أن يختار وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذكرى الرابعة للثورة السورية للانبطاح أمام النظام السوري وفتح دعوة التفاوض أمام من سبق ان قارنه قبل عامين بأدولف هتلر وصدام حسين، ففي ذلك هبوط جديد للديبلوماسية الأميركية وهيبة واشنطن الدولية. وأن يتعامل الرئيس السوري بشار الأسد بفوقية مع دعوة كيري، فيما افترقت معه فرنسا وبريطانيا، ففي ذلك احراج واذلال للسياسة الأميركية.
هذه الصورة ليست مفاجئة اذا أخذنا في الاعتبار التخبط الأميركي داخل الادارة وعلى الأرض في الملف السوري. فالأسد الذي دعاه الرئيس باراك أوباما الى التنحي في آب (أغسطس) 2011، بات في موقع أقوى مما كان عليه في السنتين الماضيتين. أما سورية الغارقة في حرب أهلية وتفتت ميليشياوي فلا تعني البيت الأبيض كثيرا. أوباما نفسه قارب الأزمة هناك بحرب الكونغو لجهة البقاء على الحياد وعدم التدخل لأسباب انسانية أو جيو-سياسية، وكان التدخل الوحيد أميركيا ضد الارهاب ولضرب تنظيم “داعش” في استراتيجية تلتزم مبدأ “العراق أولا” والارجح اخيرا. أما “حرب الاستنزاف” في سورية بين المعارضة والنظام فستدور في نظر الأميركيين الى حين بلوغ نقطة الارهاق والتفاوض على حل.
دعوة كيري الاسد الى التفاوض لا تحمل بعدا استراتيجيا أو أفق حل للأزمة في سورية، لانه ليس هناك استراتيجية أميركية وليس هناك أفق قريب للحل في نظر المسؤولين الأميركيين. كيري نفسه يبدل في الموقف والكلام بحسب العاصمة التي يتحدث منها. ففي الرياض، يدعو الى ضغوط عسكرية على النظام السوري، وبعد لقاء نظيره الروسي سيرغي لافروف يبادر الى تأييد جهود موسكو، أما في واشنطن فيتراوح موقفه بين توعد الأسد أو “هتلر” كما وصفه في 2013 بالمحاسبة، أو الترحيب بتخليه عن الترسانة الكيماوية. مواقف كيري في سورية هي نتاج الساعة والمنبر الخطابي، ويغيب فيها التنسيق مع البيت الأبيض وأيضا مع مكاتب الخارجية المنهمكة اليوم في توضيح كلامه وتأكيد أنه ليس هناك تغيير في الموقف من الأسد.
ليست المرة الأولى التي تتزحلق فيها ديبلوماسية جون كيري. فمن غزة الى القاهرة الى جنيف، أحرج الاسرائيليون والمصريون والايرانيون الوزير الأميركي. في اسرائيل، تنصتت الحكومة على هاتفه الصيف الفائت، فيما رفضت مصر مبادرته بالتنسيق مع تركيا وقطر حول غزة، وأبقته بعيدا حتى التسوية النهائية. أما مع ايران، فوعوده باتفاق اطار تهاوت الخريف الفائت، وأطلقت تسريبات داخل واشنطن عن امكان اقالته بعد تنحي وزير الدفاع تشاك هاغل.
سياسة كيري وتركته الخارجية معلقة اليوم بالمفاوضات الايرانية التي يقودها في مدينة لوزان السويسرية مع نظيره جواد ظريف وفرص الاتفاق – الاطار بدل التمديد الأسبوع المقبل. النجاح فيها لن يعني استرداد الهيبة الأميركية اقليميا أو حتى داخل الكونغرس، بل سيعطي كيري انجازا يتيما في أربع سنوات في الخارجية، حرمته منه دمشق، وأذلته اسرائيل وقوض جهوده البيت الأبيض.