يوم أقر مجلس النواب التمديد لنفسه، تمخض الضجيج المعترض عليه عن حفنة من الشباب، رفعت صوتها، ولافتاتها،، احتجاجاً على “تطويع” الدستور. كان المشهد مؤلماً، كمقياس للدفاع عن الديموقراطية المنحورة، بصرف النظر عن موجبات التمديد. لكنه لم يكن كذلك فقط. كان العدد مؤشراً مؤلماً لقنوط اللبنانيين مما يسمى “الديموقراطية اللبنانية”، وإذلالها بفائض القوة وبالأنا المريضة، عند بعض الطبقة السياسية، ممن احترف اهانة ذكاء اللبنانيين مرتين: مرة باستغباء الشعب، ومرة “باستذكاء” أنفسهم.
فمن السذاجة، وربما أبعد، أن يتحول انتخاب رئيس الجمهورية من رقي في الديموقراطية الى لعبة تحد في ساحة الضيعة، يدعو فيها “قبضاي” مزعوم، الى ان تُخلى الساحة له ولخصمه، على طريقة رأس برأس، بما يؤشر لتخلف في فهم الديموقراطية، كالامتناع عن توفير النصاب لجلسات انتخاب رئيس للجمهورية، وفي تحميل سمير جعجع المسؤولية، لأنه ترشح!!.(يرى ابرهيم كنعان أن التمديد ضد الديموقراطية، لكنه لم يعرف بسلاح حزب الله وقتاله في سوريا وإمرة طهران عليه).
هو 7 أيار بصيغة عونية. بلا سلاح، ولا قمصان سود. تكفي أفكار سود، من نوع “المسيحي القوي”، و”الانتخاب بالاقتراع الشعبي المباشر” و”تفسير المناصفة”، وإزاحة كل الموارنة، من منافسته على درب بعبدا، باستثناء جعجع الذي لم ينفع معه كل “الفقه العوني” في القانون الدستوري، ليتنحى. هي أفكار براقة، تخلب الاهتمام، لكنها كما الألماس المقلد، فارغة، وبلا سياق: فمن وما يحدد الرئيس القوي؟ وإذا كان مجلس النواب الممددة ولايته غير دستوري عند أهل “التغيير والإصلاح”، فكيف يمكن الاحتكام إليه للفوز بالرئاسة؟
وهل يمكن الانقلاب من انتخاب للرئيس برلمانيا إلى انتخاب شعبي في ظل أزمة الشغور الرئاسي وتشكيك في شرعية نيابية؟ في موازاة الأفكار العونية، تسير “وقائع” “حزب الله”: جعل سلاحه في الداخل مسلّمة عامة، فلا يناقش أحد في وطأته على الحياة الوطنية، وجعل تدخله في الحرب السورية حقا له خارج المساءلة العامة، فهو “ليس في حاجة إلى تعاطف” في ما يقرر، كما قال في ذكرى عاشوراء هذا العام، كذلك جعل من “سلب” الدولة قرار السلم والحرب “مسلّمة” يفاخر بها، بحجة مقاومة ما قد يأتي من اعتداء اسرائيلي في يوم ما، وكأن ليس في هذه الدولة من يتصدى لهذه المهمة، حتى لو حمل أسلحة بـ4 مليارات دولار، وإجماعاً لبنانياً. وفوق كل ذلك، إن أوامر المرشد في طهران ليست موضع نقاش، لا بالمنطق، ولا بالقانون أو الدستور. ما يعيشه اللبنانيون، اليوم، ولا يرونه، هو النتائج المبتغاة من المؤتمر التأسيسي بعينه، ومن دون أن ينعقد. وكل ذلك تحت ضباب الأزمة المعيشية المتمادية، وتحت دخان تضخيم حدث من هنا، ومخاوف من هناك.