمائم التي تخوض معارك السياسة باستخدام سلاح الطائفية، وهو ما أجبر قياداتها على الانتظار والتروي عن اتخاذ مواقف واضحة وصريحة، حتى خرج الخميس الماضي كبيرهم المرشد الأعلى علي خامنئي محذرًا ومتهجمًا والرئيس حسن روحاني طالبًا من السعودية إيقاف عملية الحزم.
بعد صمت دام أكثر من أسبوعين تحدث خامنئي وقال: «هذه جريمة وإبادة جماعية يمكن أن تنظرها المحاكم الدولية.. الرياض لن تخرج منتصرة في عدوانها»، وكأن مجازر الميليشيات التابعة له لمئات الآلاف في العراق وسوريا ولبنان واليمن ليست جرائم كبرى تحاصر نظامه، وأضاف: «إن ما تفعله السعودية في اليمن يشبه ما كان يفعله النظام الصهيوني في غزة» وواصل منددًا «بقتل الأطفال، وتدمير المنازل والبنى التحتية والثروة اليمنية».
هذا تمامًا هو حديث الذئب في إهاب الحمل، وهو المسؤول عن مجازر وإبادات جماعية داخل شعبه وفي الدول العربية الأخرى، ذلك أن الصراع بين إيران وبين السعودية والتحالف العربي الذي يقود معركة عاصفة الحزم في اليمن لم تبدأ بهذه المعركة، بل هي حربٌ مستمرةٌ منذ عقودٍ، وذلك منذ قررت عمائم الثورة الإسلامية في إيران استهداف السعودية ودول الخليج والدول العربية تحت شعار «تصدير الثورة» والفارق بين مرشد الثورة الأول الخميني ومرشدها الثاني خامنئي هي أن الأول دخل حربًا صريحةً مع العراق، بينما اختار الثاني التغلغل داخل البلدان العربية بإنشاء أو دعم جماعات وميليشيات مسلحة إرهابية تخدم المصالح العليا لإيران، وكان الثاني أكثر مكرًا من سابقه، ويبدو أنه يخشى العودة للمربع الأول.
تحدث المرشد باستغراب عن موقف السعودية وقرارها خوض الحرب حين وصلت لعمقها الاستراتيجي في اليمن، وهو اعترف برزانة ملوك السعودية ورصانتهم على مدى عقود ثلاثة ونصف من عمر ثورته الطائفية وسياساته الباحثة عن النفوذ وفرض السيطرة، ولكنه لم يعلم أن للصبر حدودًا، وأن غضبة الحليم تزلزل العروش، وأن الشباب الذين تسنموا مواقع قيادية في السعودية وعلى رأسهم محمد بن نايف وزير الداخلية ومحمد بن سلمان وزير الدفاع، يعملون بجهد لا يعرف الكلل وجد لا يعرف الملل، ويخططون للتنمية الداخلية والصراعات الخارجية بحنكةٍ عاليةٍ ومهارةٍ متطورةٍ وتخطيطٍ متكاملٍ، هم قادرون على أن يوقفوا مشاريعه التخريبية في الدول العربية.
اثنان خانتهم خبرتهم مع السعودية، خامنئي وعلي عبد الله صالح، فكلاهما ظنا أن السعودية لن تخوض حربًا في اليمن، وأن قرار الحرب صعبٌ عليها، ومن خانته خبرته لن تنفعه شعاراته، وهذا صحيح من جهة أن السعودية لا تريد الحروب ولا ترغب فيها، ولكنها وكما قال سعود الفيصل: «إذا دقت طبولها فنحن لها» وهكذا كان، وبقي على الأعداء أن يحسبوا خسائرهم وينادوا ميليشياتهم وينفخوا الروح في خطابٍ طائفي دموي سيحرقهم قبل غيرهم إن استمروا في استخدامه كسلاحٍ سياسي وعسكريٍ، ويحركوا الدمى الخاضعة لهم من المتفرسين العرب.
للتفرس معنيان: واحدٌ قديمٌ في اللغة العربية ينطبق أكثر ما ينطبق على قادة العرب وكبيرهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وهو بمعنى الفراسة، أي قراءة الأحداث قبل وقوعها وتبين الرأي الصائب فيها والرؤية الثاقبة لها، والثاني، وهو المقصود في هذا السياق هو «التفرّس» بمعنى الالتحاق بالفرس ممن لم يكن منهم، وهو مثل «تعرّب» أي التحق بالأعراب وهو ليس منهم، وتدخل تحت هذا النوع المعيب والشائن من التفرس في العالم العربي دولٌ وتياراتٌ، وجماعاتٌ وأفراد، وشيعٌ وأحزاب.
الدولة الأبرز التي تفرّس رئيسها هي سوريا حين اختار بشار الأسد أن يصبح ألعوبةً بيد طهران، وأما التيارات فبعض القوميين العرب والناصريين مثل محمد حسنين هيكل وبعض مثقفي سوريا ولبنان والعراق فقد اختاروا التفرّس والانحياز للمشروع الفارسي الإيراني ضد الدول العربية، وقد شرقوا بقيادة السعودية ودول الخليج ومصر والأردن للعالم العربي والدفاع عن دوله وشعوبه، وأما الجماعات التي اختارت التفرّس عبر بوابة الإسلام السياسي وثورة الخميني وخدمته من لحظته الأولى وحتى اليوم فتقف على رأسها جماعة الإخوان المسلمين عامةً والجماعة الأم بمصر تحديدًا.
ولولا خشية التكرار لتمّ ذكر العلاقة بين جماعة الإخوان وجماعة الخميني بالتفاصيل، وقد سبق بسطها، وكثير من دعم أتباع الجماعة المعلن لعاصفة الحزم في مواجهة إيران ومشروعها الأصولي الطائفي وخصوصا من إخوان الخليج هو دعمٌ مشروطٌ، إما بالتحالف مع بعض الدول الإقليمية التي تحمل مشروعًا أصوليًا لا يختلف عن المشروع الإيراني إلا بخطاب تبرير بسط النفوذ على العالم العربي وما التدخل في ليبيا إلا مثالٌ عليه، وإما بالتخلي عن الدولة المصرية والشعب المصري والرئيس المصري المنتخب عبد الفتاح السيسي، وإما ثالثةٌ أنكى وهي تبني الخطاب الطائفي جملةً وتفصيلاً وإلغاء السياسة، وهو العكس تماماً لكل الخطاب الرسمي السعودي وخطاب التحالف في عاصفة الحزم.
في كل تاريخهم وبكل تياراتهم ورموزهم ظلّ «المتفرسون العرب» من قوميين وإسلامويين ويسار أمناء في محضهم الولاء الكامل لإيران ومشروعها التوسعي في المنطقة على حساب الدول العربية، ولكلٍ خطابه وتبريره، وهم لا يؤمنون بالدولة الوطنية الحديثة ولا بمشروعها، ولا يؤمنون بالأوطان ولا بالوطنية بل يرفضونها ويرفضون ترسيخ قيمها ودعم قيادتها السياسية وحماية استقرارها ومصالحها.
معيبٌ كل من يصدّق دعاية إيران باهتمامها بالقضية الفلسطينية وهي لم تتبنها من الأصل إلا لأن الخميني أراد تدويل صراعه مع الشاه، وهو ما ذكره رفسنجاني في كتابه «حياتي» ولم تتغير سياستها بعد الوصول للسلطة واستمرت في استغلال فلسطين لبسط نفوذها وتفريق الصف العربي إنْ عبر حزب الله في لبنان وإنْ عبر شق الصف الفلسطيني عن طريق حماس في غزة، ومعيبٌ أكثر أن يتناسى «المتفرسون العرب» دور السعودية ودول الخليج والدول العربية الذي لم يتخل يومًا عن دعم فلسطين منذ 1948 وإلى اليوم.
أخيرًا، فالحروب شأنها جللٌ وآثارها طويلة الأمد، والسعودية ودول الخليج وغالب الدول العربية والإسلامية التي تشكل التحالف لإنقاذ اليمن والدعم الدولي الذي يحظى به التحالف يؤكد أن عاصفة الحزم هي معركةٌ عادلةٌ ومستحقةٌ ومشروعةٌ، والنجاح الباهر في التمهيد للمعركة وإدارتها والعناية بكل تفاصيلها يؤكد أنها ستنتصر في كل السيناريوهات المطروحة لها.