إيران بلا تقيّة.. راجِعوا حوادث آذار2015 عبدو شامي
27/3/2015
“راجع حوادث آذار2015″؛ عبارة معدودة الكلمات بيد أن عِظَم ما حَوَته من معاني ودلالات جعلها جديرة من الآن فصاعدًا أن تجتاح كتب التاريخ ومراجع العلوم السياسية فضلاً عن هوامش الدراسات وأسطر المقالات. فقد نسف آذار بحوادثه الدسمة فنّ القراءة بين السطور فضيَّق هامش التحليل وأنهى عهد التقيّة جاعلاً ما بين السطورِ السطورَ نفسَها. وهذه بعض النماذج الآذارية في التدليل على ما تقدّم.
أولاً- في الدعم الأميركي والعالمي لبشار الأسد وسعيهم لعدم سقوط نظامه: أثبت آذار2015 صحة هذا التحليل بتصاريح لا تحتمل أي لبس أو تأوييل؛ ففي 14/3/2015 أعلن “جون برينان” مدير وكالة الاستخبارات الأميركية (CIA): “لا أحد منا، لا روسيا ولا الولايات المتحدة ولا التحالف (ضد داعش) ولا دول المنطقة، يريد انهيار الحكومة والمؤسسات السياسية في دمشق، لأن من شأن ذلك أن يخلي الساحات للجماعات الاسلامية المتطرفة، وآخر ما نريد أن نفعله هو السماح لهم بالزحف الى دمشق”. رسالة الـCIAالمطمئِنة لعميلها “بشار الأسد” بأن معقله دمشق يحظى بحماية عالمية تابعها وزير الخارجية الأميركي “جون كيري” الذي تخلى عن موقف بلاده الدعائي من أن الأسد فقد شرعيته وأن لا مكان له في مستقبل سوريا، فصرّح في الذكرى الرابعة لانطلاق الثورة السورية 15/3/2015: “يجب علينا أن نتفاوض في نهاية المطاف مع الأسد”، مما يعني بقاءه في السلطة.
ثانيًا- في الحلف الأميركي-الإيراني وتلزيم المنطقة لإيران: فيما “كيري” ونظيره الإيراني “ظريف” يجتمعان في سويسرا، كان الرئيس اليمني في1/3/2015 يعلن صنعاء “عاصمة محتلة من الحوثيين” وسط صمت أميركي مدوٍ استدعى تدخلاً عسكريًا خليجيًا-مصريًا في26/3 انقاذًا لأمنهم القومي. الشيخ “مهدي طائب” رئيس “مقر عمّار” الاستراتيجي للحروب الناعمة والذي يعتبر بمثابة غرفة تخطيط للحرس الثوري جزم في 3/3 أن “سوريا هي المحافظة الـ35 لإيران”، مفاخرًا بأنه “لولا دعم إيران لما حصلت الانتصارات في العراق وسوريا واليمن”. أما قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني الذي يُفترض دعائيًا أنه على لائحة التنظيمات الإرهابية، فكان يدير شخصيًا بغطاء جوّي أميركي معارك الـCIAعلى مختلف الجبهات في سوريا والعراق وتحديدًا تكريت التي أعلن رئيس هيئة الأركان الأميركية “مارتن ديمبسي” من بغداد في9/3 “دعم بلاده عملية تحريرها” معتبرًا في11/3: “إن نشاطات الإيرانيين ودعمهم لقوى الأمن العراقية أمر إيجابي بالمعنى العسكري ضد داعش”.
ثالثًا- في الحلف الصهيو-فارسي وتبادل الخدمات: قدّم آذار2015 نموذجًا باهرًا لهذا الحلف فقد توّج “نتياهو” في1/3 حملته الانتخابية بخطاب أمام الكونغرس الأميركي عُدَّ أضخم حملة دعائية لإيران، فحذّر من اتفاق نووي معها وتخوّف من سيطرتها على أربع عواصم عربية، كما استعان بحزبها في لبنان زاعمًا أن “نصرالله” يطارد اليهود في العالم. نجحت الفزّاعة الإيرانية في تخويف الإسرائيليين ففاز اليمين المتشدّد بالانتخابات في 18آذار. وكانت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية استبقت هذا الإنجاز الصهيو-فارسي بتحليل في 5/3/2015، اعتبرت فيه أن “عبارات العداء بين إسرائيل وإيران ما هي إلا محض شعارات”، وأن “إسرائيل نجحت بالتوصل لنوع من الاتفاق مع إيران، والذي عن طريقه استطاع الطرفان خدمة مصالحهما دون الدخول بمواجهة عنيفة. فمن ناحية استطاعت إيران عن الطريق الفزاعة الإسرائيلية بالحفاظ على حكمها، ونجحت إسرائيل بحفظ السيطرة على الأراضي الفلسطينية”.
رابعًا- الانفلاش الإيراني دوافعه طائفية-إلغائية-عنصرية-تكفيرية: هذا ما أكّده شهر آذار2015 فالجانب الطائفي أبرزَته جرائم الحرس الثوري وميليشياته في سوريا والعراق واليمن حيث جرى التنكيل بأهل السنة تحت ستار محاربة داعشخاصة في تكريت، ليتأكّد أن العدو الحقيقي هو السنّة ما جعل “الأزهر” يندِّد في 11/3/2015 بما “ترتكبه هذه الجماعات من جرائم بربرية نكراء على خلفية طائفية”. الجانب الإلغائي تمّ تلزيمه لداعش التي أنتجتها المخابرات السورية-الإيرانية بهدف القضاء على الثورة السورية باحتلالها مناطق الجيش الحر وتصفية قادته ثم وأد ثورة سنّة العراق باستعمالها ذريعة لضربهم… فقد دأبت على محو كل ما وجدته في طريقها من معالم تراثية وحضارية سنيّة ومسيحية في سوريا والعراق، الأمر الذي يحيلنا مباشرة الى الجانب العنصري الذي عبّر عنه “علي يونسي” مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني، معلنًا في 8/3/2015 إن “إيران اليوم أصبحت امبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي”، وذلك في إشارة إلى إعادة الامبراطورية الفارسية الساسانية التي تأسّست عام 559 ق.م واحتلت العراق وجعلت المدائن عاصمة لها.أما الجانب التكفيري فعبّر عنه الشيخ “نعيم قاسم” نائب الأمين العام للحزب الإرهابي في لبنان، معتبرًا في 21/3/2015 إن “إيران هي عنوان الإسلام الأصيل”، هذا تكفير لكل مسلم لا يعتقد بولاية الفقيه فالأصيل يقابله المزيّف والإسلام المزيّف ليس بإسلام.
أدبًا، كي نعزو الفضل لأهله، لم يكن لآذار2015 أن يدخل التاريخ مرجعًا في السياسة والتاريخ لولا آذار2011، شهر اندلاع الثورة السورية التي قلبت الطاولة على الجميع فأسقطت الأقنعة وهدّدت الهلال الصهيو-فارسي وجوديًا فأحرجَته وأخرجَته الى العلن أملاً بصحوة تلجم إيران. اليوم نستطيع التحدّث بكل ثقة عن حلف أميركي-اسرائيلي-إيراني مشترك،دِمبسي في الجو وسليماني على الأرض والعدو هو السنّة المنتفضون لا داعش، ولمَن أراد التوسّع: راجع حوادث آذار2015.