ابرهيم عاكوم/كازينو لبنان ولبنان الكازينو

1951

كازينو لبنان ولبنان الكازينو
ابرهيم عاكوم/النهار/1 نيسان 2015

هنيئا للبنانيين جميعا بانتهاء ازمة بعض عمال كازينو لبنان. تنفسنا الصعداء لدى التوصل الى حل لأزمة المصروفين من الكازينو، لأن استمرار الازمة يشكل خطرا على الامن القومي، وقد يتفاقم الى نشوب حرب اقليمية، ومن يعلم ربما حرب عالمية ثالثة! كيف لا وبعض هؤلاء المصروفين من الكازينو أقرباء لمسؤولين سياسيين في البلد، ومن غير المعقول المس بهم، فهم من صنف الملائكة وليسوا مواطنين عاديين يخضعون للقانون كسواهم من البشر. ولهذه الاسباب كيف لنا ان نعترض على منح بعضهم تعويضات تصل الى 250 الف دولار، بالرغم من انهم لم يداوموا يوما واحدا في عملهم، وبالرغم من ان بعضهم غير مقيم حتى في لبنان، كما ذكرت بعض التقارير. لا بأس في اعطائهم هذه الاموال الطائلة من جيوب اللبنانيين، فهذه المبالغ لا يعتد بها اذا كانت الثمن لارضاء بعض السياسيين او التيارات السياسية، والذين لا نريد ان نزعج خاطرهم أبدا لئلا ينعكس هذا على الأداء الرائع الذي يقومون به لخدمة المواطن اللبناني. فهم من يوفرون لنا الامن الغذائي والصحي والنمو الاقتصادي والاستقرار المالي والسياسي وفرص العمل ويجب ان لا نشغلهم بأمور مثل وظائف أقاربهم ومحازبيهم.

وفي موضوع كازينو لبنان قيل إن البعض تحرك حرصاً على منع الوقوع في أي شغور في بعض المواقع والوظائف الحساسة والاساسية في الكازينو. معاذ الله أن يكون هناك شغور في مراكز حساسة في الكازينو، لما لذلك من انعكاسات سلبية على الاقتصاد الوطني والمالية العامة والمستوى المعيشي للمواطنين. طبعا الشغور في المواقع الحساسة في الدولة مثل رئاسة الجمهورية مسألة فرعية ولا تستحق تحرك القوى السياسية بهذه القوة والاهتمام لمنع الفراغ في سدة الرئاسة!

في كازينو لبنان البعض يقبض رواتب عالية من دون القيام بأي عمل ولا يداوم حتى، وبالتالي لا يستحقون رواتبهم، وهو ما يذكرنا بقول دولة رئيس مجلس النواب نبيه بري أن النواب لا يستحقون رواتبهم. حتما لا يقتصر هذا الامر على النواب الذين لا يقومون بأبسط واجباتهم، بل هناك موظفون كثر في الادارة العامة لا يستحقون رواتبهم. اكثر من ذلك، تشير التقارير الى أن لبنان المتخم بالادارة والمؤسسات العامة والمجالس المستقلة التي تستنزف عشرات الملايين من الدولارات من خزينة الدولة وتدفع فيها أجور ونفقات متنوعة، وهي مؤسسات غير منتجة ومفعلة، في حين بلغ الدين العام نحو 67 مليار دولار، مما يجعل لبنان من اكثر الدول مديونية في العالم، إذ بلغ الدين العم نحو 135 في المئة من اجمالي الناتج المحلي. ناهيك بإهدار ما يفوق ملياري دولار سنويا على شركة كهرباء لبنان، في حين انه يفترض ان تساهم الشركة بزيادة ايرادات الدولة بدلا من ان تشكل عبئا على الخزينة ويساوي ما تحصله من الدولة تقريبا نصف عجز الموازنة البالغ نحو 4 مليارات دولار.

في كازينو لبنان هناك مقامرة ومغامرة ومراهنات، وكذلك الحال في لبنان الذي تحول ما يشبه الكازينو. فهناك المقامرون بمصير البلد، وهناك المراهنون على تطورات ودول خارجية، وهناك المغامرون في قضايا لا تخدم لبنان واللبنانيين، وهناك ايضا من يديرون اللعبة في لبنان الكازينو، كما هي الحال في كازينو لبنان. وهناك وجه شبه آخر. فبالرغم من ان بعض المقامرين والمراهنين من هنا ومن هناك يربح على المدى القصير بعض الالعاب، إلا أن الكل يخسر في النهاية على المدى الطويل لمصلحة من يدير اللعبة، وهو ويا للأسف ليس اللبنانيين في لبنان الكازينو. والخسارة في اللعبة الكبرى قد تكون الوطن!

ألسنا نقامر في لبنان الكازينو بصحة وحياة اللبنانيين يوميا من خلال عدم ضمان سلامة الغذاء والدواء والماء وحتى الهواء؟ لم يعد يقتصر على السياسة والادارة العامة، بل شمل كل نواحي حياة اللبنانيين كما كشفت حملة وزير الصحة، وكذلك ما وصفه وزير المال بأنه تسميم بطيء للبنانيين جراء ضبط مواد صناعية تحتوي على اشعاعات خطرة.

ألسنا نغامر باقتصاد لبنان حين لا نلتزم تطيبق المعايير الدولية في مجال الشحن الجوي، الامر الذي حدا شركة الطيران البريطانية وقف عمليات الشحن من لبنان انسجاما مع قرار الاتحاد الاوروبي تصنيف لبنان بدرجة المخاطر المرتفعة في مجال الشحن الجوي؟ ألسنا نغامر باقتصاد لبنان حين نغض الطرف عن الفساد الذي يكلف الخزينة عشرات المليارات من الدولارات سنويا، ونمعن بضرب الموسم السياحي في كل صيف، حتى انخفضت نسبة النمو الاقتصادي من نحو 8 في المئة الى نحو 1 في المئة؟

ألسنا نراهن على مصير لبنان بربطه بكل القضايا الاقليمية والدولية، وعندما نرهن اجراء انتخابات رئاسة الجمهورية وانتخابات المجلس التشريعي بتطورات اقليمية او دولية، سواء كانت هذه التطورات تتعلق بابرام الاتفاق النووي مع ايران او انفراج العلاقات بين السعودية وايران؟

في كازينو لبنان أناس يقبضون ولا يعملون وفي لبنان الكازينو أناس يقبضون ويعملون، ولكن على المقامرة والمراهنة والمغامرة بالوطن لمصالح حزبية ومذهبية وشخصية ضيقة.

**المستشار الخاص لرئيس جامعة رفيق الحريري