هل يأتي دور الميليشيات بعد ضرب الإرهاب لتقوم الدولة وينتصر الاعتدال على التطرف؟ اميل خوري/النهار/31 آذار 2015
لفت أوساطاً سياسية وشعبية تأكيد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق بعد لقاءاته مسؤولين أميركيين في واشنطن أهمية قيام تحالف عربي لمواجهة “داعش” وحركات التطرف، مشدداً على أن “محاربة التطرف تكون بتقوية الدولة ودعم أجهزتها الأمنية، وليس بتشكيل ميليشيات”، واعتبر انه “لا يجوز أن تكون إيران هي من تحارب “داعش” لأن هذا يشكل وصفة أكيدة لفتنة وحتى لحرب سنية – شيعية قد تمتد سنوات”. فهل كان هذا الكلام موضوع بحث ومناقشة مع المسؤولين الأميركيين توصلاً الى تغليب قوى الاعتدال على قوى التطرف ومنع تشكيل ميليشيات أو مجموعات مسلحة بتمويل خارجي بحيث تصبح دولة داخل الدولة إن لم تصبح هي الدولة، ما يجعل محاربة هذه الميليشيات والمجموعات المسلحة أمراً ضرورياً مثل محاربة “الداعشيين” على اختلاف تنظيماتهم وارتباطاتهم الخارجية، كي تقوم الدولة القوية وجيشها القوي؟ لقد بات واضحاً أن ما من دولة استطاعت أن تكن قوية مع وجود مجموعات مسلحة خارجها تأتمر بأمر من يمولها ويسلحها، وتستطيع تقويض أسس هذه الدولة ساعة تشاء بدليل أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان عندما تحولوا تنظيمات مسلحة والمخيمات ثكناً ومعسكرات، أخذت سلطة الدولة اللبنانية تتآكل الى حد جعل رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات يعلن بالفم الملآن: “أنا حكمت بيروت”… ولم ينفع حتى “اتفاق القاهرة”، وقد اعتبره بعض معارضيه “اتفاق اذعان”، في ضبط سلاح التنظيمات واحترام السلطة اللبنانية وسيادتها على أراضيها، فكانت “حرب السنتين” التي تحوّلت حرب الآخرين في لبنان ودامت 15 سنة بعدما انقسم اللبنانيون بين مؤيد للتنظيمات الفلسطينية المسلحة بذريعة أن هدفها تحرير الأرض الفلسطينية من الاحتلال الاسرائيلي، ومن يعارضها لأن هذا التحرير يجب ألا ينطلق من لبنان إنما من داخل الأراضي الفلسطينية، وقد انقسمت الحكومة على نفسها عندما طلب منها اتخاذ قرار بإخراج أول دفعة من المسلحين الفلسطينيين عندما دخلت منطقة العرقوب، وأدى هذا الانقسام الى استقالتها. ومن يومها لم يعد في لبنان دولة إنما تحولت الميليشيات فيه الى دويلات تسيطر كل واحدة منها على مناطق تفرض فيها الغرامات والخوّات على الناس، بحيث أن الرئيس الياس سركيس الذي لم يعد في يده حيلة، انصرف للاهتمام بالأوضاع الاقتصادية والمالية، ونجح في الحفاظ على الليرة اللبنانية أمام تقلبات سعر الدولار لأن القرارات السياسية والأمنية لم يكن يستطيع اتخاذها إلا بالعودة الى قادة الميليشيات.
وعندما خضع لبنان للوصاية السورية لم يكن لهذه الوصاية مصلحة في إقامة الدولة القوية فيه لئلا تصبح قادرة على أن تحكم نفسها بنفسها فتستغني عنها، لذلك لم تنفذ تنفيذاً كاملاً كل بنود اتفاق الطائف ولا سيما ما ينص على حل كل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم اسلحتها للدولة، إنما اكتفت بتنفيذ ذلك جزئياً وانتقائياً. ولذا لم تقم الدولة القوية في لبنان حتى الآن ولا أمكن حتى العبور اليها لأن السلاح خارجها في يد “حزب الله” وفي أيدي تنظيمات فلسطينية داخل المخيمات وخارجها حال دون ذلك، والسلطة فيه، كما اللبنانيون، انقسمت حول بقاء هذا السلاح، ما جعله أقوى من سلاح الدولة، ولا قدرة لها على اتخاذ قرار من دون العودة الى حملة السلاح وإلا بقي حبراً على ورق. فلا يمكن إذا قيام حكم قوي في أي دولة ما لم ينزع كل سلاح خارجها وتسد مصادر تمويله لئلا يرتد هذا السلاح الى الداخل ليسيطر على الحكم أو يتحكم به، وهو ما حصل ويحصل في لبنان وفي غير لبنان مع حملة السلاح، وفي فلسطين المحتلة بين التنظيمات التي تتحارب أو تحارب السلطة الفلسطينية فتجعلها ضعيفة مع مفاوضاتها مع إسرائيل. وها أن سلاح الميليشيات والمجموعات المسلحة في العراق يتقدم الجيش في محاربة “داعش”، وكذلك الأمر في سوريا وليبيا والآن في اليمن، ما يثير حساسيات سياسية ومذهبية.
ولولا وعي اللبنانيين الذين ذاقوا الأمرّين من حروب الميليشيات لكانوا عادوا إليها ولم يكتفوا بالسماع بها. وقد التقت المظلة الدولية مع هذا الشعور لدى اللبنانيين فتعزز استمرار الأمن والاستقرار فيه، وإلا لكانت الفتنة اشتعلت فيه من زمان لولا هذه المظلة التي لم تؤثر فيها مئات التفجيرات التي كانت أشد هولاً من “بوسطة عين الرمانة” التي كانت كافية لإشعال الحرب في لبنان. فهل يمكن القول إن التحالف الدولي بقيادة أميركا والتحالف العربي بقيادة السعودية سيتوليان ضرب الارهابيين وضرب الميليشيات أيضاً توصلاً الى إقامة الدولة القوية القادرة على حفظ الأمن والاستقرار وبسط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها، وتغليب قوى الاعتدال على قوى التطرف، وأنه من دون ذلك لا أمن ولا أمان ولا استقرار في أي منطقة عندما سمح لكل طائفة أو عشيرة بالتسلح فتشتعل الفتنة التي تنهي وجود الدولة؟