دولاب إيران إلى أين؟ الـيـاس الزغـبـي/لبنان الآن/04 نيسان/15
لا يختلف عاقلان على طبيعة المرحلة التي تعقب الحدثَيْن المتزامنَيْن: “عاصفة الحزم” في اليمن و”الاتفاق- الإطار” في لوزان، إلاّ ثالث غير عاقل، “ممانع” في طهران ومهجوس بالحلم الإمبراطوري، غرّر بالعشرات للنزول إلى الشارع والتهليل المسرحي لـ”الانتصار النووي”، ربّما “الإلهي”، الجديد.
مما لا شكّ فيه هو رضوخ إيران، بعد تمنّع وممانعة لسنوات، لإرادة المجتمع الدولي في وضع ملفّها النووي تحت مراقبة شديدة تمنعها من إنتاج قنبلة نوويّة. الباقي تفاصيل، بما فيها تدرّج رفع العقوبات وفقاً لتقارير هيئة الطاقة الدوليّة. لكنّ الأهمَ يكمن في تطوّرين مرتقبين: مدى تأثير دخول إيران المجتمع الدولي على طبيعة نظامها المقفل، وإعادة رسم خريطة نفوذها في المنطقة العربيّة.
بحسب العلوم السياسيّة بفرعيها الاجتماعي والنفسي، سيدخل النظام الإيراني، ولو ببطء، في الرمال الدوليّة المتحرّكة، وسيفرض المجتمع الإيراني المكبوت إيقاعه في الانفتاح على أنماط الغرب في العيش والحكم والديمقراطيّة. وفي المجتمع الإيراني توق قوي للتحرّر والدخول في العصر، خارج عقدة التفوّق والتزمّت المذهبي. في هذا المنحى، تذهب إيران إلى الغرب ولا يأتي هو إليها. يعود إليها بقيمه وعاداته وأنماطه. ولا يستطيع نظام الآيات والملالي الاستمرار في رفع الأسوار أمام التغيير الاجتماعي والسياسي. ويمكن التكهّن إذذاك بالتأثير الحتمي على مفاصل النظام وأواليّات عمله.
أمّا التطوّر الأبرز والأسرع، فسيكون في ضبط مَجَسّاتها أو أذرعها التي تمدّدت في العالم العربي، تمهيداً لإعادة حجم انفلاشها إلى الحدّ الأدنى المقبول. وقد استبقت هذه العمليّة إعلان لوزان، وتتزامن معه الآن، وستواكبه في الأشهر الثلاثة الآتية حتّى آخر حزيران المضروب كموعد للاتفاق النووي النهائي. وستخضع إيران خلال هذه الفترة لاختبار شديد في التزامها المعايير التي نصّ عليها الاتفاق.
فخلافاً للمعادلة السابقة التي روّجتها إيران: التنازل في النووي مقابل توسيع نفوذها على حساب العرب من الخليج إلى البحر الأحمر فالأبيض، بدأنا نعاين معادلة جديدة هي التنازل في المجالين. وقد بدأ تنفيذ هذه المعادلة على الأرض.
وتتّسع رقعة التراجع الإيراني إلى غير اتجاه وجغرافيا. ليس فقط في اليمن بدأ حصر النفوذ عبر “عاصفة الحزم”، بل هناك مؤشّرات واقعيّة في أماكن أُخرى من العالم العربي، يمكن إيجازها بثلاثة:
– في سوريّا، دليلان: إنتكاسات نوعيّة للنظام وداعمته إيران في الجنوب والشمال من حدود الأردن وبصرى الشام إلى إدلب، وبداية تفكّك “حلف الممانعة” عبر تصريح معبّر لبشّار الأسد إلى “سي.بي.اس” يهمّش فيه دور “حزب الله” في تثبيت نظامه. وليس خافياً أنّ الأسد بدأ يستشعر علائم المرض الإيراني ويبحث عن ملاذ آخر، سواء في مغازلة واشنطن أو تحريك رسائل من تحت الطاولة إلى مرجعيّات عربيّة وأوروبيّة.
– في العراق، إقرار ولو خجول، بفشل خطّة سليماني والاعتراف بفضل الطيران الأميركي لحسم معركة تكريت. وقد تعزّز الاتجاه العروبي لدى الشيعة العراقيّين على مستوى المرجعيّات الروحيّة والقيادات السياسيّة، بمن فيهم رئيس الحكومة حيدر العبادي. ويتّجه دور ميليشيا “الحشد الشعبي” التي أنشأتها إيران إلى الضمور. وآخر مؤشّر إصدار أمر من العبادي للجيش بوقف النهب المليشيوي لتكريت.
– في لبنان أخيراً، بدا هجوم حسن نصرالله على العرب والسعوديّة والرئيس تمام سلام عاصفة في فنجان، ولم يجد خطابه المتوتّر سنداً كافياً، لا في لبنان، ولا حتّى من إيران نفسها. وقد سارع إلى محاولة احتواء أضراره، سواء بوضع الرئيس نبيه برّي في واجهة الترطيب وإنقاذ الحوار مع “المستقبل”، أو في هرولته لإرسال وفد إلى وزير الدفاع وقائد الجيش بعد طول جفاء. وقد أدّى انكفاؤه إلى إرباك حليفه ميشال عون الذي فتّش عن وسيلة للملمة كلامه السلبي ضدّ التدخّل السعودي في اليمن. بالطبع، هذا لا يعني أنّ إيران ستسلّم أوراقها بسهولة في اليمن والعراق وسوريّا، ولا يعني أنّها ستسمح غداً لـ”حزب الله” بالإفراج عن الرئاسة اللبنانيّة وتسهيل انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة.
ولكنّ الدولاب يدور، ومسلسل التراجعات بدأ. ولا أحد يستطيع منذ هذه اللحظة تحديد الرقم الأوّل الذي سيتوقّف عنده دولاب إيران. قد تكون المحطّة قصر بعبدا. لِمَ لا؟