مهى عون/أحداث اليمن حولت الملف النووي إلى لزوم ما لا يلزم

275

أحداث اليمن حولت الملف النووي إلى لزوم ما لا يلزم
مهى عون/السياسة/09 نيسان/15

بعد أن كان مؤتمر لوزان متعثراً وشبه فاشل, دُبر انتصار وفاقي في ربع الساعة الأخير, حيث تبين أن الجميع كان في حاجة لإعلان خبر كهذا لموجبات ستراتيجية, ليست لها علاقة مباشرة بقضية الملف النووي, بقدر ما كان لها علاقة بالمستجدات غير المتوقعة في اليمن, فحسابات الحقل لم تأت على حساب البيدر في اليمن, فأصبح إعلان مستشار الرئيس روحاني علي يونسي بخصوص احتلال “الإمبراطورية” الفارسية أربع دول عربية, في مهب الريح, بسبب هبوب رياح عاتية, صارمة وغير منتظرة سماها العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز بـ”عاصفة الحزم”. فالإمبراطورية الفارسية التي لم تثر أي استهجان, أو استنكار من قبل الولايات المتحدة, ولا من مجموعة دول 5+1, حين أعلنها يونسي بكل فجاجة, باتت تبدو وكأنها في مهب الريح مع تفاقم الأوضاع في اليمن على حساب الحوثيين ومن يدعمهم من القوات المسلحة التابعة للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح, خصوصاً أن المخاوف لدى طهران والولايات المتحدة, ربما تنامت من احتمال تحول الأوضاع في اليمن, إلى ما يشبه بقعة الزيت, التي قد تطاول ساحات كانت إيران اطمأنت إلى الهيمنة على قرارها. فبعد عامين من جهود ديبلوماسية سرية, أعقبها تعزيز تدريجي للتواصل, و8 أيام متواصلة من المحادثات التي كانت ستفضي إلى نمطية التمييع والتأجيل المعتمدة بالتوافق والتضامن, بين طهران والدول الغربية المعنية بهذا الملف, ظهر على الساحة شبه اتفاق سمي “الإطار”, بهدف خلط الأوراق وحمل قوى التحالف العربية بقيادة المملكة العربية السعودية, على تخفيف شدة وعزم هجومها الصاعق على المتمردين على الشرعية في اليمن.

والجدير بالذكر أيضاً, ما رشح عن مؤتمر شرم الشيخ وتبين من خلاله, أن العرب باتوا متحررين من كابوس النووي الإيراني, بدليل عزمهم على القيام بمقاومة هذا المد, عبر إنشاء قوات عسكرية مشتركة للوقوف في وجه هذا “البعبع” النووي, وهي نمطية كانت تستعمل سابقاً, لردعهم عن التصدي له في اليمن والبلدان المهيمنة عليها طهران كافة.

وفيما لا يزال من المبكر تحديد ما إذا كان الوفاق سوف يصمد حتى الجولة التالية والأخيرة من المفاوضات, إلا أنه بات واضحاً لواشنطن عدم جدواه وفعاليته أمام الخطوة الجريئة والتاريخية التي اتخذها العرب والمسلمون في قرار الالتحام لمواجهة المد الإمبراطوري الإيراني, وهو ما حدا بالرئيس الأميركي إلى إعلان دعمه الدول الخليجية والعربية بالسلاح والعتاد الضروري للذود عن سلامة هذه الدول واستقلالها. وكأنه أدرك فجأة فداحة غلطة تساهله وتماديه في “التطنيش” عن مواقف طهران وطموحاتها التوسعية.

وبالعودة إلى مشهدية ما حصل في لوزان… في الحقيقة رأينا كيف هرول الجميع, من وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف, إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما, ثم الرئيس الإيراني حسن روحاني, للإجماع على الإشادة بهذا الإنجاز التاريخي, وهو أمر جاء مثيراً للاستغراب, خصوصاً أن نقاط الخلاف التي عطلت الاتفاق في الأيام السابقة ما زالت عالقة وغير محلولة, خلال عملية التفاوض التي دامت طويلاً وامتدت أسابيع عدة, فرفعت أميركا بالسرعة القصوى العقوبات, وكأن حصول هذا النوع من الاتفاق الصوري, جاء فجأة ليس لطمأنة طهران فقط, ولكن للحفاظ على ما تبقى من ستراتيجية للولايات المتحدة الشرق أوسطية القائمة على تدجين العالم السني, عن طريق خلق أوهام “بعبع”, وهي إن سقطت اليوم مرحلياً في شكل فقدان الملف النووي هيبته السابقة, إلا أنه لا بد من استكمال هذا المخطط عبر “بعبع” “داعش” والحوثيين وسواهم… وحتى تؤدي هذه التنظيمات الإرهابية الدور ذاته الذي اداه تنظيم القاعدة وفروعه خلال العقد الماضي.

فهل بدأت هيمنة إيران على مشارف التقلص, بدءاًً باليمن وربما امتداداً إلى حدود الإمبراطورية الإيرانية المعلنة منذ أسابيع؟

وإذا كان من المبكر تأكيد أو نفي هذا الاحتمال, يبقى الأمر الأكيد الذي يمكن استخلاصه من أحداث اليمن اليوم, هو أن اليمن, تحول مقبرة للمشروع التفتيتي الشرق أوسطي, وفي الوقت ذاته بداية سقوط وهم القنبلة النووية الإيرانية, خصوصاً أنه صدر على لسان أحد المسؤولين السعوديين في الآونة الأخيرة كلام, حول احتمال قرار المملكة إنشاء مفاعلات نووية لأغراض “سلمية” أيضاً, أسوة بما كانت تدعيه إيران.

لقد قلبت أحداث اليمن كل المعادلات, وخلط المشهد اليمني كل الموازين والتوقعات, كما نسف كل الستراتيجيات السابقة. كان العرب قبل اليمن وقبل هبوب عاصفة الحزم محبطين ومنقسمين, حيال ما حمله “الربيع العربي” من اهتزازات وتجارب محبِطة, كشفت عن عمق أزمة العقل العربي, وعن عجز الشعوب عن التخلص من تداعيات سقوط الديكتاتوريات القائمة في ظل تنامي تيارات الإرهاب كـ”داعش” وسواها, خصوصاً أن النهوض بعد سقوط الديكتاتوريات بات وكأنه مستحيل ومتعذر في ظل التقاتل الداخلي, وربما إلى حدود الإحباط واليأس. ولكن بعكس كل التوقعات, جاءت عاصفة الحزم لتنشر تباشير الأمل والرجاء في النفوس ولتنسف ما قد أصابها من تراخ وإحباط.